الرئيسية آراء وأقلام السياسي والكائن الانتخابي…أية علاقة ؟

السياسي والكائن الانتخابي…أية علاقة ؟

FB IMG 1560953900543.jpg
كتبه كتب في 19 يونيو، 2019 - 3:20 مساءً

بقلم: عبد السلام اسريفي /رئيس تحرير صوت العدالة

إن الأهمية البالغة التي تكتسيها الانتخابات في تجسيد ومن ثم تثبيت وترسيخ العملية الديمقراطية قد دفعت بالعديد من الدارسين إلى البحث والتعمق في مضمونها، وصولا إلى تشكل علم قائم بذاته يسمى بعلم اجتماع الانتخابات، والذي يختص بدراسة الانتخابات كحقل اجتماعي سياسي.

ومن عناصره التي يعتبرها ضرورية هي تلك العلاقة التي باتت تفرض نفسها بين السياسي والكائن الانتخابي،فخصصت لذلك دراسات كثيرة، حاولت في مجملها ايجاد خيط ناغم بين هاذان التضادان،وبالفعل، استطاعت دراسات علم الاجتماع تحديد خصوصية كل عنصر على حدة، فالسياسي ككائن ينبت من داخل المؤسسة الحزبية، وينهل من مناهلها ويتعلم داخل مدارسها،يمتلك قناعات يحاول من داخل الاطار ترجمتها الى برامج أو أفكار يمكنها خدمة ما هو اجتماعي في عمقه السياسي.

أما الكائن الانتخابي، وهو مولود جديد، بل هناك من يعتبره ولد لقيط، بعدما تخلت عنه تلك التي ولدته في ظروف غير قانونية، لا يمتلك أدنى شروط التحليل الموضواعتي في تعامله مع الظواهر العادية،بل هو كائن يمتلك شروط موضوعية تؤهله لخوض غمار الانتخابات، فغالبا ما يكون من الأعيان أو من أصحاب الرأسمال الكبير، حيث تستقطبهم الأحزاب التي لا تمتلك قواعد وليس لها برامج تقنع بها الناخب لعلمها أن لهم حظوظ فوز كبيرة في الفوز في دائرة انتخابية ما. والكائن الانتخابي لا ينتمي للحزب الذي ترشح بإسمه، بل يمثله فقط أمام الكتلة الناخبة والسلطات الأخرى،ولا يمتلك أية فكرة عن تاريخ الحزب أو أنشطته أو حتى دوره. وتنتهي علاقته بالمؤسسة مع انتهاء الانتخابات والاعلان عن النتائج،بل يمكن أن ينقلب ويحول وجهته في أي وقت شاء. وفي الغالب تجده لا يعرف حتى تاريخ الحزب أو مقره الاجتماعي.

لذلك، تعتبره كل الدراسات بالسياسي السلبي، الذي لا يقدم أي شيء للسياسة حتى في حالة فوزه، وتقدم تجارب عديدة ، خصوصا في المغرب والجزائر،حيث تنتشر الظاهرة بكثرة، فخلال اجتماعات المجالس الجماعية أو البرلمان، نسجل نذرة الانتاج وتقصير في المرافعات، والسبب هو عدم دراية هذه الفئة بدورها الذي يفرضه عليها الدستور،وجهلها التام بالقوانين المنظمة للمؤسسات التي تمثلها، بل أحيانا جهلها حتى للقراءة والكتابة، ما يجعل دورها يقتصر في التصويت كرقم انتخابي يستعمل عند الضرورة.

هذا الواقع الذي تفرزه الانتخابات في دول العالم الثالث مرده الى السياسة العامة للدولة،التي تسعى الى انتاج نخبة مستهلكة للخطابات الرسمية ووفية للقرار الرسمي حتى وإن جاء من خارج المؤسسة الحزبية،وبالتالي فهي تشكل قاعدة تمكن السلطات من بسط سيطرتها على باقي المؤسسات الأخرى، بما في ذلك الأحزاب ذات المرجعية اليسارية التي تعتمد معايير معينة عند تزكيتها لمرشحيها.

والأدهى هو أن الأمر بعدما كان استثناء تحول الى قاعدة، فحتى الأحزاب الوطنية، التي تستمد قوتها من قواعدها وتاريخها،باتت تزكي الأعيان وتقدم مرشحين لا علاقة لهم بالحزب، رغبة منها في ربح المقاعد ومضاعفة حظوظها للتنافس على إحدى الامتيازات داخل الحكومة أو البرلمان.وفي الانتخابات الأخيرة، تم تسجيل حالات كثيرة بمجموعة من هذه الأحزاب، والأمر لا علاقة له بالتمثيلية أو التغطية الانتخابية لدائرة ما كما يدعي بعض الأحزاب، بل السبب يعود الى أن الأحزاب المغربية بشكل عام تخلت عن دورها في خلق توازن ايجابي داخل المشهد السياسي،وعانقت الأرقام بشكل ضرب بعمق في مشروعها المجتمعي وحتى في مصداقيتها.

ويمكن القول، أن السياسي إما أنه فقد البوصلة،وراح يبحث عن مستقر بعيدا عن الأحزاب ، أو أنه يحاول التأقلم من داخل الحزب العميق وبتزكية الحزب الظاهر، الذي غالبا ما يظهر الوجه الحسن للمناضلين وللسلطات،وفي كلتا الحالتين فهو غير راض،ولا يمكنه القبول بهكذا الواقع،الذي حول مقرات الأحزاب الى “حوانيت” انتخابية تسدل ستارها بانتهاء الانتخابات.

وأراد الدارسون البحث عن العلاقة بين السياسي ابن المؤسسة الحزبية، والكائن الانتخابي المظلي، الذي استفاد من ماله أو عرقه لايجاد موضع له داخل الحزب، فتبين لهم أن العلاقة منعدمة للأسباب التالية:

1- السياسي له مبادئ ومشروع يطمح الى تحقيقه باعتماده على تجارب ودراسات أكاديمية معتمدة.

2- الكائن الانتخابي مشروع ، الغاية من ورائه الربح المالي والنفوذ.

3- السياسي له تاريخ ومرجعيته بمكنه اعتمادها في تسطيره لكل المشاريع أو حتى البرامج.

4- الكائن الانتخابي لا يمتلك رؤية معينة، بل يمتلك حسابات بنكية وأموال يستثمرها في فترة الانتخابات على أمل الفوز واسترجلعها أضعافا مضاعفة خلال مدة الولاية.

5- السياسي علاقته بالحزب يحددها القانون الأساسي والبنود ويستمد قوته من الشرعية والمؤسسة.

6- الكائن الانتخابي علاقته بالحزب تقف عند الأمين العام أو الرئيس، ولا تمتد الى باقي المؤسسات أو الهياكل الأخرى.

7- السياسي له غيرة على الحزب ويمكنه الترافع عن برامجه ويمتلك كل أدوات التحليل والتنزيل، خلاف الكائن الانتخابي الذي لا يهمه الحزب ومؤسساته بقدر ما يهمه موقعه داخل المؤسسة التي انتخب فيها.

هذا بالاضافة الى أن الكائن الانتخابي ظرفي ووجوده مؤقت رهين بحدوث أمر ما ( الفوز أو السقوط)،فلا يمكن اعتماده كرقم داخل المؤسسة الحزبية، لذلك، نجد أن بعض الأحزاب لا تسمح بدخول الكائنات الانتخابية الى مكاتبها الوطنية أو برلماناتها، لعدم ثقتها في هذه الفئة، وعدم قدرتها على تقديم الاضافة الى جانب أبناء المؤسسة الذين تدرجوا في هياكلها.

وهذا الواقع ، أفرز سلوك معين داخل المؤسسات المنتخبة ( الجماعية منها والبرلمانية)، فنادرا ما ترى خلال الدورات مرافعات مدعمة بأرقام وبدراسة،بل في الغالب ما يتم اعتماد مشاريع مهيئة سابقا، يتم تقديمها للتصويت وليس للمراجعة،وهو ما يفرغ هذه المؤسسات من دورها الدرستوري، ويجعلها بالتالي عبارة عن فضاء لتبادل الآراء واستعراض العضلات وتصفية الحسابات لا غير.

وتنفرد الكائنات الانخابية بشكل عام بخصائص عجيبة، جعلتها تعرف من أين “تأكل أكتافنا”. وهي في الحقيقة صنفين، صنف من فصيلة الديناصورات الانتخابية وصنف ينتمي إلى فصيلة “ابن آوى” كما رسم ملامحه الفقيه القدير “ابن المقفع”، وأبدعه الفيلسوف الهندي “بيدبا” في كتاب “كليلة ودمنة” ليقدم نصائح لسلطان زمانه على لسان الحيوان، وهذا الصنف الثاني له علاقة وجودية بالصنف الأول.
فالديناصورات هم أعيان البوادي و المدن و رؤساء الجماعات المحلية السابقون الذين اغتنوا عبر الانتخابات نفسها و مارسوا الفساد و نهب المال العام أثناء مزاولتهم لمهامهم في الجماعات المحلية، و كل من جمع مالا حلالا أو حراما. أما أحفاد “ابن آوى” فهم، غالبا من العاطلين عن العمل و يجهلون تماما السياق السياسي الذي يتحركون فيه و يعتقدون أن ما يقومون به فطنة و ذكاء، و يتميزون بانعدام الضمير و بنزعة طفيلية واضحة. لكنهم ،بالتأكيد، أشخاص منفتحون اجتماعيا، يقضون اليوم كله في تقديم الخدمات للآخرين، خدمات من كل نوع : استخلاص أوراق إدارية من الإدارات المختلفة، المساعدة في الأفراح والحفلات والجنائز والتواجد المستمر في كل المناسبات… مما يمكنهم من حياكة شبكة واسعة من العلاقات وسط محيطهم الاجتماعي.

وتكاثر هذا النوع من الحيتان البشرية ، إنما يعمق هوة تخلف الشعب ويعطل عجلة المسار الديمقراطي و تتسع دائرة الفراغ و الشعور بالعبث و اللاجدوى.
وفي الخير أقول،أنه هناك في أعماق البحار تلجأ الحيتان الكبيرة إلى طريقة لاصطياد سرب كبير من السمك الصغير حيث تحاصره و تدفعه إلى التجمع و التكتل و حينئذ توجه له ضربات متتالية بذيلها القوي لتقتل عددا منه و تلتهمه بعدئذ، و في مجتمعنا “المطحون” بقوة المال و بالاستبداد السياسي يحدث نفس الشيء حين تقوم الديناصورات الانتخابية بتجميع أصوات المواطنين المخدوعين في صناديق الاقتراع ثم توجه لهم ضرباتها المتتالية فيما بعد.

مشاركة