الرئيسية آراء وأقلام التشفي على أحزان الآخرين ..ومفهوم الحق في الحياة،

التشفي على أحزان الآخرين ..ومفهوم الحق في الحياة،

IMG 20200915 WA0004.jpg
كتبه كتب في 15 سبتمبر، 2020 - 8:59 صباحًا

يوسف العيصامي:صوت العدالة

مقال للاستاذ عبد الإله مستاري الوكيل العام للملك سابقا بمحكمة الإستئناف بمراكش على اثر فاجعة هتك عرض ومقتل الطفل عدنان.

في الوقت الذي خلف فيه هتك عرض ومقتل المرحوم الطفل عدنان عن طريق الإستدراج
والإختطاف انتكاسة وفاجعة عظمى في مشاعر الناس ، فرا دى وجماعات فهزت نفوسهم هزا، وكسرت قلوبهم كسرا، وجلبت موجة عارمة من الحزن والاسى، واللوعة والحسرة والألم، والشجب والإادانة والإحتجاج ،والمطالبة بإنزال أشد العقاب في حق الجاني أو الجناة، إذ لا يوجد من يملك ذرة إحساس وعطف ولايتأثر ببشاعة وضراوة هذا الحدث الجلل البشع المقيت الذي استهدف طفللا غضا طريا يحمل في خلجاته كل معاني الحب النبيلة، والقيم الخلقية الرفيعة،طفلا بريئا يافعا لا زال على الفطرة، لايعرف للكره معنى ولاللعنف طريقا، طفلا اغتصب في عذرية أحلامه الوردية وطموحاته الندية السنية.
فسلخ سلخا كسلخ الشاة وفصلت روحه عن جسده في أسوء صورة يمجها كل ذي حس أو وجدان…

في هذه الأجواء الحزينة الكئيبة، وبالذات يوم تشييع جنازة هذا الطفل ،تطالعنا بعض الكتابات الغريبة والمستفزة الصادرةعن بعض الجهات التي تزعم أنها تعتنق ثقافة حقوقية ، فتنعت أبناء جلدتها وبلدتها من مواطنيها بأنهم )لا يقلون وحشية عن وحشية الجاني الذين يريدون الثأر منه( وذلك لالشيء سوى أنهم طالبوا بصرامة تطبيق القانون وإنزال أشد العقوبات بما في ذلك عقوبة الأعدام للدفاع عن حياض الحقوق وصيانة الأعراض والأرواح، وهي مطالب لاتخرج بطبيعتها عن المألوف والمعتاد وما يجري على السنة، كل انسان مشحون بالمشاعر الفياضة مكلوم ومجروح، يلوذ بحماية وسلطة القانون وينادي بتعقب الجاني أو الجناة ،وجعلهم رهن إشارة القضاء ،لأخذ القصاص منهم ولمحاكمتهم محاكمة عادلة،وهي مطالب مشروعة لاتخرج عن دائرة الشرعية والمشروعية ،طالما أن القانون نفسه يتضمن عقوبة الإعدام ؛ بالنسبة لمثل هذه الجرائم المرتكبة في حق الطفل الضحية التي روعت كيان المجتمع ومست أمنه وطمأنينته وجعلت الجميع يعيد قراءة أوراقه وترتيب حساباته وتوجهاته، ويطرح سؤالا كبيرا وعريضا يختزل كل التساؤلات: إلى أيــــن نســـــــير؟ رحمك الله ياعدنان ياعصفورة من عصافيرالجنان.
فأية ثقافة حقوقية هذه التي تستند إليها مثل هذه الكتابات فيطلق أصحابها العنان لأقلامهم للنيل من كرامة واعتبار المواطنين ووصفهم بأسوء النعوت والأوصاف والصفات،من قبيل الوحشية التي تنطوي في الحقيقة على أفعال معاقب عليها قانونا تصل الى حد القذف…..
ألاتعتبر هذه المدرسة الحقوقية المزعومة التي تنتمي إليها هذه الأصوات بأن أسلوب الكتابة على هذا النحو يخلو من قواعد اللياقة واللباقة ويعتبر من قبيل الكلام المرسل والمطلق على عواهنه دون أدنى احتراز أو ترو؟

وهل بهذا الأسلوب المستهجن المليء بالألفاظ الجارحة التي تجرد المواطنين من كرامتهم وخصوصيته م وإنسيتهم يمكن من المساهمة في الإرتقاء بممارسة الحق في التعبير….؟
إن أسلوبا من هذا القبيل هو أسلوب مرفوض ولايمكن أن يرقى الى مستوى النقد الهادف الايجابي لافتقاره لمقومات ومقاييس النقد الرصين وحق الرد البناء!.

ألم تسجل في أدبيات هذه المدرسة الحقوقية أن تنهج في كتابتها وخطاباتها أسلوبا يتصف بالحكمة في إبداء الرأي وفي اختيار لغة التعبير ،التي تنم عن سموالفكر الحقوقي المتزن، وأن لاتحيد عن هدوء العقل وسعة الصدر، والإلتزام بعفة القلم واللسان،والتقيد بفضيلة الحوار والمجادلة الحسنة؟

ألم يكن من الأجدى مراعاة الظرفية النفسية المزرية التي تجتازها أسرة الضحية في محنتها هذه وكذا كافة المواطنين الذين يشاطرونها حزنها وكدرها وكربها .وأن يتم اختيار تعابير أكثر ملاءمة وأدق دلالة عن الشفقة والمواساة والتخفيف من حدة المعاناة، بدلا من الخوض في موضوع عقوبة الإعدام ونهج أسلوب التقريع والتجريح و الإستفزاز الذي يستهدف المشاعر والعواط ف.
فعن أي نشاط حقوقي يتحدثون ؟
وعن أي نوع من الثقافة الحقوقية يتمسكون ؟
فاذا كان المواطنون قد ألحقت بهم هذه الاوصاف المتوحشة لمجرد أنهم طالبوا فقط بمحاكمة الجاني وإنزال أشد العقوبات في حقه، فكيف سيكون عليه موقف مثل هذه الأصوات في حالة صدورحكم فعلا با لإعدام ؟وماهي ياترى الأوصاف والنعوت التي ستصدر عقب صدور الحكم بتلك العقوبة ؟ وإن غدا لناظره قريب وسوف نرى !

    وبخصوص ارتباط عقوبة الاعدام بمفهوم الحق في الحياة الذي هو اتجاه خاطيء من اساسه يستدعي ابداء الملاحظات التالية : 

فما المقصود اذن بالحق في الحياة حسب التفسير المعطى من قبل اللجنة المعنية بحقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة ؟

تصف المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحق في الحياة بأنه حق لازم للإنسان مما يعني أنه حق طبيعي مستمد من الوجود الإنساني حيث أن القانون يعد كاشفا عنه لا منشأ ل ه، ويتعين على القانون حسب هذه المادة أن يحمي الحق ولا يجوز حرمان أحد منه )بطريقة تعسفية(؛ويلقي العهد الدولي والصكوك الدولية الاخرى على عاتق الدول عددا من الإلتزامات الإيجابية.
ورغم أن العهد الدولي يهتم على ما يظهر من المادة السادسة منه بالجانب السلبي في الحق في الحياة المتمثل في الامتناع عن الاعتداء عليه) تعسفيا( ودون سبب قانوني إلا ان اجتهادات اللجنة المعنية بحقوق الانسان وغيرها من هي ئات الرقابة ومن خلال تفسيرها للحق في الحياة تضع التزامات وضوابط يتعين على الدول احترامها إ ذ يترتب بمقتضاها على الدول الاطراف في الاتفاقية أن تتضمن قوانينها الداخلية النصوص والأحكام الواردة في الإتفاقية حماية حق كل فرد خاضع لولايتها واختصاصها.
فالدول ملزمة اذن بخلق تشريعات تمنع ا لإعتداء على هذا الحق والمعاقبة عليه قي حالة وقوعه وحمايته ضمن حدود ولايتها.
أما البروتوكول الإختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي هو الوحيد الذي يتحدث عن منع عقوبة ا لإعدام وترك للدول الإختيار للانضمام اليه مراعاة لخصوصيتها الوطنية.
والدول العربية لم توقع عليه لحد الان إلاواحدة وكذا الشان بالنسبة لبعض الدول الغربية و امريكا اللاتينية.
وفي اطار الحفاظ على الحق في الحياة، منع على الدول تعريض حياة أي من الخاضعين لولايتها إلى
الخطر بسبب تقصيرها في نظم الرعاية الصحية وحماية الصحة العامة والبيئة،فيتعين على الدول الاطراف اتخاذ ماتراه ضروري من التدابير الوق ائية الهادفة لضمان حماية الصحة وصحة السكان ومنع التلوث البيئي.

) ولقد أوضحت اللجنة المعنية بحقوق الانسان هذه العلاقة الوطيدة بين الحق في الحياة والحق في الرعاية الصحية الذي هو جزء لا يتجزء منه ويجب أن يفسر الحق في الحياة تفسيرا واسعا يشمل كافة مظاهر
الحياة. ولاعلاقة له البتة بعقوبة الاعدام التي يحكم بها من لدن قضاء الدولة بكيفية شرعية وغير تعسفية في حق الا شخاص العاديين الذين انتهكوا حق الحياة. (
وتمة التزام آخر وهو التزام مستمد من الصلة بين الحق في الحياة وبين تامين الحاجيات الاساسية ، كالمأكل والملبس والمسكن والعناية الصحية وفرص العمل ، فهذه كلها مظاهر لحقوق الانسان الاقتصادية
والاجتماعية وخاصة حق الانسان في مستوى معيشي لائق، وهي التزامات لايمكن فصلها عن الحق في الحياة وإان وردت في المادتين11و12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

عقوبة الاعدام والبروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي:

أول ملاحظة يمكن إبداؤها من خلال التسمية المطلقة على هذا البروتوكول بأنه )اختياري أي غير ملزم للدول في الانضمام إليه (مراعاة لخصوصيتها الوطنية ومرجعيتها الاجتماعية التي يتفهمها المنتظم الدولي
.
فلقد ألحق بالعهد الدولي هذا البروتوكول المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام بتاريخ 15/12/1989 حسب القرار
128/ 44ودخل حيز التنفيذ بتاريخ 1/7/1991
ويلزم هذا البروتوكول الدول الموقعة عليه بالإامتناع عن العمل بعقوبة الإعدام وب إتخاذ كافة التدابير الضرورية لإلغاء العقوبة ، وقد أجاز للدول الأطراف أن تقصر عقوبة الإعدام على الجرائم ذات الطبيعة العسكرية المرتكبة زمن الحرب. )المادة الثانية من البروتوكول(
كما أوجب على كل دولة تبدي تحفظا بشأن هذا البروتوكول أن تقوم بإخطارالأمين العام للأمم المتحدة ببداية ونهاية أية حالة حرب تكون جارية على أراضيها.
أما بالنسبة للدول العربية فإن أي دولة منها لم تنضم إلى هذا البروتوكول، ومازالت عقوبة الإعدام تحفل بها تشريعاتها،باستثناء دولة جيبوتي التي ألغت عقوبة الإعدام من قوانينها الجنائية وقد حدد الميثاق العربي لحقوق الإنسان المعدل سنة 2004 في المادتين 6 و7 منه قيودا وضوابط صارمة لتنفيذ العقوبة ، تشبه إلى حد بعيد الشروط التي جاء بها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

واقع عقوبة الاعدام بالمغرب.

لقد سبق للجنة الإانصاف والمصالحة عند إنهاء اشغالها بتاريخ 2005/11/30 أن أوصت بالإنضمام الى البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بإلغاء عقوبة الإعدام ،وقد وافق جلالة الملك أنذاك على هذه التوصية وكلف المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان بتفعيلها عن طريق فتح نقاش عمومي عميق بشأنها.
كما تقدمت إحدى الفرق النيابية بمشروع اقتراح قانون يقضي بإلغاء عقوبة ا لإعدام خلال سنة2006 لكن هذا المشروع لم يلق تجاوبا من لدن بقية الفرق.
وفي غياب أي نقاش عمومي عميق ب شأن الغاء هذه العقوبة بالشكل اللائق .فقد كان المغرب دائما يمتنع عن التصويت سواء بالنسبة للانضمام إلى البروتوكول الإختياري الثاني بشأن إلغاء عقوبة الإعدام أو بعدم تنفيذ هذه العقوبة.
كما أكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان بعد صدور دستور 2011 دعوته الى إلغاء عقوبة الإاعدام خلال جلسة مناقشة هذه العقوبة ضمن الدورة 28 لمجلس حقوق الانسان بجنيف حيث دعا الدولة المغربية الى الانضمام الى البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي ، كما جدد رئيس هذ المجلس خلال أول مؤتمر اقليمي بالرباط في موضوع إلغاء هذه العقوبة طلبه الى الحكومة بإلغاءها وذلك إعمالا بتوصية هيأة الإنصاف والمصالحة ولمقتضيات الدستور.
ويستخلص من ذلك كله بأنه لاتوجد اليوم بالمغرب مواقف رافضة للدعوة بفتح نقاش عميق ومستفيض مع كل الفعاليات الاجتماعية، وهذا يعد في حد ذاته مكسبا هاما في مسيرة إنضاج النقاش للوصول الى الخيار الأنسب ؛إما بالإبقاء على هذه العقوبة في حدود جد ضيقة أو إلغاءها بالمرة.
ومن جملة الأسئلة التي يطرحها الرأي العام المغربي حول ما مدى جدوى إلغاء عقوبةالإعدام ؟ وهل
المجتمع المغربي في حاجة ماسة لهذا الإلغاء ؟ وهل تم القضاء على كل مسببات الجريمة من فقر وهشاشة وأمية وإقصاء وتهميش ؟ وفيما إذا تم الحد من حدة الفوارق الاجتماعية؟ وهل يتوفر المجتمع على جودة المؤسسات وجودة الحياة والبيئة ؟ وهل يحفزه الابتكار والبحث العلمي والإبداع الثقافي ؟ وفيما إذا كانت
الشرائح والفئات الاجتماعية مشبعة بثقافة القيم الكونية التي تؤهل المجتمع ليكون في مستوى التحديات التي ترتقي به ليكون في مصاف الدول المتقدمة ؟
إنها أسئلة مشروعة بلورها بشكل أدق الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان بتاريخ 2014/10/10 فعندما تتحقق هذه الشروط ، فعندها يمكن الإقتناع بالإلغاء الكلي لعقوبة الإعدام.
ولعل الأسباب الكامنة وراء عدم انضمام المغرب للبروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الذي يلغي عقوبة الإعدام ، ناتجة بالأساس عن مراعاة الخصوصية الوطنية، والمرجعية الاجتماعية ،لأن الشروط الموضوعية لازالت لم تتحقق والأفكار لازالت لم تنضج بعد، والرأي العام غير مهيئ بما فيه الكفاية لإلغاءهذه العقوبة كليا، ولذلك ركن المغرب إلى الإانتقال التدريجي للأخذ بهذه العقوبة .
ويسعفه في ذلك تصدير الدستور الحالي الذي نص في الفقرة ما قبل الأخيرة منه على ما يلي : جعل
الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية إلخ…
ويستخلص من كل ما سبق أن هاجس عقوبة الإعدام حاضر بقوة سواء على مستوى الأفكار والآراء أو على مستوى بعض الإرهاصات والإجتهادات التشريعية وكذا على مستوى الممارسة العملية القضاءية بالمغرب من حيث تطبيق ظروف التخفيف في مادة الجنايات، فهذه العقوبة يجب أن تناقش في ضوء قيم وخصوصيات كل مجتمع على حدة مع مراعاة الظرفية الراهنة بكل أبعادها وتمثلاتها الإقليمية والدولية والاجتماعية والأخذ بعين الإعتبار بما يجري في دول الجوار وفي العالم أجمع من جرائم منظمة ترتكب بوحشية ممنهجة، إذ يمكن تحقيق هذا الإلغاء لهذه العقوبة مع تغير الظروف ومع الإانتقال التدريجي لتطور الوعي لدى الرأي العام،وذلك عن طريق خلق آليات ناجعة وفعالة لمحاربة ظاهرة الإجرام التي يعرفها المجتمع المغربي، كما في غيره من المجتمعات، وتجديد الخطاب الديني وفق المنهج الصحيح ومقتضيات العصر ، ودعم كل المبادرات ذات المصداقية ،مع تنظيم تظاهرات وندوات وورشات عمل لتدارس مختلف أبعاد هذه العقوبة وغيرها من العقوبات الأخرى وفق نسق علمي رصين، وخلق تفاعل مجتمعي فعال تؤطره الأوساط العلمية والأكاديمية والدينية والقطاعية ذات الصلة،والسعي لخلق مراكزللتأمل
والتفكيرتشمل كافة الفعاليات داخل المجتمع لنشر الوعي والثقافة الحقوقية والقيم الكونية، حتى يتأتى تهيئ المجتمع للتعامل مع الظاهرة بشكل إيجابي، وتحفيزكل فئاته لترسيخ القناعة بمدى جدوى هذه العقوبة، ولتجاوز مرحلة التدرج التي قبل بها المغرب، مما يوفر لسلطة التشريع كل المعطيات الكافية التي تمكنها من تبني الخيار المناسب الذي تمليه تطلعات المجتمع وتوجهاته على اعتبار أن هذا الورش يعد في ذات الوقت عملا حكوميا بامتياز.

مشاركة