الرئيسية آراء وأقلام مقدمات في القانون الإلكتروني المغربي

مقدمات في القانون الإلكتروني المغربي

bn1.jpg
كتبه كتب في 27 ديسمبر، 2016 - 7:01 مساءً

دكتور فؤاد بنصغير
أستاد جامعي
خبير/ مكون في القانون الإلكتروني

1
المسؤولية القانونية لمقدمي خدمات الأنترنت
نشر محتويات غير مشروعة أو الإعتداء على حقوق المؤلف والحقوق المجاورة على شبكة الإنترنت
في ضوء : القانون رقم 00-2 يتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة
كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى القانون رقم 05-34
الباب الرابع المكرر
مسؤولية مقدمي الخدمات
من المادة 3.65 إلى المادة 15.65

مقدمة :
تسمح شبكة الشبكات والمعروفة عادة بالإنترنت، تسمح لحواسيب موجودة في أماكن متباعدة بالتواصل في ما بينها.
هذا التواصل لا يمكن أن يتم دون تدخل عدة هيئات يطلق عليها عادة إسم الوسطاء التقنيون أو مقدمو خدمات الإنترنت.
في الواقع، لا أحد بإمكانه بث أو الإطلاع على المعلومات على شبكة الإنترنت دون مساعدة مقدمي خدمات الإنترنت هؤلاء.
من جهة أخرى، تعرف شبكة الإنترنت ( مواقع إلكترونية / مواقع التواصل الإجتماعي/ المدونات…) كل يوم نشر محتويات غير مشروعة أو ضارة بالغير(متل الإعتداء على حقوق المؤلف والحقوق المجاورة / السب والقدف/ نشر أخبار زائفة…) دون إمكانية تحديد هوية من كان وراءها.
لذلك بدت الحاجة ماسة إلى وضع إطار قانوني يحدد من جهة، مسؤولية كل واحد من مقدمي خدمات الإنترنت عما يرتكب من مخالفات على شبكة الإنترنت ومن جهة تانية، يلزم هؤلاء بمساعدة السلطات القضائية عن طريق حفظ بعض البيانات الإلكترونية لتحديد الهوية وتقديمها عند الطلب.
تجدر الأشارة إلى أنه لا يوجد في المغرب فراغ قانوني في هدا الشأن حيت أن الباب الرابع المكرر من القانون رقم 00-2 يتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى القانون رقم 05-34 تطرق لمسؤولية مقدمي خدمات الإنترنت ولكن فقط عند التعدي على حقوق المؤلف والحقوق المجاورة على شبكة الإنترنت وإن كنا نعتقد أن الأمر قابل للتطبيق على المخالفات الأخرى التي يتم اقترافها على نفس الشبكة.
1- مقدمو خدمات الإنترنت : تقديم
إن تعريف مقدمي خدمات الإنترنت يسمح لنا بالوقوف على الدور الذي يقوم به كل واحد منهم في الاتصالات الإلكترونية وبالتالي، فهم المسؤوليات التي وضعها على عاتقه المشرع.
فمقدمو خدمات الإنترنت هم الذين يقومون، بمقابل أو بدون مقابل، بالتخزين المباشر والدائم والذين يضعون تحت تصرف الجمهور إشارات أو نصوص أو صور أو رسائل من أي نوع يمكن الوصول إليها عن طريق الخدمات التي يقدمونها.
هذا التعريف يسمح لنا أن ندرك تنوع الخدمات التي يقدمها مقدمو خدمات الإنترنت والذين يعد دورهم أساسيا لسير الإنترنت.
يتالف مقدمو خدمات الإنترنت أساسا من مقدمي خدمات النفاد إلى الأنترنت ومن مقدمي خدمات الإيواء.
أ- مقدم خدمة النفاذ
يتمثل الدور الأساسي لمقدم خدمة النفاذ إلى الإنترنت بربط الوسائل المعلوماتية التي بحوزة مستخدم الإنترنت بشبكة الإنترنت.
فنشاطه الرئيس يتمثل في تزويد مشتركيه بالوسائل الفنية اللازمة لربطهم بشبكة الإنترنت ولوصولهم إلى المحتويات الإلكترونية التي يريدون الإطلاع عليها.
ب- مقدم خدمة الإيواء
يتمثل الدور الأساسي لمقدم خدمة الإيواء، في وضع تحت تصرف مستخدمي الإنترنت خدمة تسمح لهم بنشر محتويات على الشبكة.
وتتمثل عملية الإيواء أكثر تحديدا في الاحتفاظ داخل القرص الصلب الخاص بمقدم الخدمة بالمعلومات وربط المواقع بالإنترنت لتسهيل الولوج إليها من قبل مستخدمي الإنترنت.
بمعنى آخر، فهو يضع تحت تصرف مقدمي المحتوى الوسائل التقنية التي تسمح لهم بوضع محتويات تحت تصرف العموم على شبكة الإنترنت.
2- مسؤوليات مقدمي خدمات الأنترنت
أشرنا في ما سبق إلى أن تحديد هوية مرتكبي المخالفات على شبكة الإنترنت تبقى عملية صعبة للغاية نظرا للجوء هؤلاء إلى عدة تقنيات معلومياتية تسمح لهم باخفاء هوياتهم.
لذلك كان من الضروري على المشرع تحميل المسؤولية، في حالة نشر محتويات غير مشروعة على شبكة الإنترنت أو الإعتداء على حقوق المؤلف والحقوق المجاورة ، إلى مقدمي خدمات الإنترنت نظرا للدور الدي يقومون به في هدأ الشان.
أ- تقييد المسؤولية
نشير إلى أن حجم المسؤولية القانونية يرتبط بالدور الفعلي الذي يقوم به كل متدخل في نقل المعلومات على شبكة الإنترنت.
فيما يتعلق بمقدمي خدمات النفاذ إلى الإنترنت، فإن مختلف القوانين كرست الدور الفني البحث الذي يقوم به هؤلاء.
وبالتالي، فإنهم يستفيدون من نظام للإعفاء من المسؤولية فيما يخص المحتويات التي يقومون بنقلها، شريطة أن لا يكونوا هم مصدر تلك المحتويات وأن لا يعمدوا إلى تغيير المعلومات موضوع النقل.
نفس هذه القوانين تعفي كذلك مقدمي خدمات النفاذ إلى الإنترنت من الالتزام بمراقبة المحتويات التي يسمحون بالنفاذ إليها نظرا لحجمها الهائل.
مثلهم في ذلك مثل مقدمي خدمات النفاذ إلى الإنترنت، لا يعتبر مقدمو خدمات الإيواء مسؤولين مبدئيا عن المحتوى الذي يقومون بإيوائه وليس عليهم التزام مراقبة المحتويات التي يتم إيوائها.
غير أن تحديد المسؤولية الذي يستفيد منه هؤلاء أقل من ذلك الذي يستفيد منه مقدمو خدمات النفاذ إلى الإنترنت .
ب- منع الوصول إلى المحتويات غير المشروعة
فهمنا مما سبق أن مقدمي خدمات الإنترنت يستفيدون من نظام تحديد المسؤولية بسبب الدور الفني البحث الذي يقومون به في سير الإنترنت.
غير أن هؤلاء مجبرون بموجب القانون بالتدخل من أجل منع الوصول إلى المحتويات غير المشروعة أو الضارة بالغير.
وعلى هدا الأساس، إذا تم اللجوء إليهم من قبل سلطة قضائية ولم يقوموا على الفور بمنع الوصول إلى هذا النوع من المحتويات فإن مسؤوليتهم تطرح بطبيعة الحال.
3- التزامات مقدمي خدمات الإنترنت
بالموازاة مع نظام المسؤولية المحدودة الذي يستفيد منه مقدمو خدمات الإنترنت في حالة محتويات أو أفعال غير مشروعة أو ضارة بالغير على شبكة الإنترنت، فإن المشرع وضع على كاهلهم التزام الإحتفاظ ببعض البيانات الإلكترونية لتحديد هوية مستخدمي الإنترنت والتعاون مع السلطات القضائية.
دلك أن مواجهة الجرائم الإلكترونية التي يتم اقترافها على الشبكات يستوجب مراقبة دقيقة لنشاط مستخدمي الإنترنت.
ومن أجل ذلك، كان من الضروري اتخاذ إجراءات تهدف إلى تقفي آثار النشاطات غير المشروعة التي تتم على شبكة الإنترنت.
وبالتالي، فإن الاحتفاظ وتقديم بيانات الإرتباط للسلطات القضائية عند الحاجة تحتل مكانة أساسية في مواجهة الإجرام الإلكتروني.
أ- حفظ البيانات الإلكترونية لتحديد الهوية
من أجل تحديد هوية المتدخلين في شبكة الإنترنت، وضع المشرع على كاهل البعض من مقدمي خدمات الإنترنت الالتزام بالاحتفاظ بالبيانات الإلكترونية لتحديد الهوية.
فبيانات الوصول، التي نجد من بينها عنوان بروتوكول الإنترنت، تمثل وسيلة تقريبا ناجعة لتحديد هوية مستخدمي الإنترنت.
لهذا السبب، فإن مقدمي خدمات الإنترنت ملزمون بموجب القانون بحفظ هذه البيانات خلال مدة من الزمن.
في الواقع، ترتبط هذه البيانات بالتقنيات المستعملة على الإنترنت لربط الاتصال فيما بين حواسيب متباعدة (بروتوكول IP/TCP).
يتعلق الأمر إذن بعناصر تقنية يتم تجميعها بطريقة أوتوماتيكية من قبل مقدمي خدمات الإنترنت والتي يتم الاحتفاظ بها في ملفات تسمى ملفات سجل المعلومات.
في هذا الإطار، يجب أن نميز بين ثلاثة أنواع من البيانات: بيانات الوصول العادية، وبيانات الإبحار وبيانات الزيارة (زيارة المواقع).
فبيانات الوصول العادية يتم تجميعها من قبل مقدم خدمة الوصول إلى الإنترنت، بحيث كلما ولج مشترك إلى الشبكة يقوم بتقديم إسم الحساب وكلمة السر المتعلقان به واللتان يكون قد حصل عليهما عند الأشتراك.
وعندما يتم التثبت من هذه العناصر، يمنح للمشترك في خدمة الإنترنت، للمدة التي يبقى فيها مرتبطا بالشبكة، عنوان بروتوكول الإنترنت.
أما بيانات الإبحار التي يتم كذلك تجميعها من قبل مقدم خدمة الوصول إلى الإنترنت، فهي تتعلق بمواقع الويب التي يتم زيارتها.
أما بيانات الزيارة، فيتم تجميعها من قبل مقدمي خدمات الإيواء على خواديم المواقع الإلكترونية التي تمت زيارتها والتي تهم عناوين بروتوكول الإنترنت لزوار تلك المواقع في زمن معين.
يبدو الآن جليا أن مقدمي خدمات الإنترنت يحتفظون بأثر عن كل ما يتم على شبكة الإنترنت.
نشير إلى أن بيانات الارتباط لها طابع تقني بحث، بحيث أنها تسمح لحاسوبين موجودين في أماكن متباعدة بالتحاور، وبالتالي فهي ضرورية للسير العادي للإنترنت.
غير أنه يمكن كذلك استعمال هذه البيانات في إطار التحريات التي تقوم بها الشرطة أو بصفة عامة في إطار الإجراءات القانونية لأنها تستعمل لأغراض تحديد الهوية مادام أنها تسمح بمعرفة من من مستخدمي الإنترنت كان موصولا بالإنترنت في ساعة معينة.
هذه البيانات تمثل إذن الوسيلة الوحيدة لتحديد هويات مستخدمي الإنترنت، الشيء الذي يشرح الإلزام القانوني لمختلف المتدخلين الذين تحدثنا عنهم فيما سبق بالاحتفاظ بها.
تجدر الإشارة إلى أنه من أجل حماية الحياة الخاصة لمستخدمي الإنترنت، قررت مختلف التشريعات أنه يجب محو بيانات الارتباط عندما تصبح غير ضرورية لإتمام عمليات الاتصال الإلكتروني.
غير أن نفس التشريعات قررت أيضا أنه يجب الاحتفاظ بالبعض من هذه البيانات وذلك لضرورات البحث ومتابعة المخالفات التي يتم اقترافها على شبكة الإنترنت.
ويمكن أن نذكر من بين أهم البيانات التي يجب على مقدمي خدمات الإنترنت الاحتفاظ بها لضرورات البحث والتحري ومتابعة المخالفات التي يتم اقترافها على الشبكة :
– المعلومات التي تسمح بتحديد هوية مستخدمي الإنترنت : يتعلق الأمر بالعناصر التي يتم تجميعها عند التسجيل مثل الإسم العائلي و الإسم الشخصي ورقم الهاتف والعنوان الإلكتروني.
– تاريخ وتوقيت ومدة كل اتصال: يتعلق الأمر هنا بالاحتفاظ بعنوان بروتوكول الإنترنت وبتاريخ وساعة الإرتباط وفك الإرتباط بشبكة الإنترنت.
– المعطيات التي تسمح بتحديد هوية أو هويات متلقي الاتصال : يتعلق الأمر هنا على سبيل المثال بالاحتفاظ بالعنوان الإلكتروني لمستقبل رسالة إلكترونية.
فيما يخص المدة التي يلتزم مقدمو خدمات الإنترنت بالاحتفاظ بالبيانات السابقة الذكر خلالها، فإن غالبية التشريعات حددتها في سنة واحدة تبتدئ من تاريخ تسجيل تلك البيانات.
ب- تقديم البيانات الى السلطات القضائية
لقد ألزم المشرع مقدمي خدمة الوصول إلى الإنترنت ومقدمي خدمة الإيواء بحفظ بيانات كل شخص كان وراء خلق محتوى على الإنترنت.
هذه البيانات التقنية لا يمكن بطبيعة الحال تحويلها إلا للسلطات القضائية في إطار مسطرة جنائية حددها المشرع بكل دقة.
حيت يمكن للسلطات المختصة في حالة الضرورة أن تطلب الوصول إلى البيانات التي تم تجميعها من قبل مقدمي خدمات الإنترنت.
خاتمة :
إن الإنتشار الواسع لشبكة الإنترنت لا يجعل المغرب بمنأى عما يحدث من نشاطات غير مشروعة على شبكة الإنترنت.
لذلك، نعتقد أنه قد آن الأوان للمشرع المغربي أن يضع إطارا قانونيا خاصا ينظم عمل مقدمي خدمات الأنترنت ويحدد مسؤوليات كل واحد منهم يكون قادرا على التطبيق على جميع أنواع المخالفات التي ترتكب على الشبكة وليس فقط على الخروقات التي تمس حقوق المؤلف والحقوق المجاورة كما هو الحال حتى اليوم.

مشاركة