هل اختفت مشاكل المستشفيات ؟ إلغاء صفقات الأمن الخاص : حل جذري أم هروب من المشاكل الحقيقية

نشر في: آخر تحديث:

في قرار مفاجئ ومثير للجدل، أعلنت وزارة الصحة عن إنهاء خدمات حراس الأمن الخاصين بالمستشفيات العمومية، وكأن كل مشاكل قطاع الصحة قد حُلّت ولم يبقَ إلا هؤلاء الحراس كعائق أخير أمام تطور المنظومة الصحية! نعم، بعد سنوات من الانتظار، وبعد شكاوى لا تحصى حول غياب الأطباء، نقص الأدوية، تكدس المرضى، وسوء المعاملة… ها هو الحل العبقري يظهر: “لنقم بإلغاء الأمن الخاص، وستتحول المستشفيات إلى جنة على الأرض !

من المسؤول عن مشاكل المستشفيات؟ بالتأكيد الحراس!

المريض الذي يدخل المستشفى العمومي بحثًا عن علاج لن يجد طبيبًا متفرغًا دائمًا، أو سريرًا متاحًا، أو تجهيزات حديثة، لكنه الآن يستطيع أن يطمئن: على الأقل لن يكون هناك “حارس أمن” عند الباب ! فالحكومة أدركت أن كل تلك الطوابير الطويلة أمام مكاتب الاستقبال، ونقص الأجهزة الطبية، والمواعيد التي تُعطى بعد شهور، كلها كانت بسبب هؤلاء الحراس !

الآن، ومع هذا القرار، يمكننا أن نطمح لمستقبل مشرق: ستحل جميع مشاكل المنظومة الصحية، وستكون المستشفيات مجهزة بأحدث الأجهزة، وسيجد كل مريض سريره الخاص في غرفة فاخرة، لأن الأمن الخاص كان هو السبب الوحيد وراء معاناة القطاع… أليس كذلك؟

إصلاحات ثورية أم ترقيعات مؤقتة؟

الوزارة برّرت القرار بأنه يهدف إلى تحسين جودة الخدمات الصحية عبر إطلاق صفقات جديدة بمعايير أكثر صرامة، تتضمن:
• الالتزام بالحد الأدنى للأجور (3266 درهم).
• تحديد مستوى دراسي معين لحراس الأمن لضمان الكفاءة.

لكن لحظة! هل كانت مشكلتنا مع الأمن الخاص تكمن في مستواهم الدراسي؟ هل كان المواطن يشتكي لأنه لم يكن متأكدًا مما إذا كان الحارس الذي رفض إدخاله يحمل شهادة البكالوريا أم لا؟ أم أن المشكل الحقيقي يكمن في غياب الأطباء، النقص الحاد في الأدوية، والاكتظاظ المهول داخل المستشفيات؟

حراس الأمن ليسوا العائق الوحيد!

لنكن واقعيين، المشكل في المستشفيات العمومية لا يكمن في حراس الأمن، بل في ظروف العمل القاسية التي يعاني منها الأطباء والممرضون والإداريون، في غياب الإمكانيات، في سوء التدبير، وفي ذلك الشعور الجماعي بأن النظام الصحي لم يعد قادرًا على تقديم الحد الأدنى من الخدمة.

إذا كان المواطن يذهب إلى المستشفى ولا يجد طبيبًا، أو يُطلب منه شراء لوازم الجراحة بنفسه، أو يحصل على موعد بعد سنة كاملة، فالمشكلة ليست في الحارس الذي يقف عند الباب، بل في المنظومة كلها!

المواطن ينتظر خدمات أفضل وليس مجرد تغييرات سطحية

بدل التركيز على قرارات شكلية، المواطن يريد مستشفيات مجهزة، يريد أن يدخل المستشفى فيجد طبيبًا، ممرضًا، وصيدلية مليئة بالأدوية، لا أن يُطلب منه شراء كل شيء من الخارج. يريد أن يتلقى الإسعافات في ظروف إنسانية، لا أن يضطر للانتظار في ممر مزدحم لساعات أو أن يُنقل بين المستشفيات بحثًا عن سرير فارغ.

إصلاح قطاع الصحة لا يبدأ بإلغاء الأمن الخاص، بل بالاهتمام بالموارد البشرية، بتوفير بيئة عمل لائقة للأطباء والممرضين، وبضمان وصول المواطن إلى خدمة صحية تحترم كرامته قبل أي شيء آخر.

لكن يبدو أننا ما زلنا نفضل الحلول السريعة التي توحي بأن شيئًا يتغير، بينما تبقى المشاكل الحقيقية كما هي، بلا علاج!

اقرأ أيضاً: