الرئيسية آراء وأقلام الإصلاحات القضائية في كيبيك..هل يُمْكننا الاستفادة؟

الإصلاحات القضائية في كيبيك..هل يُمْكننا الاستفادة؟

atbato 155203775.jpg
كتبه كتب في 27 سبتمبر، 2016 - 11:28 مساءً

بعد نقاشات استمرت أكثر من 15 عاماً، دَخَلتْ هذه السنة مدونة المسطرة المدنية الجديدة حيز التنفيذ في مقاطعة كيبيك. والأكيد أن تسعة أشهر غير كافية لتقييم مدى نجاعة التعديلات التي مسَّتْ القانون السابق، لذلك سنكتفي ببعض الملاحظات.

أهم ما يثير الانتباه في المدونة الجديدة هو الأهمية الزائدة التي أعطيت لـ”القضاء الخاص”؛ وهي حزمة من إجراءات حل النزاعات بعيدا عن المحاكم، وتُعْرف بـ: modes privés de prévention et règlement des différends (PRD).

ولأهميتها احتلت هذه الإجراءات الفقرات الأولى من المدونة) من البند الأول إلى السابع(. ويتعلق الأمر بالتفاوض négociation، والوساطة médiation، والتحكيم arbitrage..

البعض تكلم عن ثورة قضائية، لأنه بعد 150 سنة من الاحتكار شبه التام، تفسح المحكمة مكاناً في مجال التقاضي لفضاءات أخرى تتسم بمرونة أكثر وتكلفة أقل، وبالمقابل تحظى مخرجاتها بقيمة حكم المحكمة نفسها، كما أنها على العموم غير قابلة للاستئناف؛ على أن تبقى المحاكم هي الملاذ الأخير في النزاعات ذات الطابع المدني، حين يتعذر الاتفاق على البديل؛ بل إن المدونة ما انفكت تنفخ روح التفاهم والصلح، حتّى والمنازعة بين يدي القاضي.

الواقع أن معالجة مقاربة التقاضي في كبيك ليست نوعاً من الترف الفكري والاجتماعي، بل ضرورة فرضها اكتظاظ الملفات وطول الآجال، والتكاليف التي ترهق المتقاضين والخزينة على السواء. تكفي الإشارة إلى أن يوما من التقاضي يكلف الميزانية عشرة آلاف دولار للقضية الواحدة.

وتروم المقاربة الجديدة تغير ثقافة وفلسفة التقاضي؛ وذلك بتشجيع المتنازعين على التواصل ثم التواصل ثم التواصل، مباشرة، باختيار وسيط يساعد على التفاوض، أو بتعيين حَكَم، ليس بالضرورة ذا مرجعية قانونية، كي يحسم في النزاع.

وجل المتدخلين يصرون على أن اللجوء إلى القضاء الخاص اختياري ولا يُقبل إضفاء أي طابع إجباري عليه؛ والحال أن المدونة تبنَّت أسلوب ”الحض” وليس ”الأمر”؛ وذلك باستعمالها عبارة ”يجب عليهم الأخذ بعين الاعتبار”.. سنحتاج إلى بعض الوقت للوقوف على تفسيرات المحاكم لهذه العبارة.

حَرِيٌّ بنا أن نشير إلى أن الوساطة والتحكيم ليسا جديدين على القانون الكيبيكي، فالعمل جاري بهما في الأحوال الشخصية منذ سنة 1999؛ وعليه فإن 80 في المائة من الحالات التي تختار هذا الطريق يتم الحسم فيها دون عبور ردهات المحاكم.

ما يثير الاهتمام كذلك في المدونة الجديدة هو إقرارها بإمكانية قيام وزارة العدل بـ”تجارب قضائية” أو ”مشاريع رائدة” projet-piloteدون اللجوء إلى موافقة البرلمان، ولكن باستشارة الفاعلين في الحقل القضائي؛ على ألا تتجاوز مدة التجربة ثلاث سنوات (البند 28) . نُذَكِّر بأننا نتكلم هنا عن المسطرة المدنية.

أما بعد، فلا يسع المجال لبسط كل مستجدات المدوَّنة الكيبيكية، وليس هذا ما أبغيه من هذه العجالة.. كتبْتُ ما كتبت لاعتبارين اثنين لهما ثالث ورابع… الأول أن كيبيك، عكس جل المقاطعات الكندية الأخرى، تتبنى القانون المدني المستمد من المدرسة الفرنسية؛ وهي بذلك تشترك وبلدنا المغرب في كثير من النقاط؛ وبالتالي فلا ضير من الاستفادة من التجربة الكيبيكية طبعاً، مع اعتبار خصوصياتنا، التي أعتقد أنها أكثر قابلية لمقاربة الصلح والوساطة. ثانيا، طيلة مدة النقاش حول المدونة الجديدة لم تُسجَّل مهاترات سياسوية كل همِّها وضع العصا في العجلة.. كان النقاش جادا والاحترام متبادلا بين كل الفاعلين، وكان ما يصبو الجميع إليه هو إعادة بعض الحيوية لجسم القضاء المترهل. لربما تململ بعض المحامين الذين ظنوا أن الدفع بالنزاعات خارج المحاكم قد يمسهم في أرزاقهم، لكن الأمر بقي مجرد تخوفات وتصريحات محدودة..هذه المرة وجبت، ولا ضير، الاستفادة من احترافيتهم هؤلاء القوم ونضجهم.

مشاركة