الرئيسية آراء وأقلام المسلسل الإجرائي لضمانات المحاكمة العادلة (الجزء الرابع)

المسلسل الإجرائي لضمانات المحاكمة العادلة (الجزء الرابع)

IMG 20210207 WA0264 1.jpg
كتبه كتب في 15 فبراير، 2021 - 7:09 مساءً


عزيز بنزيان باحث في العلوم الجنائية والأمنية

إن تكريس مظاهر المحاكمة العادلة في التشريع الجنائي المغربي ، يظهر من خلال مجمل الضمانات التي وضعها المشرع في القوانين الإجرائية ، حيث تبتدء من يوم الإعتقال ثم البحث التمهيدي سواء العادي أو التلبسي ، مروراً لإجراء التحقيق الإعدادي والذي يشرف عليه السيد قاضي التحقيق ، وصولاً للمرتكزات الأساسية لضمان المحاكمة العادلة والتي تتحقق أثناء المحاكمة .
وإن أهم مراحل المسلسل الإجرائي نجد مرحلة المحاكمة كأساس ضمان حسن سير العدالة ، خول المشرع مجموعة من الضمانات تتعلق بالمتهم وتكريس مظاهر الرقي التشريعي الإجرائي . فالقضاء كما عبر عنه الفقيه “دوكي” جهاز بأطره وآلياته ، هو نشاط من خلال الحماية القضائية التي يوفرها للمتقاضين . ولا يمكن الحديث عن المحاكمة العادلة دون وجود قضاء مستقل ونزيه ومحايد وسريع وغير متسرع . يعمل في ظل الإحترام التام لبعض المبادئ الأساسية في التنظيم القضائي كمبدأ المساواه أمام القضاء والإستقلالية .
فمن بين أهم مرتكزات السلطة القضائية ومبادئها ، نجد إستقلال القضاء بكونه دعوى من كافة المواثيق الدولية والإقليمية لضمان المحاكمة العادلة ، يمارسها قضاء مستقل ونزيه سواء في المادة المدنية أو الجنائية ، ومن بينها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، الذي سن في المادة 10 منه على أن “من حق كل فرد لدي الفصل في أي تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أي دعوى مدنية أن تكون قضيته محل نظر منصف من قبل محكمة مختصة ومستقلة وحيادية ، منشأة بحكم القانون” .
وكذلك أكدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان على حق الفرد في أن يحاكم من طرف محكمة مستقلة ومحايدة هو حق مطلق ولا يمكن أن يخضع لأي استثناء . فالمشرع المغربي كذلك تبنى هذا المبدأ في دستور 2011 تحديداً في الفصل 107 ، وظهرت ملامحه سنة 2017 عند استقلال النيابة العامة عن وزير العدل ،بقانون 33.17 المتعلق بنقل اختصاصات وزير العدل للوكيل العام لدى محكمة النقض باعتبراه رئيساً للنيابة العامة ، فالإستقلال يهم السلطة التشريعية ، حيث لا يمكن للقاضي أن يتدخل في أعمال التشريع والعكس صحيح ، والأمر أيضا ينطبق على السلطة التنفيذية ، فلا تداخل بين السلطات القضائية والسلطات الأخرى .
بما أن ليس هناك تداخل بين السلطة القضائية والسلطة التشريعية ، إلا أن القاضي يمكنه تفسير توجه تشريعي منطقي للإفصاح عن إرادة المشرع ، ويظهر ذلك في مختلف القرارات التي تسنها محكمة النقض باعتبارها اجتهادات قضائية ، سواء كانت قرارات خاصة أو ذات مبدأ .
وهذا الإستقلال ضامن لثبات سير العدالة وفق منظور المشرع ، ولا يمكن التأثير عليه من سلط أخرى ، وهذا التوجه يجعل رقي المؤسسة القضائية ويضمن ثقة المواطن في المؤسسات .
هذا فيما يخص مبدأ إستقلال السلطة القضائية ، وهناك قاعدة أخرى ترتبط بها ، تتجلى في المساواة أمام القضاء كضمانة لمحاكمة عادلة . إذ لا يجوز التمييز بين المتقاضين بسبب اللون أو الجنس أو العرق أو الوضع الاجتماعي أو الدين وغيرها … فهذا مبدأ عالمي جاءت به المواثيق الدولية والإقليمية كذلك ، فالمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حيث جاء فيها “الناس سواسية أمام القضاء” .
وكرس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من خلال المادة 7 منه قاعدة المساواة ، حيث نص على أن “الناس جميعا سواسية أمام القانون دونما تمييز” ، وجاء في المادة 10 منه “لكل إنسان على قدم المساواة العامة مع الآخرين الحق في أن تنظر في قضية محكمة مستقلة ومحايدة نظراً منصفاً ومحايداً” . وتزكية لهذا المبدأ ظهرت قاعدة المجانية أمام القضاء ، إذ يقصد به أن الدولة هي التي تكفل حماية الحقوق مجاناً من خلال مرفق القضاء تماماً كما تكفل حق الأمن والدفاع باعتبارهما مرافق عمومية تقليدية ومظهراً من مظاهر سيادة الدولة التي لا يتوقع كفالتها من طرف الخواص .
وعليه نكون قد فصلنا ولو بشكل مقتضب في مختلف المراحل والمحطات ، وبتركيزنا على الآليات التي تهم حماية حقوق المتهم سنجدها تتمحور حول تقييد سلطة القاضي الجنائي ، فهذا الأخير يكون مقيد بحدود الدعوى الجنائية فلا يمكن أن يدين شخص ما وهي بصدد النظر في الدعوى بتهمة أخرى ، بدون قيام النيابة العامة بتحريك المتابعة ، وهذا ما يستفاد من نص المادة 433 من قانون المسطرة الجنائية .
ولا يجوز للقاضي الجنائي إصدار قرار بدون تعليل واستناد للنصوص القانونية ضمانا للشرعية الجنائية في شقها الموضوعي والإجرائي ، فلازم عليه تعليل القرارات الصادرة ضد المتهم ، أو بعبارة أخرى تسبيب الأحكام ، فهو ضمانة أساسية لحسن سير العدالة ، فيظهر من خلاله البحث والتمحيص والتدقيق الذي قام به القاضي ثم وصل إلى تكوين قناعته الوجدانية .
إن المادة الجنائية ذهبت إلى تركيز مذهب الإثبات الحر ، وهذا ما جاء في المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية ، على أن الأصل هو حرية الإثبات . إلا أنه ترد عليه استثناءات تعد ضمانة هامة للمحاكمة العادلة ، فالمادة 294 من نفس القانون تؤكد على أنه لا يمكن انتاج الدليل الكتابي من خلال الرسائل المتبادلة بين المتهم ومحاميه . فالمتهم له حق في الإستعانة بمحامي للدفاع عنه ومؤازرته في قضيته ، فالمشرع الجنائي زكى هذه بضمانة أنه لا يجوز قبول المحادثات التي تروج بين المتهم ومحاميه كدليل كتابي ضده مهما كانت تحمل من اعترافات وأدلة إثبات.
فلابد من إقامة الرقابة القضائية على إجراءات المحاكمة من قبل قاضي الحكم ، فيمكنه تصحيح كل إجراء يتبين له بطلانه عند إحالة القضية عليه أو ابطال كل إجراء مخالف للنظام العام ، ويمكن أن تقوم بهذه الرقابة محكمة أعلى درجة تراقب شرعية البحث والمناقشة والإستماع للشهود والتثبت من الأدلة الجنائية وكذا حقوق الدفاع التي خلصت في النهاية للحكم بالإدانة أو البراءة .

مشاركة