الرئيسية آراء وأقلام ازمة المثقف والسياسي بإقليم شيشاوة

ازمة المثقف والسياسي بإقليم شيشاوة

IMG 20190203 WA0081.jpg
كتبه كتب في 3 فبراير، 2019 - 4:42 مساءً

نعود بقرائنا الكرام الى فترة تاريخية شبيهة بعلاقة اليوم التي تجمع بين السياسي والمثقف في اقليم شيشاوة، ولعل المقالات التي نشرناها سابقا حول الإقليم، جعلت من ممثلي احزاب اقليم شيشاوة ذريعة يتهجمون بها على المسؤولين الترابيين في الإقليم، وما كانت مقالاتنا تفهم على انها ضرب في مسؤولي الإقليم لو كان هناك ممثلو احزاب مثقفون.

نعود بالتشبيه الذي ارتأينا جعله افتتاحا لمقالنا، إلى قضية دريفوس الشهيرة في فرنسا بين 1894 و 1906؛ حيث عرف المدافعين عن براءة النقيب اليهودي في الجيش الفرنسي والمتهم زورا بالخيانة، وعلى رأسهم إميل زولا الأديب الفرنسي المعروف، بالمثقفين، في مواجهة القوميين وأعداء السامية. وارتبط المصطلح منذ ذلك الحين بالموقف النقدي تجاه السلطة والوضع القائم. وارتسمت على إثر ذلك صورة للمثقف في مخيلة الحالمين باعتباره قديسا لا يخوض بحر السياسة اللجي إلا في مركب الثورة ونقد السلطة.

وفي ورقة علمية نشرتها مجلة “تبين” الصادرة عن المركز العربي في ماي 2013 بعنوان “عن المثقف والثورة” يعرف عزمي بشارة المثقف باعتباره من يمتلك القدرة على اتخاذ مواقف استنادا إلى قاعدة معرفية تمكن من التوصل إلى أحكام قيمية ومعيارية. وهو الأمر الغائب عن اغلب ممثلي الاحزاب السياسية في اقليم شيشاوة، بعيدون عن الثقافة السياسية ويتقنون فن اللغط والعويل والصراخ، ولعل فهمهم في المشاركة البناءة لتدبير الشأن السياسي العام تقتصر في اعتبار السلطة عدوا وأن السياسي هو الوحيد القادر على التحدث بلسان العامة، وهنا اتوجه بالسؤال لكل ممثلي الاحزاب السياسية في اقليم شيشاوة ماذا حققتم من برنامجكم الإنتخابي السابق؟؟؟ لعل الشجاعة السياسية التي يمكن أن يتملكها احد من ممثلي أحزاب الإقليم أن يوضح لساكنة الإقليم نسبة تحقيق برنامجه الإنتخابي بالأرقام وعلى أرض الواقع.

في هذا المقال لن نتبنى موقف المثقف العضوي الذي يتموقع في الرفض مقابل السياسي، كما أننا لن نقف موقف المثقف الذي لا يتقن العمل الفكري إلا تحت قبعة السياسي باعتباره مدافعا عنه ؛ بل سنسعى إلى طرح سؤال بسيط هو: هل يمكن القول بكون السياسي بإقليم شيشاوة هو انسان مثقف يجعلنا نتخذ وضع المحاورة و القبول معه لا الرفض و المواجهة له ؟!

إذا كنا نتبنى موقف الثنائية المتظاهرة بين الرفض و القبول بين المثقف و السياسي فإنه يفرض علينا تحديد ماهية السياسي؛ و بالتالي فإن صفات السياسي وصفات المثقف لا يمكن أن يشكلا وجهان عملة واحدة، لأن السياسي يؤمن بأيديولوجيا يريد تنزيلها من خلال سلطته، ؛ لذا فمن الممكن له أن يسجن أو ينفي بقوة السلطة لا بقوة الحوار؛ أما المثقف الذي لا يملك السلطة التنفيذية فهو لا يملك سوى الكلمة التي يواجه بها المثقف المخالف له/السياسي ؛ وعليه فإن هذا التباعد بين المثقف والسياسي في إقليم شيشاوة يفرض ان تنشئ علاقة حوار بدل علاقة صراع، وللأسف فأغلب سياسي الإقليم يعتبرون المثقف عدوا لدودا يجب ابعاده، بدل أن يتقوى السياسي بالمثقف وتكون العلاقة بينهما تقوم على تحليل فلسفي لقضايا الإنسان في الدولة أكثر من كونها ارتباط شخصي يرتكز على علاقة عرقية أو قبلية أو إجتماعية ؛ فالرأي يبدعه المثقف ؛ و السياسي ينفذ هذا الرأي على الواقع ؛ وهذا الذي جعل الكثير من الفلاسفة يرفضون تسلم زمام السلطة.

العلاقة التي تربط المثقف بالسياسي, كحقلين للممارسة الإجتماعية , يعبر عنها باسم علاقة المثقف بالسلطة, فالقول بأن علاقة المثقف بالسلطة هي علاقة صراع, هو قول خاطئ ويتوقف على طبيعة الثقافة وطبيعة السلطة, فالمعرفة بعد من أبعاد السلطة هنا يشير”فرنسيس بيكون” بكون المعرفة هي في ذاتها سلطة ولا سلطة بغير ثقافة, ولا ثقافة إلا وتنتسب إلى سلطة ما سائدة أو تسعى لأن تسود.،فهناك ثالوث عضوي متماسك من : ” النظام والمعرفة والسلطة “.

الإسقاط العمودي لهذا التحليل في إقليم شيشاوة يوقفنا على التالي: بخروج السياسي عن عالم المثقف، وتغييب الثقافة السياسية على يد المشروع السياسي إنحصر فعل الأحزاب والساسة في الإقليم في مجالين محددين :التطلع إلى السياسة والتنافس فيما بينهم حول مسائل صغيرة وآنية.

إن ما يحتاجه ممثلو أحزاب شيشاوة اليوم، هو اشراك شباب أحزاب والتقرب من المواطن والسعي لخدمة المواطن بدل التفكير في الإنتخابات المقبلة والصراع مع المسؤولين الإداريين للإقليم، بحجة خدمة مصالح الناس وما أبعد مصالح مواطني شيشاوة عن الصراع، فكل همومهم تطبيب وتشغيل وحياة كريمة ومحاربة المفسدين واللصوص من ناهبي خيرات الإقليم، ونرى أن هذا لن يتحقق إلا بمشاركة مثقفي الإقليم، مشاركة تكون نتيجتها تكامل سلطة المثقف وثقافة السلطة, تكاملا عضويا وبما يؤدي إلى رفاهية المجتمع وتحقيق العدل والمساواة.
وهي مهمة ليست بالعسيرة ولا باليسيرة لكنها تتطلب جهدا مستمرا وعملا دؤوبا.

د/الحسين بكار السباعي
محام ،وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.
ممثل الIOV التابعة لليونسكو بالصحراء المغربية.
رئيس مرصد الجنوب لحقوق الأجانب والهجرة.

مشاركة