بقلم عزيز بنحريميدة
في حياة كل إنسان لحظات تنهك روحه، وجرعات ألم لا يمكن الهروب منها. غير أن الفرق بين شخص وآخر لا يكمن في عدد الضربات التي تلقاها، بل في الطريقة التي قرأ بها ألمه. إن أولى علامات النضج لا تتجلى في القدرة على تحمّل الوجع فحسب، بل في التحوّل من إنسان يتألم إلى إنسان يتعلم.
الألم، وإن كان لا يُطلب، فهو معلم خفيّ. لا يُقرع الباب كما يفعل الفرح، لكنه حين يدخل يترك في النفس شيئًا عميقًا. فهناك من ينهار تحت ثقله، وهناك من ينهض به. لا يتعلق الأمر بالقوة الجسدية، بل بالقدرة على تحويل التجربة القاسية إلى فهم أعمق للحياة.
“الألم لا يغيّرك، بل يكشفك لنفسك”. كم من شخص ظن نفسه هشًا، ثم اكتشف بعد صدمة أنه أقوى مما تخيّل؟ وكم من آخر توقّف عند لحظة الانكسار وظل فيها، بينما الحياة تمضي وتتطلب منّا أن نلحق بها لا أن نتراجع أمامها؟
فالتجارب المؤلمة لا تأتي لتكسرنا، بل لتفتح أعيننا على ما كنا نتجاهله فلم أعد أندم على ما حدث، بل أصبحت أكثر حكمة.”
هكذا يولد النضج، من قلب العواصف حيث لا يُقاس بسنوات العمر ولا بالشهادات، بل بطريقة تعاملنا مع الانكسارات. حين نتوقف عن السؤال “لماذا يحدث لي هذا؟” ونبدأ بالسؤال “ماذا يمكن أن أتعلم؟”، نكون قد قطعنا أول خطوة في طريق الوعي.
فالدرس لا يأتيك إلا حين تكون مستعدًا لفهمه، لا فقط لتلقيه.” وهذا صحيح، فالحياة لا تعتذر عن قسوتها، لكنها تكافئ من فهم رسائلها، وعرف أن كل وجع يحمل في طياته درسًا لا يُشترى.
إن النضج الحقيقي ليس في أن نتوقف عن الشعور، بل أن نشعر ونعبر، ثم ننهض وقد خرجنا من التجربة بحكمة، لا بندبة فقط. وحده من يتعلم من ألمه يستحق أن يُقال عنه: ناضج.