الرئيسية آراء وأقلام الصلح في قانون المسطرة الجنائية وبعض النصوص الخاصة

الصلح في قانون المسطرة الجنائية وبعض النصوص الخاصة

IMG 20201012 WA0132.jpg
كتبه كتب في 12 أكتوبر، 2020 - 8:48 مساءً
                                           من إعداد : سفيان المنادي   
                                     خريج سلك الماستر في القانون الخاص 
  • تمهيد :
    يهدف تفعيل السياسة الجنائية إلى محاولة النهوض بمستواها في سبيل تحقيق عدالة جنائية فعالة، تقتضي الحد من التراكمات السلبية النوعية، والكمية، الناتجة عن تعدد وكثرة المحاكمات الزجرية البسيطة مع ما يستتبع ذلك من تزايد ملحوظ في الملفات الزجرية المعروضة على أنظار مؤسسة القضاء، وسيادة نوع من التفكك والتفسخ على مستوى الروابط الاجتماعية.
    هذا ما أدى بالمشرع المغربي إلى أن يولي اهتماما متزايدا بالصلح كآلية فعالة لإنهاء النزاعات والخصومات الجنائية . هذا الاهتمام جاء متزامنا مع النهج الذي أصبحت تسلكه كل التشريعات العالمية في حل النزاعات الفردية عن طريق الصلح سيرا على التوجه الذي أقر معالمه مؤتمر الأمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة، ومعاملة المجرمين، مؤكدا بذلك إعلان فيينا في أبريل 2000، الذي قرر استحداث خطة عمل وطنية وإقليمية ودولية لدعم ضحايا الجريمة تشمل آليات الوساطة والعدالة التصالحية، وقرر أن تكون عام 2002 الأجل الزمني لتحقيق هذه الغاية.
    وبالرجوع إلى القانون المغربي نجده قد أخد بالصلح في المادة الجزائية كاستثناء من المبدأ العام الذي يقضي بعدم التصالح في شأن الدعوى العمومية، إلى جانب الأخذ في بعض القوانين الجنائية الخاصة كنماذج لتطبيقاته، كالصلح في المادة الجمركية والقانون البنكي والضريبي…
    هذا ما سنحاول التطرق له من خلال تقسيم هذا الموضوع إلى الصلح في إطار قانون المسطرة الجنائية( المحور الأول)، على أن تخصص ثانيا للصلح في بعض القوانين الخاصة( المحور الثاني).

المحور الاول : الصلح في إطار قانون المسطرة الجنائية

محاولة في إيجاد آليات جديدة ترمي إلى رأب الصدع الذي يمكن أن يطال العلاقات الاجتماعية عن طريق تفادي المتابعات الجنائية وتحقيق الصلح بين أطراف الخصومة، ومحاولة لتفادي التراكم السلبي لعدد القضايا البسيطة المعروضة على أنظار القضاء، مع ما واكبها من إجراءات روتينية ساهمت في ضياع حقوق الأفراد نظرا لطول الإجراءات المسطرية وتعقدها، سعى المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية الجديد إلى إسناد دور جديد للنيابة العامة، بهدف الصلح بين الخصوم واختزال الإمكانيات المادية والبشرية بالنسبة للمحاكم، إسوة بما ذهبت إليه بعض التشريعات الجنائية الدولية.

أولا – الجرائم التي يجوز فيها الصلح:
حدد المشرع المغربي الجرائم التي يجوز سلوك مسطرة الصلح بشأنها في المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية بقوله: ” يمكن للمتضرر أو المشتكي به قبل إقامة الدعوى العمومية وكلما تعلق الأمر بجريمة يعاقب عليها بسنتي حبسا أو أقل أو بغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر” .
يتبين من خلال هذه الفقرة أن الجريمة موضوع الصلح تتعلق بفعل جرمي يزجره القانون بعقوبة سالبة للحرية، لا يتجاوز حدها الأقصى سنتي حبسا، أو بغرامة مالية لا يتجاوز حدها 5000 درهم. هذا بالنسبة للجرائم التي يرتكبها الرشداء.
أما بخصوص الأحداث يتبين أن المشرع قد أجاز للنيابة العامة سلوك مسطرة الصلح في الجرائم المرتكبة من طرف الأحداث ، لكن ليس في جميع الجرائم، بل فقط في الجنح المشار إليها في المادة 41 من ق.م.ج، على اعتبار أن الفصل المذكور يضع قاعدة عامة تعتبر من النظام العام، غير أن بعض الفقه ذهب إلى إمكانية مباشرة مسطرة الصلح في عموم الجرائم المرتكبة من طرف الأحداث على أساس أن الفصل لم يحددها وإنما أشار إلى المسطرة ، حيث اعتبر أن المسطرة عامة التطبيق ويمكن اللجوء إلى الصلح في كافة الجنح سواء كانت تأديبية أو ضبطية.
وتحديد التي يجوز الصلح فيها في تلك التي لا تتجاوز سنتين حبسا و 5000 درهم، يدل على كون الصلح كتقنية إجرائية لتحقيق العدالة الجنائية بين الأفراد ينصب فقط على الأفعال الجرمية المجمع على عدم خطورتها، ونسبية آثارها. مع إمكانية إعادة تأهيل المعنيين بها بسرعة وبسهولة داخل المجتمع.
إن تحليل هذا الشرط يقتضي الرجوع إلى القانون الجنائي وجرد الفصول القانونية التي تنطبق العقوبة فيها مع مقتضيات المادة السالفة الذكر، حيث نجد مجموعة من النصوص تورد جنحا إما معاقب عليها بالحبس فقط، وإما عليها بالحبس والغرامة أو بإحدى العقوبتين، وأخرى معاقب عليها بالاعتقال والغرامة أو بالغرامة فقط.
هذه النصوص تطرح مجموعة من الإشكالات، فمثلا في حالة وجود عقوبة مزدوجة، إذ تكون العقوبة الحبسية لا تتجاوز سنتين حبسا، والغرامة تتجاوز 5000 درهم، هنا هل يطبق الفصل القانوني المتعلق بالصلح أم لا؟ ذلك أن المادة 41 من ق.م.ج تشير بصريح النص إلى عقوبة واحدة إما الحبس أو الغرامة ولم تشر كلمة أو هما معا.
هنا كان حريا بالمشرع المغربي إن يضيف في النص القانوني كلمة أو هما معا ليتجنب السقوط في هذا الإشكال، خصوصا وأن أغلب الجرائم مزدوجة العقوبة.
وقد ذهب الرأي الغالب إلى الاعتداد من الناحية العملية بالعقوبة الحبسية دون العقوبة المالية، على اعتبار أن العقوبة الحبسية هي الأصل.
والمشرع المغربي في مشروع قانون المسطرة الجنائية في مادته 41 أورد الجرائم التي تشملها مسطرة الصلح على سبيل الحصر ، فإذا قارنا هذه الجرائم مع الصيغة التي جاء بها قانون المسطرة الجنائية الجديد، تلاحظ أن هذا الأخير قد وسع من دائرة الجرائم التي تشملها مسطرة الصلح.
مقابل ذلك فقد فتح المجال أمام إجراء الصلح في بعض الجرائم الماسة بالنظام العام والآداب العامة، كما هو الحال بالنسبة لجنحة السكر العلني البين المعاقب عليها بالحبس ما بين شهر واحد وستة أشهر وبغرامة تتراوح بين 150 و 500 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط. طبقا للفصل الأول من المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 17 يوليوز 1997 ، ونفس الشيء بالنسبة لجنحة استهلاك المخدرات المعاقب عليها بالحبس من شهرين إلى سنة وبغرامة تتراوح بين 500 و 5000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط طبقا للفصل 8 من ظهير 21 ماي 1974.
هذا النوع من الجرائم يشكل خطورة على المجتمع من حيث الأمن والصحة العامة، يقتضي التشدد في زجرها، لأن فتح المجال لتطبيق مسطرة الصلح بالنسبة لها سيؤدي إلى تزايدها وانتشارها بشكل يصعب من إخفاء آثرها الوخيمة على المجتمع ، ورغم ذلك فالمشرع المغربي كان موفقا عندما اعتمد تحديد نطاق الجرائم التي يسمح بالصلح فيها بالكيفية التي انتهى إليها نص المادة 41 من ق.م.ج، وذلك لعموميته التي تنسحب إلى كل الجنح الضبطية القائمة في القانون المغربي بصفة عامة.
والفعل الجرمي موضوع الصلح يجب أن يكون ثابتا في حق المشتكي به أو المتشبه فيه بوسائل الإثبات المتعارف عليها في الميدان الجنائي، ذلك أن المشرع الفرنسي اشترط ذلك بصفة صريحة ، مما يطرح معه إشكال يتعلق بمدى الاعتداد بالاعتراف في مسطرة الصلح؟ وهل يؤخذ بالاعتراف أمام الضابطة القضائية أم لابد من الأخذ به أمام النيابة العامة؟ وفي حالة الإنكار هل يؤخذ بتصريحات المصرحين؟

ويثار أيضا إشكال في حالة وجود نزاع يكون أحد أطرافه من ذوي الامتياز القضائي، هنا هل يحق لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية النظر في هذا النزاع وإجراء الصلح فيه؟ خصوصا وأن هؤلاء الأشخاص لا يدخلون ضمن اختصاص المحكمة الابتدائية، إضافة إلى كون المادة 41 أعطت بصفة صريحة لوكيل الملك إجراء الصلح بين أطرافه في الحالة التي لا تتجاوز فيها العقوبة الحبسية سنتين حبسا والغرامة 5000 درهم، هنا يمكن الخروج عن مضمون المادة 41 وإعطاء الاختصاص للوكيل العام للملك للنظر في النزاع موضوع الصلح الذي يكون أحد أطرافه من ذوي الامتياز القضائي.
بعدما حاولنا أن نثير بعض الإشكالات المرتبطة بالجرائم التي يجوز فيها الصلح سنعمل على توضيح بعض إجراءات مسطرة الصلح في الآتي.

ثانيا – إجراءات مسطرة الصلح:
إن إجراءات مسطرة الصلح الذي تسهر النيابة العامة على تطبيقه عملا بقانون المسطرة الجنائية في بعض الجرائم دون الفصل فيها من طرف القضاء تمر عبر مراحل معينة.

أ‌. مرحلة التراضي بين الطرفين:
أجاز المشرع حسب المادة 41 من ق،م،ج للمتضرر من الجريمة، أو المشتكي به أن يقدم لوكيل الملك طلبا من أجل تضمين الصلح الحاصل مع المتهم في محضر ويشترط لذلك أن يكون الفعل مما يقبل الصلح، أي أن يتعلق الأمر بجنحة معاقبة بسنتين حبسا أو أقل، أو بغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 دهم، وأن يقدم طلب إجراء الصلح إلى وكيل الملك، إذ يتعين على المتضرر أو المشتكي به أن يقدم طلبا صريحا لوكيل الملك يعبر فيه عن رغبته في إجراء الصلح إضافة إلى تحرير محضر الصلح بحضور الأطراف، ومن الضروري أن يقوم وكيل الملك بتدوين بنود الصلح في محضر، وذلك بحضور الأطراف أو دفاعهم، ما لم يتنازلوا أو يتنازل أحدهم عن حضور الدفاع .
ويتعين أن يتضمن محضر الصلح، بالإضافة إلى محتوى الاتفاق الحاصل بين الأطراف، إشعار وكيل الملك الطرفين أو دفاعهما بتاريخ الجلية التي تعقدها غرفة المشورة مع توقيع المحضر من الأطراف والنيابة العامة.
وللمشتكي أو المشتكى به مراضاة الطرف الآخر ومحاولة التوصل معه إلى صلح بشأن الجريمة التي ارتكبها الطرف الثاني في حق الطرف الأول مع مراعاة توافر شرطين أساسيين:
1- أن يضفي التكييف القانوني للجريمة المراد إنجاز صلح بصددها إلى جنحة معاقب عليها بالحبس بسنتين أو أقل أو بغرامة لا يتجاوز حده الأقصى 5000 درهم.

2- أن يتم تقديم الطلب من أحد الطرفين، المتضرر أو المشتكي به وكيل الملك يتعلق بتضمين الصلح الحاصل بينهما داخل محضر قبل إقامة الدعوى العمومية.
وهذا لا يمنع الطرفين من إبرام الصلح والدعوى العمومية رائجة أمام المحكمة مادام من حق المشتكي تقديم تنازل عن شكايته للنيابة العامة التي تقدم ملتمسا في هذا الموضوع يؤدي على وقف سير إجراءات الدعوى ما لم تكن المحكمة قد بتت فيها بحكم نهائي.
وتجدر الإشارة إلى ضرورة تمتع المتضرر أو المشتبه فيه في هذه المسطرة بأهلية إجراء الصلح، وفي حالة انتفائها يتعين البحث عن الممثل القانوني المؤهل لهذا الإجراء، وفي حالة وفاة المتضرر فهل ينتقل حق الصلح إلى الورثة، فيما يتعلق بالتنازل المسقط للدعوى العمومية، المحددة بنص خاص، كحالة السرقة بين ألقارب هنا يعتبر التنازل حقا شخصيا لا ينتقل إلى الورثة. لكن في نظام الصلح يظهر أنه لا مانع من انتقال حق الصلح للورثة تحقيق لنية المشروع وهدفه في تحقيق التصالح بين أفراد المجتمع.
وعلى العموم فإنه يتعذر إجراء مسطرة الصلح في حالة عدم حضور الأطراف أمام النيابة العامة بالمرة، إلا في حالة عدم حضور المشتكي وتواجد تنازل كتابي بالملف، وهنا يمكن لوكيل الملك اقتراح إجراء مسطرة الصلح على الطرف المشتكي به.

ب‌. مرحلة الصلح المقترح:
خلافا للفقرة الأولى من المادة 41 التي أعطت للمشتكي به والمتضرر إمكانية طلب الصلح، فإن الفقرة السادسة أعطت إمكانية اقتراح الصلح لوكيل الملك إذ جاء فيها “…يمكن لوكيل الملك أن يقترح على المشتكي به أو المشتبه فيه صلحا…”
يتعلق الأمر هنا في الحالة التي لا يحضر فيها المتضرر أمام وكيل الملك ويتبين من وثائق الملف وجود تنازل مكتوب صادر عنه، أو في حالة عدم وجود مشتك بالمرة، هنا يجوز لوكيل الملك أن يقترح على المشتكي به في حالة التنازل المكتوب، أو على المتهم إذا لم يجد مشتكي صلحا، يتمثل في أداء نصف الغرامة المقررة للجنحة موضوع المتابعة، وإصلاح الضرر الناتج عن أفعاله إذا كانت من الأفعال التي يجوز الصلح فيها.
وإذا وافق المتهم، يحرر وكيل الملك محضرا يتضمن ما تم الاتفاق عليه، ويشعر المعني بالأمر ودفاعه بتاريخ جلسة غرفة المشورة، ويوقع وكيل الملك والمعني بالأمر على المحضر، الذي يحال على رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه للتصديق عليه وفق الإجراءات السابقة الذكر.
ويتوفر وكيل الملك على سلطة تقديرية في التحري والبحث عند مباشرته لإجراء الصلح، وهو بهذه الصفة لا ينصب نفسه مكان أطراف النزاع بل يقترح ولا يلزم، كما أنه يوضح ويفسر ولا يمارس أي ضغط.
وقد أحسن المشرع رغم التخوفات التي أبداها البعض ، في منح مسطرة الصلح للنيابة العامة لاعتبارات تتمثل في كون الجهة الوحيدة التي تملك الدعوى العمومية هي النيابة العامة، وتفعيلا لمبدأ ملائمة المتابعة الذي يعد بمثابة مبدأ أخذ به المشرع المغربي منذ سنة 1959 إلى الآن.

وسواء تعلق الأمر بمحضر الصلح الإتفاقي أو المقترح فإن صحة هذا المحضر من الناحية الشكلية يجب أن يتضمن توقيع المتضرر والمشتكي به إلى جانب توقيع وكيل الملك في حالة الصلح الصادر بناء على طلب من أحد الأطراف، وأن يحمل توقيع المشتكي به أو المشتبه فيه إلى جانب توقيع وكيل الملك في حالة الصلح المقترح من طرف هذا الأخير، بالإضافة إلى ضرورة توفر محضر الصلح على إشعار وكيل الملك للطرفين أو لدفاعهما في الصلح الاتفاقي، وللمتشبه فيه أو المشتكي به في الصلح المقترح .
وتجدر الإشارة لى أنه قبل صدور القانون الجديد لم يكن للنيابة العامة أية صلاحية في إبرام صلح مع المتهم، أو التعهد مسبقا بعدم ممارسة الدعوى العمومية أو الرجوع فيها بعد تحريكها. أو التنازل عن الطعن أو الرجوع فيه، أما بعد صدور القانون الجديد فمفهوم الدعوى العمومية خضع في الجرائم التي تدخل ضمن نطاق المادة 41 من ق.م.ج، لتغيير مهم على مستوى الآثار.
ورغم الدور المهم الذي أسند لوكيل الملك في مجال الصلح الجنائي، فإن منح هذا الأخير الصفة النهائية لا يتم إلا بأمر قضائي صادر عن رئيس المحكمة، أو من ينوب عنه، هذا ما سنبينه في الفقرة الموالية.

ت‌. مرحلة التصديق على الصلح:
تأتي هذه المرحلة بعد إحالة الملف على غرفة المشورة من طرف النيابة العامة، حيث يقوم رئيس المحكمة أو من ينوب عنه بإصدار أمر قضائي في القضية، وهذا الأمر يكون باتا غير قابل لأي طعن.
في هذه المرحلة يتخذ الصلح صبغته النهائية ويكتسب حجته وقوة نفاذه، فعندما ينتهي وكيل الملك من تحرير محضر الصلح يأمر بإحالته على رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه بحضور ممثل النيابة العامة والطرفين ودفاعهما، أو حضور طرف واحد حينما يتعلق الأمر بالاستثناء الوارد بالفقرة الثامنة في المادة 41، ويلاحظ إغفال النص على حضور كاتب الضبط أثناء انعقاد جلسات غرفة المشورة. لأن حضوره ضروري لتدوين ما راج من مناقشات بالجلسة وتسجيل حضور الأطراف ودفاعهم.
وتتجلى أهمية التصديق على محضر الصلح في تكريس الرقابة القضائية على المسطرة المتبعة في إجراء الصلح، حيث يقوم رئيس المحكمة بالتأكد من كون الجريمة المرتكبة جنحة تدخل في نطاق المادة 41 من ق،م،ج، بحيث تستعبد محضر الصلح ولا تصادق عليه إذا تبين لها من خلال العناصر التكوينية للجريمة، أو من تكييف الوقائع المعروضة عليها في المسطرة أن الجريمة لا تدخل ضمن نطاق المادة 41.
وإذا كانت غرفة المشورة تبسط رقابتها على العناصر المكونة للجريمة وتكييف الوقائع المعروضة عليها، فهل يحق لها أن تتجاوز هذه العناصر لتبسط رقابتها على ثبوت الجنحة المرتكبة موضوع محضر الصلح من عدمه.
بخصوص هذه النقطة فالمادة 41 من ق.م.ج لم تعط أي جواب أو حل يتعلق بها، لكن إذا نظرنا إلى الأهداف التي وضعت من أجلها مسطرة الصلح، يمكن القول أن رقابة غرفة المشورة لا يمكن أن تمتد إلى التأكد من ثبوت الجنحة موضوع مسطرة الصلح من عدمه ، بعد المصادقة على محضر الصلح بغرفة المشورة تقوم النيابة العامة بالسهر على تنفيذ هذا المقرر لكن السؤال الذي يثار بهذا الصدد يتمثل في جزاء الإخلال بمقرر الصلح، وحول ما إذا كان المقرر القضائي يسقط الدعوى العمومية أم لا؟ هذا ما سنعمل على دراسته في المطلب الثاني من خلال الآثار المترتبة عن الصلح الجنائي.

ثالثا- آثار الصلح:
تنحصر الآثار المترتبة عن الصلح في أثرين اثنين، أثر واقف مؤقت وأثر مسقط أو مانع للدعوى العمومية.

أ‌. الأثر الواقف المؤقت:
تترتب عن مسطرة الصلح آثار تتمثل في إيقاف الدعوى العمومية في مواجهة الجاني، ينتج عن هذا التوقف محو آثار الجريمة لفترة محددة.
وإجراءات الصلح التي يتعين ممارستها قبل إقامة الدعوى العمومية توقف إقامة هذه الدعوى سواء في مرحلة تهيئ محضر الصلح أمام النيابة العامة، أو في مرحلة المصادقة على الصلح أمام المحكمة، ويبقى الأثر الواقف هذا ساريا إلى حين انتهاء الأجل المحدد في المحضر المصادق عليه لتنفيذ شروط الصلح، أو إلى تاريخ صدور قرار رئيس المحكمة بالرفض.
وهذا الوقف لا يعني بتاتا انتهاء المسطرة الجنحية أو انقضائها، ولكنها تظل مقيدة إلى حين رفض المصادقة على محضر الصلح، أو في حالة عدم تنفيذ الالتزامات التي صادق عليها رئيس المحكمة أو من ينوب عنه داخل الأجل المحدد، أو إذا ظهرت عناصر جديدة تمس الدعوى العمومية ما لم تكن هذه الأخيرة قد تقادمت، وإيقاف الدعوى العمومية يترتب عليه إيقاف مدة تقادمها أيضا حيث يبتدئ أجل جديد للتقادم في الحالة التي يتم خلالها إقامة الدعوى الأخيرة عند عدم المصادقة على الصلح، أو عدم تنفيذ الالتزامات المضمنة فيه.
ويثار إشكال بخصوص قضية تسجيل أو عدم تسجيل الأمر القضائي الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالمصادقة على الصلح بالسجل العدلي، في هذه الحالة فالأمر القضائي بالمصادقة على الصلح لا يعتبر حكما نهائيا بالمعني القانوني للمحكمة، نظرا لعدم تحريك أي دعوى عمومية أصلا ولانعدام متابعة النيابة العامة، ولذلك فإن هذا الأمر يقتصر على مجرد إشهاد على إجراء الصلح بين طرفيه، ولا يسجل بالسجل العدلي.
خاصة وأن الصلح لا يكتسب قوته وحجته القضائية إلا بعد انتهاء تقادم الدعوى العمومية.

ب‌. الأثر المسقط:
إن السبب الذي جعل المشرع المغربي يعتمد آليات إيقاف الدعوى العمومية دون سقوطها راجع بالأساس إلى الآثار المستقبلية المرتبة عن الصلح، إذ أخذ المشرع بعين الاعتبار حالة تملص المطلوب في الشكوى أو المتشبه فيه في تنفيذ الالتزامات التي صادق عليها رئيس المحكمة داخل الحيز الزمني المعد لذلك ما لم يطل هذه الأخيرة التقادم.
وهذا ما يثير تساؤلا حول مفعول هذا الصلح هل يعتبر سببا من أسباب سقوط الدعوى العمومية أم لا؟
في إطار ما توخاه المشرع من جعل حد نهائي للفعل الجرمي البسيط في بدايته، بخلق آلية للصلح تكون بيد أصحاب العلاقة المباشرة في الفعل، واسترشادا بمبدأ تفسير القاعدة القانونية الجنائية لصالح المتهم، فإن الصلح المذكور يعتبر سببا من أسباب سقوط الدعوى العمومية بمجرد تنفيذ مقتضياته.
رغم أن الفقرة 8 من المادة 41 أبقت على إمكانية تحريك الدعوى العمومية من جديد ولو بعد الصلح، وتنفيذه في حالة استثنائية فيما إذا ظهرت عناصر جديدة تمس بالدعوى العمومية.
وعموما فمسطرة الصلح تعتبر بمثابة آلية قانونية ناجحة في مواجهة الكم الهائل للقضايا الزجرية المعروضة على أنظار المحاكم المغربية، والحد من الصراعات والنزاعات التي تطال العلاقات الاجتماعية بين أطراف الخصومة، سعيا نحو تحقيق عدالة تصالحية تأخذ بعين الاعتبار مصالح الأطراف بصدد نوعية معنية من القضايا هو أولى بتقديرها، وتساهم في تخفيف العبء على مؤسسة القضاء.
ورغم ذلك فإن فاعلية ونجاعة هذه الآلية تبقى رهينة بما يبذله قضاء النيابة العامة من مجهودات في هذا المجال، خاصة وأن هذه المهمة اختيارية لهم تتطلب ضرورة اقتناعهم بجدوى وفائدة هذه المسطرة، وتبقى رهينة كذلك بدور الدفاع في إنجاح هذه المهمة، وذلك بتشجيع الخصوم على اللجوء إلى الصلح لما فيه من فائدة لحسن سير العدالة والمحاكم، إضافة إلى اقتناع المتقاضين بجدوى هذه الآلية، والتخلي عن فكرة الانتقام، وتفضيل خيار الصلح بدل اللجوء إلى المحكمة التي غالبا ما تنتج وتتفرع عنها نزاعات جديدة.
وإذا كان للتطبيق الصحيح لمسطرة الصلح في قانون المسطرة الجنائية الأثر الإيجابي على تصريف القضايا وتدبير النزاعات أمام القضاء، وإعفائه من الانشغال بنزاعات تكلفه الكثير من غير جدوى، فما مدى فعالية وجدوى تطبيق هذا الإجراء في إطار القوانين الجنائية الخاصة، وهذا ما سيكون محور دراستنا في المبحث الموالي.

المحور الثاني : تطبيقات مسطرة الصلح في بعض القوانين الخاصة.

إن التطبيقات التي تشكل مجالا للصلح كثيرة ومتنوعة لا يتسع المجال للإحاطة بها، إذ أنه إلى جانب الصلح المنصوص عليه في المادة 41 من ق.م.ج استحدث المشرع حالات استثنائي تسمح أحيانا بإبرام المصالحة مع بعض المتهمين، ومن الأمثلة على ذلك نجد النصوص القانونية التي تقضي صراحة بجواز المصالحة والمتمثلة في: المادة 74 من ظهير 17/10/1919 المتعلق بالمحافظة على الغابات، والمادة 22 مكرر من ظهير 21/7/1923 المنظم للصيد البري، والمادة 33 من ظهير 11/04/1926 المنظم لصيد السمك في المياه الداخلية والمادة 89 من ظهير 2 نوبر 1932 بشأن احتكا التبغ، والمادة 53 من ظهير 23/11/1973 المنظم الصيد البحري، والمواد من 273 إلى 277 من مدونة الجمارك الصادرة في 09/10/1977 والمعدلة بمقتضيات ظهير 05 يونيو 2000.
إلى جانب هذه النصوص، هنا نصوص كثيرة لا يسمح المجال لذكرها سواء فيما يتعلق بالصلح المدني أو الصلح الجنائي الذي هو محور دراستنا في هذا البحث. لذا فلن نقود بدراسة هذه التطبيقات كلها بل سنقتصر على بعد النماذج منها فقط، والمتمثلة في الصلح في المادة الجمركية ثم الصلح في القانون الضريبي .

أولا : الصلح في المادة الجمركية:
جاء في القسم السادس من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة ، ما يتعلق بالصلح تحت عنوان ” سقوط حقوق المتابعة والزجر “التصالح” الذي نص الفصل 273/1 منه من مدونة الجمارك على أن “للإدارة قبل صدور حكم نهائي أو بعده أن تصالح الأشخاص المتابعين من أجل مخالفة للقوانين والأنظمة الجمركية” .
وأساس المصالحة الخاصة بإدارة الجمارك يرجع لأسباب متعددة منها:

  • قبل صدور الحكم، شرعت من أجل التخفيف على القضاء من كثرة الملفات الشكلية، كما أنه إذا كان الهدف من الدعوى هو الحصول على الموارد المتهرب منها، فيمكن الحصول عليها دون سلوك المسطرة القضائية الطويلة والمعقدة، ودون تشويه سمعة بعض المتعاملين الاقتصاديين الذين تكون المخالفة بالنسبة لهم ناتجة عن الإهمال أو عدم الانتباه.
  • بعد صدور الحكم غالبا ما تكون الأحكام الصادرة تتضمن غرامات مالية جد مرتفعة، فلا يكون لها فائدة في إجبار الملزم على الأداء عن طريق الإكراه البدني بقدر ما يكون لها فائدة في الحصول على مواردها المالية، ولو بنسبة أقل من المبالغ المحكوم بها، استنادا إلى فكرة النفعية التي يقوم عليها القانون الجنائي الجمركي والتي تطبع قواعده بالمرونة.
    ولتحليل أحكام المصالحة الجمركية يقتضي منها التطرق إلى تحديد أطرافها وكذا الاتفاق الناشئ بشأنها، ثم الآثار المترتبة عنها في الفقرات التالية:

1- أطراف عقد المصالحة:
كما سبق الذكر فالصلح هو عقد يحسم به الطرفان نزاع قائما بينهما وهو في ظل التشريع الجمركي بين إدارة الجمارك والمخالف للقوانين والأنظمة الجمركية، لذا فأطراف عقد المصالحة هم الإدارة من جهة والأشخاص المتابعين من جهة أخرى.
أ – السلطة المختصة بالتصالح:
كما هو الشأن بالنسبة للصلاحية التي أعطيت لإدارة الجمارك في تحريك الدعوى العمومية وممارستها، فإنها أيضا تملك حق إنهائها، وذلك خول لها المشرع صلاحية فض النزاعات الناشئة عن خرق القوانين والأنظمة في الميدان الجمركي وكذا مخالفات فض النزاعات الناشئة عن خرق القوانين والأنظمة في الميدان الجمركي وكذا مخالفات ضوابط قوانين الصرف عن طريق إبرام عقد مصالحة مع المخالفين لهاته التشريعات.
وبناء على مقتضيات الفصول من 273 إلى 277 من مدونة الجمارك وكذا الفصل 14 من ظهير 30-08-1949 المتعلق بزجر مخالفات نظام الصرف فإن لإدارة الجمارك حق التصالح مع الأشخاص المتابعين من أل الجرائم المرتكبة في هذا الشأن.
وبخصوص سلطة المصادقة فقد نصت الفقرة الأولى من الفصل 275 على أنه لا تصبح المصالحة نهائية إلا بعد المصادقة عليها من طرف الوزير المكلف بالمالية أو من طرف مدير الإدارة. كما يجوز لرؤساء المصالح المصادقة على المصالحات.

وتجدر الإشارة إلى أنه يجوز للمدير العام أن ينيب عنه غيره في شأن المصالحة مادام أنه قادر على أن ينيب عنه في إقامة الدعوى وتقديم الشكاية والتنازل عنها، لأن المصالحة تعتبر بمثابة تنازل ضمني عن الطلب. إلا أن عقد المصالحة يبقى معلقا على شرط فاسخ في الفترة التي تقع بين تاريخ تقديم عروض المخالف ووقت المصادقة على الصلح، ذلك أن مجرد عرض الطاعن للصلح دون أن يصادفه قبول من سلطة المصادقة على الصلح يصبح لاغيا ولا يترتب عليه أي أثر قانوني. ويثار إشكال بخصوص مدى مراقبة السلطة القضائية على حق إدارة الجمارك في إبرام المصالحة الجمركية؟ لم يخضع المشرع المغربي المصالحة الجمركية لأية رقابة، حيث لم يشترط موافقة القضاء على إبرام المصالحة حتى في الحالة التي تكون فيها القضية مثارة أمام المحكمة. نفس المسلك أقره القضاء المصري بخصوص المصالحة الجمركية حيث اعتبر بأن الصلح في قضاء التهريب الجمركي بمثابة نظام قانوني يدخل في نطاق الملائمة التقديرية التي تملكها جهة الإدارة من حيث إبرامه وإعمال آثاره، وذلك بغير معقب عليها من أية جهة قضائية إذ ليس لهذا الأخيرة الحلول محلها فيما هو داخل في صميم اختصاصها وتقديرها . ويذهب القضاء المقارن إلى القول ” بأن التصالح في قضايا التهريب الجمركي باعتباره نظاما قانونيا يدخل في نطاق الملائمة التقديرية التي تملكها جهة الإدارة من حيث إبرامه وإعمال آثاره حسبما تراه هي من رد المضبوطات أو وسائل النقل وذلك بغير معقب عليها من أي جهة قضائية إذ ليس للأخيرة الحلول محلها فيما هو داخل في صميم اختصاصها وتقديرها ولا يحق لها بالتبعية مراجعتها في وزنها لمناسبات قرارها وملائمات إصداره” . وبالتالي فإنه في حالة مصادقة إدارة الجمارك على عقد المصالحة الجمركية المبرمة بينها وبين المخالف للقوانين والأنظمة الجمركية فإن المنازعة الجمركية تنتهي، وفي حالة العكس يرجع الطرفان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، لأن المصادقة شرط واقف يترتب عليه تمام عقد المصالحة الجمركية. وعليه يمكن القول بأن إدارة الجمارك تتمتع بسلطة تقديرية في هذا الإطار حسب أهمية الجريمة ودرجة خطورة المتابع. إذ يمكنها الموافقة على إجراء المصالحة أو متابعة المخالف دون إلزامها بتعليل قراراتها، وهي تمارس نشاطا كسلطة إدارية، لا يجوز مراقبتها في استعمالها لسلطاتها في المراقبة والتقدير. وهذا على خلاف المشرع الفرنسي الذي علق إجراء المصالحة بعد إثارة العمومية على موافقة السلطة القضائية، وهذه الموافقة تصدر إما عن النيابة العامة إذا كانت الدريعة الجمركية تستوجب عقوبة حبسية، أو عن رئاسة المحكمة المعروض عليها النزاع إذا كانت الجريمة تستوجب عقوبات مالية فقط.

ب – الأشخاص المرخص لهم بالتصالح مع إدارة الجمارك:
إن تحديد الأشخاص المرخص لهم بالتصالح مع إدارة الجمارك يخضع إلى اعتبارات قانونية وواقعية.
لهذا فق أكد الفصل 273 على أنه يجوز لإدارة الجمارك أن تصالح الأشخاص المتابعين من أجل مخالفة القوانين والأنظمة الجمركية سواء كانوا فاعلين أصليين أو مشاركين أو مساهمين، وبصفة عامة كل شخص ثبت في حقه ارتكاب جريمة جمركية.
وهؤلاء المخالفون يجب أن تكون لديهم الأهلية القانونية للتعاقد والتصرف إذ أن الالتزام بدفع مقابل الصلح هو بمثابة تصرف قانوني تطبيقا للقواعد العامة في القانون المدني .
إن الفصل 273 لم يحدد شروط الأشخاص المتابعين إذ وردت عبارة المتابعين بصفة عامة، مما طرح إشكالا حول معيار تحديد الأشخاص المتابعين.
وهذه العبارة تشمل مرتكب المخالفة والمستفيد من الغش والمسؤول المدني، كما أن العقود التصالحية لا يمكن أن تبرم أو تقبل إلا من طرف أشخاص مؤهلين لإبرامها .
بخصوص هذه النقطة فإدارة الجمارك لها السلطة التقديرية في إبرام الصلح وتراعي في ذلك خطورة ألأفعال وظروف الفاعل، ورغم ذلك فهناك من ينادي بضرورة تدخل المشرع ولو بنص تنظيمي لتحديد شروط الأشخاص المتابعين الذين لهم الحق في الاستفادة من الصلح، وذلك بنية إغلاق الباب أمام الأشخاص المحترفين الذين صاروا يشكلون خطرا على الاقتصاد الوطني خاصة في حالة العود، رغم أن هناك من ينادي بضرورة جواز الصلح حتى في حالة العود، وذلك لزيارة الموارد المالية للدولة.
فيما يتعلق بالكفيل فلا ترفع الدعوى العمومية ضدهم ولا يتابعون إلا عند التنفيذ مما يسمح لهم باللجوء إلى التصالح بعد صدور الأحكام بالعقوبات المالية، علما أن الإدارة عند تقديمها لمطالبها المدنية في الدعوى العمومية تقوم بإدخال الكفيل بضمان أداء التزامات المتابعين المكفولين نتيجة بالالتزامات المكفولة، خاصة في الأنظمة الاقتصادية الخاصة، ليصدر الحكم بالأداء في حق الملتزم وكفيله بالتضامن.

ت – اتفاق الصلح:
يخضع اتفاق الصلح في ظل التشريع الجمركي بين إدارة الجمارك والمخالف للقوانين والأنظمة الجمركية، ومحله في هذه الحالة البضائع المتنازع بشأنها، ويتعين أن يكون كتابة في عدد من النسخ الأصلية يعادل عدد الأطراف الذين لهم مصلحة مستقلة فيها، طبقا للفصل 276 من مدونة الجمارك.
وشكل المصالحة إما أن تكون في الحالة التي يكون فيها المحضر لا زال لم يحرر فتضع حدا للنزاع، وإما أن تكون في الحال التي يكون فيها المحضر قد حرر وتتمثل في المصالحة قبل أو بعد الحكم فإذا وقعت قبل صدور حكم كانت سببا من أسباب انقضاء الدعوى العمومية، أما إذا أبرمت بعد صدور حكم نهائي فإنها لا تشمل إلا الغرامات والمصادرات، أما العقوبات الحبسية والتدابير الوقائية المنصوص عليها يف الفقرة الأولى من الفصل 220 من مدونة الجمارك تبقى قائمة.
ولكي يكون اتفاق الصلح كاملا يجب أن يتضمن تاريخ إنشاء العقد، وهوية الأمر بالصرف، وهوية الملزم المتابع وهوية الموظفين مثبتي محضر الجريمة، ثم العروض المقدمة من المخالف بعد اعترافه بارتكاب الجرائم المتابع من أجلها، والمتمثلة في إرجاع كافة النفقات، والتنازل عن البضائع أو وسائل النقل وأداء مبلغ معين، ثم بعد ذلك الإشارة إلى أن الأمر بالصرف الموقع يقبل مؤقتا العروض المقدمة إلى السلطة العليا للمصادقة عليها، ويعترف بأنه توصل بالمبلغ المشار إليه مقابل وصل.
إضافة إلى الإشارة إلى أن الطرف الآخر يشهد على نفسه بأن يترك المبلغ الذي دفعه تحت الإيداع إلى أن يفصل في النزاع، ويعترف بما تسلمه من بضائع، ثم الإشارة إلى النسخ المحرر فيها العقد وهي في الغالب نسختين، وفي الأخير يتم توقيع عقد المصالحة من قبل طرفيه الإدارة والمتابع.

ج – آثار المصالحة الجمركية:
تعتبر المصالحة الجمركية بمثابة تدبير إداري محض تملك إزاءه إدارة الجمارك سلطة تقديرية واسعة، ويشكل تنازلا عن بعض حقوقها المقررة قانونا، وامتيازا لها لتجنب الدعاوى وإنهائها قبل الحكم أو بعده، والمصالحة المبرمة في الميدان الجمركي من شأنها إنهاء النزاع القائم مع إدارة الجمارك ، إذ يترتب عنها سقوط الدعوى العمومية واعتبارها كأن لم تكن، وإلغاءها وإلغاء ما يترتب على ذلك من آثار، منها مثلا رفع يد الإدارة عن الأشياء المحجوزة.
هذه الآثار التي تترتب عن المصالحة المبرمة والمصادق عليها بضفة قانونية تنتج آثارا مهمة في مواجهة المتابع من جهة، وإدارة الجمارك من جهة أخرى، بالإضافة إلى الآثار التي قد تترتب عليها في مواجهة الغير.

د – آثار المصالحة بالنسبة للمتهم.
تتمثل الآثار التي تنتج عن المصالحة بالنسبة للمتهم في انقضاء وسقوط الدعوى العمومية قبل الحكم النهائي، وإيقاف تنفيذ العقوبة بعد الحكم النهائي.

  • في الحالة الأولى، تنص الفقرة الثانية من المادة 273 من مدونة الجمارك على ما يلي: ” إذا وقع الصلح وصار نهائيا قبل الحكم النهائي يترتب عليه بالنسبة إلى الأطراف المتعاقدة انقضاء دعوى النيابة العامة ودعوى الإدارة…”
    إذن في حالة ما إذا ما وقع الصلح وصار نهائيا قبل الحكم النهائي تترتب عليه آثار بالنسبة إلى الأطراف المتعاقدة تتمثل في انقضاء دعوى النيابة العامة ودعوى الإدارة وهذا ما سار عليه المشرع المصري حيث رتب عن الصلح سواء تم أثناء نظر الدعوى أمام المحكمة أو بعد الفصل فيها بحكم بات، انقضاء الدعوى الجنائية أو وقف تنفيذ العقوبة .
    وقد جاء في إحدى قرارات محكمة النقض المصرية بتاريخ 16 ديسمبر 1963 “فالصلح يعد في حدود تطبيق هذا القانون بمثابة نزول من الهيئة الاجتماعية عن حقها ما الدعوى الجنائية مقابل الجعل الذي قام عليه الصلح ويحدث أثره بقوة القانون مما يقتضي من المحكمة إذا ما تم التصالح في أثناء نظر الدعوى أن تحكم بانقضاء الدعوى الجنائية” .
    كما جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بتطوان رقم 4749 بتاريخ 28 يونيو 2000، ملف عدد 01/03/2000: ” …وحيث تنتهي الدعوى العمومية بإبرام مصالحة بين الجاني والمتضرر، وأن قانون الجمارك نص على ذلك صراحة في الفصل 273 منه.
    وحيث أنه تبعا لما ذكر يتعين إلغاء الحكم المستأنف جزئيا، فيما قضى به من إدانة المتهمين ألأول والثاني من أجل التهمة الموجهة لهما، وتصديا الحكم بسقوط الدعوى بشأنهما”
  • أما فيما يخص الحالة الثانية فقد نصت الفقرة الثالثة من المادة 273 من مدونة الجمارك على أنه” وإذا وقع بعد حكم نهائي فإنه لا يسقط عقوبة الحبس والتدبير الوقائي الشخصي المنصوص عليه في الفقرة الاولى من الفصل 220 أعلاه .
    يفهم من هذا النص، أن المصالحة بعد الحكم الهائي تؤدي إلى سقوط جميع العقوبات باستثناء عقوبة الحبس، وجميع التدابير الوقائية باستثناء تدبير منع المقام بدائرة الجمرك، حيث يسري أثر المصالحة على العقوبات المالية دون العقوبات السالبة للحرية.
    وهذا النهج الذي سار عليه المشرع المغربي فقد أخذه عن نظيره الفرنسي إذ جاء في المنشور الصادر في فاتح يناير 1884. “…وفي المقابل ، فإن المصالحة بعد الحكم لا يكون لها أثر على تنفيذ العقوبات البدنية والغرامات الجنائية الجزئية”.
    وقد ذهب بعض الفقه إلى جواز المصالحة الجمركية بعد الحكم النهائي على اعتبار أن هذه المصالحة تتعلق بجرائم لا تثير الشعور العام، لأنها جرائم اصطناعية ارتباط ظهورها بالتطور الاقتصادي الذي عرضه المجتمع وبالتالي فإن إجراء المصالحة بشأنها لا يشكل أي مساس بالنظام العام.
    وقد كان صائبا في سلوكه نفس نهج المشرع الفرنسي، بأن أعطى لإدارة الجمارك الحق في التصالح بخصوص حقوقها المالية بعد صدور حكم نهائي، ومنعها من ذلك في عقوبة الحبس التي تعتبر حقا خالصا للمجتمع لا تجوز المساومة أو المصالحة بشأنه، وفي هذا تكريس لمبدأ الصلح لأهميته في الجرائم الاقتصادية من جهة. وحده من المرونة أو التعسف الذي يمكن أن يصطبغ بها من جهة ثانية.
    إلا أن ضد الاتجاه المؤيد لإبرام المصالحة الجمركية بعد حكم نهائي يبقى محل نظر، إذ أن بعض الفقه ذهب على عدم جواز المصالحة الجمركية بعد حكم نهائي، لأنه إذا كان المشرع المغربي قد اقتبس الأحكام المتعلقة بالمصالحة الجمركية بصفة عامة، من المشرع الفرنسي فإنه لم يساير التعديلات التي عرفتها المصالحة الجمركية في القانون الجمركي الفرنسي. إذ أن المشرع الفرنسي إذا كان يجيز المصالحة الجمركية بعد حكم نهائي بموجب القانون الجمركي الفرنسي المؤرخ في 29/12/1977 فإنه لم يعد يجيز ذلك منذ صدور قانون رقم 77/1453 المعدل والمتمم لقانون الجمارك الفرنسي، إذ نصت المادة 16 منه المعدلة للمادة 350 من القانون الجمركي على عدم جواز المصالحة بعد حكم نهائي، ولكنها أبقت على إمكانية إعفاء المحكوم عليه من أداء العقوبات الجبائية كلها أو جزء منها فقط، ويكون قرار الإعفاء من صلاحيات إدارة الجمارك وهي مقيدة في ذلك برأي الملزم للسلطات القضائية.

2- آثار المصالحة بالنسبة لإدارة الجمارك:
مقابل تنازل إدارة الجمارك عن حقوقها المالية سواء قبل صدور الحكم أو بعده، يكون لها الحق في مقابل مادي يمثل في إرجاع النفقات بما فيها نفقات العقد.
إذن فأثر الصلح موحد في جميع القوانين الاقتصادية. وهو حق إدارة الجمارك في الحصول على مبلغ المصالحة أو المقابل المادي للمصالحة، ورغم أن المشرع المغربي لم ينص على هذا المقابل في مدونة الجمارك، إلا أنه مرتبط بطبيعة عقد المصالحة كعقد ملزم للجانبين تترتب عليه التزامات متبادلة بين الطرفين .
لكن رغم أن هذا العقد يظهر بأنه عقد رضائي، وأن المتابع يعرض أداء المبالغ المذكورة، فعلى المستوى العملي نجد إدارة الجمارك تنفرد بالتحكم في تقدير المبلغ الواجب دفعه من طرف الملزم ولا يبقى له سوى القبول أو الرفض دون المناقشة.
ومقدار المبلغ الواجب دفعه يبقى بيد إدارة الجمارك ويخضع لسلطاتها التقليدية، وسواء كانت مساوية للمبلغ المحكوم به أو أقل منه أو أكثر، فإدارة الجمارك لا يهمها سوى استخلاص حقوقها المالية، ولا يهمها معاقبة أو ردع المخالف للقوانين والأنظمة الجمركية.
وقد ذهب اتجاه إلى اعتبار الامتناع عن سداد مقابل الصلح لا يبطل هذا الأخير، ويعطي للإدارة الحق في المطالبة بتنفيذ التصالح بإكراه المتهم على سد مقابل الصلح أو بالفسخ القضائي مع التعويض.
أما الاتجاه الثاني فقد ذهب إلى عدم جواز الالتجاء إلى التنفيذ الجبري وإنما إعطاء الحق للنيابة العامة في استعادة سلطاتها في تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها.
تنص الفقرة الأولى في المادة 276 من مدونة الجمارك على أنه ” تلزم المصالحة التي أصبحت نهائية طبقا لأحكام المادة 273 أعلاه الأطراف بكيفية لا رجوع فيها، ولا يمكن أن يقدم بشأنها أي طعن ولا يسري أثرها على الأطراف المتعاقدة مع مراعاة أحكام الفقرة الثانية من خضوعها لمبدأ نسبية العقود المطبق في القانون المدني، حيث لا تنتج المصالحة آثارها بين المتعاقدين أطراف العقد دون أن تمتد إلى الغير الأجنبي عنها هذا المقتضى ناتج عن الطبيعة العقدية للمصالحة وما ستتبع ذلك من خضوعها لمبدأ نسبية العقود المطبق في قانون المدني، حيث لا تنتج المصالحة آثارها بين المتعاقدين أطراف العقد دون أن تمتد إلى الغير الأجنبي عنها.
بخصوص المصالحة قبل صدور حكم نهائي فالغير الأجنبي يبقى بعيدا عنها غير خاضع لآثارها، استنادا إلى مبدأ نسبية عقد المصالحة المنصوص عليه في المادة 276 مع مراعاة مقتضيات المادة 217 التي تنص على أنه ” يجب الحكم بمجموع مبلغ العقوبات المالية المستحقة دون أن يخصم منه مبلغ المصالحات المبرمة مع الشركاء في المخالفات والمتواطئين، غير أن تحصيل مبلغ هذه العقوبات من طرف الإدارة لا يمكن أن يتابع عنه إلا بعد إسقاط نصيب الشركاء والمتواطئين المبرمة المصالحات معهم”.
إذ أنه بعد صدور حكم نهائي فجميع الأطراف المتعاقدة وغير المتعاقدة تلتزم بمبلغ المصالحة ، وقد ذهب القضاء الفرنسي في عدة مناسبات إلى التأكيد على الفاعلين الآخرين والشركاء دفع الجزاءات المالية كاملة بالتضامن فيما بينهم بدون خصم حصة المتصالحين، وللإدارة عند تحصيل العقوبات المالية أن تخصم المبالغ التي سبق أن حصلت عليها من المتهم المتصالح معه.
ذلك أن المادة 276 من مدونة الجمارك بعد تعديل 5 يونيو 2000 تنص على الأثر النسبي للمصالحة سواء أبرمت قبل صدور الحكم أو بعد صدوره، وفيما يتعلق بالكفيل فقد نصت المادة 230 من مدونة الجمارك على أنه يلزم الكفيل بقدر ما يلزم الملتزمون الرئيسيون بأداء الرسوم والمكوس، والعقوبات المالية، وغيرها من المبالغ الواجبة على الملزمين الذين كفلوهم “إذ أنه إذا قام الملزم الأصلي بتنفيذ بنود المصالحة فإن الكفالة تنتهي بقوة القانون، وبالمقابل فإن تنفيذ مقتضيات المصالحة من قبل الكفيل تضع حدا للنزاع.
وبالنسبة للورثة فالمادة 265 تنص على أنه إذا توفي مرتكب الفعل المخالف للقوانين والأنظمة الجمركية قبل تسديد الغرامات ومبالغ المصادرات والعقوبات المالية الأخرى المحكومة بها عليه أو المصالحات المقبولة من طرفه، أمكنت متابعة التحصيل في مواجهة التركة وهذا المقتضي يعتبر بمثابة تطبيق لقاعدة عدم وقوف موت المتهم دون تطبيق العقوبات على تركته طبقا الفصل 50 من القانون الجنائي .
بعدما تطرقنا للصلح في المادة الجمركية في المطلب الأول سنحاول من خلال هذا المطلب إعطاء نظرة عامة حول الصلح في القانون الضريبي.

وقد ألزم المشرع المغربي وزير المالية أو من ينوب عنه قبل تقديم الشكاية المتعلقة بالغش الضريبي أمام النيابة العامة، عرضها على لجنة خاصة بالنظر في المخالفات الضريبية تتولى مهمة التوفيق والتصالح بين الإدارة الضريبية والملزم المشتكي به. هذه الجنة لم تخرج بعد إلى حيز الوجود مما أدى إلى القول بأن ذلك يعطل النصوص القانونية، ويشجع التهرب والغش الضريبي، مع ما لذلك من آثار سلبية على الاقتصاد الوطني. وتفاديا لعرض النزاع على القضاء، يتولى الملزم عرضه على اللجنة المحلية التي تختص بالبث في المطالب المتعلقة بالنزاعات القانونية، دون البت في تفسير النصوص التشريعية أو التنظيمية، وتتكون من قاضي يتولى رئاستها ومن عضوية ممثل للعمالة ورئيس المصلحة المحلية للضرائب، أو ممثله، وممثل الخاضعين للضريبة في النزاعات المتعلقة بتصحيح الأساس الضريبي. تقم هذه اللجنة بالاستماع إلى الطرفين كل واحد على حدة أو هما معا إذا طلب أحدهم ذلك أو ارتأت اللجنة ضرورة إجراء مواجهة بين الطرفين، ويتولى مفتش الإدارة الضريبية إعداد تقريريه يتضمن نقط الخلاف مع الملزم دون الجوانب التي تم التراضي بشأنها، ويحاول رئيس اللجنة إبرام اتفاق بين الطرفين يخص النقط التي حصل بشأنها في شكل تراضي لإنهاء النزاع وفي حالة توفقه في إبرام اتفاق، تجتمع اللجنة المحلية لإصدار قرارها الذي يجب أن يكون معللا ومفصلا داخل أجل 24 شهرا التي حددها المشرع للجنة المحلية للبت في النزاع إما بإبرام الصلح أو بإصدار القرار الملائم، الذي يمكن للطرفين الطعن فيه أمام اللجنة الوطنية. وما يمكن القول بخصوص تطبيقات الصلح الجنائي هو أن هذه التطبيقات لا يمكن حصرها في مجال واحد، بل تكتسح كل فروع القانون من إطاره العام إلى إطاره الخاص، وذلك راجع إلى أهمية هذا الأجراء في فض المنازعات بالطرق الودية، ودوره في التخفيف من عبء القضاء ومصاريف الخزينة العامة، إضافة إلى ما يكرسه من سلم وأمن اجتماعيين، وإضفاء نوع من المحبة والمودة بين الجاني والمجني عليه والتي لا يمكن أن يحققها اللجوء إلى القضاء، وما يترتب عنه من طول المساطر وتعقيدات الإجراءات التي تنعكس سلبا على أطراف النزاع.

ثانيا – الصلح في القانون الضريبي:
في النظام الضريبي المغربي المتعلق بالضرائب غير المباشرة لا يوجد أي نص يمنع الإدارة الضريبية من إبرام عقود الصلح مع المكلفين سواء الذين لهم خلاف مع الإدارة أو الذين يتواجدون في وضعية مادية عادية، وقد دلت الممارسات العملية على أن الإدارة الضريبية تلجأ إلى هذا ألأسلوب لحل نزاعات قائمة أو محتملة الوقوع. بل إنها ما فتئت تدعو المكلفين الذين لهم منازعات معروضة على لجان التحكيم الضريبية إلى تسوية ملفاتهم من طريق إبرام مصالحات في هذا الشأن .
وقد اصبحت إدارة الضرائب اليوم تنشأ عقودا خاصة مع مجموعة من الملزمين الذين لهم تعامل خاص مثل الأطباء والمحامين، وأصبحت تنص في بنود العقود على إجراء تدخلات حبية أو حلول تصالحية.
لكن هناك اتجاه ذهب إلى عدم اعتبار الصلح جائزا في المنازعات الضريبية، لأن الأمر يتعلق بحق الخزينة العامة، كما وأنه من متعلقات النظام العام.
وأمام انعدام نص قانوني صريح يبيح بصورة مباشرة إقامة تصالحات ضريية، وأمام انعدام نص يمنع هاته المصالحات، فلا مانع من إجرائها، خصوصا في مجتمع كثرت فيه النزاعات الضريبية، لدرجة أن أصبح كل فرد ملزم بالضريبة يتخوف منها ومنالمبلغ المفروض عليه.
بخصوص الفقه المصري فقد ميز بين أمرين، الأول يتمثل في الالتزام المفروض على الملزم في دفعه الضريبة.
وهذا لا يجوز الصلح فيه، لأن هذا الالتزام مرده إلى الأساس القانوني للضريبة الذي يقوم على مبدأ سيادة الدولة، الذي يعطيها الحق في أن تلزم رعاياها والمقيمين على أرضها بدفع الضرائب، ومن ثم يمكن القول بأن الالتزام المفروض على الممول من النظام العام ومن هناك فلا يجوز أن يكون محلا للصلح.
والأمر الثاني والذي يتعلق بالمبالغ المالية المستحق دفعها أو ما يسمى بدين الضريبة، هذه المبالغ قد تكون محل نزاع بين الممول والإدارة الضريبية فجاز أن تكون محلا للصلح.
ويمكن لكل من إدارة الضرائب والملزم أن يتفقا على طريقة معينة لأداء الضريبة المفروضة عليه، عن طريق إبرام الصلح أو عن طريق عرض النزاع على اللجان المحلية أو اللجنة الوطنية قبل عرضه على القضاء.
ذلك أن الإدارة قد ترى بموجب اتفاق مع الملتزم بأداء الضريبة إما على أقساط، أو إعفاء الملزم من بعض الجزاءات الإدارية التي تم فرضها عليه كالزيادات، الغرامات، الذعائر والعلاوات، أو تقرر تأخير الأداء لمدة يتم الاتفاق عليها.

خاتمة :

لقد أصبح الصلح باعتباره وسيلة لحل المنازعات في الميدان الزجري يحضى بأهمية كبيرة من لدن التشريعات الدولية بما يحققه من حل للنزاعات عن طريق رأب الصدع الذي قد يطال العلاقات الاجتماعية في إطار تحقيق نوع من التسامح والحوار والتكافل الاجتماعي المبني على إحياء فضيلة الخير التي تختزنها النفس البشرية.
وهو بمثابة آلية حضارية لتربية النفس على التسامح وتجاوز دوافع الانتقام في السلوك الإنساني، تهدف إلى جعل القضاء يركز اهتماماته ومجهوداته على القضايا الأساسية عن طريق تخفيف العبء على المحاكم، وربح الوقت بمحاولة البطء نوع من التوازن بين حقوق الفرد وحقوق المجتمع، ويمكن من الحصول على المنافع المالية ذات الدفع الفوري بالنسبة للمجني عليه، حيث يعيد له اعتباره ويحسسه بالدور الإيجابي في عملية التسوية بالطرق السليمة، ويتيح له فرصة لجبر الضرر في أسرع وقت ممكن.
ويسمح للطرف الجاني بالتخلص من المحاكمة الجنائية وما ينجم عنها من صدور حكم بالإدانة، وتكبده تكاليف التقاضي كما يجنبه التسجيل ببطاقة السوابق العدلية واحتساب حالة العود.
ورغم كل هذه الإيجابيات التي جاءت بها مسطرة الصلح إلا أنها لا زالت لم تعرف إقبالا ملحوظا من طرف المتقاضين ويعزى ذلك لعدم استيعاب المتقاضين للفكر التصالحي، خصوصا وأن مجتمعنا المغربي يفضل اللجوء إلى حل النزاعات عن طريق القضاء عوض اللجوء إلى طريق التسوية بشكل حبي ودي.
إضافة إلى مشكل تفعيل إجراء الصلح على المستوى العلمي المتمثل في الخصاص الكبير الذي نعاني منه على مستوى قضاة النيابة العامة الذين أسند لهم المشرع مهمة إجراء الصلح بين المتقاضين.

لذا وأمام هذه الإكراهات، ولتفعيل مبدأ العدالة التصالحية لابد من القيام بـ:

 نشر قيم التصالح لدى المتقاضين وترسيخ ثقافة التسامح والحوار.
 نشر الثقافة التصالحية وترسيخها في مختلف الأوساط التعليمية والتربوية عبر إقرارها في برامج الدراسة غير مختلف أسلاك التعليم.
 إشراك فعاليات المجتمع المدني في التحسيس بأهمية الصلح.
نهج حملة إعلامية واسعة النطاق لدى الرأي العام.
 تنظيم دورات تكوينية للسادة القضاة رئاسة ونيابة عامة، حول تقنية الوساطة.
 حل الإشكال المطروح في حالة وجود عقوبة مزدوجة، يدخل الجزء الأول منها في نطاق المادة 41 والثاني يخرج عن هذا النطاق.
 التفكير في إيجاد آلية جديدة لحل النزاعات الجنائية البسيطة خارج دائرة القضاء، وفق نظام الوساطة الذي يجد جذوره في الثقافة الشعبية المغربية.

مشاركة