الرئيسية أحداث المجتمع النقيب الأستاذ لإبراهيم صادوق يرثي زميله المرحوم عمر سامي

النقيب الأستاذ لإبراهيم صادوق يرثي زميله المرحوم عمر سامي

IMG 20201231 WA0072.jpg
كتبه كتب في 31 ديسمبر، 2020 - 4:54 مساءً

يوسف العيصامي: صوت العدالة
 
عُلَوٌّ في الحياةِ و في المماتِ
(في رثاء المرحوم الأستاذ عمر سامي)
ونحن نودع زميلنا الأستاذ عمر سامي، المحامي بهيئة المحامين بمراكش، كانت اللحظة مهيبة و شغاف القلب يعتصرها الشجن و الـحَزَن. هي لحظة استثنائية المبنى والمعنى؛ نواجه فيها جميعا ذاك السؤال الجوهري: سؤال الموت؟ مع ما يحيط به ويكتنفه من أسئلة جوهرية أخرى تهم الوجود ومغزاه و الفناء ومعناه. هي حتما لحظة غير عابرة، و لا يمكنها أن تمر دون أن تترك بصماتها في الروح والنفس.
وضمن هذه اللحظة التي لا صوت يعلو فيها غير صوتِ الموتِ والفَقْدِ ووداعِ من نُحِبُّهُم، و في ما يشبه إِشْراقَةَ الذاكرة، وجدتُ أَسَلَةَ لساني تلهج  بمطالع قصيدة الشاعر أبي الحسن الأنباري:
 

علوَّ في الحياة وفــــي الممات
لحقٌّ أنت إحدى المعجزاتِ
كأن الناس حولك حــين قاموا
وفــــودُ نَداك أيامَ الصِّلاتِ
كأنــــتك قائم فيهم خطيبـــــــــًا
وكلــــهم قيـــام للصــــلاةِ
مددت يديــــك نحوهم احـــتفاءً
كـــمدِّهما إليهم بالهِبـــاتِ
ولما ضاق بطن الأرض عن أن
ضــم علاك من بعد الوفاةِ
أصاروا الجو قبرك واستعاضوا
عن الأكفان ثوبَ السافياتِ

والواقع أن اللسان لم يلهج إلا بما في الفؤاد و المهجىة تجاه زميلنا المرحوم الذي كان إنسانا ساميا في كل شيء: في السلوك والأخلاق، في الفكر والعمل، في العلاقات مع مكونات أسرة العدالة كما في صيغ التعامل مع قوانين المهنة وتقاليدها وأعرافها… كان واحدا ممن تعقد عليه الآمال العظام…
ومنذ عرفته، عرفت إنسانا ساميا ونبيلا؛ اسم على مُسَمَّى. سُمُوُّه من النبل والرفعة بشكل يتجاوز كل الاحتمالات التي يمكن عدها أو قياسها أو محاكاتها. إنسان طيب لا يعرف الحقد إلى قلبه سبيلا. سيظل راسخا في قلوبنا ووجداننا قبل ذاكرتنا، ولن يمحى بسهولة؛
في فقده فقدٌ لواحد من معالم الطيبوبة في هيئة المحامين بمراكش.نهاية العالم، أن يموتَ كُل جميل، أن نصحوَ ذاتَ صباحٍ ولا نَجِد صديقا أقرَب من أخ لنا. نهايةِ العالم أن نفقدَ إنساناً عزيزاً. نهاية العالم أَن تُفارِقنا روح عزيزة ولا تعود أبداً.
لماذا يا صديقي، لماذا ذهبت بهذهِ السُرعة، لحظاتٌ وكأنك لم تكُن هُنا، كأنك لم تأتِ ولم أعرفك، وكأنك لم تدخل إلى هذهِ الهيئة، آلمني فُراقَك يا سامي؛ تأتيني ذِكرياتُك، في لمحِ البصر تَمُرُ كُل الذكريات دفعةً واحدة، وكأنها سنى البرق، ولا أعرف هل تتسابق لتواسيني، أم أنها تخشى أن تطولَ لحظاتِ الألم الكاوية والـممضة. لا أدري بما أعزي بهِ نفسي. هي لحظاتٌ رهيبةٌ مَرَت علي بسرعةِ البرق و ثقل الجبال الراسية. أدعوَ الله أن تكون مِن أهلِ الجنة.
صديقي السامي، تأتيني هواجسي دائما، تأتي لتُؤرقَ منامي، أتذكر آمالك وأعمالك في صفوف مجلس هيئة المحامين ونحن نشتغل مثل خلية نحل متسقة ومتماسكة. كانت آمالك تعبر عن آمالنا جميعا كمجلس وهيئة. وكنت بسموك ونبلك هادئ الطبع في كل شيء، في الحوار والنقاش، وفي مرافعاتك الرصينة كذلك.
أفتَقِدُكَ كثيراً صديقي عمر، فقد كنتَ أَرقَّ قلبا وأَنقى سريرة، و ها أنا أتألم لفقدِك، أبكي بلا صوت، والنار في صدري بلا لَهب وقودُها الذِكريات؛ ذكرياتنا جميعا في مجلس الهيئة. إذ أتذكرك إنسانا لم تكتمل فرحَتُهُ في هذهِ الدنيا؛ إنسانأ عاش لقضايا الناس وقضية العدل الكبرى، إنسان قَلبُه مثل ريشةِ حمامةٍ بيضاء بياض قلبك الهائم بكل القيم الإنسانية الجميلة والنبيلة.
كم أفتقدك صديقي سامي، و كم أشعُر بالوحدة، أشعُر و كأني غريب في أرضٍ غريبة، يسرحُ ذهمي للحظاتٍ أستحضر فيها الماضي، يومَ كُنت تدخُل مكتب النقيب وابتسامتك اللطيفة تعلو محياك؛ اشتقت لكلماتك المشجعة، كلماتك التي تحض على السير قدما دفاعا عن القضايا العادلة لنبلاء أسرة العدالة: المحامون.  ويشهدُ الله أنني لم أُرافِق أحداً ساميا من قبلِكَ لهُ مِثل ما فيك من سعةِ صدرٍ و حُسنِ خُلقٍ و نبل روح وسمو سريرة. تغمدك الله بواسع رحمته وأسكنك فسيح جناته. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مشاركة