الرئيسية آراء وأقلام اختفاء قاض……

اختفاء قاض……

13906824 1073960742691798 3783329056333179968 n.jpg
كتبه كتب في 14 أغسطس، 2016 - 4:44 صباحًا

لم يفاجئني بيان المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بتطوان بخصوص واقعة ” اختفاء ” زميلنا ذ/ العزوزي ليس لعِلمي المسبق بذلك من خلال مكالمة مع زميلنا الشنتوف ، بل لمعرفتي بالواقع الذي أصبحت عليه علاقاتنا الانسانية خارج و داخل المحاكم و التي اصيبت بالبرود الى حد التجمد و أصبحنا لا نرى زملاء معنا يشتغلون داخل نفس البناية إلا بالمناسبات او عبر مرور خاطف في فضاء سريالي ازرق .

” اختفاء قاض ” .. انتظروا عناوين الصحافة . لن يكون الموضوع مشابها لما ألِفته حين تكتب عن ” اختفاء” أو ” فرار ” أحد كوادر القطاع الخاص او العام ومعه الملايير التي كانت تحت يديه تحت مسمى ودائع زبناء او خزينة المال العام .
الحمد لله فزميلنا العزوزي نظيف اليد و القلب يعاني في صمت مع اقساط ديونه ، كل ذنبه أنه آمن بأن لا صوت يعلو داخل محارب القضاء إلا صوت القانون و لو كان صوت محام يؤمن بأنه الناطق باسم القانون و الحق. اختلف الاثنان في وضع حدود الحق في الدفاع عن الموكل و الحق في الدفاع عن هيبة القضاء و كرامة القاضي ، بين ما يعتبره المحامي مرافعة و ما يعتبره القاضي اثارة للضوضاء و تشويشا على سير الجلسة . و استعمل القاضي نصوص القانون لاصدار أمر ب ‘ طرد المحامي من الجلسة ” أمر باسم جلالة الملك لجأ اليه القاضي بعد أن أعيته الطرق العادية لتسيير الجلسة .
ثارت ثائرة إخوتنا في أسرة الدفاع و انتصروا لشخص الزميل المطرود و تم الإنزال ببهو المحكمة في وقفة شكلت سورا بشريا منَع القاضي من دخول قاعة الجلسات و اضطر معه الى إنجاز محضر في كل ملف ضمّن فيه ذلك. وقفة احتجاجية للمحامين مطلبها الرئيسي المطالبة برحيل القاضي الذي تجرأ على المس بكرامة المحامي في منظر كان فيه المس الكبير و الخطير ليس بكرامة القاضي المعني فقط بل بكرامة جميع القضاة و بهيبة القضاء . و بعد النجاح في فرض الامر الواقع يُحكى أنه قد تم ” شبه اقتحام ” لمكتب رئيس المحكمة لمطالبته و تفاديا ” للإحراج ” أن لا يدخل القاضي جلسته الأسبوع المقبل . إحراج من ؟!!
أصر القاضي على دخول جلسته و لكن (…*) و كتب تقريرا بالموضوع لم يحظ بالتأشيرة الرسمية ..
تم التدخل لتسوية النزاع و رفع الحصار و إيقاف الشعارات التي كان يواجه بها الزميل العزوزي و ” شرح ” أن ” مطلب طرد ” القاضي من الجلسة أمر ليس بمقدور المسؤول القضائي للقاضي أن يستجيب له عبر تعديل جدول الجلسات انفراديا ، كما كان يقوم بذلك المسؤولون القضائيون و كما عاد بعضهم للقيام به أخيرا ، و لكن الامر يتم عبر قناة قانونية هي الجمعية العمومية للمحكمة ، و بأن هناك طرقا للطعن في الامر.. و تم الطعن في الامر بالاستئناف و إلغاؤه في نفس اليوم !!

انتهى زمن الزميل العزوزي كرئيس لجلسته الفردية و تم ، بعد مفاوضات لجنة رأب الصدع، وضعه ” عضوا ” في هيئة جماعية و شاء القدر أن يغيب رئيس الهيئة فيتولى ذ/ المهيمن التسيير ، و بخصوص مسألة قانونية تتعلق بالمسطرة الكتابية و إلزامية تنصيب محام و بعد أن انتصر الزميل ، و بأمر معلل لحق متقاض في الولوج للعدالة بصفة شخصية ، امر استحضر فيه المواثيق الدولية .. انفجر البركان من جديد .. وقفة ثانية ..
و كما يقول المغاربة ” ما صْعيب غِير البْدُو ” ..و بدأ الانهيار .. انهيار الانسان في الجانبين .
ضغوط كثيرة تعرض لها القاضي .. خرجت للعلن شكايات عديدة بشأن إجراءات قضائية في ملفات كانت بين يديه ، في إغفال تام لطرق الطعن القانونية ، .. تمت تهيئته نفسيا بأن يقبل التخلي عن كل الجلسات و الاكتفاء بملفات الحالة المدنية .. تم إخباره بان قراره قد يكون سببا لدخول قصر المامونية على صهوة استدعاء من المفتشية !
استدعاء لم يلبث ان حلّ بمدينة تطوان تحت أنظار حمامتها البيضاء العاجزة ، و كان ” القشة التي قسمت ظهر البعير” رغم اشتهاره بالصبر و الجَلد.
قد نفهم تصرف أسرة الدفاع ليس فقط في إطار التضامن مع أحد أفرادها و لكون الامر يدخل ضمن إطار انصر أخاك ظالما أو مظلوما ، و لكن في إطار تلافي أن يتم القول لاحقا ” أُكلت يوم أُكِل الثور الأبيض ” و يصبح الامر عرفا و عملا قضائيا مكرسا .
لكن لا نفهم أن يتم اعتبار القاضي الطرف الضعيف في كل علاقة قد يكون طرفا فيها
و لو كان الحق الى جانبه و محاولة فرض ذلك تحت مسميات عديدة ..
لا نقبل أن يُظلم القاضي ، او أي إنسان ، و هو المفروض فيه انه ملاذ لكل مظلوم .
نرفض أن يُهان القاضي بمناسبة أدائه لوظيفته و لا تُحرك المساطر القانونية .
يقولون ظلم ذوي القربى أشد مضاضة في النفس من ظلم سِواهم ، فبالاحرى أن يتعرض القاضي للاهانة ممن يعتبرهم افرادا من أسرته حيث يحكى الزملاء أن ذ/ العزوزي كانت له علاقات طيبة مع العديد من أسرة الدفاع جعلته يتلقى مباشرة و بشهادة زميل حاضر ، زيارة حوالي 15 محاميا جاؤوا من الوقفة الى مكتبه ليقولوا له ” رآك عزيز ” !!

وقفة دعمت فيها صفوف أسرة الدفاع عضوة سابقة من أسرة القاضي : طليقته !!

كذلك فإن موقف المسؤولين القضائيين و تسييرهم للأزمة صدم ذ/ العزوزي ، و صدمنا معه . كيف يُمنع القاضي من عقد الجلسة و يتم تعطيل المرفق العمومي و تعطيل حقوق المواطنين و الدوس على هيبة القضاء و كرامة القاضي .. و لا يتم تحريك نصوص القانون الذي يجب ان يطبق على الجميع مهما كان موقعهم . أليس ” تطبيق القانون ” هي الجملة التي يرددها الجميع في هذا الوطن السعيد و إن اختلف السياق و تباينت النيات .
كذلك استدعاء المفتشية ، يجب اعادة النظر و نحن في مرحلة بناء ، في طرق عمل المفتشية التي نربأ بها أن يُنظر اليها كمحاكم تفتيش ، حيث ان مجرد تلقي استدعاء منها جعل زميلنا ، المعروف بأنفته و حسه المرهف ، يعتبر الامر إدانة مسبقة و انتصارا لجهة المحتجين على حساب شخصه و كرامته . لا نريد أن تتكرر قصة ذلك المسؤول القضائي الذي ” أرغم ” قاضيا معه على قطع مئات الكيلومترات استجابة لامر فوري للحضور أمامه ،لكن كان للقاضي رحمه الله موعد آخر مع رب كريم بوابته حادثة سير.

أليس الاحتجاج على القرارات القضائية امرا مرفوضا ما دام القانون قد حدد طرقا قانونية للطعن فيها ، و أية رسالة نبعثها للمواطن العادي و المتقاضي من جهة يفترض فيها أن تكون السباقة الى حماية هيبة و حرم فضاء يعيش و يتعايش فيه المحامي و القاضي .
لم تتوقف خلال السنوات الاخيرة سلسلة الاحتجاجات بمحاكم تطوان فلا يخفى على أحد بأن تطوان ، و ما أدراك ما تطوان ،كانت و ما زالت ساحة لتصريف لصراعات و مصالح كبرى …، و هذه المرة فإن القاضي العزوزي يُراد له أن يكون هو الضحية .
هو فعلا ضحية لكن ضحية لسوء تدبير الأزمة …

اختفى زميلنا عبد المهيمن العزوزي …غادر محل عمله منذ ما يزيد عن شهرين دون معرفة مكانه ، أمه تظنه في رخصة و الادارة تعتبره متغيبا عن عمله دون مبرر ..، و ننزه إخوتنا في أسرة الدفاع أن يعتبروا ذلك انتصارا .
زملاؤه و أحباؤه قلقون عليه و على سلامته الجسدية و النفسية و يرجون الله ان يكون بخير و أن يجتاز الأزمة بسلام .
يقول تعالى : ” عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم ” ، نتمنى الخير لأخينا و نأمل أن تكون حالته آخر الحالات و أن ينكب المجلس الأعلى للسلطة القضائية الجديد على معالجة شمولية لهذا الواقع البئيس الذي اصبح القضاة ، و حتى المحامون و باقي مكونات أسرة العدالة ، يعيشونه في المحاكم و حتى خارجها ، أن على حسن اختيار المسؤولين القضائيين و على تأهيلهم للتعامل مهنيا و إنسانيا مع مثل هذه الحالات ، و على القطع مع سياسة النظر الى القاضي كأداة إنتاج لتضخيم الإحصائيات على حساب الجودة و الصحة النفسية و الجسدية له . نريد مجلسا يتعامل مع القاضي كإنسان .
في الختام ، نريد من المجلس الجديد فقط أن يؤسس لسلطة قضائية حقيقية تقاس بمقارنتها بباقي السلط في المجتمع ..
قضية زميلنا العزوزي و الباقي حينئذ .. سيبقى مجرد تفاصيل من ذكريات .

* معلومة ظلت دون تأكيد ” رسمي

مشاركة