الرئيسية آراء وأقلام اثر حالة الطوارئ الصحية على سداد القروض “

اثر حالة الطوارئ الصحية على سداد القروض “

IMG 20200517 WA0056.jpg
كتبه كتب في 17 مايو، 2020 - 4:16 صباحًا

بلال بوشعاري

طالب باحث بماستر القانون المدني و الاعمال طنجة

موضوع تحت عنوان

مقدمة

    تعتبر القروض  البنكية سواء الاستهلاكية أو العقارية من القروض الطويلة الاجل، والتي يعتبر الزمن عنصرا اساسيا في تنفيذها، ومن هنا تبرز أهمية اشكالية العلاقة بين الزمن و العقد في عملية الاقراض البنكي، والحديث عن الزمن القانوني لتنفيذ الالتزامات من طرف المستهلك للمؤسسة البنكية           (المقرض) لا يتأتى إلا في إطار استحضار التحولات الاقتصادية والاجتماعية للمقترض، خاصة في  الظروف التي  نعيشها حاليا و المتمثلة في جائحة كورونا و اثرها على  الافراد، خاصة المقترض المتوقف عن العمل.

    لا شك أن التوقف  المفاجئ عن أداء الأقساط المستحقة يؤدي الى إخلال بالتزامات المقترض التعاقدية اتجاه البنك، وبالتالي فهذا يشكل خطرا محدقا يهدده، بل يتجاوز ذلك ليهدد أسرته بالتشرد و الضياع في حالة توجه البنك نحو مساطر التنفيذ على الضمانات.

     من خلال هذه الانعكاسات نجد المشرع المغربي عبر عن وفائه للبعد الاخلاقي للقاعدة القانونية في سانه لقانون 08-31 القاضي  بتدابير حماية المستهلك، حيث كرس ذلك في المادة 149، و من خلال هذه المادة خول المشرع للقضاء سلطة التدخله في العقد وتكريس حماية للمقترض المعسر الذي يمر بإكراهات اقتصادية و اجتماعية، وفي هذا المقتضى القانوني الذي فرضته الوضعية التشريعية لقانون 31.08 المتسم بالحدة، كما أن هناك تدخلات اخرى فرضتها حالة الطوارئ الصحية، والتي اتسمت بطابعها الاستباقي و حمائي طابع.

   وقد  آثرت الاجراءات الاحترازية التي اتخذها  المغرب تفاديا لانتشار فيروس كورونا على الحركة الاقتصادية بصفة عامة و الانتاجية بصفة خاصة، حيث انعكس ذلك بشكل مباشر على الالتزامات التعاقدية، خاصة  عقد القرض.

    ولهذا فإن انتشار فيروس كرونا من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزامات مستحيلا بشكل كامل بالنسبة للأفراد الذين تقلص دخلهم بسبب حالة طوارئ الصحية المقررة، نتيجة توقفهم عن العمل.

      وفي  هذا الصدد اعلنت وزارة الاقتصاد و المالية و إصلاح الادارة يوم الاربعاء 11 مارس 2020، إنشاء لجنة اليقظة الاقتصادية لتتبع انعكاسات وباء فيروس كورونا المستجد ( كوفيد- 19 ) والاجراءات المواكبة، وذلك في إطار المجهودات الاستباقية التي تقوم بها الحكومة لمواجهة الانعكاسات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للوباء على الاقتصاد الوطني.

  وقد عقدت  لجنة اليقظة أول اجتماع عمل لها يوم الاثنين 16 مارس 2020،  والاجتماع الثاني الذي يهمنا في هذا المقال  عقد يوم  الخميس  19 مارس، وقد  اعطيت الأولوية في هذا الاجتماع لاتخاد إجراءات على المستوى الاجتماعي لفائدة الاجراء الذين توقفوا عن العمل،  ولهذا فقد قرر اعضاء الجنة من تمكين هؤلاء الاجراء المتوقفين عن العمل من تأجيل سداد القروض البنكية ( قروض الاستهلاك  وقروض السكن)، الى غاية 30 يونيو 2020.

   اذن فماهي ضوابط  تأجيل سداد القروض في ظل انتشار وباء كورونا المستجد؟

وهذا ما سوف نحاول الاجابة عنه  من خلال التصميم التالي :

أولا :  ضوابط  تأجيل سداد القروض على ضوء المادة 149 من ق 31.08.

ثانيا : تأثير سداد القروض  بفيروس كورونا المستجد.

أولا: ضوابط تأجيل سداد القروض على ضوء المادة 149 من ق 31.08

     بعد قراءة المادة 149 من ق  31.08 نلاحظ أن سلطة القاضي في منح المدين المقترض مهلة قضائية من أجل تنفيذ التزاماته ليست مطلقة وإنما أحاطها بمجموعة من الضوابط يجب مراعاتها.

 – 1 أن تستدعي حالة المقترض منحه مهلة قضائية، بحيت يجب ان يكون المقترض في حالة من الضيق المالي، و أن يثبت أن عدم التنفيذ راجعا إلى مجرد ظروف صعبة ومؤقتة ينتظر زوالها( جائحة كورونا مثلا ) ، ويجب على المقترض ان يثبت  أن مركزه الاقتصادي يستدعي مهلة للأداء وأن لا يقتصر  على مجرد ادعاء ذلك دون اثبات قدرته عليه، وقد  حددت المادة 149 من ق 31.08 الظروف المبررة لاستفادة المقترض  من الإمهال القضائي، في حالة  فصل عن العمل أو في حالة اجتماعية غير متوقعة، وهو تحديد يبقى على سبيل المثال وليس الحصر بدليل استعمال المشرع عبارة ” و لاسيما “، ليفتح المجال أمام جميع الظروف  الخاصة الطارئة.

2– أن لا يكون هناك مانع قانوني في منح الإمهال القضائي،  و من أهم الحالات التي منع فيها المشرع منح الإمهال القضائي للمقترض نجد ما يتعلق بالأوراق التجارية التي تتميز بمجموعة من الخصائص يجعلها محصنة من كافة الدفوع و المهل  القانونية والقضائية، حيث تخضع لقواعد الصرف القاسية التي تحمي حامل الورقة  التجارية ويمكنه من استخلاصها بسهولة، وذلك لأن  الموقع عليها يتحمل التزاما صرفيا يرتكز على مبدأ الكفاية الذاتية  للورقة التجارية التي تتوفر على بيانات معينة يطلبها القانون، مما يفرضه عليه ضرورة الوفاء بها عند حلول تاريخ  الاستحقاق،  ويتجلى هذا المنع بنصوص خاصة تتعلق بالكمبيالة و السند ﻷمر و الشيك .

 –3عدم تجاوز الإمهال القضائي المدة القصوى،  وقد حدد المشرع مدة الإمهال القضائي في سقف سنتين بموجب المادة 149  من قانون حماية المستهلك، لكنه ترك السلطة التقديرية للقاضي في تحديد  المدة  الملائمة على أن لا تتجاوز  بطبيعة الحال السقف المحدد قانونا.

   و إن بدء سريان هذه المدة يكون بطبيعة الحال من تاريخ صدور الأمر القاضي بإيقاف أداء الاقساط اتجاه المؤسسة المقرضة، وفي هذا  الصدد نسوق مثال الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بمكناس، و الذي قضى في منطوقه ” بإيقاف أداء الأقساط المستحقة عن عقد القرض العقاري الذي ابرمته المدعية مع المدعى عليها مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية، وذلك إلى حين انتهاء حالة عطالتها عن العمل على أن لا يتجاوز سنتين من تاريخ صدور هذا الحكم… “.

   و في الاخير يجب الإشارة إلا أن الأمر القاضي بمنح الإمهال القضائي، يمكن أن يمتد نطاقه ليشمل أيضا توابع الدين وطرق أدائه.

ثانيا: تأثير سداد القروض  بفيروس كورونا المستجد.

  إن آثار فيروس كورونا لا تقتصر على الجانب الصحي بل تتعداه إلى جوانب أخرى لها أهميتها أيضا في الحياة العامة للفرد والدولة على حد سواء، فلها تأثير على الجانب الاجتماعي وأيضا الاقتصادي، أمر أكدته الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة حينما قررت وقف كل الأنشطة العامة والاقتصادية داخل البلد، مما أدى إلى تضرر قطاعات واسعة من الاقتصاد، ودفع بآلاف العمال والمستخدمين إلى التوقف عن العمل،  هذا ما آثر بشكل مباشر على الأجير المقترض المعسر بسبب توقفه عن سداد أقساط القرض و ذلك نتيجة توقفه المؤقت عن العمل، في ظل انشار وباء كورونا المستجد.

     وفي هذا الإطار عقدت لجنة اليقظة الاقتصادية (CVE) اجتماع عملها الثاني يوم الخميس 19 مارس 2020 بمقر وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة.

     وقد اعطيت الأولوية في هذا الاجتماع الثاني، من جهة، لاتخاذ إجراءات على المستوى الاجتماعي لفائدة الأجراء الذين توقفوا عن العمل، حيث سيتمكن هؤلاء الأجراء من الاستفادة من تأجيل سداد القروض البنكية (قروض الاستهلاك وقروض السكن) إلى غاية 30 يونيو 2020.

     وفي  يوم الجمعة 08 ماي 2020 عقدت لجنة اليقظة الاقتصادية  اجتماعها السابع ،  حيث وافق  في هذا الاجتماع أعضاء لجنة اليقظة الاقتصادية، بعد المناقشة والتشاور، على مجموعة  التدابير من بينها ما يتعلق بتأجيل سداد الديون بالنسبة للأفراد الذين تقلص دخلهم بسبب حالة الطوارئ الصحية المقررة، فقد تقرر أن تتحمل الدولة والقطاع البنكي التكلفة الكاملة للفوائد العرضية (intercalaires) الناتجة عن تأجيل سداد قروض السكن والاستهلاك للفترة الممتدة بين مارس ويونيو 2020، وفي هذا الصدد و بالرجوع إلى  المادة 149 م ق 31.08  نجد على أنها تنص ” على أنه يمكن لرئيس المحكمة أن يقرر في الأمر على أن المبالغ المستحقة لا تترتب عليها الفائدة طيلة مدة المهلة القضائية”، و بالنسبة للمدة التي حددتها البنوك و لجنة اليقظة المتمثلة  في ثلاثة أشهر، نجد في المقابل المشرع حدد مدة الإمهال القضائي المنصوص عليه في المادة 149 ق ح م  في سقف سنتين.

   و السؤال هنا هو في حالة إذا ما تم تمديد حالة الطوارئ الصحية هل ستتجدد المهلة الممنوحة للمقترض بشكل آلي حتى ترفع حالة الطوارئ الصحية، أم لابد من سلوك المستفيد لمسطرة طلب التأجيل مرة ثانية ؟

      و هذا الإجراء الذي اتخذته لجنة اليقظة يهم  الأشخاص الذين لديهم أقساط شهرية قد تصل إلى 3000 درهم بالنسبة لقروض السكن و 1500 درهم بالنسبة لقروض الاستهلاك، بما فيها القروض التي قدمتها شركات التمويل، في حين نجد أن المادة 149 من ق ح م، لم تحدد سقف قيمة الأقساط الشهرية للمقترض الذي سيستفيد من المهلة، بل تركت ذلك لرئيس المحكمة المختصة في إطار سلطته التقديرية.

      وللإشارة فمن المتوقع أن يستفيد من تأجيل سداد القروض 400 ألف شخص من بينهم الشركات.

خاتمة         نظرا لخطورة التنفيذ على المقترض في حالة التوقف عن أداء الأقساط، فقد تنبه المشرع لحماية هذا المقترض موفرة له مجموعة من الضمانات التي بموجبها يتم تأجيل تنفيذ اداء الأقساط شريطة ان لا تتجاوز مدة سنتين، والجهاز الساهر على توفير هذه حماية هو القضاء، وانسجاما مع هذه الحماية نجد أن الدولة تدخلت في هذا الشق بشمول الأجراء المقترضين المتوقفين عن العمل اثر حالة الطوارئ الصحية، و التوقف عن أداء الأقساط خلال هذه مدة، ومن هنا نجد أن تدخل المؤسسات الادارية والقضائية لمواجهة الاكراهات الاقتصادية والاجتماعية وتوقيف أداء الأقساط تختلف اختلافات بسيطة وتجتمع في هدف واحد ألا وهو ضمان التوازن في العقد من جهة، و بما يستجيب للظروف الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى، أما الاختلاف الأخر فيتجلى في التدخل فكلاهما يتدخلان في العقد تدخل استباقي وهو الذي نهجته لجنة اليقظة، وتدخل علاجي هو الذي يسهر عليه القضاء وهذا الاختلاف فرضته الظرفية الصحية الراهنة التي نعيشها.

مشاركة