الرئيسية آراء وأقلام بين الفاعل المدني والفاعل السياسي

بين الفاعل المدني والفاعل السياسي

IMG 20200830 172824 7633.jpg
كتبه كتب في 1 أكتوبر، 2020 - 12:48 مساءً

بقلم: عبد السلام اسريفي/ رئيس التحرير.

أصبح الجميع اليوم يقر بمكانة المجتمع المدني، كطرف فاعل في مجال التنمية في كل أنحاء العالم، من خلال تقديم الخدمات للسكان المحليين، ومحاولة تشكيل قوة ضغط على أصحاب القرار،من أجل تحقيق بعض المكتسبات سواء الاجتماعية أو الاقتصادية،بالاضافة الى دوره في تأطير الناشئة وتأسيس قيم المواطنة انطلاقا من قواعد معاشة داخل المجتمع الواحد.

وسبق لمحمد موافق، وهو باحث في قضايا العمل الجمعوي بالمغرب، ومؤطر جامعي في مجال الشباب والأنشطة والطفولة أن اعتبر أن المجتمع المدني تلف حوله مغالطات كثيرة،كادت أن ترمي به داخل ساحة السياسي،لذلك، يجب طرح مسألة المجتمع المدنى في إطار مفهوم جديد، ينطلق من كونه ليس ساحة للتنافس الاقتصادي، بل للتنافس الايديولوجي، معتبرا أن اليسار المغربي كان سباقا في بناء مكونات المجتمع المدني، من جمعيات ومنظمات تربوية وحقوقية ومسرحية وتنموية،لكنها في طربقها للنضج،تعرضت لغزو مفاهيمي،حرف بشكل خطير مضامينها وحاصرها في قالب،يطغى عليه الايديولوجي.

ويعتبر بعض المهتمين أن العدد الكبير لجمعيات المجتمع المدني بالمغرب، هو شعور بضرورة الانخرط في القضايا التنموية للبلاد،وقناعة يحاول الجمعويون تنزيلها على أرض الواقع،على خلاف ما يدعيه البعض،كون الانخراط يجب أن ينطلق من قتاعة التطوع وليس المكسب،وهو ما جعلهم يعتقدون أن الغرض هو سحب البساط من تحت أقدام أحزاب لم تقم بدورها كاملا، في التأطير أو معالجة قضايا المواطن.

هذا التداخل في المهام واختلاط المفاهيم،يجعلنا نقدم تعريفا لكل من الفاعل السياسي والفاعل المدني والعلاقة بينهما.

الفاعل المدني باختصار شديد هو الناطق بنبض المجتمع يتبنى همومه ، ويصبو إلى تحقيق آماله وطموحاته،هو الذي يحترق ليستنير غيره ، ويتعب ويعاني ليستريح غيره من أبناء وطنه ومجتمعه ، يسهم إلى جانب غيره من الفضلاء في بناء نخبة واعية بحقوقها و واجباتها ، تسعى الى رقي أمتها.

فالفاعل المدني جاء في الأصل ليدافع عن الأغلبية الساحقة من أبناء مجتمعه الذين عاشوا القهر و التضييق والتهميش،من خلال تقديم المقترحات التي يمكنها تحسين ظروف العيش للمواطن،والمساهمة في الرقي به وبفكره وبقيمه.

فالفاعل المدني يسعى الى تحقيق التنمية الشاملة عن طريق تكامل عمله مع الدولة والقطاع الخاص، بحيث تعمل القطاعات الثلاث من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وهو ما ينعكس بالإيجاب على مواطني الدولة، ونشأ هذا الدور نتيجة صعوبة تحقيق التنمية من قبل الدولة وحدها، خاصة في الدول النامية التي يكون اقتصادها غير معافى بشكل كبير. وأيضا يقع على عاتق المجتمع المدني مسئولية إعداد الكوادر المختلفة لتحقيق ذلك.

أما المهمة الأخرى هي رقابية، فوجود فاعل مدني نشيط ونزيه يكون ضمانا للمساءلة والشفافية، وهذا يعزز النظام الديمقراطي النزيه للدولة، وهذه المهمة نابعة من تعريف المجتمع المدني بكونه الوسيط بين الشعب والنظام، ولابد أن يعي الكثيرين هذه المهمة لأنها إيجابية ووطنية وتساعد على إصلاح مواطن الضعف بالدولة.

أما الفاعل السياسي فهو الجهاز الأمثل لخلق البرامج وتطويرها وتنزيلها على شكل مشاريع في كل المجالات ،تعود بالنفع على المواطن،بغض النظر عن منبعه ودوافعه وتوجهاته وخططه.

فالفاعل السياسي هو المنوط به دور تجويد السياسة خطابا وممارسة، فالحزب السياسي قبل أن يكون مؤسسة قانونية هو مدرسة للتنشئة السياسية والفاعل السياسي هو المؤثر داخل هذه المؤسسة فإن كانت أخلاقه السياسية حسنة فستنعكس إيجابا على نواة ومحيط الحزب والعكس بالعكس، وأول قناة تواصل بين الفاعل السياسي والجماهير هو الخطاب السياسي فالخطاب اليوم موجود داخل المؤسسات الدستورية مثل البرلمان كما أنه موجود وبغزارة داخل الاعلام الرسمي منه وغير الرسمي كما أن موجود في الشارع العام، لكن درجة الخطاب قد تختلف من مكان لآخر حسب زاوية التأثير، فخطاب الشارع ليس بالضرورة هو خطاب الاعلام كما أنه لا يجب أن يكون نفسه خطاب المؤسسات.

ذلك،تقول بعض الدراسات،أن الفاعل السياسي النشيط يجب أن ينسلخ من الايجيولوجيات والمرجعية والهم الانتخابي،ويتفرغ الى ما هو أسمى وأدق،تطوير الانسان وضمان شروط عيشه وسلامته.

وهنا يلتقي الفاعل المدني بالسياسي،في البحث عن شروط الارتقاء الاجتماعي للمواطن/ الرقم ،وبالتالي خلق جسور تربط ما هو مدني يتغدى من المقترحات البسيطة للسياسي،الفاعل من داخل المؤسسات والأجهزة ذات القرار،قد تكون الحكومة وقد تكون مؤسسات أخرى ينظمها الدستور.

لكن،بالرجوع الى الواقع،نجد هناك تداخل خطير بين المدني والسياسي،حتى على مستوى التفكير،فالبعض يستغل تموقعه داخل الهيئات المدنية لتيسير مهمة استمالة المواطن،من خلال محاولة الاقتراب والظهور في موقع المتواجد الأبدي،في المناسبات وغير المناسبات.بل،يسعى بتسخير آليات السياسي الى تهييء المناخ المناسب لتمرير خطابه السياسي ،الذي غالبا ما يكون مغلفا بوعود وهدايا.

ويظهر هذا جليا داخل بعض الأحزاب بالمغرب،خصوصا العدالة والتنمية،التي نجحت في اختراق المدني واستمالته لفائدة السياسي،بل تسخير امكانيات السياسي للمدني داخل رقعة جغرافية معينة،نفس الشيء يسلكه حزب التجمع الوطني للأحرار،الذي حرص على تفريخ الكثير من الجمعيات،لاختراق مساحات أكبر.

فالسياسة حاضرة وتطل برأسها في كل نشاط بشري مدني مهما بدا بسيطا وواضحا ومغلّفا بمضمون إنساني وخيري، ذلك أن الفخاخ قد تنصب في كل طريق تدّعي الاستقامة والوضوح لأن المنعرجات والمطبّات والحفر واردة ومتوقعة، فكم من نشاط مدني أو حقوقي أو نقابي أو إغاثي، حاد عن المرمى الذي بعث لأجله وتلقفته لغة المصالح بشتى مشاربها الخاصة والعامة، الداخلية والخارجية والسياسة، كما يعلم الجميع، هي فن استثمار النشاطات والمصالح بلا منازع. فالفصل بين النشاط السياسي والنشاط المدني كالفصل بين وجهي العملة الواحدة، ذلك أن التلازم بين العملين قديم قدم نظم المجتمعات البشرية وتشابك مصالحها عبر بعدي التاريخ والجغرافيا، ولعلّ الأمثلة لا تحصى في تكامل النشاطين السياسي والمدني، كالارتباط العضوي والتفاعلي بين النضال النقابي والنضال التحرري عبر التاريخ القديم والحديث، ممّا أكسب منظمات مدنية كثيرة نوعا من المشروعية للخوض في المسألة السياسية ومناقشة القضايا الوطنية والخيارات المصيرية انطلاقا من تلك “المصداقية” والتي قد توضع بدورها على المحك، إذ أن هذه “الشرعية النضالية” لا تجعلها فوق الشبهات أو في منأى عن المساءلة والمحاسبة حين تحشر هذه المنظمات المدنية أنفها في الشأن السياسي خصوصا في المجتمعات الديمقراطية التي تفصل بين السلطات وتحدد واضحا مساحة النشاطات والصلاحيات لقوى ومنظمات المجتمع المدني التي ينبغي لها أن تكون مكمّلا ومراقبا وضاغطا على الحكومات وليس بديلا يحل محلها ويتحدث باسمها.

مشاركة