الرئيسية آراء وأقلام تعريف الحداثة وما بعد الحداثة، الميزات، الخصائص

تعريف الحداثة وما بعد الحداثة، الميزات، الخصائص

FB IMG 1472679485490.jpg
كتبه كتب في 1 سبتمبر، 2016 - 5:33 مساءً

قبل البحث في ما بعد الحداثة، من الضروري الإشارة إلى الحداثة نفسها بوصفها حقيقةً تاريخية ثقافية، وبعد ذلك ندخل في بحث ما بعد الحداثة، لنقارن بينها وبين الحداثة نفسها.

الحديث (Modern) كلمة مشتقة من أصل لاتيني (modernus)، وقد حظي التحديث بانتشار واسع في اوروبا عقيب عصر التنوير (Enlightenment)، وفي تلك الحقبة نفسها، أظهر الإنسان الغربي اعتماداً أكبر على عقله، وقد اتخذ هـذا الاعتماد على العقـل في مجمله طابـع العقلانية الشـكلية (Formalist rationality).

لعله يمكن – وبصورة إجمالية – تعداد الخصائص الأيديولوجية الرئيسية للحداثة، والتي تمثل بدورها خصائص التنوير على الشكل التالي:

1- الاتكاء على قدرات العلم والعقل الإنساني بهدف معالجة الأمراض الاجتماعية.

2- التأكيد على مفاهيم من قبيل التقدم (Progress)، والطبيعة (nature)، والتجارب المباشرة ( Direct experience).

3- المعارضة الواضحة للدين.

4- تعظيم الطبيعة، وعبادة الإله الطبيعي.

5- في المجال السياسي، كان هناك الدفاع عن الحقوق الطبيعية الإنسانية بواسطة حكومة القانون، ونظام الحيلولة دون سوء الاستفادة من السلطة.

6- أصالة الإنسان، أي أنسنة المجتمع، وكذلك أنسنة الطبيعة (Anthropomorphism)

7- الاتكاء بشكل أساسي على المنهج التجريبي والحسي قبالَ المنهج القياسي والفلسفي.

8- الوضعية بوصفها البنية المنهجية للحداثة.

وبالإضافة إلى المميزات والخصائص المتقدمة، كانت للحداثة بوصفها حركةً تاريخية تمظهرات مختلفة في مجال الفلسفة، والثقافة، والاقتصاد، والسياسة، وعلم الاجتماع … وكمثال، مثّلث الفوردية (Fordism) خصيصة من خصائص الحداثة في مجال الاقتصاد، أما في مجال علم الاجتماع فهناك تجاوز لمرحلة التقليد إلى مرحلة التجدد وإيجاد مجتمع صناعي، وفي الثقافة كان هناك ظـهور لنوع مـن النخبوية (Elitism)، وفي الفلسفة نزعة مادية ماتريالية (materialism) طبيعية (Naturalism) ودنيوية (Secularism)، وفي العلم برز المنحى الميكانيكي (Mechanistic)…

– الإنسيّة وارتباطها بالحداثة (humanism)

تعد الحداثة من الناحية التاريخية حصيلة عصر النهضة، ومن عصر النهضة أيضاً تنطلق الإنسيّة أو محورية الإنسان، وتطرح أصالة الإنسان فكرة محوريته بصورة مستقلة عن الله والوحي الإلهي، ويمكن اعتبارها بمثابة الجوهر والروح الباطن للاتجاه الحداثوي.

ويكتب رينيه غنون فيما يرتبط بالجوهر البنيوي لأصالة الإنسان، فيقول: «برزت الإنسيّة في صورتها الأولى نفيٍاً للروح الدينية في العصر الجديد، وحيث كانوا يريدون بوتقة كل الأشياء في الميزان البشري، تلك البشرية التي تحوّلت إلى غاية وحدّ لذاتها، لكنها – الإنسيّة – في النهاية أسقطت الوجود البشري وبشكل تدريجي إلى أحطّ الدرجات».

– العلمانية الوليد الأبرز للحداثة

في إطار الحداثة يفتقد الدين مركزيته التي كان يتمتع بها في مجال الحياة الاجتماعية والسياسية، وينعكس بصورة دساتير وتعاليم أخلاقية وشخصية. إن النظرة الحداثوية للدين مجرد نظرة براغماتية نفعية، ولابد من اعتبار الاعتقاد بعلمنة الحياة الاجتماعية والسياسية بمثابة واحدة من مميزات الحداثة والتفكير الليبرالي، أي الاعتقاد بأن الدين إما أنه لا يجوز أن يكون له وجود أساساً أو أنه إذا كان له وجود فلابد من جعله أمراً شخصياً مؤطراً في إطار العبادات والأحكام الفردية، فلا يسمح للدين أن يكون مركز ثقل في الحياة السياسية والاجتماعية، بل لا بد له من التموضع في إطار المشهورات والتصديقات الإنسانية.

لعلّه يمكن – وبصورة موجزة – بيان أهم مظاهر العلمانية على الشكل التالي:

1- الرؤية الدنيوية أو دنيوية الحياة البشرية.

2- أفول أو انحسار تأثير الميتافيزيقيا وما بعد الطبيعة.

3- النظرة المادية للأخلاق.

4- الهداية العقلية.

كما تمكن الإشارة إلى عدّة مدارس كان لها تأثير في تكوّن العلمانية وظهورها، وهي الإنسيّة (Humanism)، والقومية (nationalism)، والى حد معين المذهب العلمي (Scientism) والذي بلغ أوجه في المدرسة الوضعية (Positivism)، كما مثّلت الليبرالية (Liberalism) واحداً من الأعمدة التي انبنت عليها العلمانية.

وتجدر الإشارة إلى أن الجذور الفلسفية للعلمانية ترتبط بمذهب التداعي لجيمز ميل (James Mill)، ومذهب أصالة الفائدة (Utilitarianism) لجيرمي بنتام ( Jermy Bentham).

– الوضعية منهجُ الحداثة

لابد من الالتفات إلى وجود تداخل هام وأساسي بين الوضعية والحداثة، فالحداثة تؤخذ بوصفها أيديولوجيا الوضعية، فيما تمثل الوضعية المنهج لها، ويمكن أيضاً اعتبار البنية الأصـلية للعلوم المعاصرة، سيما النظريات الجديدة في العلوم الاجتماعية والسياسية بأنها بنية وضعية، تلك الوضعية التي كانت في الواقع ثورةً على الفلسفة والميتافيزيقيا، وغضباً مناهضاً للاتجاهات الدينية والأحكام الأخلاقية.

من وجهة نظر الوضعية، الدين جزء من التاريخ الذهني للإنسان لا غير، وليست له أية واقعية خارجية، الله عبارة عن مفهوم يصنّف جزءاً من التاريخ الفكري للبشر، إن من أهم الوسائل التي استخدمتها الوضعية في حملتها ضدّ الدين كان التشكيك في صدقية القضية الدينية وكونها ذات معنى بما لا نستطيع احتواءه ضمن هذا المختصر.

إذن، يمكن لنا قراءة النظريات الجديدة التي طرحت في القرن العشرين من ناحية معرفية ومنهجية في السياق الوضعي، ومن ناحية مضمونية في إطار الحداثة.

المذهب العقلي والاعتقاد بالعقل أساساً للمعرفة

المذهب العقلي – في الواقع – اتجاه فلسفي يرجع إلى القرنين السابع والثامن عشر الميلاديين، ومن وجهة نظر المؤيدين لأصالة العقل من غير المقبول أن تكون المكاشفة والشهود مصدراً من مصادر المعرفة الواقعية، ويعتقد مناصرو الاتجاه العقلي أن البراهين القياسية (Deductive) أو الاستقرائية (Inductive) يمكنها أن تمنحنا اطلاعاً دقيقاً وقابلاً للاطمئنان عن العالم.

لقد ساد اعتقاد في علم الاجتماع بتلازم المذهب العقلي مع وضعية القرن التاسع عشر، لقد كانوا يعتقدون بأن الهدف من الإرجاع إلى العقل الإنساني ليس هو المعرفة فحسب، بل إن رفاهية الحياة الاجتماعية كانت هي الأخرى مأخوذةً بعين الاعتبار، بعبارة أخرى لم يجر فهم العقل بوصفه ظاهرةً مسقطة مسبقاً من الأعلى، وإنما هو استعداد ينبغي أن يحظى بشمولية أكبر، وأن تخضع الحياة الاجتماعية والسياسية على أساسه لتحوّلات عديدة.

وهنا، لابـد من التمييز بين العقلانية (Rationality) ومذهب أصالة العقل (Rationalism) والعقلنة (Rationalization).

  1. بقلم :م.جعفر
مشاركة