الرئيسية آراء وأقلام تمثال العدالة

تمثال العدالة

IMG 20201008 WA0139.jpg
كتبه كتب في 8 أكتوبر، 2020 - 6:17 مساءً


يقصد بالعدالة عدم الانحياز في محاكمة أي إنسان لأي أمر ، فهي تصور إنساني يركز على تحقيق التوازن بين جميع أفراد المجتمع من حيث الحقوق ، و يحكم هذا التصور أنظمة و قوانين يتعاون في وضعها أكثر من شخص بطريقة حرة دون أي تحكم أو تدخل، وهذا حتى تضمن العدالة تحقيق المساواة بين جميع الأشخاص داخل المجتمع. ومن أنواع العدالة ، العدالة القضائية وهي الحق في إجراء محاكمة عادلة و متوزانة مع الجرم المرتكب .
غالبا ما يرمز للعدالة بتمثال امرأة معصوبة العينين، تحمل في يدها ميزانا. والميزان في التمثال، هو الرمز للأداة التي يتحقق بها العدل في كل زمان، وفي كل مكان. ولابد من معيار للعدل تقاس به الحقوق. وهذا المعيار قد يكون أداة مادية: كالميزان في الموزونات، والمكيال في المكيلات، والمقياس في المقيسات، وما إلى ذلك. وقد يكون هذا المعيار شريعة من الشرائع، أو قانونا من القوانين، أو لائحة من اللوائح ونظاما من النظم، وعرفا من الأعراف، وما إلى ذلك.
يعرف هذا التمثال بأسماء مختلفة ، مثل العدل للمكفوفين ، وموازين العدالة ، غير أن الاسم الأكثر شهرة على النطاق الواسع هو سيدة العدل ، و هذا التمثال منتشر في معظم دول العالم على شكل سيدة معصوبة العينان تحمل رمز الميزان إشارة الى العدالة و السيف في يدها الأخرى إشارة الى القوة.
من هذا المنطلق سوف نطرح إشكالية التالية :
لماذا تصور العدالة ﺑاﻣﺮﺃﺓ ﻣﻌﺼﻮﺑﺔ ﺍﻟﻌﻴﻨﻴﻦ ﺗﺤﻤﻞ سيفا ﺑﻴﺪ ﻭميزانا ﺑﺎﻟﻴﺪ ﺍﻷﺧﺮﻯ؟

قديما منذ فجر التاريخ كان يرمز للعدالة بـ«امرأة معصوبة العينين تحمل ميزانا وسيفا»، فقد تم استخدام هذا التعبير عبر قرون متعددة وحضارات مختلفة ومتباينة، وذلك لدلالته القوية ومعناه الواضح، حيث تلعب المرأة دورا فعالا وحيويا في بناء المجتمع، فهي اللبنة الأساسية للمجتمعات المتقدمة، وهي كالبذرة التي تنتج ثمارا تصلح بصلاحها وتفسد بفسادها؛ فهي من تبني الأجيال لينهضوا بحضارتهم، ويصنعوا مستقبلا واعدا لبلادهم.

وبسبب هذه الأهمية الكبرى للمرأة كانت هي سيدة العدل وأصبحت رمزا له في كافة بقاع الأرض، فهى تعتبر منحوتة «سيدة العدل» من بين التماثيل الأعظم المعترف بها عالميا ومن المثير للاهتمام أن هذا التمثال موجود في معظم المباني القانونية وبيوت العدل في العالم، وفي داخل قاعات المحاكم على مستوى العالم توضع هذه الصورة للمرأة المعصوبة التى تمثل العدالة لتذكر العاملين بقطاع القضاء بالعدل للجميع.
يجسد هذا التمثال سيدة معصوبة العين و تحمل سيف وميزان فما رمزية هذا التمثال . طبقا للاساطيرالرومانية القديمة ، يعود هذا التقليد للعام 13 قبل الميلاد ويومها وضع الملك الروماني أغسطس هذا التمثال مقابل قصره مجسدا آلهة العدالة (جستيشيا) التي اشتقت منها مفردة (جستس) و تعني العدالة باللغة الإنجليزية .والسبب الذي جعلها تمثل شخصية سيدة و ليست رجل ، تعود الى ان فلسفة جنسانية تقول ان المرأة كمخلوق رقيقق يذاد عنه و يقاتل دفاعا عنها ، كما هي العدالة التي تحتاج الى من يدافع عنها و يحق حقها في أروقة المحاكم ،في حين ان الرجل يقاتل دفاعا عن نفسه لذا صارت آلهة و ليس إله في الادب الفلسفي الروماني .
أما لماذا معصوبة العين فهذا يعني انها لا تفرق بين طرفي الحق و الباطل و المعيار الوحيد لاحقاق الحق هو القضاء . أما دلالة انخفاض السيف و ليس رفعه للاعلى و باليد اليسرى، فتأتي من كون أن آلهة العدالة تمنح السيف للذي يذود عنها القاضي لكنها كمرأة لا تقاتل بالسيف لذا لم يرفع للاعلى و لم تحمل باليد المقاتلة اليمنى .
يتمتع تمثال سيدة العدل بمجموعة من الرموز و الصفات ، وهي عصابة العينين ، الميزان ، السيف ، الثوب المميز .
الميزان يرمز لتحقيق العدل، عندما تكون الكفتان اللتان توزن فيهما الحقوق متعادلتين، وعندما تكون الساق التي تحمل الكفتين مستقيمة وغير ممالة إلى أعلى أو إلى أسفل. من حيث إنه في مثل هذه الحالة تكون الحقوق متماثلة أو متساوية. أما عندما ترفع إحدى الكفتين وتضع الأخرى فإن الذي سوف يتحقق لن يكون العدل، وإنما هو الظلم والبغي والعدوان. هذا ما يرمز إليه الميزان.
أما ما يرمز إليه بالمرأة معصوبة العينين في التمثال، رمزا للكيفية التي لن يتحقق العدل إلا على أساس منها. إن العصابة على العينين إنما تشير إلى أن المرأة لن ترى أحدا من المتنازعين في الحق. وهذا إنما يرمز إلى حقيقة أن القاضي يجب ألا يتأثر بالناس، وبأوضاعهم الاجتماعية، عند جلوسه مجلس القضاء. إن العصابة إنما تحمي المرأة من التعرف على أقدار الناس، وعلى أوضاعهم الاجتماعية، من حيث إن هذا التعرف هو الذي سوف يجعل الميزان يضطرب في يدها. واضطراب الميزان واهتزازه كفيلان بأن يباعدا بين العدل وتحقيقه. وكفيلان أيضا بأن يكون الذي قد يتحقق هو الظلم والبغي والعدوان. يجب أن يحمي القاضي نفسه من كل ما يؤثر في ميزان العدالة حتى لا يضرب في يده الميزان. حيث إن الميزان لوزن ومعايرة الأمور بالعقل ولتطبيق مبدأ (العين بالعين والسن بالسن)
اما الانثى و ليس الذكر لأن الانثى تتميز بالرحمة و العطف و هذه الصفات مطلوبة في العدالة ، أما الملابس التي تميز بها التمثال فهي ترمزالى الموقف الفلسفي الروماني الذي يجسد العدالة .
فالصورة تمثال العدالة ترمز إلى المدرسة الجنائية التقليدية التي يقيس القاضي فيها حجم العقوبة بقدر حجم الجريمة دون أن ينظر إلى شخص المجرم والأسباب التي دفعته إلى ارتكاب الجريمة، ولهذه الأسباب ظهرت بعدها المدرسة «النيو كلاسيكية» لكنها لم توفق وبعدها ظهرت المدرسة الوضعية الإيطالية بزعامة الطبيب العسكري «لومبروزو» حيث تم تصنيف المجرمين إلى المجرم بالصدفة والمجرم الخلقي وغيرها من التقسيمات، فضلا عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمجرم وأخذ هذه الظروف بنظر الاعتبار عند تحديد العقوبة والمعروف «بمبدا تفريد العقوبة» فأصبح للقاضى حرية إصدار العقوبة تشديدا أو تخفيفا طبقا للسيرة الجنائية.
الرﻣﺰ ﻟﻠﻌﺪﺍﻟﺔ ﺑﺈﻣﺮﺃﺓ ﻣﻌﺼﻮﺑﺔ ﺍﻟﻌﻴﻨﻴﻦ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻴﺰﺍﻧﺎ ﺑﻴﺪ ﻭﺍﻟﺴﻴﻒ ﺑﺎﻟﻴﺪ ﺍﻷﺧﺮﻯ، فإن «ﻣﻌﺼﻮﺑﺔ ﺍلعينين» ﻷﻥ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺨﺼﻮﻡ ﺩﻭﻥ أﺩﻧﻰ ﺗﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻨﻬﻢ، أﻣﺎ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﺍﻟﺬﻱ تحمله ﻓﻴﻪ إﺷﺎﺭﺓ إﻟﻰ ﺍﺣﻘﺎﻕ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻓﻖ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮن.
ﺑﻴﻨﻤﺎ «ﺍﻟﺴﻴﻒ» ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻰ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﺍﻟﺮﺍﺩﻋﺔ ﻟﻠﺠﺎﻧﻲ ﻭﺍﻷﻗﺘﺼﺎﺹ ﻣﻨﻪ ﻟﺘﻌﻴﺪ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺑﺬﻟﻚ، ﺍﻷﻣﻮﺭ إﻟﻰ ﻧﺼﺎﺑﻬﺎ ﻭﺑﺎﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻋﺎﺩﺓ ﻛﻔﺘﻲ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﻣﺘﺴﺎﻭﻳﺘﻴﻦ ﺑﻌﺪ أﻥ ﺍﺭﺗﻜﺐ ﺍﻟﻤﺠﺮﻡ ﺟﺮﻳﻤﺘﻪ فسبب ﺍﺧﻼﻻ ﻓﻴﻬﺎ، ﺃﻣﺎ ﻋﻦ ﻛﻮﻧﻬﺎ «ﺇﻣﺮﺃﺓ» ﻭ ﻟﻴﺴﺖ ﺭﺟﻼ ﻓﻬﻲ ﻟﻺﺷﺎﺭﺓ ﺃﻧﻪ ﺭﻏﻢ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺴﻴﻒ ﻭ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻛﻮﻥ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺃﺭﺣﻢ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﺮﺟﻞ.

وفاء الرباج
08/10/2020

مشاركة