الرئيسية أخبار القضاء قضاة وقانونيون وحقوقيون يشخّصون أعطاب منظومة العدالة بالمغرب

قضاة وقانونيون وحقوقيون يشخّصون أعطاب منظومة العدالة بالمغرب

erramidcarica 466113982.jpg
كتبه كتب في 16 أكتوبر، 2016 - 4:35 مساءً

بعد نقاشٍ طويل انطلق منذ سنة 2013، ما زالَ مصيرُ إصلاح منظومة العدالة بالمغرب يُثير تساؤلات الفاعلين والهيئات المدنية المهتمة بالموضوع. ففي ندوة دولية حول “إصلاح منظومة العدالة بالمغرب: الفاعلون، الرهانات والآفاق”، نظمتها جمعية عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة، أبْدى عد من الفاعلين عدمَ اقتناعهم بما تحقّق إلى حدّ الآن على درب الإصلاح.

محمد بوزلافة، أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بفاس عضو جمعية عدالة، قالَ، في افتتاح الندوة، إنّ إصلاح منظومة العدالة لا يمكن أن يتحقّق فقط عبر النقاش العمومي، بل لا بُدّ من أجرأة الإصلاح، مضيفا أنّ دستور 2011 شكّل نقطة إيجابية، “لكنْ من حيث أجرأته كانت هناك اختلالات جرّتْنا إلى الوراء، وتجعلنا نتساءل هل نحن في محطةٍ دستورية جديدة أم في محطة أخرى؟”.

وينصّ الفصل 107 من دستور فاتح يوليوز 2011 على أنّ السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية، وأنّ الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية، كما ينصّ في الفصل 108 على أنّه “يُمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء، ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات، ولا يخضع لأي ضغط”.

محمد بوزلافة قال إنَّ ما يجري اليوم هو “أننا نعاودُ مطارحة النقاش حولَ قضايا قديمة”، مشيرا في هذا السياق إلى مسألة الاعتقال الاحتياطي التي اُقدتْ بشأنها ندوات منذ سنة 2004، وتمخّضتْ عنها توصيات دونَ أن تجدَ طريقها إلى التفعيل، وزاد المتحدث: “أخشى أن نستمر في شيء نتقنه، وهو التشخيص وإصدار التوصيات دون تفعيل في إطار تصحيح الوضع”.

علاقة بذلك، قال بوزلافة إنّ التشخيص الذي قدمته وزارة العدل والحريات لواقع منظومة العدالة بالمغرب كان متقدّما جدّا؛ “حيث التقت الوزارة مع المجتمع المدني في خطاب واحد، وهو أنّ الأمور سيئة، ولكنْ بعد انتهاء الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، والنقاش الرائع الذي واكبه، حدثت رِدّة”، يقول المتحدث، لافتا إلى أنّ التدبير السيئ للزمن “أثّر على حصيلة التعديلات والإصلاحات”.

عبد اللطيف الشنتوف، رئيس نادي قضاة المغرب، خصّص مداخلته للحديث عن القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، وتساءل، في مستهلّها، “إلى أي حد يستجيب القانون للمعايير الدولية ويضمن للقضاة محاكمة عادلة؟”، مضيفا: “لا يمكن أن نطالب القضاة بأن يكونوا انتحاريين، لأن هناك أشياء فوق طاقتهم، وينبغي مراعاة الضغوط التي يشتغلون فيها”.

الشنتوف اعتبر أنَّ القانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة “ضرب في العمق مبدأ حرية القضاة في التجمع، رغم أنّ الدستور نص على أن للقضاة حرية التعبير والتجمع، ومنح بشكل صريح للقضاة حق الانتماء إلى الجمعيات المهنية”، وأضاف المتحدث أنّ من حقّ القضاة الانتماء إلى الجمعيات المدنية، معتبرا أنَّ استقلالية القاضي يجبُ أنْ يتمّ قياسُها بناء على تقييم ممارسته لعمله، وليس بإبعاده عن المساهمة في النقاشات العامّة.

وحين حديثه عن القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، قال رئيس نادي قضاة المغرب إنه “لا يستجب للحكامة الإدارية على مستوى تعيين قضاة المحاكم، وتعيين المسؤولين الكبار على مستوى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والأمين العام للمجلس”، مضيفا: “مبادئ الحكامة لم تصل إلى المستوى المطلوب، ولم يتمّ تكييف القانون التنظيمي مع الوثيقة الدستورية”.

الشنتوف، الذي قالَ إنّ نادي قضاة المغرب “لا مُشكل له مع وزير العدل، بل مع القانون”، انتقد نظام تأديب القضاة. فعلى الرغم من إشارته إلى أنّه أحيطَ ببعض الضمانات، إلا أنه استدرك بأنّ “فيه الكثير مما يقال”، مشيرا في هذا السياق إلى أنّ الجهة المشرفة على الأبحاث “كان يجب، على الأقل، أن تُعطى للمجلس المُكون من عشرين شخصا، إذا لم يكن هناك حل آخر أفضل، بدل وضعها في يد شخص واحد”.

وعلى الرغم من أنّ المُشرّع فتح إمكانية الطعن بالنسبة للقضاة الذين صدرتْ في حقهم أحكام تأديبية، يقول الشنتوف، إلا أنَّه، “للأسف، لم يتمّ تفعيل هذا المقتضى، ما نتج عنه عزل عدد من قضاة الرأي الذين اتخذت في حقهم عقوبات بسبب التعبير عن آرائهم”، وذكر في هذا السياق قُضاة جرى عزلهم، مثل عادل فتحي ومحمد الهيني ومحمد عنبر، موضحا: “هؤلاء القضاة لا علاقة لهم بالفساد، بل جرى عزلهم بسبب التعبير عن آرائهم”.

لبنى الوزاني، محامية عامة بمحكمة النقض عضو الودادية الحسنية للقضاة، تطرّقت في معرض مداخلتها إلى استقلالية القضاء والقضاة، وقالت إنّ هذا الموضوع يثير تساؤلات حول تحديد الأوضاع المؤثرة على هذه الاستقلالية والجهات التي يمكن أن تكون مؤثرة، مشيرة إلى أن “أبرز الجهات المؤثرة هي السلطتان التنفيذية والتشريعية والإعلام، فضلا عن تأثيرات قد تصدر من الجهاز القضائي نفسه”.

إضافة إلى هذه العوامل، ترى الوزاني أنَّ تكوين القاضي يُمكن أن يؤثر بدوره على استقلاليته، وكذا ضعف التخليق، أو هما معا، مُحمّلة القضاة مسؤولية الدفاع عن استقلاليتهم في وجه أيّ تأثيرات خارجية بقولها: “نتساءل عن دور القضاة في الإبلاغ عن الأوضاع التي قد تشكل تأثيرا عليهم، فإذا لم يبلغوا فالمجلس الأعلى للسلطة القضائية لا يمكن أن يعرف بذلك، وبالتالي لا يُمكن أن يباشر بحثا”.

من جهتها قالت رئيسة جمعية عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة، جميلة السيوري، إنّ الضمانات التي جاءَ بها الدستور في مجال استقلال السلطة القضائية لم تعرف جرأة على المستوى التشريعي والمؤسساتي، لافتة إلى أنّ المرحلة الحالية، بيْن ولاية تشريعية سابقة وأخرى في بدايتها، “تُعتبر مفصليّة لتنزيل الإصلاح”، بينما قال محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، إنّ إصلاح منظومة العدالة “ضرورة لا مَحيد عنها”.

مشاركة