الرئيسية روبورتاج أفارقة المغرب: واقع واحد بأوجه مختلفة .. لقضية باهظة الكلفة

أفارقة المغرب: واقع واحد بأوجه مختلفة .. لقضية باهظة الكلفة

OBOR.jpg
كتبه كتب في 29 أبريل، 2018 - 1:00 مساءً

بقلم سكينة محمد لحلو

في مدينة الدار البيضاء، عاصمة المغرب الإقتصادية، و بين شوارع المعاريف وأزقة المدينة القديمة أثار انتباهنا تواجد عدد كبير من المهاجرين الأفارقة تختلف أوضاعهم الإجتماعية باختلاف مؤهلاتهم العلمية والمعرفية .. مؤهلات تدفع بالبعض إلى الإشتغال في أكبر الشركات المحلية وتحرم البعض الأخر من امتهان أبسط المهن الممكنة؛ ليجدوا أنفسهم بين أحضان واقع مرير يدفعهم في أغلب الأحيان إلى التسول، ممارسة الدعارة أو السرقة لخلق استمرارية تعايش يومي في مجتمع يشكلون ضيوفه الغير مرحب بهم .. قضيتهم تبقى واحدة بالرغم من الإختلافات المذكورة.. قضية وطنية لم تعد انعكاساتها مقتصرة على أفارقة اختاروا المغرب ليكون طريقا سالكة نحو بلدان أوروبا.. بل إن انعكاساتها تمتد إلى خلق وضع يتسم بالحدة والشذوذ والعنصرية، تصبح فيه النعوت و العبارات الشفهية القاسية وسيله للطرد و التعذيب النفسي.. وضع تغتال فيه جميع مبادئ الإنسانية الحقة و تطمس فيه ابسط الحقوق التي يفترض أن يتمتع بها الإنسان كيفما كان عرقه و ديانته،  وضع تتحول فيه حياتهم إلى جحيم عوض ما كانوا ينتظرونه، وهكذا تتحول صورة مجتمعنا إلى صورة  أبدع ملتقطوها في تدمير كل مبادئ التآلف والرحمة، لتكون النتيجة نظرات استهزاء وسخرية يتوارثها الأبناء عن آبائهم ويدفع ثمنها كل عابر سبيل إفريقي تطأ قدماه تراب بلادنا. الشئ الذي يؤدي في أغلب الأحيان إلى وقوع حوادث جسيمة أبرزها ما وقع بمدينة طنجة من صراعات مميتة بين مواطنين مغاربة و مهاجرين أفارقة حيث ترجع هذه السلوكيات السلبية في الأصل إلى الهشاشة الإجتماعية التي تعاني منها فئات عريضة من المجتمع المغربي.

 

DF

 

في تحليلات بعض المغاربة ومن وجهة نظرهم، يشكل الأفارقة عبئا على المجتمع المغربي، إذ أن هذا الأخير له  من المسؤوليات مايكفيه تجاه مواطنيه، و يعجز عن توفير عيش كريم لكافة الأفراد .. فتغيب بذلك شروط الحياة الكريمة  كليا عن فئة مهمة من المغاربة . مما يجعلها تستعين ببعض العبارات الغريبة و اللاانسانية في أغلب الأحيان للتخفيف من حدة هذا العبئ .ولان الواقع يفرض نفسه يضطر كل منهم إلى تقبل الآخر و التعايش معه في ظروف تسودها العنصرية والاهانة .فتتحول آمالهم إلى جماد حتى إشعار أخر .. وتوجه إلى ميسوري الحال منهم أصابع الاتهام عندما يشغلون مناصب عمل كان أولى بها أفراد مغاربة .. فيتلقون نظرات حقد و يعاملون بعنف كلما كان الخطأ بسيطا. نظرات و معاملات يختارون بعدها التخلي عن التزاماتهم تجاه رب العمل لسبب مقنع وواضح قد لا يحتاج إلى تبريره مما يدفع هؤلاء للتفكير بطريقة تعيد لهم الاعتبار حتى ولو كانت غير مشروعة كممارسة الدعارة أو السرقة وفي حالات أخرى معاملة المغاربة والفقراء منهم بالضبط بكل قسوة كرد بالمثل .. كون الذي أودى بهم إلى هذه الحال سبب اختارته لهم الحياة فلم يرحمهم أحد.

هو واقع حال سوزان، كوفو غراس و آمي جاي  و آخرين كثر .. أفارقة تجمع بينهم ظروف الغربة الموحشة والمعاملة السيئة  ويعتبرون على هامش المجتمع المغربي و كأنهم ليسوا بشرا ولا أهمية لهم .. أفارقة يجمعهم بكثرة كل من شارع أنفا ،الزرقطوني، المدينة القديمة، سباته، درب السلطان و درب غلف .. أفارقة تختلف وضعياتهم بين من جاء للدراسة ومن جاء للبحت عن عمل ومن كان يعتبر المغرب نقطة للعبور فقرر بعد ذلك الاستقرار فيه قبل أن تتضاعف معاناته وتتلاشى آماله في الحصول على حياة كريمة.

 

VENDRE 2

 

 المغرب.. محطة استراحة لاستكمال الرحلة نحو الفردوس الأوروبي

 

بشارع أنفا الذي لم يعد مجرد شارع عادي بنواحي المعاريف؛  بل أصبح يعرف بشارع الأفارقة في تسميته العامية نظرا لتواجد الكثير منهم هناك.. وبعبارة أكثر قسوة وعنصرية  “الشارع اللي فيه عوازا بزاف”، لمحنا شابا في مقتبل العمر يجلس على الأرض، بدا وكأنه يستريح قليلا قبل أن يكمل رحلة البحت عن قوت يومه.. نظرنا إلى ما يحمله بين يديه من نماذج، فتبين لنا انه بائع متجول لبعض الحلي و الساعات اليدوية و المراهم، و أوحت لنا طريقة توسده لحقيبة ظهره، على أن الخوف كان يعتريه تماما  و كأنه يخشى ان تسرق منه الحقيبة ويضيع مصدر قوته الوحيد .. بدا مرتبكا بعض الشئ، وكأنه سبق وتعرض لحجز على بضاعته من طرف القوات المختصة .. الشئ الذي جعلنا نتجنب الاقتراب منه لكي لا نزيد من حدة خوفه.

 

VENDRE

 

غيرنا وجهتنا إلى ساحة محمد الخامس، هناك وعلى أحد الكراسي المتوفرة للعموم، تجلس فتاة ذات شعر طويل بني اللون ، شعر اتقنت ظفيراته بحرفية ، لدرجة دفعتنا للتساؤل فيما بعد عن الوقت  المستغرق لإنجازها، ألا وهو يوم كامل من العمل. تقدمنا نحوها وجلسنا على الطرف الآخر للكرسي ذاته .. تدعى كوفو كراص 20 سنة ، انهارت جميع آمالها في الحصول على حقها في التمدرس كباقي قريناتها عندما دخلت المغرب بطريقة غير قانونية رفقة والديها في سن 12 سنة ، بدأت العمل كمربية أطفال لدي احد المغاربة الأثرياء وتدريجا تحولت إلى خادمة في بيت عائلته  المكونة من سبعة أشخاص ، وكانت معاملتهم لها تتصف بالاهانة والاستصغار حيث حكت لنا انه ذات يوم سقط منها كأس بغير إرادتها فقام رب البيت بخصم مبلغ 2000 درهم من مرتبها المتجلي في 3000 درهم كمبلغ شهري .. “قالت في أسى: ليس باليد حيلة و الحصول على عمل بدون شهادات ليس بالأمر السهل حتى بالنسبه للمغاربة، لا أريد أن أجد نفسي بالشارع” .. وتضيف في حزن أن الشعور بأنها تؤدي مهمة تسمح للمحيط بالاعتراف بمرد وديتها كإنسانة يهون الاهانة اليومية التي تتلقاها من معظم الأشخاص.

و“داخل إطار الجهل و الفقر معا، يتعزز العجز عن التفكير بطريقة سليمة في الحصول على مصدر للعيش ببلد غير بلدك” هكذا بررت لنا شابة من الكوت ديفوار ، رفضت أن تدلي باسمها الشخصي،   تعاطيها لمهنة الدعارة .. مهنة تهتز فيها جميع مبادئ المرء للحصول على رزق يومي يوفر بعضا من الأمان في مجتمع لا يرحم ضيوفه ..

وبشارع الزرقطوني، شاءت الصدفة أن نلتقي سوزان ، مهاجرة سنغالية في عقدها الثالث متزوجة و أم لطفلين .. حلت بالأراضي المغربية منذ حوالي 10 سنوات، نالت في بداياتها نصيبها من الأيام العصيبة بوطن لا تعرف فيه أحدا، بدون مال و لا عمل. الشئ الذي دفعها إلى التسول .. فدفعتها النظرة الدونية لبعض المغاربة اتجاه المتسولين ذوي البشرة السوداء إلى التفكير في طريقة جديدة لتحصيل لقمة عيش تحفظ كرامتها ، فاختارت الطريق السالك للتغلب على الذل والاهانة ، وهي التجارة ، بل انه كان لاختيارها نتيجة ايجابية  حيت لم توفر لها فقط مدخولا يومي يضمن لها عيشا كريما، بل كانت أيضا سببا في إيجاد شريك للحياة  يدعى ماما دو، يدعمها ويشاركها المسؤولية .. سوزان تتاجر الآن في الإكسسوارات النسائية حكت لنا عن تجربتها الخاصة مع الهجرة كونها لا ترغب في العبور إلى أوروبا و إنما جاءت بفكرة القيام بأعمال تجارية بالمغرب الذي لم يتأثر حسب وجهة نظرها بالأزمة الاقتصادية حيث تضيف قائلة   “أنا أسافر كل صيف إلى بلدي لجلب ما احتاجه من البضائع ،لكن المشكل الوحيد الذي أعاني منه هنا في المغرب هو مشكل العنصرية مع بعض المغاربة وليس الكل”.

ولا تخلو المحطات الطرقية بدورها من اللاجئين الأفارقة نساءا ورجالا يتسولون  بعبارات فرنسية أو انجليزية ركيكة . كالقول « maman un dirham s il vous plait » ( أمي أعطني درهما من فضلك) .. أو help me please mama  .. ويرتادون الأسواق و أبواب المساجد ومنهم من يتسول في الطرقات طمعا في نيل دريهمات يقتات بها إلى حين حلول يوم آخر. سألنا السي علي ، أحد الباعة المتجولين بساحة محمد الخامس عن وجهة نظره بالأمر، فأشار بلهجة عنيفة يملاها الحقد على أن هؤلاء لا يمثلون سوى مصدر للتضييق على الرزق لا غير، بقوله “هادوك فيما مشيتي تلقاهم حداك، طفرناه حتى حنا لي اولاد لبلاد ”.

وبذلك نكون قد قدمنا المؤشرات الأولى عن وضعيات غير متكافئة من جهة ، ولجوء غير معترف به من جهة ثانية . الشيء الذي دفعنا إلى تقصي التصريحات الرسمية الخاصة بعدد المهاجرين المغاربة المنحدرين من إفريقيا جنوب الصحراء  المتواجدين بالمغرب بصفة قانونية، تتجلى في حصولهم على بطاقة إقامة تجدد كل ستة أشهر و الذين يبلغ عددهم 30000 حسب إحصائيات سنة 2014.

يعزى هذا  التحول في مجال الهجرة جنوب جنوب بالأساس إلى الأزمة الاقتصادية العالمية حيث أن أوروبا لم تعد بحاجة لتدفق الهجرة القادمة من جنوب المتوسط بكل أشكالها ، مما جعل المغرب يتحول من بلد عبور إلى بلد إقامة .  حيث أصبح يستقطب أعدادا كبيرة من المهاجرين الأفارقة الفارين من ظروف عيش قاسية و جحيم الحروب .. والآملين في تحسين ظروفهم المعيشية و الظفر بحياة أفضل داخل الأراضي الأوروبية . غير أن الأزمة الاقتصادية التي أرخت بظلالها على الاتحاد الأوروبي وجعلته يشدد إجراءاته الأمنية، و يحكم مراقبة حدوده، حالت بينهم وبين تحقيق حلم العبور إلى الضفة الأخرى، الشيء الذي جعل معظم المهاجرين يتخدون من المغرب بلدا للاستقرار.

 

 

 

 

مشاركة