الرئيسية روبورتاج تاريخيا … كيف تعاملت الدولة المغربية مع الجوائح والاوبئة؟

تاريخيا … كيف تعاملت الدولة المغربية مع الجوائح والاوبئة؟

IMG 20200320 WA0393.jpg
كتبه كتب في 21 مارس، 2020 - 12:17 صباحًا

بقلم : ذ. لحسن شافع

صوت العدالة :

قامت الدولة المغربية بمجموعة من الإجراءات والمبادرات من أجل محاربة جائحة “كورونا فيروس” والتخفيف من آثارها على الوطن والمواطنين من ذلك توقيف الدراسة والأنشطة الرياضية والثقافية وغلق الحدود البرية والجوية، ومنع التجمعات بكل أنواعها، وصولا إلى إغلاق المساجد وقبلها المقاهي والمطاعم، وتسطير برنامج للتوعية والتحسيس سواء في وسائل الإعلام الرسمي أو حتى على أرض الواقع وذلك لدعوة المواطنات والمواطنين ” للانخراط والمساهمة بمسؤولية والتجاوب الإيجابي مع مختلف التوجيهات والإجراءات المتخذة لتدبير هذا الطارئ الاستثنائي” حسب تعبير بلاغ وزارة الداخلية.
إجراءات كان أهمها إنشاء صندوق خاص لمحاربة وباء كورونا، ليبقى أبرز وأخر إجراء هو قرار إعلان حالة طوارئ صحية ابتداء من مساء يوم الجمعة 20 مارس 2020، إجراءات وغيرها أشاد بها المعارض لسياسيات الدولة قبل المؤيد لها، فهل لتصرف الدولة هذا مرجعيات تاريخية تزكيه؟ أم أن الدولة المغربية قلدت فقط مثيلاتها؟

بالرجوع لصفحات التاريخ الذي قال عنه العلامة ابن خلدون: ” في باطنه نظر وتحقيق … وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق.”، نجد أن المغرب مر بعدد من الجوائح والمجاعات تسببت في مثل هذا الوضع أو أكثر مؤساوية مما نعيشه حاليا، للسلاطين المغاربة مكانة اعتبارية تمتعوا بها في الذهنية الجماعية لدى الرعية، حيث ترسخت لديهم ايديولوجية مفادها أن غضب ورضى السلطان له علاقة وطيدة بما يقع من الجوائح والمجاعات، لدى كان تدخل السلطان كأعلى سلطة في الدولة المغرببة ملاذا للساكنة، وحلا لا غنى عنه لتجاوز آثار هذه المحن، لذلك اعتمدت الدولة المغربية تاريخيا مجموعة من التدابير والآليات نجملها في ما يلي:

  • توزيع المساعدات على الناس :

دأب سلاطين المغرب على توزيع الصدقات على المحتاجين والمرضى وعابري السبيل، ومن أمثلة ذلك ما أورده ابن الحاج في ” الدر المنتخب ” حين قال : ” وفي سنة 33 (أي 1133ه/1721 م) أو التي قبلها على اختلاف الروايات ، فتح السلطان مخازن القمح وفرقه على الضعفاء وذو العاهات … فعاشوا وواساهم بقمح ومال وثياب ” ، والكلام هنا عن المولى إسماعيل. وقد تعددت الشواهد التاريخية على حرص السلاطين المغاربة منذ العصور الوسطى على ” مواساة الضعفاء فقد كانوا يوزعون عليهم الصدقات ، ويقيمون المارستانات للغرباء والمجانين والحارات للجذامى “.
كما نجد مثالا آخر عن ذلك عند صاحب ” الترجمان المعرب” الذي أورد أن المولى محمد بن عبد الله “رتب لأهل المدن الخبز يفرق على الضعفاء في كل حومة وأسلف القبائل الأموال فرقها أسيادها على الضعفاء …” (ص417).

  • محاربة ظاهرة الاحتكار :

من أكبر المشاكل التي ترافق هذه الجوائح نقص التمويل بالأسواق ونفاذ المخزون، لكن ما كان يؤزم الوضع أكثر هو إحتكار بعض التجار للمواد الأساسية والرفع من ثمنها، لمحاربة هذه الظاهرة رصدت المصادر التاريخية تدابير مهمة للدولة المغربية ، وكان تفعيل خطة الحسبة أهم ألية لضبط إختلالات السوق، هذه الخطة التي تكتسب شرعيتها من الشريعة الإسلامية كانت حاسمة في رصد مخالفات بعض التجار، إلى جانب ذلك بادر السلاطين للتدخل لخلق توازن ما بين الطلب والعرض في الأسواق، وزجر كل المخالفين، من ذلك ما قام به المولى إسماعيل حين ” أمر التجار بإخراج مخزوناتهم منه في ظرف ساعة وبيعه … مهددا المخالفين بالإعدام ومصادرة متاعهم .. وعندما أرسل في اليوم التالي أحد قوامه إلى سوق الحبوب، أخبره بأن القمح يوجد بوفرة”.

  • إخراج مخزون الدولة للاسواق :

من الآليات التي إعتمدها المخزن في مواجهة سنوات القحط والأوبئة، إخراج ما تم تخزينه في الأهراء الضخمة التي أنشأت لهذا الغرض، ” بل إن مصطلح 《المخزن》 الذي عرفت به دولتهم، يدل في أصله على هذه الوظيفة الاجتماعية ” يضيف الدكتور محمد أمين البزاز أن السلاطين ” كانوا يحرصون على بناء الأهراء الضخمة لتخزين المؤن، وكان أحد أغراض هذا التخزين الرسمي ضمان إمداد منتظم للاسواق للحد من موجة الغلاء في السنوات السئية او في حالة حصار أو لإغاثة المنكوبين في حالة وقوع مجاعة مفرطة”.

  • إسقاط الضرائب والوظائف :

سجلت المصادر التاريخية إشارات في هذا الشأن حيث كان من أساليب المخزن لمواجهة الأزمات إسقاط الضرائب والوظائف، ففي عهد المولى محمد بن عبد الله العلوي وبسبب مجاعة سنة 1776 ميلادية أسقط عن القبائل ” ما يدفعونه من الوظائف كلها أربعة أعوام ” حسب تعبير صاحب تاريخ الضعيف.

إجمالا حصر الدكتور محمد الأمين البزاز في كتابه تاريخ الأوبئة و المجاعات بالمغرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، تدخل الدولة المغربية في :

  • توزيع الصدقات.
  • تزويد الأسواق بالحروب.
  • محاربة الاحتكار.
  • مساعدة العالم القروي على النهوض.

ليتضح من خلال هذه الجولة التاريخية القصيرة أن ردود فعل الدولة المغربية لها خلفية تاريخية، تجعلنا كمواطنين نطمئن ما فيه الكفاية إلى أن الدولة المغربية فعلا تتعامل بكل حزم وصرامة مع اي جائحة تسير أو ستضرب البلاد، فالدولة المغربية لها تقاليد عريقة في محاربة الأزمات، فيمكن أن تختلف الازمنة والظروف لكن تبقى المبادرات قائمة تتناسب والشروط الزمكانية، فما أشبه الماضي بالحاضر وإن إختلفت الآليات.

البيبلوغرافيا:

  • تاريخ الضعيف للرباطي.
  • الدر المنتخب.
  • الترجمان المعرب لأبي قاسم الزياني.
  • مقدمة ابن خلدون.
  • تاريخ والأوبئة و المجاعات بالمغرب، لمحمد الأمين البزاز.
مشاركة