الرئيسية آراء وأقلام المفوض القضائي نبذة تاريخية الجزء الأول

المفوض القضائي نبذة تاريخية الجزء الأول

13900278 164364100655092 134772397239333156 n.jpg
كتبه كتب في 15 أكتوبر، 2016 - 3:59 مساءً

بقلم الأستاذ محمد طاليب

قراءة شخصية.
لايمكن الحديث عن مهنة المفوض القضائي دون ذكر الإطار العام الذي نشأت فيه والضرورة الملحة التي أوجدتها.
لقد عرف القضاء المغربي إلى حدود نهاية الثمانينات من القرن الماضي عجزا يكاد يكون ح في الخذمات التي تقدمها مؤسسة كتابة الضبط للضعف الثقافي لأعوان التبليغ من جهة وقلة الطاقم البشري من جهة اخرى ، مما شل حركة التبليغ والتنفيذ نسبيا ووضع الجهاز القضائي في حرج أمام المنتفعين منه مواطنين ومؤسسات مدنية وتجارية .
ولاأدل على ذلك من القولة الشهيرة للمغفور له الحسن الثاني رحمه الله في هذا الشأن.
وأمام هذه الوضعية المزرية لم يكن هناك بد من إخراج مؤسسة المفوض القضائي (العون القضائي سابقا )الى الوجود رغم أن الظهير المنشئ لها ضل راكضا لما يزيد عن عشر سنوات سابقة ولم ير الوجود الا في نهاية الثمانينات وبداية التسعينيات من القرن الماضي.
حيث تم تعيين أول فوج بمدينة الرباط وبعدها بسنتين تم تخريج الفوج الثاني من المعهد العالي للقضاء ثم الفوج الثالث بالحي الحسني عين الشف وتوالت التعيينات الى ان شملت المهنة جل المحاكم المغربية.
وقد عرف الوافد الجديد ترحيبا كبيرا من المواطنين والشركات ومكاتب المحامون الكبار الذين يبحثون عن التبليغ والتنفيذ (المعاينات والانذارات القضائية في البداية )
وكان من الطبيعي جدا ان تكون المهنة الجديدة غولا سيذهب بآمال وأحلام اللوبي الذي كان معششا في دواليب المحاكم المغربية خاصة أولائك الذين كانوا ينتفعون من البطئ الممنهج في ميدان التبليغ والتنفيذ.
ولكن الدروس القوية التي تلقاها الزملاء المفوضون القضائيون بالمعهد العالي للقضاء من خيرة الأساتذة الأجلاء قضاة وأطر سامية من وزارة العدل مكنتهم من معرفة الحقيقة التاريخية التي اوجدتهم والمهمة الصعبة التي تنتظرهم .
فرغم العراقيل الكثيرة التي كانت تواجه الزملاء بمختلف المحاكم المغربية خاصة من لدن بعض رؤساء كتابة الضبط، الا ان إصرارهم على تحقيق النتائج المرجوة منهم دللت كل الصعوبات .
وكانت نتائج التبليغ التي ظلت راكدة الى اقصى درجة وبفضل المجهودات الحثيثة قد وصلت الى 100/100 بشهادة الوزارة وكبار المحامون ورؤساء المحاكم ووكلاء الملك بمختلف ربوع المغرب .
ومع ذلك كان المقابل المادي لهذا المجهود قليلا جدا اد لم يتعد واجب الاجرة في التبليغ 15 درهم رغم اعادة التبليغ لمرات عديدة وكانت المعاينات لازالت تسلم لموظفي المحاكم رغم ان الاختصاص سلم للاعوان القضائيين.
فكان هاجس المفوض القضائي في البداية هو الصراع مع كتابة الضبط لانتزاع اختصاصاته الضئيلة التي سلمت له في إطار قرار التعيين الوزاري الأول والذي كان يحدد كذلك المجال الترابي للمفوض القضائي .
كل هذه الارهاسات والمشاغل كانت تسكن عقل ووجدان كل مفوض قضائي أينما كان .
فكانت محاولات هنا وهناك لإنشاء جمعيات محلية على صعيد المحاكم كتلك التي حاول ذ جغيدر وذ بورمان انشاءها ولكن دون جدوى ،من هنا جاءت القراءة الحكيمة للاستاذ عزيز فوغني الذي فضل أن ينزل على هذه المشاكل والمشاغل من السماء عبر المظلة الدولية فربط علاقة شخصية وبمجهود شخصي منه بالرئيس الدولي للمفوضين القضائيين وانتج فكرة إخراج الجمعية الوطنية للمفوضين القضائين بالمغرب.
هذه الفكرة التي ألهبت حماس الاعوان القضائيين بالدار البيضاء في اجتماع عام انبتق عنه خلق لجنة تحضيرية للعمل على تاسيس الجمعية الوطنية للأعوان القضائيين بالمغرب .
لم يكن من السهل الحديث عن جمعية اواي كيان خاص بالاعوان القضائيين في وقت كانت فيه ملامح المهنة لم تظهر بعد ولم تأخذ مكانتها في الجهاز القضائي بين رافض ومقاوم لوجودها ومرحب لها .
لم يكن واردا انشاء جمعية في وقت تصاعدت فيه النداءات عن فشل التجربة والتي كانت تطعم بمناشير ارتجالية ادارية تارة تحث العون القضائي على الحضور كل صباح للتوقيع على لائحة الحضور كسائر موظفي المحكمة ومهنية كتفسير ملتبس للائحة الاجور خاصة النسب الواردة به وضلت الارتجالية في تسيير المهنة مرتكزة علة مناشير تارة دافعة للمهنة وأخرى تحد من انطلاقتها وكان كل هذا وذاك يؤثر بشكل سلبي على نفسية العون القضائي ويهز من ثقته بالمهنة .
كذلك لاننسى الضغط الكبير الممارس من كتابة الضبط سواء بالمنافسة في الاجراءات رغم شحها والتي كانت تسلم عنوة لاعوانها مع المعاينات الا ما تمسك به المحامي لتسليمه للعون القضائي.
وضلت هاجسية الكينونة واضحة وبارزة لايمكن الاطمأنان الى الجهة التي ستؤول لها هل الاستقلالية أم التبعية و الإدماج .
في خضم هذا الصراع وفي وقت حاسم تمت الهندسة لخلق الجمعية الوطنية للاعوان القضائين بالمغرب من طرف المؤسس والمهندس ذ فوغني
أضف الى ما سبق ذكره ، انه كانت هناك مضايقات يومية من أعوان المحكمة للعون القضائي تؤول في اغلب الحالات الى مشادات كلامية الى ان صدر قرار وجوب الخروج من دائرة المحاكم وضرورة تهيئ مكاتب خاصة خارج مبنى المحاكم .
وكان ذلك القرار بمثابة القفزة الأولى للمهنة نحو الاستقلالية والابتعاد نسبيا عن الوصاية اللصيقة والاحتكاك مع اعوان التبليغ والتنفيذ اللذين كانوا ينظرون الى العون القضائي كعدو يجب استأصاله بأي ثمن .
جاءت اذن إرهاصات تثبيت المهنة كواقع فرضه اجتهاذ الزملاء في تصفية التبليغ الذي كان يشكل نقطة شلل المحاكم وتشجيع بعض المكاتب الكبرى للمحامون وكذا رؤساء ووكلاء الملك لدى مختلف المحاكم بالمملكة .
تم التفكير اذن في خلق جمعية وطنية تجمع الرؤيا وتعطي الأمل والدفئ والسند للعون القضائي فكانت كذلك.
ان فكرة الانطلاق بالمهنة من خلال المظلة الدولية ليس فقط رغبة جامحة في الاستقلال وعدم التبعية لأي جهة كيفما كان نوعها خاصة ان الممارسة الميدانية أبانت عن تحفظات كثيرة من اقرب من كنا نضن أنهم سندنا في دربنا القضائي بل كانت أيضا إشارة قوة للمشرع وللدولة ان التصور المعطى للمهنة هو غير التصور الذي يراه اهل المهنة خاصة وان العديد من الندواة واللقاءات كانت تعتبر المهنة مولود معوق وقاصر وان أمامه سنين عديدة ليأخذ مكانته بين مساعدي القضاء وفق المعايير المثالية المتعارف عليها.
كانت الفكرة أيضا رسالة قوية للمجتمع القضائي على ان هناك رجال أقوياء سيحملون المهنة على اكتافهم ليصلوا بها الى المكانة الدولية التي تستحقها وكذلك كان
،الخطوة الثانية هي :
بعد اقتناع جميع السادة الاعوان القضائيون بفكرة الجمعية تم انتخاب واحد من كل محكمة للحضور الدار البيضاء بقصد التهييئ للقانون الأساسي للجمعية لأن مهمة اعضاء اللجنة التحضيرية كانت هي
اولا اقناع الزملاء في كل محكمة بالفكرة.
ثانيا اداء كل عون قضائي مبلغ 100 .
ثالثا انتخاب ممثل لهم في الاجتماع الذي سيعقد بالبيضاء لتهييئ القانون الأساسي للجمعية.
اذن كل عضو من اللجنة كانت مهمته تحيين لائحة بعدد الاعوان القضائين بكل محكمة وجمع المبالغ المالية للتهييئ للجمع العام.
ونظرا للحماس المنقطع النظير لم نلق اي صعوبات في تحقيق هذه الغاية الأ كما ذكرت سابقا محكمة تازة حيث اضطررنا الى الانتقال لها جماعة لإقناع الزملاء هناك.
بعد ذلك تم تجميع المال وشرعت اللجنة في التحضير للجمع العام والذي كان لاينتهي في اغلب الأيام إلا في ساعات متأخرة من الليل مع الإرهاق التام لجميع الأعضاء.
وتم التحضير للاجتماع العام لممثلي الأعوان القضائيين من جميع انحاء المغرب بما فيهم الاساتذة بلفقيه والاحمدي وشنطور و ابوالحقوق والعلمي والمالكي والعاولي وبنحمزة والفنكوش وبولكرور وبولحروز ابوالعيش والفتاوي وقدور تشح وكانت الاجتماعات تأخذ منا الوقت لساعات متأخرة من الليل .
وكانت مناقشات طويلة حول كيفية العمل وطريقة العمل
كان الزملاء ممثلوا المحاكم جد منهكون وبعد عدة اقتراحات منها
– انتخاب الرئيس تم يقوم هو بتعيين اعضاء مكتبه.
-انتخاب الرئيس وكذلك اعضاء مكتبه .
انتخاب الرئيس وانتخاب ممثل عن كل محكمة .
وبعد المناقشات تم الاهتداء الى خلق جهاز المجلس الوطني الذي تكون له الكلمة والقرار ومكتب تنفيذي لقرارات المجلس الوطني لأن انتخاب المكتب التنفيذي من الزملاء بمختلف المحاكم كانت فكرة فيها إعاقة لسير العمل داخل المكتب ولأن المكتب يجب ان يكون ديناميا حرا متمكنا من التحرك السريع عند الوجوب
من أجل ذلك تم إعتماد الطريقة الأولى الا وهي انتخاب الرئيس وهذا الأخير يعيين اعضاء مكتبه.
اذن بعد الاتفاق والتوافق بين جميع ممثلي السادة الأعوان القضائيين بالمغرب على كيفية تشكيل إدارة الجمعية وذلك بانتخاب رئيس للمكتب التنفيذي تكون مهمته التنسيق بين الاعضاء وتمثيل الجمعية امام مختلف الأغيار ادارة أو مؤسسات
ومجلس وطني يتكون من ممثلي السادة الاعوان القضائيين لدى مختلف المحاكم المغربية
انكب الجميع على تعديل وتغيير مسودة القانون الأساسي ليساير الطريقة التي تم الإتفاق عليها ولازلت اذكر ان هذه العملية بالذات لم تنتهي الا في الساعة 3 صباحا بعد جهد جهيد.
أصبح مشروع القانون مهيئ اذن وكذا طريقة الانتخاب وكل ذلك بواسطة اساتذة اجلاء لازلت اذكر منهم ذ ابوالحقوق ذ بلفقيه بالرباط واساتذة اجلاء من كل المحاكم المغربية بما فيه ممثلي العيون والمناطق الصحراوية عبر الطائرة الذين كانوا يأتون على نفقتهم الشخصية كما هو الحال بالنسبة للجميع .
قلت اصبح كل شيئ جاهز للتحضير للجمع العام من طرف اللجنة التحضيرية .
وتم الاتفاق على يوم 22/12/1996 عيدا وطنيا للمفوضين القضائيين (الأعوان القضائيين سابقا ) عيدا وطنيا للمهنة بكل المقاييس .وتم الإتفاق على البرنامج اليومي للجمع التأسيسي .
وتم تكليف متخصصين رفيعي المستوى لتنظيم الجمع التأسيسي نظرا لحضور شخصيات دولية ووطنية وصحافة والتلفزة كذلك .
فكان برنامجا بروتوكوليا رفيع المستوى انشرحت به جميع الفعاليات المشاركة .
وتم الترحيب الائق بالضيوف حيث خصصت لهم حافلة سياحية طافت بهم بعض المعالم التاريخية بالبيضاء منها سوق الحبوس ومسجد الحسن الثاني وبعض أهم شوارع العاصمة الاقتصادية.
وفي الموعد انطلق الجمع وفق ما كان مسطرا له وتخلف وزير العدل عن الحضور دون اي مبرر لأن التاريخ الذي اعتمد للجمع التأسيسي تم مراعاة جميع الاحداث والمناسبات الدولية والوطنية حتى لا تصادف يوم الجمع .
انطلق الجمع اذن بكلمات الوفود الشرفية في الفترة الصباحية تم انطلق الجميع الى مأدبة الغذاء بالمطعم الفاخر الورود وفي الفترة المسائية تم إجراء انتخاب الرئيس .
كان كل شيئ على مايرام وغلبت روح التوافق بين الزملاء والانسجام في الفترة المسائية حيث تم انتخاب مهندس الجمعية بأغلبية كاسحة للأصوات وكان ذلك تعبير امتناني للزملاء بجميع المناطق المغربية عن المجهوذات التي بذلت للاستاذ فوغني وجميع الزملاء باللجنة التحضيرية وممثلي الاعوان القضائيين بمختلف المحاكم المغربية
وتم تعيين المكتب من طرف ذ فوغني بالتوافق دائما والرضائية.
وانتهى الجمع العام التأسيسي وانتهت معه حقبة كاملة من الاستهزاء والدونية التي كان ينظر بها الى المهنة وبدأت مرحلة أخرى المفروض انها سوف تؤسس الإطار العام لتوجه الجمعية الوطنية للمفوضين القضائيين بالمغرب.
كانت هناك أحلام وآمال مجموع 526 مفوض قضائي عبر التراب الوطني عاشت يوما ميلاديا حقيقيا للمهنة ولكن يحدوها الأمل إلى واقع متغير حقيقي يعاش على أرض الواقع.
وبالمقابل كانت هناك تحديات عظمى تنتظر الجمعية الوطنية للاعوان القضائيين بالمغرب ،اكراهات إدارية وهيكلية للمؤسسة الجديدة .
ظهرت في الأفق كذلك جدالات من طرف بعض الزملاء نتيجة تكوين المكتب التنفيذي من أغلب الزملاء من البيضاء:
ذ/ فوغني رئيسا
ذ مرجان -حايمو نوابا
ذ بورمان كاتبا عاما
ذ الطالب نائبا
ذ بولحناش امين المال
مع العلم أن الاتفاق بين جميع ممثلي الزملاء في المغرب كان هو انتخاب الرئيس وأن هذا الأخير يعين من يراه قادرا على تحقيق التحديات القادمة .
لذلك كان لزاما ان يكون المكتب أغلبه قريب للرئيس من أجل الاجتماعات والمناقشات والتحركات التي تفرضها طبيعة العمل المنتظر .
فماهو الإتجاه الذي سلكته الجمعية لتدليل الصعاب والانطلاق نحو الهدف واي هدف؟؟
دما ينتفض الإنسان من واقع معين أو يثور
حضاريا على واقع غير مرغوب فيه أو للوصول الى واقع مطلوب فكما ان الانتفاضة او الثورة تكون جماعية كذلك يجب على الهدف المبتغى ان تكون فيه روح الجماعة فبدون رفاق لا يكون السفر مريحا وصدق الله العظيم حين قال وقوله الحق المبين
” فلو كنت فضا غليض القلب لنفضوا من حولك ،”
فهل استطاعت الجمعية بعد بلوغها الهدف التأسيسي الأول من مسايرة الطريق وهل كانت هناك خطة طريق .
أولا لابد من تسطير الاكراهات والانتظارات الخارجية والتي سوف تؤثر بشكل كبير على سير المكتب التنفيذي للجمعية.
أولا – آمال 526 مفوض قضائي ينتظر الحماية والاختصاصات المسلوبة
ثانيا – الإدارة التي أصبح لذيها جهاز وممثل (قانوني ) يمكن من خلاله تمرير الرسائل الإدارية والقضائية.
ثالثا- الموارد المادية المنعدمة لسير الجمعية الوطنية
ثم هناك الاكراهات الذاتية الانتظارية للجمعية ومنها.
أولا – ضرورة انشاء والسهر على خلق الجهاز الأساسي للجمعية وهو المجلس الوطني
ثانيا – خلق فروع جهوية لدى دوائر الاستأناف على الصعيد الوطني.
ثالثا – البحث عن مورد قار للجمعية يؤمن سيرها العادي .
رابعا – تخليق المهنة والتعريف بها كمؤسسة واقعية موجودة في النسيج الاقتصادي الوطني في الوقت الذي كانت تعرف فقط بالاعوان الجدد في مقابل الأعوان القدامى لكتابة الضبط.
فكيف ستستطيع الجمعية الوطنية من خللخة كل هذه التحديات والاكراهات وماهي الوجهة التي اتجهتها؟؟؟

مشاركة