الرئيسية آراء وأقلام حين يغرد القلب خارج السراب

حين يغرد القلب خارج السراب

received 4608314242528421.jpeg
كتبه كتب في 22 يونيو، 2021 - 2:54 مساءً


بقلم هند بومديان

  • إلى أين أيتها النفس المتعبة؟
    سرت في زحام الروح أتخبط على غير هدى مع طعم الدهشة الأولى ، و لا أعرف للراحة سبيل ، تتلكأ السنة في مشنقة الفصول لتنبت الزهور في نيسان ، و تهرب من طريق إلى طريق.
    حملت كرامتي ، و مضيت هائمة أنا و روحي ، ألثم ما تبقى من أثار خطى الأحلام على أعتابي ، ف أهرب من جحيم يحرقني ، فيضيع العمر و يحمل باقة من الحزن معه ليجهض الحديث في صدري ، ثم أبحث عن بقعة سلام أضمد فيها جراحي، ربما……
    لم يعد يشبهني ذاك التعب الذي يزهر من حزن الغيم يوما، أوعمرا ، أو حتى لقاءا صباحيا ، ليزرع بذور حلم فوق تراب الأفق، تارة ينبت أقحوانا ، ف أنتظر على مضض ولادة أخرى، كتلك التي س تهطل بقطرات من أنين ، ف أعود لأطرق نوافذ أفكاري الشاردة في ديسمبر ، علني لا أغرق في صخب الحنين ، و حروف الحب ، و رذاذ الشوق ، و نبضات تكلى تجعل الحلم يستيقظ، ليضيء طيف السنى في الأفق.

ربما بيني و بين كل هذا الصهيل مساحة كف ، و صمت ، يربث على روحي ، عساني أجد غريبا يسمعني أو يسكنني ، يفتح لي قلبه فأحدثه عن نفسي ، عن ضغوطاتي ، عن همومي وأحزاني ، عن هزائمي وانكساراتي ، أخطائي ، مخاوفي ، عقدي ، نقاط ضعفي التي تلازم سري ، أشلائي المتناثرة وكل شيء لم أواجه به نفسي ، بحاجة لغريب أبوح له بثقلي ، فيحمله عني ويمضي لا يفشيه لأحد .
أبحر في التيه ، أصافح تارة كؤوس النبيذ الفارغة من أول أمس ، و كومة دحنون ، و أوراق حناء ، تخضب عقد الأيام دون أن نسأل الفراشات أين تـأوي عصافير الرب ؟ كما كانت تفعل ليلة العيد ، و أنا مازلت أمسك قلمي لأتكئ بحروفي على صدرِ الأُمنيات .
يبلل صوتها مآقي الدمع يوما ما ، لأدرك أن الشمس عينها لا تغيب ، و العمر لا يسأل شجرة الزيتون لماذا لا تشيخ ، لترحل من عبير عطره شذرات تسافر مني إلي ، مهما أسود ليلها المعتم ، ليلتف حولي كالغمام ، و يعقد حول الأبواب و الستائر ضياعه يوما ما ، عله يصدق ما قالته العرافة ذات عمر ، ف يصب الملح بوريد العمر ، و يضغط بكل قوته على جرحه النازف ، لكن النوافذ نسيت كيف تتثاءب ، و ضوء القمر عاقر البكاء.
حاولت مرارا الخروج من عقدات النبض ، تتحشرج الأنات بصدري ، لأرصد الضحكات و الدمعات في ديسمبر هذا العام ، و تتحجر الدموع بالمآقي عساها تربت على السكون ، فيوقظها نداء الصوت الفيروزي من لحظات الإغماء ، ل يلف الضجيج رأسي ، و أريه أني لن أتسلق سلم خيباتي ، و لا أنسى ما أتمنى ، و أنا الشريدة على شواطئ العمر ، قسما برب البرق و الرعد، لأخبرن الله كم أحبه ، أكثر مما أحب ذاتي لأنال البرزخين ، دون أن أخبر القمر عنهما.
ف لا يغار الحلم الذي زرعناه معا على حواف الغيم ، و لا تتدلى من أجفان القمر كل مساء نمارق لجين ، و بعض حبات نبض ، و ذاكرة تخزن دفء اللحظات، فتتداخل مشاعري و يحرق بعضي بعضي .
قالت :
متبعة أنا يا زمن ،
وحيدة ، أعاني صقيع الروح وأترنم الضياع ك أغنية حزينة …
قالت :
كثيرا ما يوقظني الفجر و أنا متعبة ، ك ميت يحمله كفن ، وُلد هكذا متعبا و لا يجد للراحة سبيل ، ف أخبر نيسان أنني اشتقت لكل التفاصيل ، و الملامح ، و الشامات ، ف أمضي إلى ما لا يستحق أن أجعله بداية يومي .
كثيرا ما يزهر البنفسج على عتباتي، فتغفو عيني و تنام ، و يلتصق ملامح وجهها على كفي ، فتبلل تربة روحي بصوتها .
فكيف أقنع نفسي بالرحيل، و أفك أزرار الخصام ؟
و أنا التي ترسل ظلالها إلى براح الروح ، قبل أن تخونها شجاعتها و يجتاحها ضعف يشدها إلى الوراء .

  • و من يدري ؟
    لمتاهة الروح رهبة ألفتها ، و كلي فوضى تتبختر أمامي متمردة، ساحرة ، و كل ما يشغلني ، و يغمرني شعوري بجاذبية الأمور ، فلا العمر يرسم فرحا مغادرا ، و لا الصمت يمتطي جسدي الشارد ، و لا القهوة عادت كما كانت ذات مساء ، و صوت صرير الفجر يذبحني من وريد الشوق إلى وريد نهاية العمر ، حاولت مرارا امتشاق الحلم ، و كل الملاحم التي أسردها على ذاكرتي كانت أثقل من القدر ، فأوشكت أن أعلق تعبي على دوح السراب ، عندما يحضر الضباب .
    و أسألني ،
    عن تعاويذ النوم الأخيرة ، و أمضي ، و الفجر ينتظر أن يفل حتى يأخذ دوره كشيء مهم ، أو كروح شريدة .
    و أسألني ،
  • هل مازال في القلب متسع للإنتظار ؟
    ينثرني يقيني على طهر جذوة الندى ألقا ، و الكون ساكن على ناصية الأمل بأسارير الهوى ، كنور مسافر في مسامات القدر ، و الفجر سر، و السر روح متفردة النبض ، تحيك ضفائر الضياع، ليسكن فوح الندى وجدانها ، و يتنفس الفجر من مباهج النور، ليرسم وشاح الحب المنسدل الضياء ، ف تحوم فوق قلاعي أقاويل سرقت شمس الأمل ، و قطعت أوتار التعب ، و لم تدرك من الفجر إلا هجعة النفس ، و خسوف الحب .
    أعاند عبثية الحياة ، و عهد اللقاء ، ف تحوم فوق قلاعي أقاويل ، انتفضت متمردة لترسم تباشير حرف ، و لهفة ، و صوت اشتياق يقصف الجو قصفا في منتصف العمر ، فيبصر أهل الروح جثوم الظلام على أنفاسهم .
    أمضي ، و قد تنفس الفجر، و أضاءت الروح سراجها ، لتخلف نورا قد غاب خلف الأكمة البعيدة للأقدار ، و تسربلت أنفاسه لتزيل غبار البعد ، و تعيد لي نبض الحياة و أمضي ، و للفجر انبعاث ينتشي بغيابي، ف أرى بعينيه الجفاء ، و لفؤاده الخسوف في سمائه ، ف أستشعر معه سريان الروح ، و رعشة الفؤاد ، و أحاديث عابرة قصت على مسامع الصمت حكاية ضائعة ، تنبعث في ذهن العمر تارة ، و تارة أخرى يهتز لها الكيان و كل شيء .
  • ماذا أقول لنيسان ؟
  • و ماذا أفعل أنا ؟
    و اسم الأحلام على شاهد اللحد يذبحني كل يوم …
    سؤال تلعثم بحزني ، وتعثر بدروبي ، و ما أهون الأمل ، و ما أعدى الأيام ، و أنا أسافر بحثا عن موطني ، حاملة على ظهر قلبي حقائب ضياعي ، و اشتياقي لأخبئ داخلها خوفي ، و بعض القصائد .
    تارة ألملم شظايا روحي ، و بقايا حلمي ، لأحلق مع الأنجم ، و تارة أوقد شموع لهفتي ، وأنسج لها قلادة من التعب ، و في سراديب روحي بوح يرفض الإنهيار ، و جل النبضات قد هرمت و لم تعد تدري كيف يغرد القلب خارج السراب ، ليغني للروح ألحانا ، و يمسح برقة وجه الحياة .
مشاركة