الرئيسية غير مصنف عملية البراق …محاولة انقلاب الجنرال محمد أوفقير على الملك الحسن الثاني الخفايا والأسرار؟؟

عملية البراق …محاولة انقلاب الجنرال محمد أوفقير على الملك الحسن الثاني الخفايا والأسرار؟؟

IMG 20190823 WA0009.jpg
كتبه كتب في 23 أغسطس، 2019 - 10:04 صباحًا

سات تيفي ✍ بقلم : عبد اللطيف الباز لم يدر بخلد الحسن الثاني أن الجنرال أوفقير الذي وضعفيه ثقته بعد أحداث الصخيرات وخوله كل الصلاحيات لملاحقة فلول الانقلابيين والسيطرة على الوضع، سينقلب عليه بعد عام فقط، ولكن هذا ما حصل وأكدته الوثائق السيرة للسفارة البريطانية.”أوال” تكشف عن معطيات جديدة حول الطريقة التي أعد بها الجنرال الدموي مؤامرته. 

لم تعرض أي تقارير سرية أو علنية، لوقائع التخطيط للمحاولة الانقلابية الفاشلة التي دبرها الجنرال محمد أوفقير، ورهن تنفيذها على إيقاع عودة الملك الراحل الحسن الثاني من زيارة خاصة إلى فرنسا في السادس عشر من غشت 1972، مصدر ذلك أن مناطق ظل تباعدت أكثر، حالت دون الإلمام الكامل بتلك الوقائع، باستثناء إفادات المتورطين أمام المحكمة العسكرية في القنيطرة. إلى اليوم، سادت الروايات التي عرضها الناجون من معتقل تازمامارت الرهيب، على ما عداها من روايات لم تكتب، من جهة،لأن العقول المدبرة لتلك المحاولة غيبها الموت تباعا عبر إعدامات معلنة وبعضها انطبع بالالتباس، ومن جهة ثانية، لأن تلك الوقائع كان لها ما قبلها وما بعدها من خلفيات وتداعيات، أقبرت وأتكاد تحت ضربات منطق النسيان.انهيار معلن 

على إيقاع متسارع، لا يترك المجال لالتقاط الأنفاس، سارعت الأحداث في مثلث توزعت زواياه بين القصر الملكي في الصخيرات، ومقر القيادة العسكرية في الرباط والقاعدة العسكرية في القنيطرة، كان مجرد ظهور الملك الحسن الثاني، وهو يقدم تحية العلم على أرضية المطار إيذانا بنهاية كل المخططات. وحين تحركت قوات المدرعات لتطويق القاعدة العسكرية في القنيطرة لم تواجه مقاومة تذكر، بينما كان القصر الملكي في الصخيرات يرصد اخر التطورات بقدر أكبر من رباطة الجأش لتفكيك اخر عقدة في اللغز الكبير. 

وحده الجنرال أوفقير الذي كان يمسك بكل الخيوط، رأى كيف أن الحبال بدأت تطوق عنقه، فهو لم يتمكن من جلب شركائه المنفذين، وخصوصا الرائدين أمقران وكويرة، ليكونا معه في مقر القيادة العسكرية. ولم يتمكن من إدراك انهيار مخططه. لذلك فقد اكتفى بمهاتفة زوجته فاطمة طالبا منها العودة إلى الرباط، بعد أن كانت تقضي عطلتها عند أصدقاء في منتجع ساحلي في شمال البلاد. 

لعله فعل ذلك، وهو أكثر اطمئنانا إلى أن طلب عودتها يمكن أن يثبت براءته، أقله أنه كان في وسعه أن يطلب إليها مغادرة البلاد عبر مدينة سبتة.عدا أن سياق ذلك الاتصال كان أسريا، لم تتخلله أي إشارات سياسية، دأب أوفقير على الاحتماء بزوجته في مةاجهة مواقف صعبة، ومن ذلك أنه على إثر اندلاع قضية اختطاف واغتيال الزعيم التاريخي للاتحاد الوطني، المهدي بن بركة، برر الجنرال توقفه في باريس بأنه كان في الطريق إلى زيارة زوجته وأبنائه المقيمين وقتذاك في جنيف. كذلك فإنه على إثر المحاولة الانقلابية الفاشلة في الصخيرات، لاذ بالقول إن زوجته هي من اختار له القميص الذي كان يرتديه، في إشارة إلى أن ألوان القمصان كانت بمثابة كلمة السر بين المتورطين وغيرهم. 

IMG 20190823 WA0011

قد يكون أوفقير رغب في عدم تكرار ما كان يعتبره أخطاء شابت المحاولة الانقلابية السابقة، أقله على صعيد احتفاظه وحده بمعالم الخطة، فقد اهتم بأن يدفع أخرين، ضمنهم ضباط في سلاح الطيران، لأن يكونوا وحدهم معنين بالتفاصيل، حتى إذا فشلت محاولتهم استطاع الاقتصاص منهم براحة البال، إلا أنه اضطر لأن يعتمد هذه المرة على نفسه، ولعله من أجل ذلك أخفى كثيرا من أوراقه بين دفتي كتاب لم يكن غيره يستطيع النفاذ إليه. 

لم يذهب لاحتلال مقر الإذاعة كما فعل سابقوه في أجداث الصخيرات لصيف1971، ولم يصدر أي بيان باستثناء ما سيتردد عن تشكيل القيادة البديلة التي ضمت وجوها سياسية، ولكنه ظل يبحث على امتداد ساعات في كيفية التخلص من شركائه المحتملين، الرائدين أمقران وكويرة. 

كان ذلك يعني أن الخلاص من الرجلين وبعض شركائهما الأقربين، سيمنحه فرصة التقاط الأنفاس، ومن ثمة سيكون في إمكانه أن يحبك سيناريوهات تكون قابلة للتصديق، وتساعده في معاودة إحكام سيطرته على الأوضاع، غير أن الأهم في كل هذه الفرضيات أن الجنرال أوفقير لم يكن يتصور أن الملك الراحل الحسن الثاني، سينجو من تلك المحاولة. فهو الوحيد تقريبا، بصفته وزيرا للدفاع ورجل المرحلة القوي، الذي كان علم بكل تفاصيل رحلة العودة الملكية، منذ مغادرة الإقامة الملكية في ضواحي باريس إلى قضاء الليلة الأخيرة في العاصمة الفرنسية، وصولا إلى توقف الطائرة في برشلونة لحضور حفل غذاء، ثم توقيت الإقلاع ودخول الأجواء المغربية، هناك طبعا إجراءات بروتوكولية تخص مراسيم الاستقبال في مطار الرباط سلا، لم يكن واردا إلغاؤها تحت أي مبرر، لأن ذلك كان سيفضح خطة الجنرال. 

بارتباط مع ذلك، سيكون الجنرال وحده من يأذن للطائرات المغيرة بالنطلاق من القاعدة العسكرية في القنيطرة، تحت مبرر متطلبات الخفر التي يسري مفعولها في الحالات المماثلة. لكن الفرق هذه المرة أن الخفر سيتحول إلى عملية قنص في السماء، بلا شهود ولا أدلة، وقد يكون أوفقير قد رتب في غضون ذلك سيناريوهات التخلص من المتورطين في العملية، كي لا يبقى أي اثر دال على أن الأمر يتعلق بعملية انقلابية. 

لهذا السبب، سيحرص أوفقير على إعداد خطة بديلة عن الطائرات المغيرة حتى إذا فشلت أذن لربابنة الطائرات الذين كانوا في صورة المحاولة الانقلابية بتنفيذ الجزء الثاني منها. 
مثل أي عسكري له تجربة ميدانية ونظرية، لم يكن الجنرال أوفقير يغامر إلا في الحدود التي يكون فيها على يقين أن مغامراته ستصادف أهدافها، بصرف النظر عن تقييم تلك الأهداف، وفق منظور انقلابي صرف، لذلك فإنه وضع أكثر من خطة لتصفية الملك الحسن الثاني، تلتقي جميعها عند سيناريو واحد، يمكن في تفجير طائرة البوينغ الملكية (727) أو أسقاطها في عرض البحر المتوسط. 

هل أدرك أوفقير بوسائله الخاصة أن خطة التفجير أسقطت في يده، لأن وضع قنبلة للتفجير على إيقاع توقيت محدد، لم يكن ممكنا في ظل معطيات غابت عنه؟ أم أنه كان مطمئنا إلى ذلك وفوجئ بالطائرة الملكية تدخل الأجواء المغربية، مما حذا به إلى إصدار أوامره للطائرات الست المغيرة لإطلاق النار عليها في السماء؟ 

الثابت إلى الآن أن السيناريو الثاني هو ما وقع فعلا، لكنه يلتقي وباقي الافتراضات التي التقت عند نقطة واحدة، تمكن في أن الملك الحسن الثاني لن يعود إلى المغرب وهو على قيد الحياة، وربما بسبب هذا الافتراض الذي ألغته أقدار إلهية فوق إرادة البشر، شوهد الجنرال أوفقير لحظة وداعه الملك الحسن الثاني، وهو يهم بامتطاء الباخرة التي ستقله إلى فرنسا عبر البحر، وهو يذرف دمعة أو أكثر على خده. سينتبه الحسن الثاني إلى هذه الواقعة، وكذا إلى إصرار كبار الضباط الذين تورطوا في المحاولتين الفاشلتين على ترديد قسم الولاء في رحاب بيت الله في الكعبة المشرفة، غير أن أن ذلك القسم لم يحل دون نقضه أمام الله وأمام التاريخ، فثمة أحداث تبدوا أحيانا خارج سياقها، لكنها تشير إلى المسكوت عنه الذي يدور في العقول. 

لم يظهر للجنرال محمد أوفقير أثر لافت إبان أحداث المحاولة الانقلابية الفاشلة في الصخيرات، إلا بعد أن كان الملك الراحل الحسن الثاني أمسك بزمام الأمور، وسلمه صلاحيات عسكرية ومدنية لفرض السيطرة على البقايا المتناثرة لتلك المحاولة، وتحديدا عبر اللجوء إلى تطويق مقر الإذاعة والتلفزيون، وشن هجمات مضادة المتحصنين في مقر القيادة العسكرية بالرباط وقتذاك، لم يسأل أحد عن سر تواريه إلى الخلف، مع أنه كان عسكريا يشرف على قطاع وزارة الداخلية وامتداداتها الأمنية، وبدا أن انتقال أفواج من الضباط والطلاب العسكريين من مدرسة هرمومو إلى العاصمة، من دون أن تثير تلك التحركات انتباه أحد، أمرا في غاية الغرابة. أقله أن الإبلاغ عن تلك التحركات بوسائل اتصال تقليدية، كان أضعف الإيمان. 

لم يحدث ذلك، أو جرى التعتيم عليه في أقل تقدير، غير أنه بعد أقل من سبعين ساعة على ذلك الحدث، سيغادر الجنرال محمد أفقير، وزير الدفاع، مقر إقامته مكفهر الوجه، كان ارتدى بذلته العسكرية المحملة بالنياشين واتجه صوب ساحة الرمادية في المدخل الجنوبي غربي العاصمة الرباط، لحضور وقائع إعدام ثمانية جنرالات وضباط ممن وجهت إليهم أكثر الأصابع اتهاما بالتورط في المحاولة الانقلابية الفاشلة. 

بتزامن مع وصول الجنرال أوفقير، كان الملك الراحل الحسن الثاني يمتطي سيارة جيب ويرتدي لباسا مدنيا، بعد إزاحة الأوسمة والنياشين من صدور العسكريين المدانين، الذين ربطوا إلى أعمدة نصبت في الخلاء مقيدي الأيدي منزوعي الإرادة، ارتفع صوت يقول: 
-أوفقير .. ماذا تنتظر؟ 

حين كانت سيارة جيب الملكية تغادر المكان، كان الرصاص يخترق الأجساد وسط هتافات صدرت عن أولائك العسكريين تقول: عاش الملك، غير أنها مختلطة بصوت الرصاص وحشرجة الموت. 

انتهى كل شيء كما بدأ. لكن ما كان يدور في رأس الجنرال أوفقير كان أكبر من رصده عبر تلك الصورة، فقد كانت فصول جديدة في التحقيقات مع متورطين اخرين محتملين في طريقها لأن تكيف القائع. والظاهر أن رجلا واحد شارك في تلك التحقيقات واعتلى المنصة في المحكمة العسكرية في القنيطرة، لم يكن ينظر بارتياح إلى سير تلك الوقائع، إنه العقيد أحمد الدليمي، الذي سينقل عنه القول وقتذاك بأن الأحكام لم تكن قاسية إلى درجة تحضر التفكير في معاودة الكرة، هل كان الرجل يصغي إلى حدس جعله يتبع خيوط الشك؟ أم أن منطقة العسكري حتم عليه أن يكون كذلك غير أن الدليمي الذي كان موجودا على متن الطائرة العائدة من فرنسا سيكشف لأحد مساعديه أنه على امتداد فترات الاحتكاك بين الطائرات المغيرة الست، التي لم تكن كلها مزودة بالقذائف النارية، كان يلوح بيده طالبا إلى ربابنتها الابتعاد عن الطائرة الملكية. ولعله أدرك أن الأمر يتعلق بمحاولة انقلابية ثانية، بعد تلك التي عاش فصولها في قصر الصخيرات في العاشر من يوليوز1971. ولم يكن في وسعه سوى أن يلوذ إلى تدبير الموقف على متن الطائرة التي كان يتقاذفها رصاص الهجمات وأقدار النجاة. 

حول الحسن الثاني مقصورته إلى مجلس حرب جمعه إلى القائد القباج ومدير الأمن الدليمي ومساعديه الأقربين، وكان السؤال المحوري يدور حول من أصدر الأمر لطائرات الخفر، فيما زادت الأمور حدة حين بدأت الطائرات توجه نيرانها نحو الطائرة الملكية، ما دفع الملك الحسن الثاني إلى حض القائد القباج على الإعلان عن إصابته بجروح، كي يتأت وقف الغارات. شبهات 

في تفاصيل أقل تداولا أن الجنرال محمد أوفقير شرع في التخطيط لمحاولته منذ اليوم الأول لفشل سابقة الجنرال محمد المذبوح. وقد يكون دفع في اتجاه الاقتصاص العاجل من كل المتورطين المحتملين أو أولئك الذين زج بأسمائهم لإزاحة كل من يعارضه في الأوساط العسكرية. لذلك فقد اختلطت صيحة أحد الجنرالات الذي هتف: عاش الملك، بزخم أحداث لم تترك الوقت لالتقاط أي خيط كان يمكن أن يؤدي إلى تفكيك لغز الإعدام الجماعي للجنرالات والضباط الكبار. 

لكن وقائع محاكمة القنيطرة كشفت النقاب عن أكثر من حوار دار بين الجنرال أوفقير وضباط القاعدة العسكرية في القنيطرة، وفي مقدمتهم الرائد محمد أمقران، الذي كان يعاني مرضا شديدا، حول احتمالات تورطهم في أحداث الصخيرات.

ولم يكن ذلك أكثر من وسيلة للدفع بهم إلى الارتماء بين أحضانه. وقد فهم كثيرون أن طريقة إعدام الجنرالات والضباط الكبار يمكن أن تنسحب على كل من توجه ضده أصابع الارتياب في أي ضلوع محتمل. 

بيد أن الجنرال أوفقير سيستبدل لغة التهديد بنبرة أخرى، وسيحدث للمرة الأولى أن يختار أصدقاء يشاركونه جلسات خاصة من بين القاعدة العسكرية في القنيطرة، إلى درجة أو وقائع المحاكمة كشفت ما كان يدور في إحدى الإقامات بالدار البيضاء، قد يكون لزوجة أحد الوزراء الذين أدينوا في محاكمة استغلال النفوذ وتلقي الرشاوي في الفترة ذاتها. كما أن فترة انتقال أمقران إلى مستشفى في باريس لم تخل من زيارات شخصيات محسوبة على المعارضة، مثل شقيق الفقيه محمد البصري، إضافة إلى فاطمة أوفقير، زوجة الجنرال،فيما استضافت مصحة الدكتور عمر الخطابي في القنطيرة بدورها لقاءات طرحت العديد من علامات الاستفهام، ولعل الغرض من ذلك كان يروم إقحام بعض أطراف المعارضة في دعم الخطة الانقلابية للجنرال، لاسيما في ظل افتقاد المحاولة السابقة لأي سند أو تعاطف شعبي. وإن كان لافتا أن الصمت الذي أحاط بالمحاولة الثانية خلف بعض التلال المتوارية، لولا أن الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي رد على ذلك بطريقته في حجز أسبوعية ” لوجورنال” لدى الحديث عن رسالة في الموضوع نسبت إلى المعارض الفقيه محمد البصري. 

لم يكن مستساغا أن يضع أي من أطراف المعارضة يده في يد أوفقير، خصوصا على خلفية تورطه في قضية اختطاف واغتيال المعارض المهدي بنبركة. غير أن تاريخ الجنرال لم يكن كله قسوة وشدة وعنفا، فقد كان يطمح لأن يكون رجل سياسة، إذ تجيز تحالفات غير طبيعية. 

لكن الأمر لا يتجاوز منطق الافتراض في اختيار الحلفاء قبل الانقلاب عليهم، وثمة وقائع فيالتاريخ تعزز مثل هذه الفرضيات. 

ثمة من يذهب إلى اعتقال الزعيم التاريخي للاتحاد الاشتراكي عبد الرحيم بوعبيد، على إثر الموقف الذي اتخذه من فكرة الاستفتاء في الصحراء، كان رد فعل متأخر ضد مزاعم حول وضعه في صورة بوعبيد جيدا، لمن يخالجهم الشك في نضاله الديمقراطي. خصوصا وأنه لم يكن يميل إلى المؤامرات العسكرية، فبالأحرى حين تصدر عن رجل دموي مثل أوفقير. 

وترددت وقتذاك أسماء شخصيات أخرى لم يكن المستشار إدريس السلاوي بعيدا عنها.  اللحظات الأخيرة 

عندما كانت الطائرات المغيرة تنفذ هجماتها، كان هناك رجلان يراقبان الموقف عن مثب. كان الجنرال أوفقير اعتلى برج المراقبة في مطار الرباط، سلا، وكان الرائد محمد أمقران يدير العمليات من برج اخر في القاعدة العسكرية بالقنيطرة. والظاهرة أن هذا الأخير اضطر لإرسال المزيد من طائرات الاستطلاع التي كانت تحوم فوق المطار، وفي أجواء العاصمة الرباط، بعد أن تناهى إلى علمه أن الملك الحسن الثاني نزل سالما وغادر القاعة الشريفة من دون معرفة أي اتجاه سلكه. 

بتزامن مع ذلك، وعلى امتداد ثلاث ساعات على الأقل، ما بين الرابعة والسابعة مساء، تلبدت سماء الرباط بأنواع من الطائرات التي استنفدت مهام الهجوم على المطار في الرمق الأخير من انهيار المحاولة الانقلابية الفاشلة. 

كان التوتر بلغ مداه إلى درجة الانتحار. فقد صدرت أوامر بمحو معالم العاصمة الرباط من الخريطة. لكن أكثر ما أغاظ الجنرال أوفقير أنه لم يتمكن من استقدام الرائدين أمقران وكويرة واستدراجهما إلى قيادة الجيش أو أي مكان اخر، وفيما كان أمقران بصدد احتساب دقائقه الأخيرة، في ضوء تطويق القاعدة العسكرية في القنيطرة عبر هجوم مضاد للمدرعات وفيالق موالية، كان كويرة يحسب الزمن المتبقي الذي يفصله عن مصير محتوم، بعد أن أسعفته مظلة الطائرة في الهبوط، ولم تعنه أقدار متربصة في تحقيق هدفه،كان اقتياد الرائد كويرة يسحب الزمن المتبقي الذي يفصله عن مصير محتوم، بعد أن أسعفته مظلة الطائرة في الهبوط، ولم تعنه أقدار متربصة في تحقيق هدفه.كان اقتياد الرائد كويرة ليلا إلى جهة غير معلومة بمثابة نهاية غير سعيدة للجنرال أوفقير الذي لم يكن يدري، إلى حدود تلك اللحظة، أن معطيات حول الرأس الحقيقية المدبرة للمحاولة الانقلابية الفاشلة سبقته إلى القصر الملكي في الصخيرات، وهمت الكثير من تفاصيل اجتماعات أوفقير منذ أن كان قرر دفع ضباط في سلاح الطيران إلى تنفيذ محاولة انقلابية يرعاها عن بعد. ثم اضطر إلى أن يباشر تفاصيلها بنفسه، من خلال تأكيد أن كل فصائل القوات النظامية تقف إلى جانبه، كما أكد في مرات عدة للرائدين محمد أمقران وكويرة الوفي. غير أنه في الوقت الذي هوت فيه طائرة كويره نتيجة نفاذ مخزونها من الوقود والسلاح. سيضطر رفيقه محمد أمقران إلى امتطاء طائرة عمودية للفرار وضباط آخرين في اتجاه صخرة جبل طارق طالبا اللجوء السياسي. قبل أن تلجأ سلطات المنطقة إلى تسليمه إلى نظيرتها المغربية، والحال أن هذا القرار الذي أفقد الجنرال أوفقير زمام السيطرة على الوضع هو ما دفعه إلى العودة إلى إقامته منكسر الجناح. 

في صباح الثالث عشر من يوليوز 1971، ارتدى أوفقير لباسه العسكري المزين بالنياشين واتجه رفقة سائقه إلى القصر الملكي في الصخيرات.وستؤكد وقائع لافتة أن الرقم 13 سيتكرر مرة ثانية. الأول لدى إعدام ثمانية من كبار الجنرالات والضباط في ساحة الرماية في المدخل الجنوبي للرباط من جهة البحر. 

أما الثانية فستكون صبيحة عيد الأضحى في الثالث عشر من يناير 1973 في حق الضباط المتورطين في المحاولة الانقلابية الثانية مابين الحدثين ستبقى مسألة عالقة، تخص اختيار الجنرال أوفقير ليوم الخامس عشر من غشت 1972 لاتخاذ القرار النهائي بإسقاط الطائرة الملكية من السماء. ولعله فعل ذلك حين أيقن بفشل خطة أعدها من أجل تفجير الطائرة من الداخل، وحين تأكد من فشل خطته، استخرج السيناريو الثاني الذي كان يهم بالدرجة الأولى الايحاء بتعرض الطائرة الملكية لحادث أدى إلى سقوطها ومقتل كافة ركابها، فقد كان أكثر اهتماما بتصوير المحاولة الانقلابية على أنها مجرد حادث خارج عن إرادة البشر. 

غير أن مصارحته للضابطين أمقران وكويرة بوقائع الخطة، في منزل السيدة اسية الأزرق في الدار البيضاء، كما جاء في تحريات قضائية كشف هنها خلال أشواط المحاكمة العسكرية، كان يحتم إزاحتهما من مربع العملية، فقد كان أوفقير مطمئنا إلى أن المرض لن يترك للرائد أمقران، المسؤول في القاعدة العسكرية في القنيطرة، الوقت الكافي للبوح، بعد أن أصبح أكثر اقتناعا بخطة الجنرال. ولم يكن يدري أن العشاء ما قبل الأخير سيجمع الرائد كويرة إلى مسؤولين أمنين وعسكريين كبار للإصغاء إلى إفادات شكلت صك اتهام صريح للجنرال قبل توجيه إلى قصر الصخيرات. 

في بعض التفاصيل أن أمقران وكويرة، وقد صدر حكم بإعدامهما، نقلا قبل تنفيذ الحكم إلى جهة في العاصمة الرباط، فقد اقتيدا من سجن القنيطرة إلى فضاء اخر. بعد أن تصورا أنهما سيساقان إلى غرفة الإعدام، ما حدث أنه كان مطلوبا إليهما الإدلاء بإفادات اعتبرت ذات أهمية كبرى، خصوصا في ظل رسوخ الاعتقاد بأنهما يقضيان الساعات الأخيرة من حياتهما. هل قالا كل شيء أم احتفظا ببعض الأسرار التي رقدت إلى جانب الجثامين الفانية؟ 
لا يمكن الجزم بشيء أكثر من ترجيح احتمالات أن بعض التاريخ يكتب على جثامين القتلى، بعد أن تكون رؤوسهم قد لعبت بها أحلام لم تصبح حقيقة إلا بقدر الجزاء الأكثر قسوة. 

ق يكون لهذا السبب حديدا زج بأعداد من العسكرين المتورطين في المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين في عامي 1971و 1972 في معتقل تازمامارت الرهيب، وربما كان الفريق بين ربابنة طائرات محشوة بالقذائف وأخرى بالوهم أنهم كانوا يحلقون في مسافات أوسع ما بين القنيطرة وطنجة في السادس عشر من غشت1972 وأصبحوا يحلقون داخل ذواتهم، حين لم يعد في وسع أي منهم أن يرى بعض النور. فبالأحرى أن يضغط على زناد إطلاق القذائف أو زناد عودة الوعي، كذلك كان جزء من تاريخ الجثامين الفناية.  محمد أمقران: المدير التنفيذي للانقلاب 

“لما دخلت الجيش في سنة 1956 كنت أو من بالملكية ولم أكن جمهوريا، ولكن شعاري تغير وكان مختلفا في 16 غشت “هكذا قال محمد أمقران، المدير التنفيذي للمحاولة الانقلابية التي استهدفت الحسن الثاني وهو عائد على متن طائرته من فرنسا، أمام المحكمة العسكرية التي ستصدر حكما بإعدامه هو و10 اخرين من الضباط المتورطين، وهو الحكم الذي سينفذ فيهم في 13 يناير 1973. 

كان محمد أمقران، الريفي المولد والنشأة، يبلغ من العمر 34 سنة، فقط، لما حاول عن سبق الإصرار والترصد قلب نظام الحسن الثاني بالتنسيق التام مع الجنرال محمد أوفقير واخرين، وقد تحمل مسؤوليته كاملة أثناء محاكمته ولم يبد أي ندم على ما قام به. لقد ولد هذا الريفي في سنة 1938 ولما حصل على الباكالوريا وعمره 18 سنة التحق بالجيش المغربي الناشئ وأقسم أمام الملك محمد الخامس بولاء سرعان ما سينكثه. كما تلقى تكوينا في المدرسة العسكرية” سان خافيير” بإسبانيا. بعد ذلك تدرج بسرعة كبيرة في سلاح الطيران إلى أن صار عقيدا نائبا للقائد للقوات الملكية الجوية.

وبهذه الصفة سيلتحق يوم 16 غشت 1972 بالقاعدة الجوية للقنيطرة التي كانت تحت قيادة الرائد الوافي كويرة ليباشر عملية تصفية الحسن الثاني في الجو، ولكن بعدما تبين له أن العملية فشلت قرر الهرب إلى جبل طارق. وقال أثناء الاستماع إليه أمام المحكمة” استعمت إلى إذاعة الرباط فوجدت أن البرامج عادية فتأكدت من فشل كل شيء”. 

وبعد قضاء يومين في جبل طارق، عاد أمقران ليواجه مصيره المحتوم وهو الذي لم يكن قد أتم سنة الـ35. 
القباج: ينقذ بعد أن رفض تقبيل يد الأمير 

الغريب في حكاية محمد القباج، الذي كان يقود الطائرة الملكية التي تعرضت لللقصف في ذلك اليوم، أنه لم يكن في بدايته “ملكيا” صرفا على عكس محمد أمقران الذي قال أثناء التحقيق معه إنه كان ملكيا عند التحاقه بالجيش. 

ويحكى أنه في سنة 1959 كان هذا الضابط الشاب في حفل تسلم طائرات مروحية بريطانية، ورفض تقبيل يد الأمير مولاي الحسن، ولما أنبه الجنرال محمد الكتاني رد عليه بأنه لم يتعلم تقبيل اليد في مدرسة الطيران. 

ولكن القدر أراد بعد 13 سنة من هذه الحادثة أن يكون هو منقذ هذا الأمير الذي صار ملكا، من موت محقق بعد أن تمكن من الهبوط بطائرة” البوينغ” التي كانت تقل العاهل المغربي رغم الأضرار الجسيمة التي لحقت بها جراء القصف، فاثنان من محركاتها الثلاثة لم يعودا يعملان، والية الهبوط تضررت بدورها. 

وقد استعمل هذا الطيار، الذي كان الأول على دفعته بفرنسا، كثيرا من الخدعة وقدرا باهرا من المهارة، فبإيعاز من الحسن الثاني الذي حافظ على هدوئه ودهائه، أخبر القباج المهاجمين بأن الملك قد أصيب إصابات بليغة ولم يعد هناك داع للاستمرار في مهاجمة الطائرة. وهذا ما كان. كما أن الرجل تعامل مع البوينغ 727 الضخمة كأنه يقود طائرة حلابية، وكذلكح أثناء الهبوط لم يعتمد على العجلات بل قام بعملية احتكاك لجانب من الطائرة بمدرج مطار سلا. وقد قدر الحسن الثاني هذا المجهود الجبار، وكافأه بترقيته إلى منصب قائد القوات الملكية الجوية خلفا لحسن اليوسي، وظل في هذا المنصب إلى أواخر الثمانينيات. 

الوثائق السرية البريطانية تؤكد تورط أوفقير 

كشفت وثيقة سرية للسفارة البريطانية في الرباط، تعود إلى 24 غشت 1972، أسبوعيا فقط على المحاولة الانقلابية، أن الجنرال أوفقير كان فعلا مدبرا للانقلاب. وتقول الوثيقة، الموقعة من طرف السفير البريطاني في الرباط أنذاك،”ار دبليو بيلي”، إن محمد أمقران، أخبر سلطات الصخرة، التي توجد تحت الحكم البريطاني منذ القرن الـ18، بأنه”عضو في جماعة ضباط يقودها الجنرال أوفقير”، وذلك بعد أن حط هنا بالمروحية التي فر على متنها إثر فشل محاولة إسقاط الطائرة الملكية. وقد نصحت السفارة الحكومة البريطانية انذاك بإخبار نظيرتها المغربية، بحسب إفادة أمقران، حتى لا يتسبب إخفاؤها في توتر العلاقات بين الرباط ولندن، وقالت الوثيقة” إذا كان للحكومة الغربية أن تكون يوما على علم بأن تلك المعلومة قد كانت في حوزة حكومة جلالة الملكة، حتى ولفترة قصيرة، ولم تمررها للرباط، فإنه لن يكون بوسع العلاقات المغربية. البريطانية أن تشفي “من أثار ذلك. ويبدو أن الحكومة البريطانية اتبعت نصيحة بعثتها الديبلوماسية في الرباط، إذ تقول الوثيقة السرية البريطانية أن الملك الحسن الثاني” أصبح على قناعة” بأن رواية أمقران صحيحة وأن أوفقير مذنب، بعد أن “رأى الرائد الوافي كويرة”. 

مشاركة