بقلم عزيز بنحريميدة
لم تكن الحملة الأمنية التي شهدتها مدينة سيدي بنور ضد السماسرة والمحتالين في محيط المحكمة الابتدائية مجرد عملية عابرة، بل كانت بمثابة زلزال هزّ أركان شبكة من الوسطاء والنصابين الذين اعتادوا التربص بالمرتفقين واستغلال ملفاتهم مقابل مبالغ مالية تحت غطاء “التوسط” أو “تسريع الإجراءات”. هذه الحملة، التي جرت بتنسيق محكم بين الأجهزة الأمنية والنيابة العامة، أسفرت عن توقيف عدد من المتورطين وإحالتهم على العدالة، لتغلق بذلك أبوابًا كانت مشرعة أمام أنشطة مشبوهة تمس سمعة القضاء.
لكن تضييق الخناق على هذه الشبكات دفع بعض فلولها إلى تغيير ساحة المعركة. فبدل محاولة التأثير المباشر في محيط المحكمة، لجؤوا إلى أسلوب أكثر خبثًا وخطورة: استهداف وكيل الملك الأستاذ محمد وداع عبر الفضاء الإلكتروني. حملات التشهير التي انطلقت، لم تأتِ من داخل المغرب فقط، بل تم تسخير صفحات فايسبوكية يديرها أشخاص يقيمون خارج أرض الوطن، تحولت إلى منابر لنشر الأكاذيب، واختلاق القصص، وتوجيه اتهامات باطلة للنيل من نزاهة وكيل الملك.
الغاية من هذه الحملات كانت واضحة لكل متتبع: إضعاف صورة الرجل أمام الرأي العام، وإبعاده عن موقعه حتى يُفسح المجال أمام عودة هؤلاء السماسرة لممارسة أنشطتهم في محيط المحكمة.
غير أن المفاجأة الكبرى جاءت اليوم، حين اضطرت إحدى أبرز هذه الصفحات، والتي كانت رأس الحربة في التشهير، إلى نشر اعتذار رسمي لوكيل الملك، تعترف فيه بأن ما بثته كان محض افتراءات، وبأن مصدر تلك الأكاذيب لم يكن سوى شقيق أحد “البارونات” الذين سبق للنيابة العامة أن تابعتهم في ملفات ثقيلة. وتضيف الصفحة نفسها أن هذا الشخص لجأ إلى التحريض عبر منصات التواصل بعد أن فشل في مساومة وكيل الملك للإفراج عن شقيقه، وهو ما قوبل برفض قاطع.
هذا الاعتذار، وإن جاء متأخرًا، كشف للرأي العام أن ما يجري على منصات التواصل قد يكون أحيانًا امتدادًا لصراعات مافيوزية، وأن “الابتزاز الرقمي” صار سلاحًا جديدًا في يد بعض المتضررين من سيادة القانون.
متابعون للشأن القضائي اعتبروا ما وقع في سيدي بنور نموذجًا على الصمود أمام الضغوط، وأكدوا أن ما أظهره وكيل الملك الاستاذ محمد وداع من صلابة في الموقف يعكس التزامًا حقيقيًا بحماية العدالة واستقلالها، حتى في مواجهة محاولات الإسقاط عبر التشهير الإلكتروني. كما شددوا على أن هذه الظاهرة لا تخص سيدي بنور وحدها، بل تمتد إلى مدن مغربية أخرى، حيث تتكرر محاولات استهداف القضاة ومسؤولي النيابة العامة بنفس الأسلوب.
ويظل هذا الملف شاهدًا على معركة أوسع يخوضها القضاء المغربي ضد شبكات السمسرة والإجرام الرقمي معًا، ويؤكد أن حماية العدالة اليوم لم تعد تتطلب فقط تطبيق النصوص في قاعات المحاكم، بل أيضًا مواجهة الحملات المضللة التي تحاول النيل من سمعة من يسهرون على تطبيق القانون

