بكاء القمر

received 4608314242528421.jpeg
كتبه كتب في 30 أغسطس، 2021 - 9:50 صباحًا


بقلم
هند بومديان

عندما يبكي القمر في عتمة الليل، يعتري الكون شحوبا قاتما ، فتتهالك السحب، ل تولد كل يوم فراشة جديدة في قلبي، أطير معها إلى كل جميل مهما كان قصيرا، و أنا المثقلة بهمك أيتها السنين ، أدنو صاغرة للشمس ، علني أجد ضالة عمري، ف أصب حزني، و حلم السنين في دياجير المدى ، ليقدح ك لجج من اللهب، و انا المصابة بداء الوجع، تنثني كل الغصون في أحاسيس الندى، و بأحضان السكون الذي عكفت عليه الليالي، ليبث أنفاسه الصاخبة كقبضة الرياح، فيخدش وجه دهشتي كلما حدقت في ملامح السماء، فكيف لا نبكي دموعا والظلام السرمدي ساكن ضوء القمر، يمرر أصابعه على شفاه الرياح العاتيات، و على صدر البحر، و بين يديه، لأصلي، و أستعد لأشن بين الأحرف حربا ، و نيرانا لا تراعي كل أشكال الزهر ، ف يغفو القمر بين يدي.
ما عاد لي نبض، و في الوجد جروح، والسكاكين دماء، والعصافير تنوح تحت محراب السماء، ف تتراقص نبضات القلب على لحن واحد ، لحن الضياع، و هذا الجرح المفتوح في القلب، أجهض الزمن أحلامه، و دفنها في كوّة منسية.
أبحث في صدر السماء عن شيء لا ينذر بالفاجعة، و لم أجد قط النجوم.
شاخ وجه القمر الليلة، بعد ان طالته سهام وجعي ، ف أفرغت به أحلامي ومُثلي.
أفرغت به ألمي.
و حزني فوق حدود الحزن.
فهل تراك أيتها الأحزان، تكفين عن مضاجعة أيامي، و أحلامي، و السنين،
يسمع القمر كل ليلة أنين العمر، و هو يصارع وحشة الليل، فيتكوّر في مهده وحيدا.
ترتعد خطوات رهج الزمان، و تهجع باكية بلا انشراح, و ان تركني أرحل فلست أنطوي عن مُثله.
سيعاتبني صمت المساء كل ليلة، ليكتمل البدر، و يرسل الفجر خيوطه لقلب السماء، ف يبكي القمر، و قد تدحرجت من مقلتيه دمعة جائعة، تنهش الوقت دون أن أدري، ف ارتقي الدرج إليه، و أحاول تلوين حزنه، لكن الألوان ما عادت تكفي ملامحه، فأمنت مرتله.
ويستمر ذاك الحزن ،و هل سيستمر بعد الآن، أيتها الخيوط المتسللة خلسة، لأوقظ أجفاني ، في صدى الهزيع الأخير من الليل،
و أبكي لعسف ليل طويل و أسأله :

أتُراني أقوى على الصمود بعدك أكثر .. ؟
و كثيرا ما كنت أسأل نفسي هل يبكي القمر .. ؟
فلا أجد جوابا، لكني الآن بت أعلم
أجل يبكي…
يبكي القمر، في ذاك المكان حين يشتاق لنا، و لا نعود، أو حين يسدل الليـل ستـاره عن عيوب النجوم،
فيحن للنوم على كتف السماء، لتشرق الشمس من عينيه، فعلا بث احتاج لنبض ينطق بكل اللغات، عله يترجم عني غمغمة أحزاني، فيتغير طعم الفرح في ذاكرتي، و تتغير ملامح أحلامي…
عسى القمر يغنى، أو ينادي ينابيع الخلود عندما تداعب خيوط الحلم أهدابنا، حتى و إن صارت الأحزان تشدو لحنها، ليتردد صوت القيود،
ف كيف لا نبصر خيطا في الظلام، و ليله ك إبرة المغزل تبكي، و في بكائها تشتكي منه، و تحدث الفراغ.

لينسل كخيط من لجلجة الصمت،
و بعيدا هناك بين طيات الجفون، و رمش العين، أضمه لأغزل ضياءه مع خيوط الأماني.
و في عيوني، سدول ذاك الليل البهيم، اتركه بعد صوت النحيب، يحمل سري عندما يمحى الأثر،
و بخيوط القمر انتهاء ، حتى و إن بلغت أنا منتهاه ، أرسم للأمل ألف صورة و كتاب، حتى يفقد الفجر جماله، ف افتح نوافذ العمر، لتجرُّ العتمة ذيول خيبتها ببطء، ك العابرة بين مفازات الليل..
آآه يا أنت…
هل مازلت تذكر ..؟
كيف يتهادى لمسامعي صوتك بلحظة ، فتتملكني بقبضتك، و تهمس لي ككل مساء.
ألم تعد تهوى يا قمري مساهرتي، حتى الصباح .. ؟
ثم أحكي ل روحي، كيف يعاتب القمر مدن الشوق، والحنين، ثم يتركها و يرحل، ليظل قلبك رهينا لقصص، و أحلام مجنونة،
حتى و إن مات القمر ف إنه يموت ب شجاعة، يستره ثوب الحياء و لك أيها العمر أن تنحني على ظله المائل..
صاحت الأيام، و نادت أين ذاك الخيط الذي اشتريه ل أخيط أحلاما على مقاسه، فقلت لروحي و هو يرمقني، هاك الحلم الذي شيدته بصدري، سليه من عيني واغزليه، إن بكى القمر، و رحل، فـلملمي عن أرصفتي ركام ما تبعثر مني،
نسيت لوهلة ملامح الأمل، و أنا التي لم أخطء قط عنه، و لا أخطأت أبداً فيه، حتى و إن سقط مني في دهاليز الوقت، ف ألقي عنه الحجاب، حتى لا يلوذ بالفرار ، و صرخات الزمن تخترق الجدار القاسي، للأحلام الثكلى.
فلا تسمع سوى بكاءها بلا مأوى … بلا ابتسامة … بلا أمل تفك ضفائر الفجر، و أحلام الطفولة.
ليبكي القمر ، نعم يبكي… كشهقة الروح في براري الوقت، عندما تموت الحياة، ف ترتق السماء الأمنيات البعيدة.
وتغادر الرحمة قلوب البشر، لربما تنتفض مرايا السماء، تلك المكسوة بثقوب العتمة.
ربما يبتسم لي القمر، و لا يبكى ذاك الصباح، على أرصفة السماء ك شأبيب الرحمة و سحائب الرجاء …

فهل سمعتم يوماً ببكاء القمر،
بالصمتٍ المنفلت ؟!
بلا نهايةٍ … بلا حدود …
كتراتيل الفجر…

مشاركة