الرئيسية آراء وأقلام غزوة الجديدة

غزوة الجديدة

IMG 20200208 WA0041 1.jpg
كتبه كتب في 10 فبراير، 2020 - 10:11 صباحًا

بقلم :د. العياشي الفرفار
اصبحت روايات فرانز كافكا العبثية، ومسرحيات يوجين يونسيكو مجرد حكاية باردة وبلا مفعول أمام ما وقع زوال أمس بمؤتمر حزب يقدم نفسه انه حزب حداثي .حزب في مرجعيته السياسية تتغذى من مقومات الحداثة الأوربية التي بشرت بإنهاء سحر الأديان، و قطعت العلاقة بين السماء و الأرض، أو على الأقل جعلت الدين سلوكا أرضيا لا ينزل من السماء ( كانط – لوثر).البارحة و في مفارقة عبثية أكثر تعبيرا عن منطق الانقلابات وإنتاج اللامعنى، فإن الحزب الحداثي و الذي يدعو إلى فصل التجربة الزمانية عن التجربة الروحية، هو فصل يقيم الحدود والجدران العازلة بين المقدس والمدنس بين الدين والحياة وبين الدنيا والاخرة بين الفقيه و السياسي .تجربة الحداثة الأوربية في كافة أبعادها: البعد المعرفي /ديكارت والبعد السياسي/ميكافيلي و البعد الديني / كانط ولوثر أعلنت التحرر من سلطة السماء والوفاء لسلطة الأرض وقوانين الأرض.
كل شئ كان حداثيا، التنظيم واللباس والموسيقى والألوان والديكورات، إنها مناسبة للاحتفاء بالفعل السياسي كفعل انساني .في أقرب من ربع ساعة، تغير كل شيء و انهارت الحدود، واختلط المعنى باللامعنى وتحول النظام إلى فوضى، والصمت إلى صراخ وعويل، والهدوء إلى احتجاجات الجميع يحتج على الجميع، والكل يصرخ في وجه الكل، ولا أحد ينصت, وحدهم العقلاء تركوا المكان لكي تعم الفوضى و تسيطر !فجأة مكبرات الصوت تنشر أغاني دينية وأناشيد دينية حول غزوة بدر حين انتصر المسلمون على الكفار، أنشودة حماسية تحتفل بانتصار الحق على الظلم والإيمان على اللايمان.
الحداثيون يتراجعون، ويتبنون استراتيجية خصومهم السياسيين، الذين خاضوا معهم أقسى المعارك الافتراضية، أما في الواقع فالأمور كانت بسيطة توزيع المنافع بين الجميع.
حزب انطلق قويا في لحظة تاريخية ما، معلنا ميلاد فاعل سياسي جديد قادر على مواجهة الصوفيين والإسلاميين والمتديين والعدميين و الحاقدين المترددين، وأنه حزب سيشكل الحكومة بنفسه ولا يقبل بالتفاوض و بأنصاف الحلول .المفارقة الحادة كشفت أن الحزب استعاد ما كان يعاديه و حول مؤتمرا حزبيا كلحظة مشتركة للحوار، و التدافع والحسم عبر صناديق الاقتراع، غنه حول اللحظة الى غزوة دينية الكل يطارد الكل في مواجهة مفتوحة , مدعومة باناشيد ترفع من الهمم لمواجهة الأعداء.
في أقل من عشر سنوات من ميلاد حزب أسس مرجعيته على معاداة الأحزاب الدينية او تلك التي تتبنى المرجعية الدينية، من خلال الانتصار لقيم الحداثة والعقل والديموقراطية والعقلانية و كل القيم الحداثية المحتفية بالعقل والنظام من أجل بناء حزب سياسي علماني يجعل من السياسة فعل مصالح و ليس فعل عبادة .درس الجديدة كشف الحقيقة أن الأمر لم يكن حزبا مؤسسا على قيم صلبة بقدر ما كان تجمع مصالح وأنه عند أول مواجهة عنيفة تحولت الشعارات إلى دعاء وبخور وقرآن كريم وأناشيد دينية تمجد الفتح والانتصار على الأعداء و انتصرت كلمات الله أكبر الله أكبر على كل القيم الحداثية. ربما، اللجوء الى المقدس هو إحالة إلى حالة عجز في تدبير المواقف الصعبة وإيجاد الحلول الملائمة إثناء الأزمات، وهو حالة عامة ربما تشكل سلوكا ثقافيا ثابتا لدى العربي المسلم عند اشتداد الأزمة يصبح متدينا في حالة انحباس المطر مثلا و الخروج إلى الشوارع ابتهالا إلى الله من أجل الغيث.
صوت الله أكبر الله أكبر كان غريبا وسط الخراب والفوضى، وكان مؤشرا على نهاية أطروحة حزب أعلن القطيعة من المرجعيات الدينية، ليعود و في أول اختبار بعد أن رفعت الدولة يدها على طفل ولد مدللا، إنه استعاد ما كان يعاديه . بعد كل غزوة يكون إحصاء الخسائر و المغانم، ربما المعنييون ما زالوا تحت الصدمة وأنهم تركوا لوحدهم و لحجمهم و لمصيرهم، وأن الدولة قررت الابتعاد عن حزب وصفه أحد العارفين أنه قطعة أجور من طين كما حاولت الدولة غسل وجه ازداد تفتثا. ما وقع يكشف نهاية حزب أو على الأقل نهاية مرجعيته الحداثية، وأنه سيتنافس مع خصمه الاول حول السيطرة على الدين كطريق مريح غلى السلطة أو سيتم اقتسام التركة بعد الإعلان الرسمي للوفاة

مشاركة