الرئيسية غير مصنف واقع الانحطاط … سؤال الخلاص و بداية البناء الجزء الثاني

واقع الانحطاط … سؤال الخلاص و بداية البناء الجزء الثاني

IMG 20200410 WA0153
كتبه كتب في 10 أبريل، 2020 - 11:05 مساءً

 
بقلم ذ مصطفى أمجكال

انطلاقا من  المقال الأول الذي حاولت من خلاله رصد الواقع و التشخيص الموضوعي لحالة الأمة الاسلامية والعربية ومدي الانحطاط الذي وصلت إليه منذ عقود على أكثر من صعيد : سياسيا ، ثقافيا ، أخلاقيا ، اجتماعيا  ، و أولا و أخيرا البعد الحقيقي عن الاسلام الصحيح و المستمد من القران الكريم و سيرة الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة و السلام . انطلاقا من هذا المعطى الواقعي و الموضوعي ، سأحاول من خلال هذا المقال المساهمة في طرح مجموعة من النقاط التي يمكن أن تكون منطلقا  فكريا لبناء الحل المستقبلي للأمة و استنهاض شبابها نحو التغيير و الإصلاح .

أولا :  دعونا نقف وقفة نعترف فيها بأخطائنا ونتساءل فيما بيننا عن الحل لإحداث التغيير ، ثم نساهم جميعا بدون استثناء في إحداث هذا التغيير المنشود مع احترام بعضنا لبعض. لكن بشرط أن يكون النظر إلى الأخطاء  فيه من الصراحة المتناهية و الصدق و الواقعية ما يجعلنا نتجاوز لغة الخشب و كلام المحاضرات المنمق و لغة الحماسة و مخاطبة العواطف .

ثانيا : لابد أن ننطلق من خلال مجموعة من الإشارات القرآنية لبناء فكر متجدد لا يلغي الماضي بالكلية ولا يحن للعودة إليه جملة و تفصيلا . 

 قال تعالى ” وإذ قال ربك للملائكة  إني جاعل في الأرض خليفة ” 

بعيدا عن التفسيرات و التأويلات الفقهية والفلسفية حول مفهوم الخلافة و الخليفة ، فأحيانا تتعبنا كثرة المفاهيم و تشتت جهد العمل وحقيقة المأل  الذي يريده الله منا في هذه الأرض . إن المتأمل في كلمة : ” في الأرض ” لابد أن يقف على المعنى الاكبر للمكان الذي يتواجد فيه الإنسان ، إننا لسنا ابناء الشرق أو الغرب ، ولا نحن سكان الشمال أو الجنوب ، بل إننا ذلك الانسان الذي يعمر هذه الأرض الشاسعة والغنية و الحبلى بالخيرات ، و بالتالي تأتي عمارة الأرض بالتعارف والتدافع و الخلق و الاستثمار و الخبرات و التجديد … إن هذه الكلمة لابد ان تحيلنا على معنى جميل جدا هو : عمارة الارض مع من في الأرض من أجل الصلاح و الإصلاح .. و هذا المعنى وحده كفيل أن يزرع فينا حس التعاون  و التنافس بدل منطق الصراع و الاختلاف المفضي الى الحرب و الاستئصال .

” و يخلق ما لا تعلمون ” 
دائما ما تثيرني هذه العبارة القرآنية العظيمة وتحرك في عقلي سؤال ما بعد الزمن الراهن لكل واحد منا . فإن الله تعالى لا يكلفنا بما  لا يطاق و لا يحاسبنا بما لا تدركه عقولنا التي جعلها الله مناط التكليف ، لذلك كان لكل زمن متغيراته التي تحكمه و تأطره و تساهم في تحقيق معنى الإستخلاف  و عمارة الأرض .كل هذا مع ضمان الاصل الثابت الذي هو توحيد الله تعالى و العمل الصالح وتحقيق العبادة بكل حرية واختيار و إرادة . 

لقد نبهنا الله تعالى في كثير من أيات القران الكريم إلى مفهوم تجدد المعرفة والعلوم وتطور الزمن و أحوال الناس والاختلاف وحتمية التدافع وليس الصراع ، بل إن منطق الصراع والحرب يأتي في مجال الحديث عن الاستثناء وليس الأصل .. وهذه  واحدة من المفاهيم التي تحتاج إلى مراجعات حقيقية في فكرنا الاسلامي المعاصر وخاصة السلفي التقليدي و الجهادي . 

ثالثا :   إن يعض المراجعات الفكرية والفقهية الجادة من شأنها ان تساهم في تجاوز أخطاء الماضي الذي لا يزال يرخي بظلاله على الحاضر و يحدد مسار المستقبل . إن ما نعيشه اليوم هو نتاج فكر تولد في الماضي ، و قدسه أناس عبر العصور  و يحرص البعض منا على فرضه في الحاضر و يدعون إلى تبنيه في المستقبل .

اليوم عندما نتحدث عن الإرهاب مثلا ، فلا يمكن اقتراح الحل دون مسائلة التراث الماضي الذي يطفح بأفكار  و فهوم تعتبر المصدر الرئيسي للتشدد و التكفير و القتل .و عندما نتحدث عن الحرية و العدل و المساواة فلا يمكن ذلك دون الرجوع إلى التراث المؤسس لفكر الطائفة و الجماعة و الفرقة و تصحيح هذه المعضلات و محاولة كشف زيفها و خرافتها و أنها ليست من الدين في شيء .

إننا فعلا  نبدو و كأننا أمة واحدة ، ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا  .لكن هذا فقط على المستوى النظري ، أما على المستوى العملي  التطبيقي فواقع الحال يغني عن المقال .

إن كلمة  ” ويخلق ما لا تعلمون ” تحيل إلى أن ضرورة التهيئة إلى استقبال التطور والتعاطي معه بالمستوى الذي يخدم الزمان والمكان والإنسان .فإنه خلق الله تعالى الذي شمل كل شيء و أتقن كل شيء و قدره حسب الزمان والمكان والقدرات البشرية للاستجابة والاستثمار والانتاج .

” ويخلق ما لا تعلمون ” في كل شيء ، في العلوم والسياسة و الاقتصاد و المعاملات الدولية و السلم والحرب والتجارة وكل شيء قابل للتطور و التجديد انطلاقا من تجربة الانسان الخليفة الذي أقدره الله تعالى على التطوير و الابداع و الاستعانة المادية و المعنوية بخيرات الارض التي مكن منها .

إن هذا التصور الجديد يجعلنا نحلم ببناء المستقبل لا بإعادة بناء الماضي واسقاطه على الحاضر ، لأن الماضي بكل بساطة هو معطى جاهز بين أيدنا نستفيد من المقدمات و المعطيات التي راكمتها التجربة الانسانية ثم نعمل على تطويرها لبناء المستقبل . ويبقى كل ذلك في دائرة الايمان بالله ورسوله و الثوابت العقدية و الأخلاقية السامية التي جاءت بها الشريعة السمحة.

إننا لسنا ملزمون بالقطيعة مع الماضي و محاولة بناء فكر جديد ومنهج جديد و اعطاء الانطلاقة لتأريخ جديد ..  أبدا أبدا .. فالتراكمات والتجارب الانسانية لا ينفصل بعضها عن بعض ، بل يكمل بعضها بعضا في إطار من الاستفادة المنهجية والتقييم والتقويم المستمر ، وهذا ما افتقدناه كثيرا في الفكر الاسلامي القديم حيت ضل جامدا وراكدا يدور في فلك التقديس و التمجيد و الخوف من الاقتراب من كلمة مراجعة و التجديد . 

مشاركة