أنس خالد | وجدة
لم يكن الشاب المكافح أمين يتوقع أن تتحول حياته في لحظة إلى مأساة تُلازمه طيلة العمر. حادث مأساوي انتهى ببتر إحدى ساقيه، بعدما دهسته سيارة تابعة لجهاز أمني، في تدخل وصفه شهود عيان بـ”العنيف والمتهور”. والده أكد الخبر بمرارة، والمدينة بأكملها تعيش صدمة جعلت أسئلة كبرى تُطرح من جديد: من يحمي المواطن من تجاوزات من يفترض أنهم حُماته؟
بتر رجل أمين لم يكن حادثاً معزولاً، بل نتيجة تراكمات من العنف غير المبرر وانفلات سلوكي داخل بعض الأجهزة، حيث يغيب الردع وتُترك السلطة بلا مراقبة حقيقية. وجدة، التي أنهكها الإهمال والوعود الكاذبة، تجد نفسها اليوم في مواجهة مشهد صادم: شباب يحلمون بالعيش الكريم، لكنهم يصطدمون بعنف الشارع وتقصير المسؤولين.
الخطير في هذه الحادثة أن السيارة التي دهست أمين لم تكن عادية، بل تابعة لجهة أمنية يفترض فيها أن تضمن السلامة العامة. هذا الانقلاب في الأدوار يفتح الباب على مصراعيه أمام سؤال ملحّ: هل تحولت بعض الأجهزة من درع واقٍ للمواطن إلى مصدر تهديد لأمنه الجسدي والنفسي؟
لا يمكن تبرئة المجتمع من مسؤوليته، فالآباء مطالبون بكبح تهور أبنائهم وحمايتهم من الانجراف وراء سلوكات متهورة قد تضعهم في مواجهة مباشرة مع الخطر. لكن هذا لا يُلغي حقيقة أن عنف السلطة، إذا تُرك دون محاسبة، يتحول إلى سرطان ينخر الثقة بين المواطن والدولة.
الأمر لم يعد يحتمل المزيد من الصمت أو المساومة. الرأي العام يطالب بتحقيق نزيه وشفاف، يكشف تفاصيل ما جرى، ويحدد المسؤوليات دون تردد. العقاب العادل والردع الصارم هما السبيل الوحيد لاستعادة جزء من الثقة المفقودة، ولطمأنة شعب بدأ يرى في السلطة خصماً بدل أن يراها حليفاً.
أمين فقد ساقه، لكن الخوف الأكبر أن نفقد جميعاً ثقتنا في المؤسسات. صمت الدولة أو تبريرها سيزيد من الاحتقان، وسيجعل أي دعوة للتهدئة مجرد كلام فارغ. القضية اليوم لم تعد تخص عائلة واحدة، بل تمثل صرخة مجتمع بأكمله ضد العنف، ضد الاستهتار، وضد غياب المحاسبة.

