الرئيسية آراء وأقلام الإرهاب الجسدي : جريمة الاغتصاب نموذجا

الإرهاب الجسدي : جريمة الاغتصاب نموذجا

IMG 20201228 WA0007.jpg
كتبه كتب في 28 ديسمبر، 2020 - 12:26 صباحًا

بقلم رجا السوسي
الصفة:طالبة بسلك الماستر المنازعات والمهن القانونية بكلية ابن زهر


أصبحت جرائم الاعتداء على العرض والجسد تتفاقم يوما بعد يوم في مجتمعنا؛ ولذلك أصبح لزاما على المشرع التدخل لحماية أعراض الناس وصونها ضد اي اعتداء، والظاهر أن جرائم الأشخاص تحتل الصدارة اليوم، فقد صنفها المشرع المغربي ضمن جرائم انتهاك الآداب، وأدرجها ضمن الكتاب الثالث من القانون الجنائي.
ومعلوم أن جرائم الاعتداء على العرض كثيرة ومتنوعة ؛ ولعل اهمها جريمة الاغتصاب التي تعد موضوع دراستنا في هذا المقال، وهي من أخطر أنواع العنف وأبشعها وأكثرها ضررا وتأثيرا على السلامة الجسدية للمرأة مهما كان سنها او حالتها الاجتماعية (متزوجة، مطلقة…)؛ ذلك أنه اعتداء على شرفها وعرضها وكرامتها. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط؛ فقد ينجم عنه تذمر نفسي يجعل الضحية تفكر جديا في وضع حدّ لحياتها، بسبب نظرة المجتمع الذكوري التي لا ترحم.
ولا تختلف جريمة الاغتصاب عن جريمة القتل في شيء؛ والاختلاف بينهما هو كون أولهما موت بطيء وثانيهما موت سريع.
وإذا كان هذا هو مآل الضحية، فإن مآل الجاني غير هذا تماما، وخصوصا من الناحية النفسية، والعقوبة، وما يرتبط بهذه الجريمة من نصوص منظمة في القانون الجنائي المغربي، علاوة على صعوبة إثبات هذه الجريمة.
و بالرجوع إلى القانون الجنائي المغربي، وتحديدا الباب المنظم لهذه الجريمة، نجد أن المشرع خصص فصلين فقط من هذا الباب للجريمة موضوع دراستنا، وهذا في حد ذاته يعتبر تقصيرا في حق ضحايا الاغتصاب؛ لأن آثار الجريمة تبقى مصاحبة للضحية مدى الحياة.
وهذا ما يدفعنا إلى طرح السؤالين الآتيين: إلى أي حد توفق المشرع المغربي في تحديد مفهوم جريمة الاغتصاب ؟ و إلى أي حد تمكن من حماية المرأة وصون عرضها و سلامتها الجسدية باعتبارها نصف المجتمع؟
المطلب الأول: ماهية جريمة الاغتصاب وأركانها:
لا شك أن الاغتصاب هو أحد ا أبشع الأفعال المنافية للقانون و الأخلاق و التي تمسّ بكرامة المرأة؛ إذ يرتكب هذا الفعل المشين والذميم ضدها دون رضاها؛ فهو بذلك شكل من أشكال “الإرهاب ” والاضطهاد الذي يمارس ضدها بطريقة وحشية، فيدمرها ويحطم نفسيتها.
ولفهم حقيقة جريمة الاغتصاب وما ينتج عنها من آثار و خيمة على الضحية، سنحاول الوقوف على دلالات هذا المفهوم من الناحية القانونية (الفقرة الأولى) لنعرج بعد ذلك على أركانه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : المفهوم القانوني لجريمة الاغتصاب :
عرف المشرع المغربي جريمة الاغتصاب في القانون الجنائي من خلال الفصل 486 في فقرته الاولى بأنه “مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها”.
يُستفاد من ذلك أن المشرع ينظر إلى الاغتصاب بأنه فعل يقع دون موافقة المرأة، ومنه يتضح أن من اهم العناصر القانونية المكونة للجريمة هي انتفاء عنصر الرضى، الذي يقوم هنا بدورا مهم و أساسي؛ فهو الذي يبين ما إذا كانت الواقعة تكيف فسادا أو اغتصابا، اضافة إلى الإكراه الذي تتعرض له الضحية لعدم خضوعها لنزوة الجاني الجامحة في اغتصابها .
وحتى نفهم الاغتصاب بكيفية واضحة، سنقوم بتمييزه عن بعض الجرائم المشابهة له ومن اهمها جريمة الفساد ؛ فقد عرفها المشرع في الفصل 490 من القانون الجنائي بأنها: “كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة زوجية تكون جريمة فساد، ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة”.
يظهر جليا من حلال هذا التعريف، أن جريمة الفساد المنصوص عليها في الفصل السالف الذكر، تختلف تماما عن جريمة الاغتصاب؛ إذ إن عنصر الرضا في هذه الجريمة جلي وظاهر بقوة.
بيد أن الشائع والمتداول في المجتمع العربي برمته، أن جريمة الاغتصاب وجريمة الفساد تقعان في خانة واحدة, وهذا ما يؤثر سلبا بشكل أكبر على نفسية الضحية؛ و يؤدي إلى الانتحاراحيانا، كحل أمام الضحية بعدما تفقد الأمل في قرارعادل يحميها ومجتمع ينصفها.
أما من الناحية السوسيولوجية،فهو فعل ناتج عن تفاعل اجتماعي داخل المجتمع في إطار العلاقات الاجتماعية غير المسموح بها؛ فهو يعتبر خرقا للضوابط والمعايير المنظمة لهذا المجتمع، حيث يعتبر اعتداء على الحرية الشخصية للفرد؛ بحيث ينعدم فيه الرضى والموافقة؛ وهو كل اعتداء جنسي يكون فيه الطرف الآخر غير راض .
و يظهر من خلال هذا التعريف السوسيولوجي، أن الجاني يهدف إلى تلبية رغبته الجنسية عبر القوة، وقد يكون ذلك أحيانا تحت التهديد ، في انتهاك صارخ للأعراف والمبادئ الاجتماعية والاخلاق الحميدة، وعدم الاكتراث بالضحية وما سيلحق بها جراء هذا الفعل المشين .
ونرى من جانبنا من الناحية السوسيولوجية خصوصا في شق علم الاجتماع الجنائي, ان هذا الفعل -باعتباره ظاهرة اجتماعبة- غير مباح ومحل استنكار المجتمع لكونه ناتجا عن تفاعلات اجتماعية منافية لقيم واخلاق المجتمع, وذلك لما يحدثه من اضطراب اجتماعي .
اما بالنسبة للمشرع الفرنسي،فقد اعتبر الاغتصاب على انه “كل فعل إيلاج جنسي مهما كانت طبيعته ارتكب على ذات الغير بالعنف أو الإكراه أو التهديد أو المباغتة”.
“Tout acte de pénétration sexuelle de quelque nature que ce soit commis sur la personne d’autrui par violence , contrainte menace ou surprise est un viol “(art 23n222C.P.F) .

ولا يقتصر الاغتصاب عند المشرع الفرنسي على المراة المطلقة او العازبة، بل تعداه ليشمل اليوم حتى المراة المتزوجة,حيث اعتبر ان ارغام الزوجة من طرف زوجها على المعاشرة يعد اغتصابا .
وعليه ان وجود عقد الزواج وحده في-ظل التشريع الفرنسي- لا يكفي لاستخلاص رضا الطرف الاخر, وانما يجب التاكد من قبوله للفعل الجنسي المطلوب حتى ولو كان طبيعيا ومن دون عنف, ويترتب على ذلك حماية الانثى الزوجة من خلال اسناد وصف الاغتصاب على العلاقة الجنسية التي ياتيها الزوج على زوجته دون رضاها واعتبارها في هذا الصدد محلا للحماية في جريمة الاغتصاب .
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض الفرنسية انه ازاء عدم وجود تعريف قانوني للاغتصاب، فانه يتعين على القاضي البحث والتاكد من توفر اركان هذه الجريمة بحسب خصائصها الخاصة والنتائج الجسيمة التي تلحق بالمجني عليها وبشرف عائلتها, وان هذه الجريمة تنشا عن فعل ضد ارادة الشخص سواء كان ذلك بغياب الرضا بسبب الاكراه المادي او الادبي الذي يمارس ضده, او باي وسيلة اخرى او مباغتة من اجل التعدي عليه رغما عن ارادته من اجل الغرض الذي يستهدفه الفاعل .
اما بالنسبة للمشرع الجزائري فعرف جريمة الاغتصاب في المادة 336من قانون العقوبات الجزائري على أنه: “كل من ارتكب جناية هتك عرض(حسب النص الفرنسي جناية اغتصاب)، يعاقب بالسجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات وإذا وقع هتك العرض ضد قاصر لم تكمل السادسة عشر فيعاقب بالسجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة”
والملاحظ من خلال هذا التعريف ان المشرع الجزائري استعمل لفظ “هتك عرض” بدل “الاغتصاب” مع العلم انهما جريمتين تختلفان عن بعضهما البعض من حيث عناصرهما التكوينية.
وما يستشف من احكام القضاء الجزائري ان الاغتصاب”هو مواقعة رجل لامراة بغير رضاها” على غرار النعريف الذي جاء به المشرع المغربي.
وفيما يخص للمشرع المصري فعرف جريمة الاغتصاب في المادة 267من قانون العقوبات والتي تنص”من واقع انثى بغير رضاها يعاقب بالاشغال الشاقة المؤبدة او المؤقتة.
فاذا كان الفاعل من اصول المجني عليها،او من المتولين تربيتها او ملاحظتها، او ممن لهم سلطة عليها او كان خادما عندها،او ممن تقدم ذكرهم،يعاقب بالاشغال الشاقة المؤبدة.”
وبهذا يكون المشرع المصري قد تعرض لجريمة الاغتصاب، واعتبرها جناية يعاقب مرتكبها بالأشغال الشاقة المؤقتة، ثم شدد العقوبة بالأشغال الشاقة المؤبدة، لتضل إلى الإعدام، أي يمثل عدوان الحرية الجنسية .
ولقد سار المشرع المصري على منوال المشرع الفرنسي بعدم العقاب على الحرية الجنسية في كل صورها، فانتفي صورا معينة تتميز عن غيرها ويتحدى الأذى فيها إلى الغير منها جريمة الاغتصاب، والتي تعد من أشد جرائم الاعتداء على العرض .
فجريمة الاغتصاب تعد من الجنايات الموجهة ضد الحرية الجنسية، فلا عبرة بسن المرأة ولا بمدى جمالها أو جاذبيتها، صغيرة أو كبيرة، شريفة أم ساقطة، بل العبرة بالفعل المادي المكون لجناية الوطء الطبيعي بإيلاج عضو الذكر في فرج المرأة .
والواضح من هذه التعريفات ، أنها تعتبر الاغتصاب علاقة جنسية غير مرغوب فيها وبدون رضا الضحية, وتمارس بالعنف أو تحت التهديد، فتنجم عنه اضطرابات نفسية وأضرار جسدية وخيمة.
الفقرة الثانية: أركان جريمة الاغتصاب:
لا يمكن اعتبار كل جريمة جنسية جريمة اغتصاب ما لم تتوفر فيها ثلاثة عناصر أساسية حددها القانوني الجنائي المغربي، وهي مستوحاة من المادة 486 منه والتي تتمثل أساسا في:

الفعل المادي المتمثل في المواقعة غير الشرعية
-انعدام الرضى
-القصد الجرمي
1-فعل المواقعة غير الشرعية:
اعتمد المشرع صيغة مغرقة في العمومية لتحديد الركن المادي للجريمة مشترطا وجود فعل مؤدي إلى الإيلاج الجنسي, بالإضافة إلى ذلك يشترط أن تكون هذه المواقعة بين جنسين مختلفين؛ أي بين رجل وامرأة حتى نكون أمام جريمة اغتصاب. أما إذا كانت بين رجل ورجل، أو بين أنثى وأنثى فهنا سنكون أمام جريمة هتك عرض، وهي جريمة تحدث عنها المشرع في الفصل 484 من القانون الجنائي.
ولا يقع الاغتصاب إلا بحصول المواقعة في المكان الطبيعي؛ أي بإتيان الأنثى في عضو أنوثتها، وعليه لا يكون اغتصابا إتيان المرأة من دبرها أو وضع الأصبع أو أي عضو آخر ماعدا العضو الذكري في فرج المراة، بل يتم تكييف هذه الأفعال بكونها هتكا للعرض .
وتتحقق هذه الجريمة سواء كان الإيلاج كليا أو جزئيا، ولا يشترط لتماما أن يتم افتضاض غشاء البكارة من عدمه. وتجدر الإشارة أيضا، إلى أن الركن المادي يتحقق أيضا بمجرد المحاولة طبقا للفصل 114 من القانون الجنائي متى انعدم العدول الإرادي، أو تدخل عنصر أجنبي عن المتهم حال دون إتمام عملية الاغتصاب.
ب- انعدام الرضا:
يعد انعدام الرضا عنصرا أساسيا لقيام الجريمة، وهو جوهر الاغتصاب, و الفيصل الذي يتم على اساسه التمييز بين جريمة الاغتصاب والجرائم المماثلة كجريمة الفساد.
هذا ويحمل انعدام الرضا معنى وتمظهرا ماديا يشير إلى العنف والضرب والجرح، والهدف منه إهانة الضحية وإحباط مقاومتها, كما ان له دلالة معنوية تتجسد في الاكراه والضغط النفسي عن طريق التخويف والتهديد.
كما يتحقق انعدام الرضا عن طريق الوسائل الاحتيالية والتاكيدات الخادعة، فضلا عن حالة الضحية (المجني عليها) كالسكر أو فقدان الوعي, أو مناولتها مادة مخدرة تضعف من مقاومتها, كذلك يمكن تصور انعدام الرضى في حالة المباغثة.
ونرى أنه لا يمكن حصر صور انعدام الرضى في التهديد و العنف فقط،بل الامر يتعدى ذلك حسب ظروف كل نازلة على حدة سيما وان المشرع استعمل عبارة “بدون رضاها” يعني أن ذلك يشمل جميع أنواع حالات انعدام الرضا.
ج-القصد الجرمي:
يتطلب قيام جريمة الاغتصاب توفر القصد الجنائي لدى الجاني؛ أي أن الجاني على علم بكونه يأتي فعلا مجرما وغير مشروع, ويعتبر استعماله للعنف والإكراه قرينة على توافر القصد لديه.
وفي هذا الإطار يرى الذكتور عبد الواحد العالمي أن الإكراه على الاغتصاب (كالتهديد بالقتل), أو الوقوع بالغلط كاعتقاد الفاعل بوجود علاقة زوجية مع الضحية لا يتحقق معه القصد الجنائي وبالتالي قيام جناية الاغتصاب .
المطلب الثاني: طرق إثبات جريمة الاغتصاب والجزاء المقرر لها
الإثبات هو الأساس الذي تقوم عليه قواعد الإجراءات الجنائية منذ وقوع الجريمة إلى حين صدور الحكم فيها من السلطة القضائية، والإثبات بمفهومه الجنائي هواقامة الدليل و الحجة امام القضاء بهدف إظهار الحقيقة، ولأجل الحكم على المتهم في المسائل الجنائية لابد من ثبوت وقوع الجريمة في ذاتها و نسبتها للمتهم . ويعتبر إثبات جريمة الاغتصاب أمرا من الصعوبة بمكان، إلا في الحالة التي يعترف فيها الجاني أو في حالة التلبس, وفي غير ذلك من الحالات المذكورة، فإن هذه الجريمة تثبت بشهادة الشهود بالإضافة إلى الشهادة الطبية وغيرها من الوسائل الأخرى التي يمكن للضحية أن تلجأ إليها.وتعد جريمة الاغتصاب في القانون المغربي جناية خصص لها المشرع عقوبة مع ظروف التشديد, وبناء عليه سنتناول في هذا المطلب وسائل إثبات جريمة الاغتصاب (الفقرةالأولى) لنتطرق الى العقوبة المقررة لها ( الفقرة الثانية)
الفقرة الاولى :وسائل إثبات جريمة الاغتصاب :
أشرنا آنفا إلى أن جريمة الاغتصاب ليس من السهل إثباتها، ويصبح الأمر أكثر تعقيدا في حالة انكار الجاني لجرمه، اوعدم ضبطه في حالة تلبس. هذا يجعل الضحية في حالة عوز لإثبات الجريمة بطريقة تبين حجم الضرر الذي ألحقه الجاني بها، حتى يحصل على جزاءه والا يفلت من العقاب.
وبالرجوع إلى وسائل الإثبات التي يمكن اعتمادها في هذه الجريمة، فإننا نجد شهادة الشهود, والمقصود بالشاهد هنا شاهد العيان، او بالأحرى الشاهد الذي تكون له صلة مباشرة بواقعة الاغتصاب؛ أي الشخص الذي عاين معاينة مباشرة الجاني وهو يقوم بفعلته. وهذه الوسيلة في نظرنا حجيتها ضعيفة، إذ إنه في أغلب الأحيان تنعكس على الضحية سلبا ويتم إثبات عكس ما جاءت به الضحية في أقوالها.
أما فيما يخص وسيلة الإثبات الأخرى؛ فهي الشهادة الطبية و الخبرة الجينية ويقتضي الحصول عليها إجراء فحص شامل للضحية على المستوى الجسدي والنفسي معا مع تأكيد وكشف أيضا ما إن كانت الضحية قد تناولت مخدرا ما أو أي مسكر آخر, ومعاينة آثار الضرب والجرح التي تؤكد انعدام عنصر الرضى الذي يشكل العنصر المادي لهذه الجريمة،ويتم ايضا فحص الاجهزة التناسلية للمجني والمجني عليها وان ادعت الضرورة اعتماد تحليلة adin في حالة وجود سائل المنوي في جسم الضحية للتاكد ان كان بالفعل يخص المتهم.
وتجدر الإشارة إلى أن ذلك الفحص يجب أن يتم عقب الاغتصاب وليس بعد مدة طويلة من وقوعه؛ لأن العلامات الدالة على وقوع الاغتصاب تختفي مع مرور الوقت، ويصعب تقديرها كلما طال الزمن بين الاعتداء وتاريخ الفحص.
إلى جانب هذه الوسائل هناك وسائل أخرى يمكن اللجوء اليها للتاكد من جريمة الاغتصاب, وفي الأخير تبقى السلطة التقديرية للقاضي.
و بالرجوع إلى الواقع نجد عجز الضحية في الكثير من الحالات عن إثبات جريمة الاغتصاب، نتيجة عدة عوامل، كعدم التعرف على المجرم أو كون الجريمة وقعت بالليل، أو بفعل استغلال الوضعية العقلية للضحية، أو صغر سن الضحية,بالاضافة كذلك الى الحالة التي تكون فيها الضحية ثيب……
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا في حالة انتحار الضحية المعتدى عليها هل سيتم مضاعفة العقوبة للشخص المعتدي كونه هو من تسبب في انتحار الضحية، أم سيتم مضاعفة تعويض أهل الضحية لكون الحكم لم يكن صائبا؟
من خلال الواقع العملي والملفات المطروحة بهذا الصدد، نجد أن المجرم غالبا ما يتمتع فيها بالحرية كون الصعوبة هنا تكمن في الإثبات، بالإضافة إلى أن أغلب الحالات تتراوح فيها العقوبة بين شهرين إلى سنة، وهي عقوبة غير كافية لردع المجرم، زيادة على ذلك هناك من يتنازل عن القضية، والتنازل هنا يكون من جهة النائب الشرعي للضحية في الحالات التي يكون فيها الطفل قاصرا، إلا أنه يجب أن يستثنى التنازل والتقادم في جريمة الاغتصاب وعدم الاستثناء هذا يعتبر سهوا من المشرع المغربي.
أما فيما يتعلق بالتعويض فيجب رفعها إلى حد أقصى لردع هؤلاء الجناة وذلك من أجل استغلال ذلك القدر المالي لمعالجة الضحية والمتابعة مع أخصائية نفسية حتى لا يتولد لدى الضحية فكرة الانتقام وألا تتفاقم هذه الظاهرة بشكل مفزع كما هي الحال اليوم.

الفقرة الثانية: العقوبة المقررة لجريمة الاغتصاب:
أقر المشرع المغربي عقوبة جريمة الاغتصاب في الفصلين 386 و 387 وحدد فيها الحالات التي تكون فيها العقوبة مخففة والحالات التي تكون فيها مشددة.
فبالرجوع إلى الفصل 486 الذي عرف جريمة الاغتصاب بقوله: “الاغتصاب هو مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها، ويعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات”.
غير أنه إذا كانت سن المجني عليها تقل عن ثمان عشرة سنة أو كانت عاجزة أو معاقة أو معروفة بضعف قواها العقلية أو حاملا، فإن الجاني يعاقب بالسجن من عشر إلى عشرين سنة”.
يستفاد من هذا الفصل ضمنيا أن الجاني دائما يكون رجلا والمجني عليها أنثى, مع بيان العقوبة التي تتراوح ما بين خمس إلى عشر سنوات في الحالات العادية, أما بالنسبة إلى حالات التشديد فترتفع العقوبة ما بين عشرة إلى عشرين سنة.
والملاحظ أيضا في الفصل أن المشرع قام بتفصيل الحالات التي يمكن أن يقع عليها اغتصاب وجمعها في ستة أصناف كحالات مشددة للعقوبة: الراشدة التي تقل سنها عن ثمان عشرة سنة، والعاجزة، والمعروفة بضعف قواها العقلية، والحامل, والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هنا هو هل فقط هذه الأصناف هي المهددة بهذه الجريمة وغيرها لا؟
بالرجوع إلى الواقع نجد أن هناك أصنافا أخرى لم يتحدث عنها المشرع كاغتصاب الابن لوالدته وهذه الحالة تعتبر ظرفا من ظروف تشديد العقوبة، هذا ما لم يتحدث عنه المشرع في الفصل 487؛ إذ اكتفى بالقول إنه: “إذا كان الفاعل من أصول الضحية أو ممن له سلطة عليها أو وصيا عليها أو خادما بالأجرة عندها أو عند أحد من الأشخاص السالف ذكرهم, أو كان موظفا دينيا أو رئيسا دينيا, أو كذلك بشخص استعان في اعتدائه بشخص أو بعدة أشخاص فإن العقوبة هي……” مع العلم أن هناك حالات يكون الجاني فيها هو الفرع على الأصل كما أشرنا إلى ذلك أعلاه.
ومن جانب آخر ما حكم الحالات التي تغتصب فيها المرأة، وهي في أوضاع لا تقل خطورة عن حالات التشديد التي ذكرها الفصل المذكور، كالحالات التي تكون فيها المرأة بين يد أشخاص عهد لهم القانون بحمايتها ورعايتها، كحالة المريضة التي تستغل من طرف طبيبها باستعمال مواد مخدرة وغيرها، خصوصا وأن القاضي لا يمكنه القياس على الحالات المذكور في الفصل السابق، ويظل مقيدا بمبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.
ولكن يثور التساؤل فيما اذا كانت عقوبة عشرين سنة كافية للحالات المذكورة أعلاه ام لا؟
إن هذه العقوبة في نظرنا غير كافية؛ فالوضع يختلف من ضحية إلى أخرى، كما أن الأسباب تختلف؛ إذ يجب التمييز هنا بين الفاعل الذي يقوم بهذا الفعل الجرمي بداعي الانتقام مما عانى منه في صغره أو رشده, وبين الشخص الذي يقوم بهذا الفعل المشين فقط من أجل إشباع غريزته الجنسية فقط؛ فنحن هنا بصدد أمرين مختلفين، رغم أن الفعل هو نفسه؛ أي “اغتصاب” لكن الأسباب مختلفة هنا، إذ إن ما يجب فعله هنا بالإضافة إلى العقوبة هو تخصيص أو إدراج حصص مع أطباء نفسيين خلال فترة العقوبة من أجل علاج الجاني حتى يتخلص من فكرة الانتقام تلك وبهذا سيتم الحد، ولو بشكل قليل، من هذه الظاهرة الماسة بكرامة المرأة بشكل خاص والإنسان بشكل عام.
وقد جاء بشان عقوبة الاغتصاب في التشريع الفرنسي في المادة 332 ق.ع.ف مايلي :
« quiconque aura commis le crime de viol sera puni de la réclusion criminelle à temps à dix à vingt ans, si le crime a été commis sur la personne d’un enfant au dessous de l’âges de quinze ans accomplis, le coupable subira le maximum de la peine de la réclusion criminelle a temps de dix a vingt ans quiconque aura commis attentat a la pu den , consommé ou tenté avec violence contre des individus de l’un ou de l’autre sexe sera punis de la réclusion criminelle à temps de cinq à dix ans, si le crime à été commis sur le personne d’un enfant au dessolures de l’âge de quinze ans accomplis, le coupable subira le peine de la réclusion criminelle à temps de dix a vingt ans » C.P.F
” كل من يرتكب جناية الاغتصاب يعاقب بالحبس لمدة تتراوح بين عشر سنوات وعشرين سنة، ويخضع المذنب للحد الأقصى لعقوبة الحبس الجنائي، أي مدة عشر سنوات إلى عشرين سنة في حال ارتكب الجناية بحق طفل تحت الخامسة عشر.
كل من قام بهتك عرض فأتمه أو حاول إتمامه عن طريق العنف بحق أشخاص من الجنس نفسه أو من الجنس الآخر تجري عليه عقوبة الحبس الجنائي لمدة تتراوح بين خمس سنوات و عشر سنوات، ويخضع المذنب لعقوبة الحبس الجنائي فترة تتراوح بين عشر سنوات وعشرين سنة في حال ارتكب هذه الجانية بحق طفل تحت سن الخامسة عشر.
وإذا حصل الجرم على شخص طفل تحت الخامسة عشر من عمره فإن العقاب يتراوح بين عشر و عشرين سنة” .
حدد المشرع الجزائري عقوبة جريمة الاغتصاب في صورتها البسيطة فجعلها السجن المؤقت من خمسة إلى عشر سنوات المادة 336/1 ق ع ج “كل من ارتكب جناية هتك عرض يعاقب بالسجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات”، و السجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة إذا وقعت الجريمة ضد قاصر لم تكمل السادسة عشر طبقا للمادة 336/2 ق ع ج.
والسجن المؤبد في حالة تطبيق ظروف التشديد المنصوص عليها في المادة 337 ق ع .ج.

اما بالنسبة لموقف المشرع المصري من ناحية العقوبة فيظهر جليا من خلال المواد المنظمة التي تم الاشارة اليها اعلاه انه يختلف تماما مع المشرع المغربي لتتتراوح العقوبة في بعض حالات الاغتصاب بين الاشغال الشاقة المؤقتة او المؤبدة .
وقد نص قانون العقوبات المصري على بعض الظروف التي تشدد من العقاب على هذه الجريمة لتجعلها السجن المؤبد (أي 25 سنة)، وهذه الظروف هي

أن يكون الجاني من أصول المجني عليها مثل الأب والجد.
-أن يكون الجاني من المتولين تربية المجني عليها أو ملاحظتها، مثل المدرس الولي أو الوصي.

أن يكون الجاني مما لهم سلطة على المجني عليها، بمعنى أن يكون للجاني سلطة السيرة على تصرفات المجني عليها .

خاتمة
إن جريمة الاغتصاب لا تقل خطورة وتأثيرا عن جرائم أخرى كجريمة الإرهاب، نظرا إلى ما تشكله من تهديد على سلامة الإنسان، خاصة وأن فئة الأطفال تشكل نسبة كبيرة اليوم من عدد ضحايا هذا الإرهاب الجسدي، وفي ظل تزايد هذه الجريمة، وحرصا على ضمان الأمن الجسدي فيجب تعديل مقتضيات القانون الجنائي، وخاصة الشق المتعلق بهذه الجريمة مع تخصيص قانون لمكافحة هذه الجريمة كما هي الحال بالنسبة إلى جريمة الإرهاب،مع تحديد العقوبة لكل حالة على حدى.

مشاركة