الرئيسية آراء وأقلام التشفي على أحزان الآخرين…ومفهوم الحق في الحياة

التشفي على أحزان الآخرين…ومفهوم الحق في الحياة

IMG 20200915 WA0085.jpg
كتبه كتب في 15 سبتمبر، 2020 - 5:23 مساءً

بقلم: للاستاذ عبد الإله مستاري الوكيل العام للملك سابقا بمحكمة الإستئناف بمراكش

في الوقت الذي خلف فيه هتك عرض ومقتل المرحوم الطفل عدنان عن طريق الإستدراج
والإختطاف انتكاسة وفاجعة عظمى في مشاعر الناس ، فرا دى وجماعات فهزت نفوسهم هزا، وكسرت قلوبهم كسرا، وجلبت موجة عارمة من الحزن والاسى، واللوعة والحسرة والألم، والشجب والإادانة والإحتجاج ،والمطالبة بإنزال أشد العقاب في حق الجاني أو الجناة، إذ لا يوجد من يملك ذرة إحساس وعطف ولايتأثر ببشاعة وضراوة هذا الحدث الجلل البشع المقيت الذي استهدف طفللا غضا طريا يحمل في خلجاته كل معاني الحب النبيلة، والقيم الخلقية الرفيعة،طفلا بريئا يافعا لا زال على الفطرة، لايعرف للكره معنى ولاللعنف طريقا، طفلا اغتصب في عذرية أحلامه الوردية وطموحاته الندية السنية.
فسلخ سلخا كسلخ الشاة وفصلت روحه عن جسده في أسوء صورة يمجها كل ذي حس أو وجدان…

في هذه الأجواء الحزينة الكئيبة، وبالذات يوم تشييع جنازة هذا الطفل ،تطالعنا بعض الكتابات الغريبة والمستفزة الصادرةعن بعض الجهات التي تزعم أنها تعتنق ثقافة حقوقية ، فتنعت أبناء جلدتها وبلدتها من مواطنيها بأنهم )لا يقلون وحشية عن وحشية الجاني الذين يريدون الثأر منه( وذلك لالشيء سوى أنهم طالبوا بصرامة تطبيق القانون وإنزال أشد العقوبات بما في ذلك عقوبة الأعدام للدفاع عن حياض الحقوق وصيانة الأعراض والأرواح، وهي مطالب لاتخرج بطبيعتها عن المألوف والمعتاد وما يجري على السنة، كل انسان مشحون بالمشاعر الفياضة مكلوم ومجروح، يلوذ بحماية وسلطة القانون وينادي بتعقب الجاني أو الجناة ،وجعلهم رهن إشارة القضاء ،لأخذ القصاص منهم ولمحاكمتهم محاكمة عادلة،وهي مطالب مشروعة لاتخرج عن دائرة الشرعية والمشروعية ،طالما أن القانون نفسه يتضمن عقوبة الإعدام ؛ بالنسبة لمثل هذه الجرائم المرتكبة في حق الطفل الضحية التي روعت كيان المجتمع ومست أمنه وطمأنينته وجعلت الجميع يعيد قراءة أوراقه وترتيب حساباته وتوجهاته، ويطرح سؤالا كبيرا وعريضا يختزل كل التساؤلات: إلى أيــــن نســـــــير؟ رحمك الله ياعدنان ياعصفورة من عصافيرالجنان.
فأية ثقافة حقوقية هذه التي تستند إليها مثل هذه الكتابات فيطلق أصحابها العنان لأقلامهم للنيل من كرامة واعتبار المواطنين ووصفهم بأسوء النعوت والأوصاف والصفات،من قبيل الوحشية التي تنطوي في الحقيقة على أفعال معاقب عليها قانونا تصل الى حد القذ ف…..
ألاتعتبر هذه المدرسة الحقوقية المزعومة التي تنتمي إليها هذه الأصوات بأن أسلوب الكتابة على هذا النحو يخلو من قواعد اللياقة واللباقة ويعتبر من قبيل الكلام المرسل والمطلق على عواهنه دون أدنى احتراز أو ترو.؟

وهل بهذا الأسلوب المستهجن المليء بالألفاظ الجارحة التي تجرد المواطنين من كرامتهم وخصوصيته م وإنسيتهم يمكن من المساهمة في الإرتقاء بممارسة الحق في التعبير….؟
إن أسلوبا من هذا القبيل هو أسلوب مرفوض ولايمكن أن يرقى الى مستوى النقد الهادف الايجابي لافتقاره لمقومات ومقاييس النقد الرصين وحق الرد البناء!.

ألم تسجل في أدبيات هذه المدرسة الحقوقية أن تنهج في كتابتها وخطاباتها أسلوبا يتصف بالحكمة في إبداء الرأي وفي اختيار لغة التعبير ،التي تنم عن سموالفكر الحقوقي المتزن، وأن لاتحيد عن هدوء العقل وسعة الصدر، والإلتزام بعفة القلم واللسان،والتقيد بفضيلة الحوار والمجادلة الحسنة؟

ألم يكن من الأجدى مراعاة الظرفية النفسية المزرية التي تجتازها أسرة الضحية في محنتها هذه وكذا كافة المواطنين الذين يشاطرونها حزنها وكدرها وكربها .وأن يتم اختيار تعابير أكثر ملاءمة وأدق دلالة عن الشفقة والمواساة والتخفيف من حدة المعاناة، بدلا من الخوض في موضوع عقوبة الإعدام ونهج أسلوب التقريع والتجريح و الإستفزاز الذي يستهدف المشاعر والعواط ف.
فعن أي نشاط حقوقي يتحدثون ؟
وعن أي نوع من الثقافة الحقوقية يتمسكون ؟
فاذا كان المواطنون قد ألحقت بهم هذه الاوصاف المتوحشة لمجرد أنهم طالبوا فقط بمحاكمة الجاني وإنزال أشد العقوبات في حقه، فكيف سيكون عليه موقف مثل هذه الأصوات في حالة صدورحكم فعلا با لإعدام ؟وماهي ياترى الأوصاف والنعوت التي ستصدر عقب صدور الحكم بتلك العقوبة ؟ وإن غدا لناظره قريب وسوف نرى !

    وبخصوص ارتباط عقوبة الاعدام بمفهوم الحق في الحياة الذي هو اتجاه خاطيء من اساسه يستدعي ابداء الملاحظات التالية : 

فما المقصود اذن بالحق في الحياة حسب التفسير المعطى من قبل اللجنة المعنية بحقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة ؟

تصف المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحق في الحياة بأنه حق لازم للإنسان مما يعني أنه حق طبيعي مستمد من الوجود الإنساني حيث أن القانون يعد كاشفا عنه لا منشأ ل ه، ويتعين على القانون حسب هذه المادة أن يحمي الحق ولا يجوز حرمان أحد منه )بطريقة تعسفية(؛ويلقي العهد الدولي والصكوك الدولية الاخرى على عاتق الدول عددا من الإلتزامات الإيجابية.
ورغم أن العهد الدولي يهتم على ما يظهر من المادة السادسة منه بالجانب السلبي في الحق في الحياة المتمثل في الامتناع عن الاعتداء عليه) تعسفيا( ودون سبب قانوني إلا ان اجتهادات اللجنة المعنية بحقوق الانسان وغيرها من هي ئات الرقابة ومن خلال تفسيرها للحق في الحياة تضع التزامات وضوابط يتعين على الدول احترامها إ ذ يترتب بمقتضاها على الدول الاطراف في الاتفاقية أن تتضمن قوانينها الداخلية النصوص والأحكام الواردة في الإتفاقية حماية حق كل فرد خاضع لولايتها واختصاصها.
فالدول ملزمة اذن بخلق تشريعات تمنع ا لإعتداء على هذا الحق والمعاقبة عليه قي حالة وقوعه وحمايته ضمن حدود ولايتها.
أما البروتوكول الإختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي هو الوحيد الذي يتحدث عن منع عقوبة ا لإعدام وترك للدول الإختيار للانضمام اليه مراعاة لخصوصيتها الوطني

مشاركة