الرئيسية آراء وأقلام حق المتهم في التزام الصمت بين القانون والواقع

حق المتهم في التزام الصمت بين القانون والواقع

received 1825050277558227.jpeg
كتبه كتب في 14 مايو، 2018 - 2:11 مساءً

 

 

صوت العدالة – ايعيش سعيد: الإجازة في القانون الخاص

 

يعتبر الحق في التزام الصمت من شروط المحاكمة العادلة المنصوص عليها في المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، وكذلك قوانيننا الوطنية من دستور وقانون المسطرة الجنائية، خصوصا في مرحلة البحث التمهيدي الذي تجريه الضابطة القضائية، لأن الأصل في المتهم هو البراءة طبقا للمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص في بندها 2 على أن ” من حق كل متهم بارتكابه جريمة أن يعتبر بريئا إلى أن يثبت عليه الجرم قانونا” وكذلك قانون المسطرة الجنائية في مادته الأولى التي تنص هي الأخرى على أن ” كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها الضمانات القانونية”
وقد كرس الدستور المغربي في فصله 23 هذا الحق، ولاسيما الفقرة الثالثة منه التي تنص على ما يلي “يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله، على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت”
بالقراءة المتأنية لهذه الفقرة من الفصل المذكور أعلاه، يتضح أن المشرع الدستوري منح للمتهم أو المشتبه فيه بارتكابه لجريمة ما، مجموعة من الضمانات المؤسسة للمحاكمة العادلة، من ضمنها إخباره بدواعي اعتقاله وبكيفية يفهمها، وكذلك حقه في التزام الصمت، الذي يتعين على ضابط الشرطة القضائية إبلاغ المتهم به قبل بداية البحث معه.
وبالرجوع إلى المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية، نجدها هي الأخرى تلزم ضابط الشرطة القضائية، وقبل استنطاقه للمتهم أو المشتبه فيه بضرورة إخباره بشكل مباشر، وبطريقة يفهمها أولا بدواعي اعتقاله والحقوق المخولة له، ومن بينها حقه في التزام الصمت، وهنا نطرح السؤال التالي: هل فعلا ضابط الشرطة القضائية وقبل استنطاقه مع الشخص المشتبه فيه بارتكاب جريمة ما والقيام بالبحث معه، يقوم بإعلامه وإطلاعه على أن له الحق في التزام الصمت؟ أم أن هذا الأمر يتم تدوينه في المحضر فقط حتى لا يتم إبطال هذا الأخير؟
من خلال بحثنا المتواضع في هذا الموضوع، وبالنظر لما يروج من أخبار حول مدى تطبيق هذه المقتضيات، نجد أنه يشار في غالب الأحيان إن لم نقل في معظمها، أن المتهم لا يتم إخباره بهذا الحق الدستوري، بحيث يتم اللجوء إلى أساليب متنوعة لأخذ الأقوال منه، بالقوة تارة، وبعدم إخباره أصلا بهذا الحق تارة أخرى، مخالفين بذلك مقتضيات الفصل 22 من الدستور الذي ينص في فقرته الأولى على ما يلي ” لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص في أي ظروف، ومن قبل أي جهة كانت خاصة أو عامة”
ففي بعض الأحيان يتم انتزاع الأقوال من المتهم باشتباهه في ارتكاب جريمة بالقوة، وفي هذه الحالات ينطق المتهم ويعترف بأشياء أو أفعال لم يرتكبها، وذلك راجع للضغط الذي يتعرض له من طرف من يستنطقه، في حين ما كان ليعترف بأفعال لم يرتكبها لو تم استنطاقه طبقا للحقوق المخولة له وبطريقة تحميه.
ونشير إلى أن محاضر الشرطة القضائية تكون في أغلب الأحيان محترمة للجوانب الشكلية، وبالتالي يكون من الصعب الطعن في عدم احترامها للشكليات المتطلبة قانونا، ومن ضمن هذه الشكليات التي تتضمنها المحاضر هو الإشارة وجوبا إلى أنه تم إطلاع المتهم على جميع حقوقه المنصوص عليها في المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية. حيث تم إشعاره بدواعي إيقافه، وحقه في التزام الصمت، وكذا إمكانية اتصاله بأقربائه، وحقه في تعيين محامي أو طلب تعيينه في إطار المساعدة القضائية.
من خلال ما قدر لي الاطلاع عليه من محاضر الضابطة القضائية، لم أعثر على أي محضر يتضمن فعلا تشبث المتهم أو المشتبه فيه من حقه في التزام الصمت.
لكن، في الواقع هو أنه في أحيان كثيرة، وحسب ما يصرح به بعض المتهمين خاصة في قضايا حقوقية وسياسية، وكذلك بالخصوص الأبحاث المجرات من طرف الضابطة القضائية بالعالم القروي، لا يتم إطلاعهم بحقهم هذا كما أشارت إلى ذلك المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية في فقرتها الثانية التي تنص على ما يلي “يتعين على ضابط الشرطة القضائية إخبار كل شخص تم القبض عليه أو وضع تحت الحراسة النظرية فورا وبكيفية يفهمها بدواعي اعتقاله وبحقوقه ومن بينها حقه في التزام الصمت” أي ضرورة كون هذا الإخبار حقيقيا وليس صوريا أو غير مفهوم، وأن يكون الهدف من ذلك هو تنبيه المعني بالأمر إلى خطورة الأمر وتأثيره على حريته، كما يمكن أن يتم إخبار الشخص المشتبه فيه بأي لغة يفهمها، ولو تطلب الأمر الاستعانة بمترجم أو أي شخص يستطيع تبليغه فحوى ذلك.
وكخلاصة لما سبق، نستنتج أن المشرع المغربي وضع مجموعة من النصوص القانونية المهمة، التي تحمي المتهم وتمنحه مجموعة من الضمانات حتى تتم محاكمته في جو تسوده ضمانات المحاكمة العدالة. وهي الضمانات التي ينبغي تعزيزها عبر:
1- وضع كاميرات للمراقبة في مخافر الشرطة للتسجيل بالصوت والصورة أثناء البحث التمهيدي، وهو الإجراء الذي من شأنه رفع اللبس والحرج عن ضباط الشرطة القضائية الذين يتهمون دائما بتزوير المحاضر خاصة في القضايا ذات الصبغة الحقوقية. كما من شأنه الحد من تناقض أقوال المتهم – بين مراحل البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي و أثناء المحاكمة – الذي يتراجع في بعض الأحيان عما صرح به أمام ضباط الشرطة القضائية.
2- التخفيف من الضغط الممارس على ضباط الشرطة القضائية بسبب كثرة القضايا التي يعالجونها، خاصة في المدن الكبرى حيث تكتر هذه القضايا، وذلك بالرفع من عدد ضباط الشرطة القضائية المختصين في هذا المجال.

مشاركة