الرئيسية آراء وأقلام موسم سيدي العربي البوهالي بتيفلت بين الروحي الخرافي والاجتماعي الاقتصادي

موسم سيدي العربي البوهالي بتيفلت بين الروحي الخرافي والاجتماعي الاقتصادي

DSC 0597 1.png
كتبه كتب في 5 أكتوبر، 2019 - 5:22 مساءً

صوت العدالة – عبد السلام اسريفي

تعتبر المواسم بالمغرب ظاهرة احتفالية تقام كل سنة، تلتزم بتوقيت لا تحيد عنه إلا لضرورة. وتختلف من حيث مواضعها وطقوس الاحتفال بها، فكانت فلاحية، ثقافية أو دينية. وقد ارتبطت المواسم بالزوايا فكان مناسبة للقاء وتوطيد العلاقات، وترسيخ المعتقد والقيام بالأنشطة التجارية المصاحبة دائما لمثل هذه المناسبات.

والمواسم باقليم الخميسات باتت ظاهرة شاذة،تحولت من مناسبة اجتماعية يطغى عليها الطابع الروحي الى مناسبة تمارس فيها الطقوس وتذبح الذبائح وتقام لها الدنيا ولم تقعد،فأكثر من 12 موسم سنوي يقام بالاقليم،وتنظم في مجملها ما بين شهر غشت واكتوبر،وتستقطب عدد كبير من الزوار،يقضون أكثر من ثلاثة أيام داخل الخيام ،يتقربون الى هذا الولي أو ذاك ،ويذبحون الذبائح في شكل يرجعنا للوراء مئات السنين.

وغير بعيد على تيفلت المدينة،ينظم موسم ( سيدي العربي البوهالي)،كل سنة في شهر اكتوبر،يحج اليه الآلاف من الزوار من جهة الرباط سلا والقنيطرة وحتى خارج الجهة، تخصص له الدولة امكانيات بشرية كبيرة ،أكثر من 400 دركي وعنصر للقوات المساعدة’،بالاضافة الى العشرات من سيارات الاسعاف،وأعوان السلطة ورجال السلطة… للحفاظ على الأمن وتيسير الولوج داخل فضاء الموسم،وتنصب الخيام على مساحة 6 كيلومترات ،كما تشارك فيه جميع ( سربات الخيل بالجهة)،وتذبح به المئات من الذبائح،كما تعرض فيه السلع والمنتوجات الفلاحية،وتتحول تيفلت والمدن المجاورة الى مدن مهجورة خاصة يوم السبت والأحد،ازدحام على وسائل المواصلات،وعلى الطرق المؤدية الى مكان الموسم.

علماء الاجتماع يرون في الظاهرة امتداد لطقوس روحية بشكل جديد، وتكريس لممارسات أخذت من الأرض والحجر منطقا لها،رغم أنها ابتعدت عن التقديس للوالي أو التبرك ببركاته .

رجال الدين،حاولوا التخفيف من تخوف علماء الاجتماع،فهم يعتقدون،أن الغاية لم تعد روحية مقرونة بطقوس تعود للجاهلية،بل هي عادات استأنسها الناس واتخذها مناسبة للترفيه عن النفس والخروج من دائرة العمل والأسرة،وتحريك الاقتصاد المحلي.

بدورنا سألنا زوار هذا الموسم الكبير وما يمثله في نفوس ساكنة المنطقة والجهة،فهذه سيدة شابة،وبجانبها ابنتها لم تتجاوز السنة الثالثة من العمر،قالت ” ولفنا نجيو للموسم كل عام،كنتلاقاو العائلة ونبدلو الجو،ونتفرجو في الخيل ونشريو حويجات للدراري وكلشي…”.

وأضاف شاب عشريني،قصدناه وهو ينزل من وسيلة نقل سرية” موسم سيدي العربي البوهالي،هو أكبر موسم بالاقليم،واقيلا في الجهة كاع،كيجيو الناس هنا يتفرجو في الخيل،يتلاقاو العائلة ويتسوقوا ويتفرجوا في الفلكلور بالليل والنهار…الموسم هذا فيه كلشي،كلشي كيدبر مصيرف ،كدور الحركة ….واخا أن بعض المرات كتنوض الفوضى مبتسما…”.وهو يبتسم اقتربت منه امرأة طاعنة في السنة،قدمها لي ،كانت جدته من جهة الأم،قالت لما سألناها ” الموسم خلاواه لينا جدودنا،كنمشيو نتبركوا به،ونتفرجو،ونطلبو الله يرزقنا الشتا والعام يكون زين،انا كل عام كنبني فيه،كيجيو عندي ولادي وولادهم،كندبح حاولي ،وكنتجمعو عليه كاملين” سألتها،هل تزوربن ضريح سيدي العربي البوهالي،قاطعتني ” ضروري،وعلاش كنمشيو الى ما زرنهشي،كلشي كيزورو،الا ولاد اليوم ما بقات فيهم نية …”.

واعتقد ،أن الموسم هذا الذي يقصده هذا الحجم من الناس،هو فضاء خصب لممارسة بعض الطقوس لفئة ربما هي قليلة،لكنها لا زالت تحافظ على العادات،كما هو متنفس كبير لفئة عريضة من الشباب،الذين يقصدونه للترويح عن النفس،ومتابعة عروض الفروسية وقضاء وقت ممتع مع الأسرة والأصدقاء،وهم في الغالب لا يؤمنون بطابع الموسم الروحي،حيث يمتنعون عن زيارة الوالي،أو حتى الولوج اليه،فيما هناك فئة أخرى وغالبيتها من النساء والفتيات،يعتبرن الموسم فرصة للبحث عن فارس الأحلام،فهو مناسبة للتعرف على الناس،وفرصة للظفر بسريك محتمل،كما ترى فيه فرصة لتحريك دورة الاقتصاد المحلي،ومناسبة لخلق فرص شغل نؤقتة،لكنها مهمة.

وترى الدولة ( المخزن) في المواسم مناسبة لتكريس قيم باتت مهددة بالزوال،وبالتالي التشجيع على إحيائها وتنظيمها ولما لا دعمها،ما دامت تحافظ على عادات تضمن الاستقرار في سلوك المواطن العادي.

وهناك بعض الدول،التي استنشقت هواء الديمقراطية ،باتت تحارب ظاهرة المواسم التقليدية هاته ،وعوضتها بمهرجانات مختلفة،وظفت فيها الموروث الحضاري ومدتها بكل وسائل النجاح،على اعتبار ،أنها آلية من آليات التنمية المستدامة ووسيلة لاستشراء السلم الاجتماعي.

مشاركة