الرئيسية أخبار القضاء قراءة في مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية

قراءة في مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية

d409d6 badb4487cb784b45b53200a12b0fb392 mv2.webp
كتبه كتب في 18 يناير، 2022 - 5:31 مساءً


لا تحملوا النصوص القانونية أكثر مما تتحمل ولا تطنبوا في الألفاظ والمعاني،فتفتحوا الباب للتأويل والمساءلة.
وأنا أتصفح مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية المنشور بتاريخ 7 يناير 2022، استحضرت فصول الدستور التي تنص على تفعيل الديمقراطية التشاركية وإحداث هيئات للتشاور قصد إشراك الجميع في إعداد المشاريع والقرارات والسياسات العمومية وتقديم ملتمسات في مجال التشريع. فكان لابد من أن أبدي رأيي في هذه المسودة من باب غيرة الوطنية وإسهام المواطنة.
أول ما أثار انتباهي في هذه المسودة هو غياب المعاني والمفاهيم الحقيقية للغة العربية، ففي المادة الأولى التي جاء فيها : تسهر المحاكم على حسن تصريف العدالة بما يضمن تحقيق شروط المحاكمة العادلة واحترام حقوق الدفاع في جميع مراحل التقاضي. نجد عبارة تصريف العدالة، فالتصريف في اللغة هو التحويل والترويج واشتقاق الصيغ، وتصريف الأعمال ـ مادمنا هنا أمام العمل بالمحاكم ـ هو نقيض ممارسة الصلاحيات الأصلية، فنقول حكومة أو لجنة تصريف الأعمال، وهي غالبا حكومة مؤقتة تعين لتدبير مرحلة انتقالية أو استثنائية، صلاحياتها محدودة ، وكأننا هنا أمام محاكم تدبر فترة معينة في انتظار مجيء محاكم ذات صلاحيات عامة دائمة ورسمية، ثم نجد عبارة تصريف العدالة، والعدالة مفهوم محسوس غير ملموس، فكيف يمكن تصريف شيء غير مادي وغير ملموس، والعدالة تعني الإنصاف والمساواة وإعطاء كل واحد ماله وأخذ ما عليه، أما في باب التقاضي، فهي تعني عدم الانحياز لجهة دون الأخرى، أو تغليب كفة على أخرى، وفي واقع الحال كيف يمكن أن نطالب كل مكونات أسرة العدالة بتصريف هذه العدالة، مادام موقع كل فرد في هذه الأسرة يختلف عن موقع الآخر ويتغير بتغير وظيفته، كما أن القضاة مثلا هم مطالبون بتطبيق القانون، والذي يناشد الجميع من خلال تطبيقه تحقيق العدالة، وذلك لما يحكمهم من قواعد آمرة، ومنها لا يحكم القاضي بأكثر مما طلب منه، ولا يلزم بمطالبة الأطراف بتصحيح المسطرة أمام محكمة النقض، ولا يحكم بعلمه الخاص. فمقترح المادة الأولى حسب رأيي المتواضع هو : تسهر المحاكم على ممارسة صلاحياتها بما يضمن تحقيق شروط المحاكمة العادلة واحترام حقوق الدفاع طبقا للقانون.
أما المادة الثانية من المسودة فنصت على ما يلي: يمارس القضاة مهامهم باستقلال وتجرد ونزاهة واستقامة، في إطار السهر على ضمان مساواة الجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين بما فيهم السلطات العمومية، أمام القضاء، وعلى حماية حقوقهم وأمنهم القضائي. قد نفهم عبارة الاستقلال والتجرد في ممارسة المهام، أما النزاهة فهي تحصيل حاصل، مطالب بها كل من أوكلت إليه مسؤولية معينة، وقد عاقب المشرع في القانون الجنائي العام والقوانين الجنائية الخاصة عن الرشوة والغدر والتبديد والتبذير وغيرها من الأفعال التي يمكن أن يرتكبها الموظف بالمفهوم العام. ولماذا لا نجد عبارة النزاهة في باقي القوانين المنظمة لوظائف أخرى، وكأننا نصم أسرة القضاء بوصم الانحطاط والخساسة، فنحثها بالتالي على النزاهة. أما عبارة الاستقامة فمفهومها يبقى لصيقا بكل ما هو روحي واعتقادي وديني، فالاستقامة في اللغة هي الانتصاب وعدم الإعوجاج، فهل القاضي مثلا مطالب بالمشي مشية العسكري والجلوس في القاعة جلوس التمثال حتى يكون مستقيما، وفي الاصطلاح هي سلوك الصراط المستقيم، فالله سبحانه وتعالى يقول في سورة هود : فاستقم كما أمرت، وهذا أمر شخصي يهم كل فرد في علاقته بخالقه، فهل القاضي مطالب وهو يقوم بمهامه أن يكون مثالا للرجل المتدين العاكف الناسك، وهل يحق لأحد المتقاضين أن يجرح في قاض يقصر في أموره الدينية من صلاة وزكاة وحج ما دام مستطيعا، أو أن يجرح فيه لتأخر هذا القاضي في الزواج، ما قد يجر عليه شبهة الزنى مثلا. لهذا قلت في بداية هذه القراءة، لا يجب أن نحمل النصوص أكثر مما تتحمل، فنعطي الحق في التأويل كل حسب نظرته وهواه ومصلحته. والمقترح هنا هو: يمارس القاضي مهامه باستقلال وتجرد، ويسهر على ضمان مساواة الجميع ـ أشخاصا ذاتيين واعتباريين ـ أمام القضاء، وعلى حماية الحقوق والأمن القضائي.
وقد آثرت إعمال كلمة القاضي عوض القضاة، حتى لا يعتبر القاضي نفسه وهو ينظر في ملفات القضاء الفردي أنه غير معني بهذه المادة، ويعلم كذلك أنه مسؤول مسؤولية شخصية حتى ولو بث بصفة جماعية مع ياقي زملائه، وفتحت عارضتين استوجبتها ضرورة المعنى لشرح كلمة الجميع، ولم أدخل السلطات العمومية، لأن الدستور اعتبر الكل سواسي أمام القضاء، وأحدث قضاء إداريا متخصصا في الدعاوى ضد الدولة، وجعل لها بعض الاستثناءات تخرجها من قاعدة المساواة، كما هو الشأن بالنسبة لقانون المالية السابق الذي منع الحجز على ممتلكات الدولة، فكيف نكلف القاضي بضمان المساواة أمام استثناءات قانونية، ولم أقل حقوقهم وأمنهم، بل قلت الحقوق والأمن وذلك حتى نبقي القاضي في حياده وسهره الدائم على تطبيق القانون، فقد يضمن حقوق أطراف غير متواجدين بالدعوى تطبيقا للقانون، أو حماية لهم بمقتضى نصوص خاصة، كما هو الشأن بالنسبة للقاصر والغائب وإدخال النيابة العامة لأمر يهم الدولة أو المجتمع، فيكون بهذا قد سهر على التطبيق السليم للقانون. أما عن الأمن القضائي وإن كان الدستور قد ألزم القاضي في الفصل 117 بحمايته، فإن هذا الأخير يبقى حلقة ضمن حلقات متعددة معنية بالأمن القضائي، وأولها المشرع الذي هو مسؤول عن الأمن القضائي كذلك باستقرار القوانين وعدم الانسياق في إسهال تشريعي يضرب استقرار المعاملات وبالتالي استقرار الأمن القضائي.
المادة 3: لا يجوز للقاضي الامتناع عن البت في أي قضية عرضت عليه. وأقترح أن يحرر النص على الشكل التالي: لا يجوز للقاضي الامتناع عن البت في أي قضية عرضت عليه في إطار مهامه الرسمية أو التكليفية، ما لم يكن هناك مانع قانوني أو شخصي. فالقاضي قد يتواجد في إطار مهمة خاصة كالإشراف على سير الانتخابات، ولا يحق له البث في القضايا المعروضة عليه آنذاك، ماعدا ما يدخل في اختصاصه في إطار هذه المراقبة أوالإشراف.
المادة 4: يمنع على قضاة الأحكام، تحت طائلة البطلان، أن ينظروا في قضية في أي مرحلة من مراحل التقاضي إذا سبق لهم إبداء الرأي، بأي وسيلة كانت، أو الترافع أو الشهادة في موضوعها، أو شاركوا بأي وجه من الوجوه أو بحكم وظيف أو مهنة ما في إصدار الحكم أو القرار المطعون فيه. يتضح من خلال هذه المادة أنه سيمنع على ممثلي النيابة العامة الذين سبق لهم أن شاركوا في إصدار أحكام بصفتهم هاته، أن ينظروا فيها مستقبلا في مرحلة أخرى بعدما أصبحوا قضاة للأحكام، وهنا سنضرب قاعدة ـ النيابة العامة لا تجرح ـ، وقد يقول قائل أن المادة نصت على قضاة الأحكام، والجواب هنا أن العبرة بقضاة الأحكام أثناء النظر في الدعوى وليس قبل ذلك، كما أن المادة قالت، أو الترافع، فقاضي الحكم لا يترافع، بل يلتزم الحياد إلى حين إبداء رأيه أثناء المداولة، وأن من يترافع فهو ممثل النيابة العامة. كما أن عبارة أو شاركوا بأي وجه من الوجوه، فهي شاملة وتضم كل أوجه مداخلات القضاة بما في ذلك الندوات العلمية ومواقف الجمعيات المهنية، وحوارات القضاة فيما بينهم أو بين زملائهم المحامون، لهذا أقترح الصيغة التالية: يمنع على قضاة الأحكام، تحت طائلة البطلان، أن ينظروا في أي مرحلة من مراحل التقاضي في قضية، إذا سبق لهم إبداء الرأي فيها رسميا أو علنا، أو الشهادة في موضوعها، أو شاركوا في إصدار الحكم أو القرار المطعون فيه.
المادة 6: لا يمكن الحكم على أي طرف في دعوى قبل سماع دفاعه أو استدعائه بصفة قانونية، ما لم ينص القانون على خالف ذلك، أقترح هنا تعريف كلمة دعوى، لأنها أصبحت معلومة وتسبيق الاستدعاء على السماع، لتصبح الصيغة كالتالي: لا يمكن الحكم على أي طرف في الدعوى قبل استدعائه قانونا وسماع دفاعه، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
المادة 8 : يمكن للمحكمة أن تعرض الصلح على الأطراف، أو بناء على طلب أحدهم، ولها في هذه الحالة أن تأمر بحضورهم شخصيا أو من يمثلهم بتوكيل خاص. كما يمكن للمحكمة أن تسند إجراء الصلح إلى دفاع الأطراف، أو المساعدين الاجتماعيين أو الأشخاص الذين تقدر المحكمة أنهم مؤهلون لهذه الغاية. تسجل المحكمة الصلح الذي تم بين الأطراف بمقتضى حكم غير قابل لأي طعن. المقترح هنا هو التالي: يمكن للمحكمة أن تعرض الصلح تلقائيا على الأطراف، أو بناء على طلب أحدهم، وذلك بعد حضورهم شخصيا أو من يمثلهم بتوكيل خاص. كما يمكن للمحكمة أن تسند إجراء الصلح لدفاع الأطراف، أو المساعدين الاجتماعيين أو الأشخاص الذين تقدر المحكمة أنهم مؤهلين لهذه الغاية. تشهد المحكمة على الصلح الذي تم بين الأطراف بمقتضى حكم غير قابل لأي طعن. حذفت كلمة الأمر بالإحضار لما له من مفهوم مخالف للاستدعاء، وغيرت كلمة تسجيل بكلمة إشهاد حتى يكون للمحكمة دور في نجاح الصلح مستقبلا، كما لو كان هناك شرط واقف يتحقق مستقبلا لتمام الصلح، فإشهادها يعطيها الحق في ترتيب الآثار، عوض تسجيل الصلح على حالته، فيستغل أحد الأطراف دهاءه في إضرار الطرف الآخر.
المادة 10: يجب على كل متقاض أن يمارس حقه في التقاضي طبقا لقواعد حسن النية، وبما لا يعرقل حسن سير العدالة. للمحكمة أن تحكم على كل من ثبت للمحكمة أنه يتقاضى بسوء نية، بغرامة لفائدة الخزينة العامة تتراوح ما بين خمسة آلاف (5000 )درهم وعشرة آلاف ) 10000) درهم، وذلك بصرف النظر عن التعويض الذي يمكن أن يطالب به المتضرر. المقترح هنا هو التالي: يجب على كل طرف أن يمارس حقه في التقاضي طبقا لقواعد حسن النية، وبما لا يعرقل حسن سير العدالة. للمحكمة أن تحكم تلقائيا أو بطلب من أحد الأطراف أو النيابة العامة ـ على كل من ثبت لديها أنه يتقاضى بسوء نية ـ بغرامة لفائدة الخزينة العامة تتراوح ما بين خمسة آلاف (5000 )درهم وعشرة آلاف ) 10000) درهم، وذلك بصرف النظر عن التعويض الذي يمكن أن يطالب به المتضرر. أضفت عبارة تلقائيا أو بطلب من أحد الأطراف أو النيابة العامة، لأنه في غالب الأحيان المحكمة لا يمكن لها أن تكلف نفسها، كما أن المحكمة مصدرة الحكم موضوع التقاضي بسوء نية، لا تكون هي المحكمة موضوع المطالبة بإنزال عقوبة التقاضي بسوء نية.
يتبع

عبد العالي المصباحي

مشاركة