الرئيسية أحداث المجتمع العثماني يغالط الرأي العام بخصوص المباراة الموحدة

العثماني يغالط الرأي العام بخصوص المباراة الموحدة

thumbs b c fbb0b685c3c42c35b17feab109a3214c.jpg
كتبه كتب في 1 أبريل، 2021 - 4:41 مساءً

بقلم :عبد العالي كويش

تصريحات سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية حول المباراة الموحدة الخاصة بالأشخاص في وضعية إعاقة مليئة دائما بالمفارقات والتناقضات .. ابرزها تأكيده المتواصل بأن المباراة هدفها إنصاف ذوي الإعاقة وتمكينهم من الولوج إلى الوظيفة العمومية. آخر تصريح له في هذه الصدد كان على هامش الإعلان عن نتائج المباراة الموحدة الثالثة لسنة 2021 يقول بالحرف :”هذه المبادرة الحكومية تدخل في إطار الوفاء بالتزامات الحكومة اتجاه فئة الأشخاص الذين يعانون الإعاقة من خلال إتاحة فرص التوظيف لهم وولوجهم أسلاك الوظيفة العمومية بعد اجتيازهم المباراة الموحدة “.
ومعلوم أن المباراة الموحدة للأشخاص في وضعية إعاقة نُظمت لأول مرة في دجنبر 2018 ، سعيا من الحكومة لتهدئة غضب المكفوفين المعطلين الذين دخلوا في صدام مباشر مع وزارة التضامن مطالبين بالتوظيف واقتحموا مقرها مما أدى إلى وفاة أحد مناضليهم . وعلى هذا الأساس فالمباراة أجريت لتوظيف المعاقين العاطلين ومنحهم فرصة العمل .. لكنها فُتحت كذلك للموظفين في وضعية إعاقة الذين نجحوا فيها وفازوا بالكثير من مناصبها .. إذن كيف أتاحت المباراة للموظفين ، حسب تصريح العثماني، فرصة التوظيف وهم موظفون ، وكيف منحتهم فرصة ولوج الوظيفة العمومية وهم ولجوها أصلا ؟!
إن ما حصل من فوز موظفين بمناصب في المباراة الموحدة لا يعدو أن يكون سرقة مكشوفة في واضحة النهار .. وإن عدم إغلاق الباب أمام الموظفين في هذه المباراة يشجع على استفحال الأنانية في هذا المجتمع .. أشخاص موظفون رسميا ولهم رواتب قارة يدخلون المباراة لصعود سلم أعلى في الوظيفة وتحسين مستواهم المعيشي حارمين إخوانهم العاطلين الذين لا يملكون شيئا من فرصة العمل والاستقرار والعيش بكرامة . إن هذه المباراة تجسد بشكل واضح صورة المغرب غير العادل الذي يأكل فيه القوي الضعيف كما يحصل في الغاب .
ليس هذا فقط ، فهناك مفارقات كثيرة في هذه المباراة مثيرة للتعجب . منها أن البحث الوطني الثاني حول الإعاقة سنة 2014 بيّن أن نسبة ذوي التعليم العالي بين المعاقين لا تتجاوز 1.8 % فكيف أصبحنا نشاهد في المباريات الموحدة جموعا غفيرة من المعاقين في مستوى الإجازة والماستر تخالف نتائج الإحصائيات المعلن عنها سابقا ؟ إن الأمر مريب .. يفرض وضع نقطة استفهام حول مدى انطباق صفة الإعاقة على جميع من يجتازون هذه المباريات .
إن تعريف المعاق حسب القانون الإطار 13.97 المتعلق بحماية الأشخاص في وضعية إعاقة يقرر أن المعاق هو من له قصور أو انحصار في قدراته البدنية أو النفسية أو الحسية أو العقلية قد يمنعه عند التعامل مع مختلف الحواجز من المشاركة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الأخرين ، وهو تعريف ينسجم مع مبادئ الاتفاقية الدولية بخصوص ذوي الإعاقة التي صادق عليها المغرب وأصدر القانون الإطار المشار إليه لتأكيد التزامه بتطبيق بنودها .
نستنتج من تعريف معاق بأنه يُقرن عجزه في قدراته مع عجزه من التعامل مع حواجز المجتمع .وعليه فالذي لا يواجه أي مشكل أو عائق في التعامل على نحو كامل وفعال مع مختلف الحواجز . هو ليس معاقا بالضرورة ،ولا تنطبق عليه صفة معاق ، ولا يحق له اجتياز المباراة الموحدة وحرمان ذوي الإعاقات الحقيقية من فرصة التوظيف .
من هنا يتضح أن الأعداد الضخمة التي تشارك في المباراة الموحدة لذوي الإعاقة تبعث على الشك فعلا . 1700 تقريبا اجتازوا المباراة الموحدة السابقة حسب إحصائيات الحكومة .. ونجح بينهم 400 تحوم شكوك كبيرة في انطباق صفة الإعاقة على بعضهم ولا بد من تشكيل لجنة مستقلة لتسجيل اية خروقات بهذا الصدد خاصة بين الناجحين سابقا إن كنا فعلا في بلد العدل والمساواة .
المباراة انعدم فيها مبدأ تكافؤ الفرص بشكل جلي . .خاصة المباراة الأخيرة التي أجريت عن طريق التناظر …وكانت تشبه مباريات انتقاء شفوية .. فمدتها لكل مترشح كانت بين عشرين و ثلاثين دقيقة .. وهذه المدة لا يمكن أن تعطي فكرة متكاملة عن مستوى المترشح وقدرته على الاضطلاع بمهامه في الوظيفة لا سيما أن الأسئلة في مواضيع عامة بعيدة عن الكثير من التخصصات .فضلا عن كون الطبيعة التناظرية الشفوية للمباراة ليس في صالح بعض الإعاقات ( الإعاقة السمعية مثلا ) مما أدى إلى حصول تمييز وحرمان وضرب لمبدأ الاستحقاق في ولوج الوظيفة العمومية المنصوص عليه في الدستور .
لقد حان الأوان لإعادة النظر في هذه المباراة بالأساس باعتبارها لم تحقق الهدف الذي نُظمت من أجله . التوظيف المباشر هو الحل لإدماج الأشخاص في وضعية إعاقة حاملي الشهادات ..فبوضع قواعد دقيقة لتحديد المستفيدين الذين تنطبق عليهم صفة معاق بشكل صحيح سنجد أن عددهم قليل جدا والدولة قادرة على توظيفهم حسب الجهات. ولا بد من إغلاق الباب أمام كل من هب ودب للتوظف عبر معبر الإعاقة الزائفة . التوظيف المباشر موقوف منذ سنة 2011.. وليس هناك حائل منطقي يمنع العودة إليه . خصوصا أن دولا مجاورة كتونس أصدرت قانونا استثتائيا للتوظيف المباشر يهم حملة الشهادات القديمة العاطلين والمتقدمين في السن وذوي الإعاقة.

مبدئيا يجب على الدولة أن تكرم أصحاب الإعاقات الحقيقية الذي تحدوا جميع العراقيل وتفوقوا علميا وأثبتوا وجودهم بجهود استثنائية تستحق التنويه .. وعليها أن تمنحهم وضعا استثنائيا بتوظيفهم مباشرة أخذا في الاعتبار الموانع التي تحول دون اندماجهم في المجتمع .
الحكومة لم تقدم لحاملي الشهادات في وضعية إعاقة شيئا ذا بال وبرامجها خالية من أية إشارة إليهم . والكوطا التي خصصتها لهم سنة2000 لينالوا 7% من مناصب المباريات لم تُفعّل إلى الآن . أي بعد مرور عشر سنوات من الإعلان عنها . يا للعجب! والنتيجة أن الكثير من حملة الشهادات في وضعية إعاقة هرموا بعد أن تجاوزوا الخامسة والأربعين وحتى الخمسين من عمرهم ولم يستفيدوا من الكوطا الحكومية وصاروا ممنوعين من اجتياز المباريات العمومية للتوظيف .
الخطاب موجه وصريح للدكتور سعد الدين العثماني . كفى من المغالطات في وسائل الإعلام . كفى من تزوير الحقائق أمام الرأي العام . كفى من الحديث المستمر عن إنصاف خيالي لذوي الإعاقة .نريد خطة واضحة المعالم لتحقيق إنصاف حقيقي لحملة الشهادات في وضعية إعاقة مع إشراكهم في تسطيرها .

بقلم :عبد العالي كويش

مشاركة