الرئيسية أخبار القضاء كلمة السيد وزير العدل بمناسبة الدورة التكوينية المتخصصة حول تعزيز قدرات السادة القضاة في مجال مكافحة جريمة غسل الأموال”

كلمة السيد وزير العدل بمناسبة الدورة التكوينية المتخصصة حول تعزيز قدرات السادة القضاة في مجال مكافحة جريمة غسل الأموال”

IMG 20211129 WA0207.jpg
كتبه كتب في 29 نوفمبر، 2021 - 2:42 مساءً

في كلمة له صباح اليوم 29 نونبر 2021 بمقر رئاسة النيابة العامة بمناسبة الدورة التكوينية المتخصصة حول تعزيز قدرات السادة القضاة في مجال مكافحة جريمة غسل الأموال” أكد السيد الوزير على أهمية الموضوع وطنيا و دوليا خاصة وأن جريمة غسل الأموال تكتسي طبيعة خاصة تتسم بالخطورة والتعقيد تختلف عن باقي الجرائم الأخرى، تحتاج سياسة مكافحتها والوقاية منها نهجا خاصا حيث جاء كلمته كالتالي:

  • حضرات السيدات والسادة الأفاضل.
  • السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
  • السيد رئيس النيابة العامة.
  • السيد والي بنك المغرب.
  • السيد رئيس هيئة المعلومات المالية.
  • السيدة رئيسة مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بالمغرب.
  • السادة القضاة.

الحضور الكريم،

     شرف واعتزاز كبير أن أفتتح معكم هذا اليوم أشغال هذه الدورة التكوينية الخاصة “بتعزيز قدرات السادة القضاة في مجال مكافحة جريمة غسل الأموال” لما يكتسيه هذا الموضوع من أهمية بالغة وطنيا ودوليا، خاصة وأن جريمة غسل الأموال تكتسي طبيعة خاصة تتسم بالخطورة والتعقيد تختلف عن باقي الجرائم الأخرى، تحتاج سياسة مكافحتها والوقاية منها نهجا خاصا تمتزج فيه الأدوات القانونية والأدوات المؤسساتية وتتكامل فيه المقاربات الزجرية مع المقاربات الوقائية، وتتناسق فيه تدابير كافة الجهات المتدخلة (تشريعية، قضائية، أمنية، مالية…).   كما أن مكافحتها تكتسي بعدا استراتيجيا في العلاقات الدولية الثنائية والمتعددة الأطراف، بل أصبحت مثار اهتمام العديد من المنظمات الجهوية والدولية بل وحتى مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة.

    هذه المنظمات الإقليمية والدولية المختصة ما فتئت تؤكد على ضرورة الانخراط التام للسلطات الحكومية وسلطات الإشراف والمراقبة وسلطات إنفاذ القانون في منظومة مكافحة غسل الأموال من أجل تحصين النظام المالي الوطني والدولي من كل أشكال الاستغلال لأغراض غير مشروعة، وضمان نزاهته ومصداقيته ومناعته.

    وتعتبر بلادنا طرفا فاعلا في المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية المختصة، نذكر منها على الخصوص مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي يعتبر المغرب عضوا مؤسسا فيها منذ سنة 2004 والتي تختص في إصدار المعايير الدولية ذات الصلة، ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي ومجموعة “إيغمونت”.

حضرات السيدات والسادة الأفاضل،

    إن المغرب كغيره من الدول يخضع باستمرار للتقييم في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب من طرف الهيئات الدولية المختصة خاصة مجموعة العمل المالي GAFI حيث خضع لجولتين من التقييم المتبادل الأولى سنة 2007 في الوقت الذي لم يكن يتوفر فيه المغرب بعد على قانون لمكافحة غسل الأموال ولم تكن قد أنشئت بعد وحدة معالجة المعلومات المالية، والثانية خلال سنة 2017 والتي امتدت إلى ما يناهز سنة ونصف، وقد أبرزت هذه العملية التقدم الملموس الذي أحرزه المغرب سواء على مستوى الالتزام الفني المتعلق بملاءمة النصوص التشريعية والتنظيمية مع المعايير الدولية، أو على مستوى تعزيز فعالية المنظومة برمتها. كما عكست أيضا الجهود التي تبذلها بلادنا لمكافحة الجرائم المالية بشكل عام وجرائم غسل الأموال وتمويل الارهاب بشكل خاص، سواء على المستوى الوطني أو الدولي.

     ووفقا لما تنص عليه الإجراءات المعتمدة من قبل مجموعة العمل المالي، وفي إطار متابعتها للدول التي تعمل على استكمال ملاءمة منظومتها الوطنية مع المعايير الدولية،  تم وضع المغرب ضمن “اللائحة الرمادية” للبلدان التي تعاني من “أوجه قصور استراتيجية“، لذلك تم اقتراح خطة عمل من طرف فريق مراجعة التعاون الدولي التابع لمجموعة العمل الدولية التي تروم اتخاذ عدد من الإجراءات وفق جدول زمني محدد، لتجاوز بعض أوجه القصور المتبقية في المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتفعيل التوصيات المقترحة من قبل خبراء المجموعة، والتي عبرت بلادنا رسميا عن التزامها السياسي لتنفيذ بنود خطة العمل المذكورة في الآجال المحددة، بتنسيق وتعاون بين جميع مكونات المنظومة الوطنية وفي احترام للإجراءات المعتمدة من قبل مجموعة العمل المالي، خاصة وأن  المغرب سيكون مطالبا بتقديم تقارير دورية لمجموعة العمل المالي لاستعراض التدابير المتخذة في إطار تنفيذ خطة العمل الخاصة به والتي تتضمن:

حضرات السيدات والسادة الأفاضل،

       لقد أصدر المشرع المغربي أول قانون خاص بمكافحة غسل الأموال سنة 2007 بمقتضى القانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال والذي جاء متوافقا نوعا ما مع الاتفاقيات الدولية. لكنه كان محط ملاحظات مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عند تقييم المملكة، حيث خضع لمجموعة من التعديلات سنة 2011 و2013 و2015 بهدف الملاءمة مع توصيات مجموعة العمل المالي ومعالجة بعض أوجه القصور التي كانت لا تزال تتخلل المنظومة. حيث اقتصر تعديل 2011 على توسيع قائمة الجرائم الأصلية لغسل الأموال المدرجة ضمن المادة 2-574 من مجموعة القانون الجنائي لتشمل جل الجرائم الواردة في اتفاقيتي الأمم المتحدة ذات الصلة (فيينا وباليرمو) وكذا قائمة الأشخاص الخاضعين. كما عمل على إعادة صياغة المادتين 2-574 و4-218 من مجموعة القانون الجنائي والمتضمنة لتعريف جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بغرض إضافة عنصر العلم والنية الجرمية.

     أما تعديل 2013 فقد هم ملاءمة تعريف تمويل الإرهاب مع متطلبات اتفاقية الأمم المتحدة لقمع تمويل الإرهاب لسنة 1999. وأيضا توحيد تعريف مصطلح «الممتلكات»، الوارد في كل من مجموعة القانون الجنائي والقانون رقم 05-43 المتعلق بمكافحة غسل الأموال، لما له من أهمية عملية تتجلى عند تطبيق مساطر الحجز والتجميد والمصادرة. والتعديل الأخير كان سنة 2015 حيث اقتصر على توسيع مفهوم الجريمة الإرهابية لتتميم أحكام الفصل 218.1 تفعيلا لقرار مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة رقم 2178، المؤرخ في 24 شتنبر 2014.

   ولقد جاء القانون رقم 12.18 الذي صدر في إطار تقوية المنظومة القانونية الوطنية للتصدي لهذا النوع من الجرائم الخطيرة، ووفاء بالتزامات المغرب الدولية في هذا الشأن من جهة، والرفع من درجات التزام المملكة بتوصيات مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وملاءمة المنظومة الوطنية مع المعايير الدولية المعتمدة في هذا من جهة ثانية.  وقد اتسم هذا القانون بتعديلات مهمة مقارنة بالمراجعات التشريعية السابقة، من حيث حجم وأهمية التعديلات التي جاء بها على المستويين الزجري والوقائي، من قبيل:

    ويأتي هذا القانون في إطار تقوية المنظومة القانونية الوطنية للتصدي لهذا النوع من الجرائم الخطيرة وملاءمتها مع المعايير الدولية المعتمدة في هذا الإطار خاصة من طرف مجموعة العمل المالي (GAFI) تأكيدا للإرادة القوية للمملكة المغربية في الوفاء بالتزاماتها الدولية وتعزيز الجهود التي اتخذتها السلطات المغربية المختصة في هذا الشأن.

حضرات السيدات والسادة الأفاضل،

    كما هو معلوم فإن السياسة الجنائية تتسم بالحركية والتطور كغيرها من السياسات العمومية للدولة، ونظرا لحجم هذه الظاهرة ودرجة توسعها وانتشارها على المستوى الوطني والدولي فإننا نجد أنفسنا جميعا ملزمين ليس فقط بوضع تشريع وطني نموذجي يستجيب للمعايير الدولية والممارسات الجيدة (التجريم والعقاب – تقوية قواعد البحث والتحقيق – تعزيز آليات التعاون الدولي الأمني والقضائي…)، بل أيضا ملزمون بالتطبيق الأمثل لمقتضيات هذا التشريع، ذلك أن خروج بلادنا من المتابعة المعززة يقتضي بالضرورة رفع درجات الفعالية إلى جانب درجات الالتزام الفني. بالإضافة إلى سلك نهج خاص تمتزج فيه الأدوات القانونية والأدوات المؤسساتية وتتكامل فيه المقاربات الزجرية مع المقاربات الوقائية، وتتناسق فيه تدابير كافة الجهات المتدخلة (تشريعية، قضائية، أمنية، مالية…) ولعل موضوع هذه الدورة التكوينية وحجم وتنوع المواضيع والمشاركين فيها يعكس هذا الوعي بضرورة التنسيق والتعاون بين المصالح المعنية بما يضمن انسجام في مكافحة جريمة غسل الأموال.

    أيها السيدات والسادة،

         في الأخير، لا يسعنا إلا التنويه بالمجهودات التي تبدلها السيدات والسادة القضاة في محاربة الجريمة بشتى أشكالها، آملا أن يسهم هذا القانون في صيغته المحينة في تحقيق الأهداف المرجوة منه وأن يساعد القضاة في تقوية وتعزيز قدراتهم في مجال مكافحة جريمة غسل الأموال من خلال التفعيل الأمثل لمقتضياته، وفاءا بالمعايير الدولية المتطلبة في هذا المجال من جهة، ومن جهة ثانية تحصينا للأمن الاجتماعي والاقتصاد الوطني من تداعيات هذه الجريمة.

                           والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.   

مشاركة