الرئيسية آراء وأقلام الدكتور بنحريميدة محمد : نجاح النموذج التنموي الجديد رهين بإصلاح سياسي وثورة في العقليات

الدكتور بنحريميدة محمد : نجاح النموذج التنموي الجديد رهين بإصلاح سياسي وثورة في العقليات

IMG 20210530 WA0088.jpg
كتبه كتب في 30 مايو، 2021 - 9:31 مساءً

متابعة عن موقع تلغراف

في هذا الحوار يرى محمد بنحريميدة، أستاذ التعليم العالي والخبير الاقتصادي، أن مشروع النموذج التنموي الجديد جد محفز ويبعث على التفاؤل، لكنه يفرض الحذر في ما يتعلق بآليات التنزيل، لأنه يجب أن يتم تهييء الأرضية لإنجاح تنزيل التوصيات، مؤكدا أن هذا الأمر يتطلب ثورة حقيقية في العقليات لأننا واعون أن هناك فئة كبيرة ألفت الاصطياد في الماء العكر، وليس من مصلحتها إنجاح مشروع مجتمعي مبني على القيم والعدالة والقطع مع الريع.

في تقديمها للنموذج التنموي الجديد، قالت لجنة بنموسى، إن النموذج التنموي الذي سهرت على إعداد خارطة طريقه تم تصميمه من طرف المغاربة، مع المغاربة، ومن أجل المغاربة، فهو نتاج تفاعل واسع مع عدة شرائح من الساكنة. هل تتفقون مع ذلك؟

لابد أولا من الإشارة إلى أن هذه ليست أول مرة ينخرط فيها المغرب في مشروع من هذا القبيل، فقد كنا دائما نسمع عن المخططات الخماسية والمخططات الاستعجالية والرؤى المستقبلية، لكن المختلف هذه المرة هو أن مشروع النموذج التنموي الجديد يرتكز على ثلاث نقط مهمة، أولها أن المشروع تم التخطيط له تحت وصاية أعلى سلطة في البلاد، وهذا ربح كبير على مستوى المصداقية. ثانيا، المشروع تم تحضيره من طرف نخبة من الكفاءات المنتمية لعدة ميادين وتخصصات. والنقطة الثالثة تتعلق بطريقة الاشتغال على المشروع التي لم تكن في القاعات المكيفة والمكاتب، بل كان هناك نزول للشارع ولقاءات مع فعاليات المجتمع المدني، والتقرير أشار هنا إلى استطلاع رأي أزيد من 9700 شخص، وهذا أمر إيجابي، ونوعا ما يمكن الحديث هنا عن مقاربة تشاركية، رغم أنه لم استشارة الفاعلين الحقيقيين الذين كان المفروض إشراكهم.

مثل من؟

الأساتذة، أو نخبة الأساتذة، المشهود لهم بفكر تنويري، فقد كان بإمكان معدي التقرير أن يجعلوا من فضاء الجامعة مجالا لمناقشة النموذج التنموي الجديد واستقاء آراء الخبرات والكفاءات العاملة فيه. وعلى العموم، يمكن القول إن المشروع عبارة عن رؤية مستقبلية استشرافية  لمغرب الغد في أفق سنة 2035، أي أنه مشروع استراتيجي مجتمعي يمكن اعتباره خارطة طريق لتأسيس معرب الغد مغرب الأمل ومغرب النهضة، والارتقاء الفعلي ببلادنا في سلم الدول الاقتصادية الصاعدة. قد يبدو هذا أن هذا الخطاب فيه نوع من التفاؤل المبالغ فيه، خصوصا بالنظر إلى التجارب السابقة والمشاريع والمخططات السالفة، لكن الأمر يبدو مختلفا شيئا ما اليوم لأن المؤسسة الملكية هي التي تسهر بشكل مباشر على هذا المشروع.

من خلال قراءتكم لتقرير النموذج التنموي، ما هي أهم المرتكزات التي جاء بها؟

هناك العديد من المرتكزات التي جاء بها مشروع النموذج التنموي الجديد، والتي لا تختلف كثيرا عما سبق أن ذهبت إليه تقارير وخطب ملكية سابقة، وعلى رأسها الاهتمام أكثر بالاقتصاد، والرأسمال البشري، والإدماج، والاستدامة، والحكامة، وإصلاح الإدارة ورقمنتها. وكل هذه المرتكزات تهدف بالأساس إلى تكريس خاصية المغرب كنموذج يحتذى به في محيطه الإقليمي والقاري، ومضاعفة الناتج الداخلي الخام الفردي، وإصلاح التعليم، وتحسين وضعية القطاع الصحي، والاهتمام بالتشغيل، وإدماج القطاع غير المهيكل، وزيادة نسبة رضا المغاربة عن خدمات الإدارة العمومية.

لجنة بنموسى قالت إن التقرير لا يشكل حـلا سـحريا للاختلالات التـي تـم الوقـوف عليهـا، ولا تجميعـا لسياسـات قطاعيـة ولا حتــى دليــلا مرجعيــا لبرنامــج حكومــي أو حزبــي، إذن في نظركم ما الهدف منه؟ وهل هو فقط تشخيص للوضعية الحالية؟

بالفعل، التقرير يمكن اعتباره تشخيصا أكثر منه التزاما بتنفيذ إصلاحات النموذج التنموي الجديد. وهنا لابد من الإشارة إلى أن المشروع طموح جدا في فلسفته وفكره، لكن لم يأت بالحلول أو الآليات التي ستمكن فعلا من تحقيق أهدافه، فعندما نتحدث مثلا عن مضاعفة الدخل الفردي في أفق سنة 2035، أين هي الضمانات لتحقيق ذلك. وبالتالي، يمكن القول إن التقرير جاء بأفكار جميلة وأحلام وردية، لكن الإشكال مرتبط بكيفية التنزيل. وبالنسبة إلى شخصيا يظل أول تحد يواجه المشروع الجديد، وهو الذي من شأنه إنجاحه أو إفشاله، هو مدى استطاعتنا نحن في المغرب أن نقوم بثورة على مستوى العقليات السائدة، فهناك فئة عريضة في بلادنا تفضل حاليا أن تبقى الأمور على ما هي عليه.

هل تقصد بهذه الفئة الطبقة الشعبية أم أصحاب القرار؟

على مستوى أصحاب القرار أولا، وحتى على المستوى الشعبي، فبالنسبة للفئة الأولى هناك العديد من المسؤولين الذين يرغبون في استمرار الفوضى حتى يستمروا في الاسترزاق منها. وبالمقابل، هناك العديد من الأشخاص من فئة الشعب الذي يريدون أن تظل الأمور على ماهي عليه حتى يواصلوا قضاء مصالحهم عن طريق الرشوة والفوضى. فنحن لسنا في مجتمع فاضل يسعى فيه الجميع إلى الإصلاح وسيادة القانون، بالتالي، سنجد عدد كبيرا ممن يعارضون أي إصلاح مستقبلي. والحل لإنجاح النموذج التنموي الجديد هو البحث أولا عن حل جذري لإصلاح العقليات والقطع مع الفساد والريع، لأن هذا الأخير هو العائق الأكبر أمام تنزيل أي مشروع إصلاحي جديد. وأنا أومن هنا بأن العامل البشري يمكن أن يكون رافعة للتنمية كما يمكن أن يكون عائقا للتنمية، والسؤال الذي يجب أن نجيب عنه صراحة هنا هو: هل العامل البشري في المغرب رافعة للتنمية أم عائق أمامها؟ فالصور التي نشاهدها اليوم، والأخبار التي تصلنا عما يحدث في مجتمعنا، تثير المخاوف. ومعدلات الجريمة المرتفعة وما حصل في الفنيدق وسبتة مؤخرا نموذج حي لما يمكن أن تذهب إليه الأمور في حالة عدم الاهتمام بالعنصر البشري وإصلاح العقليات. وهنا أقول إن المغرب قام بما يكفي من أجل تلميع صورته على المستوى الخارجي، وجاء الوقت ليلمع صورته في الداخل، من خلال الاهتمام أكثر بتعليم المغاربة وصحتهم وشغلهم وطريقة عيشهم.

وضع التقرير آليتين لتفعيل النموذج التنموي، أولها ميثـاق وطنـي للتنميـة يهـدف إلـى تكريـس التـزام كافـة القـوى الحيـة للبـاد اتجـاه أفـق تنمـوي جديـد ومرجعيـة مشـتركة. وثانيها إحــداث آليــة، تحــت إشــراف الملــك، لتتبــع وتحفيــز الأوراش الاسـتراتيجية وقيـادة التغيير. إلى أي حد ستسمح مثل هذه الآليات الفضفاضة في تحقيق التفعيل المنشود؟

كما قلت سابقا، فإن إعداد مشروع النموذج التنموي تحت إشراف الملك شخصيا هو ضمانة لإنجاح المشروع، فالحكومات والأحزاب فقدت مصداقيتها لدى معظم فئات الشعب، والمؤسسة الوحيدة التي مازالت تحظى بثقة الشعب هي المؤسسة الملكية، وبالتالي، فإشراف الملك على مشروع النموذج التنموي هو الكفيل بإنجاحه. ولكن لابد أن تتم مواكبة ذلك بتعبئة واسعة النطاق داخل المجتمع المغربي من أجل انخراط الجميع والتزام الكل بتنفيذ مضامين الإصلاح. لأن هذا المشروع لا يمكن أن يكون مشروعا نخبويا خاصا بالأحزاب والمؤسسات، بقدر ما يجب أن يكون مشروع الأمة بأكملها. ولتحقيق ذلك، يجب أن يحس المواطن أنه سيستفيد من المشروع الجديد بشكل ملموس، خاصة في التعليم والصحة والتشغيل وغيرها من القطاعات الاجتماعية المرتبطة بالمعيش اليومي للمغاربة.

لكن ألا ترون أن هناك آلية تم إغفال دورها في تفعيل النموذج التنموي الجديد، وهي آلية الرقابة، إذ في غيابها لا يمكن الحديث نهائيا عن نجاح المشروع، ولنا في المشاريع السابقة خير دليل؟

بطبيعة الحال، وهذا يحيلنا على مفهوم دولة الحق والقانون، فإرساء مسلسل دولة الحق والقانون في المغرب لم يكتمل بعد، ولا يمكن الحديث عن اكتماله إلا في ظل وجود قضاء نزيه مائة في المائة، وقانون يطبق على الجميع بدون استثناء. لأنه في ظل قانون صارم وقضاء عادل لا يؤمن بالاستثناءات، سيجد الجميع أنفسهم أمام حتمية الالتزام بالضوابط الجديدة. ونحن لا نقول إن المغرب مازال في سنوات الرصاص، بل على العكس، فبلادنا قطعت أشواطا مهمة في إطار دولة الحق والقانون، ولا ينقصنا حاليا سوى المضي قدما في هذا الطريق، والقطع مع التطبيع مع الفساد.

إطــلاق النمــوذج التنمــوي الجديــد يظــل رهينــا بتوفيــر مــوارد إضافيــة مهمــة. فبالنســبة للإصلاحات المهيكلـة، خصوصـا تلـك المتعلقـة بالرأسـمال البشـري والحمايـة الاجتماعيـة، قال التقرير إن مـن الممكـن تعبئة المـوارد عـن طريـق اللجـوء إلـى سـوق الرسـاميل وتعبئـة الشـركاء والمانحيـن الدوليين. وفيمـا يخـص مشـاريع التنميـة الاقتصادية والبنيـات التحتيـة، قال إنه سـيكون مـن الأجدر تعبئـة مـوارد إضافيـة عـن طريق جـذب المسـتثمرين المحلييـن والأجانب سـواء المؤسسـاتيين أو الخـواص. ما الذي تغير على مستوى بنية التمويل مقارنة مع المشاريع السابقة؟

من خلال ما جاء به التقرير كآلية لتمويل النموذج التنموي الجديد تبدو هذه الخيارات كلاسيكية جدا. وهنا لابد من الإشارة إلى ضرورة الابتعاد عن استباحة بعض خطوط التمويل التي باتت تنهك مالية الدولة، وخاصة الاقتراض من الخارج. فالتفكير يجب أن ينصب على ترشيد النفقات العمومية، وليس البحث فقط عن مصادر التمويل التي يمكن أن تغرق البلاد والعباد في مستويات مديونية قياسية. هذا بالإضافة إلى البحث عن آليات تمويل جديدة، وعلى رأسها الضريبة، ليس من خلال خلق ضرائب جديدة، فالجميع يعلم أن المواطن المغربي منهك من كثرة الضرائب، ولكن على مستوى خلق نوع من العدالة الضريبية، من خلال تفعيل المبدأ الدستوري الذي يفرض أن يؤدي المغاربة جميعا ضرائبهم، ولكن حسب دخلهم. فالتشخيص الحالي للوعاء الضريبي يؤكد غياب عدالة ضريبية في بلادنا، فالأجراء والفئات الهشة يؤدون جزءا مهما من الضرائب، في حين أن شركات كبرى وأثرياء لا يؤدون سوى النزر القليل من هذه الضرائب. وهناك فكرة مهمة أعتقد أن التقرير لم يشر إليها، وهي تتعلق بضرورة وجود إرادة سياسية حقيقة للنظر في إعادة توزيع الثروة في البلاد، لأن من بين أهم الأسباب في المشاكل الاجتماعية في بلادنا هو أن الثروة موزعة بشكل غير عادل على فئات المجتمع، وهذه مسألة غير مقبولة بتاتا. فنسب الجريمة التي قفزت إلى مستويات قياسية ربما من بين أسبابها عدم توزيع الثروة بشكل عادل. ويجب أن نعي اليوم أن بلادنا في حاجة إلى آليات حقيقية لإعادة توزيع الثروة، وذلك مرتبط بالأساس بالإرادة السياسية.

جائحة كورونا، وكذا النموذج التنموي الجديد يطرحان بإلحاح سؤالا مهما عن الدور الجديد للدولة الذي نريده، والذي من المفروض أن يواكب التغيرات الجديدة، هل تعتقدون أن دور الدولة يجب أن ينحصر في دور “الدولة الحارسة”، أم يجب أن يمتد، في ظل ما وضع في جائحة كورونا، إلى أدوار جديدة تضمن للمواطن نوعا من الاستقرار؟

هذا سؤال مهم جدا، فأنا دائما أقول إننا إذا لم نستخلص الدروس من جائحة كورونا فإننا لن ننجح أبدا في مواجهة ما ستأتي به الظروف مستقبلا. وأول درس يمكن استخلاصه من جائحة كورونا هو دور الدولة ، فهذه الأخيرة لعبت دورا مهما في تخفيف العبء عن شرائح واسعة من المجتمع لم تجد ما تسد به رمقها بعدما فقدت مصدر رزقها. وهذا يجعلنا باعتبارنا بلدا في طريق النمو نعيد النظر في الانسياق وراء المد الليبرالي المتوحش المبالغ فيه. فهذا الفكر يمكن أن ينجح في دول كبرى كأمريكا وأوربا وغيرها، ولكن في البلدان النامية يجب أن يبقى حضور الدولة قويا في دعم الاقتصاد والمجتمع ولعب دور الحكم بين مكونات المجتمع. وللإشارة هنا، كان يزعجني سابقا دور الدولة المغربية السلبي، فهناك فئة تغتني وتزداد غنى على حساب فئة أخرى، والدولة تكتفي بلعب دور المتفرج، لدرجة أنني بدأت أومن أن الدولة في المغرب خلقت لنفسها دورا جديدا هو دور “الدولة المتفرجة”. وكخلاصة، الدولة من المفروض عليها الآن أن تلعب دورا جديدا يعيد الثقة إلى المواطن ويخلق نوعا من العدالة بين فئات المجتمع. وعلى العموم، يمكن القول إن مشروع النموذج التنموي الجديد جد محفز ويبعث على التفاؤل، لكن يجب الحذر في ما يتعلق بآليات التنزيل، وهذا هو تخوفي لأنه يجب أن يتم تهييء الأرضية لإنجاح تنزيل التوصيات. وهذا الأمر يتطلب ثورة حقيقية في العقليات لأننا واعون أن هناك فئة كبيرة ألفت الاصطياد في الماء العكر، وليس من مصلحتها إنجاح مشروع مجتمعي مبني على القيم والعدالة والقطع مع الريع. لابد من إصلاح سياسي جذري، وإتاحة فرص أكبر للطاقات الشابة والواعدة، خصوصا من خلال جعل القطاعات الاستراتيجية كالتعليم والصحة والإدارة مستقلة عن الحسابات السياسية. ولابد من القطع، كذلك، بشكل نهائي مع الفساد واقتصاد الريع، وهذا يتطلب استقلالا فعليا في منظومة القضاء، كما لابد من الاستثمار النوعي في العامل البشري، وإعادة النظر في الترسانة القانونية المتعلقة بمحاربة الجريمة، وحل مشكل الشغل والتوزيع العادل للثروة

مشاركة