نظم منتدى الحداثة والديمقراطية فرع الرباط، يوم 21 يوليو 2019، بدعم من المؤسسة الأوروبية من أجل الديمقراطية ومؤسسة هنريش بول، مائدة مستديرة تحت عنوان “قراءة في مدونة الأسرة: الحصيلة والتعديلات اللازمة”. اللقاء تميز بمشاركة 20 شابا وشابة وبتأطير وحضور عدد من الحقوقيين كـ: عائشة الحيان، عضوة بالمكتب التنفيذي لاتحاد العمل النسائي، سارة سوجار عن مجموعة نساء شابات من اجل الديمقراطية، أمين باها مدير مركز البطحاء بفاس، أنس سعدون عضو نادي قضاة المغرب إلى جانب أستاذ الفلسفة والناشط الحقوقي حكيم سيكوك.
استهلت أشغال الورشة بمداخلة الدكتور أنس سعدون انطلق فيها من بيان السياق التاريخي لصدور مدونة الأسرة، بعد مخاض عسير، ونضال طويل شاركت فيه الجمعيات النسائية وكل القوى الحية في البلاد، حيث أكد في هذا السياق أن اللجنة العلمية التي اختيرت لوضع مدونة الأحوال الشخصية الملغاة لسنة 1957 لم يكن الهدف من تشكيلها هو مجرد وضع مدونة تنظم الأحوال الشخصية للمغاربة المسلمين، وانما كان الهدف منها هو تقنين الفقه المالكي وتجميعه في مدونة واحدة، ليسهل تطبيقه في كافة المجالات القانونية، لكن تم الاقتصار على تقنين مدونة الأحوال الشخصية، وقد كانت اللجنة تقتصر في تشكيلتها على العلماء، لوجود اعتقاد بأنها تشكل مجال المقدس، لكن هذه الوضعية اختلفت تماما حينما تعلق الأمر بصدور مدونة الأسرة، والتي أشرفت على اعدادها لجنة ملكية متنوعة تضم الى جانب العلماء نخبة من الخبراء من مجالات القانون والطب والاجتماع، كما أنها صدرت في شكل قانون عادي صادق عليه البرلمان.
بحسب أنس سعدون فإن أهم ما جاءت به مدونة 2004 هو الغاء واجب الطاعة وجعل الأسرة تحت الرعاية المشتركة للزوجين، وسلب الرجل حق ايقاع الطلاق، وجعل جميع أنواع الطلاق والتطليق تحت رقابة القضاء، فضلا عن اقرار مبدأ المساواة بين الجنسين من حيث المبدأ، وأضاف أن تفاصيل مدونة الأسرة يغيب عنها مبدأ المساواة، فرغم اخضاع الطلاق والتطليق لرقابة القضاء لكن المشرع أبقى على التمييز بين الجنسين فيما يتعلق بالمساطر، حيث أقر مساطر للطلاق او التطليق للزوج وحده، أو للزوجة وحدها، الى جانب أنواع أخرى مشتركة بينهما دون أن يكون هناك مبرر موضوعي واضح ومعقول، وأعطى دليلا على ذلك، كون مسطرة التطليق للغيبة متاحة للزوجة فقط، علما بأن الزوج نفسه قد يضطر الى طلب انهاء العلاقة الزوجية في حالة غيبة زوجته، وأضاف أن التمييز يظهر على مستوى المقتضيات المتعلقة بالحضانة والنيابة الشرعية والنفقة والنسب وغيرها، داعيا في ختام مداخلته الى فتح باب الاجتهاد لإعادة النظر في مدونة الأسرة لتواكب التغيرات التي عرفها المغرب.
في مداخلة الناشطة الحقوقية، سارة سوجار، أكدت على ضرورة الحسم في المرجعية المعتمدة في القوانين المنظمة للعلاقات الاجتماعية بالمغرب. فالتناقضات المطروحة في عدد من القوانين تعزيها سوجار لعدم الالتزام بمرجعية واحدة فتارة تستمد القوانين مشروعيتها من المواثيق الدولية وتارة من الفقه الإسلامي.
الاشكالية الثانية التي طرحتها المتحدثة تخص تطبيق القانون الدولي الخاص، فالقضاء يعطي الأولوية للقوانين التي تكتسي طابعا فقهيا على حساب المواثيق الدولية. ورغم المكتسبات التي جاءت بها بعض القوانين فالأحكام القضائية مازالت تعكس عقلية محافظة، خاصة وأن مجموعة من الأحكام تعطي سلطة تقديرية واسعة للقاضي. وفي معرض حديثها عن مضامين مدونة الأسرة أكدت الناشطة أن المدونة لا تكتفي بالتمييز بين الجنسين بل تصِم أيضا أبناء العلاقة القائمة خارج مؤسسة الزواج علاوة على تكريس بعض الصور النمطية التي تقرن دور المرأة بالحضانة والتربية وتقيد الرجل بالقوامة.
سوجار انتقدت التوظيف الخاطئ للمصطلحات في نصوص المدونة من قبيل المتعة والتي تحيل على تشييء العلاقة الزوجية وكأنما جسد المرأة بضاعة تباع وتشترى قصد تحقيق المتعة.
وأضافت المتحدثة أن القانون يمنع زواج القاصرات في الوقت الذي يجب تجريمه فهو استغلال جنسي وجسدي وانتهاك للحرية.
المسألة الأخيرة التي طرحتها سارة سوجار متعلقة بالزواج المختلط فالمغرب بات مستقطبا للأجانب في الوقت الذي لا توفر المدونة حق الزواج المدني سواء أتعلق الأم بزواج المغربيات من الأجانب أم تعلق بزواج الأجانب فيما بينهم.
لماذا الحديث اليوم عن تغيير مدونة الأسرة ؟ سؤال جوهري انطلقت منه الأستاذة عائشة الحيان في مداخلتها. بعد صدور مدونة الأسرة سنة 2004 اعتبرت الحركة النسائية أن المكتسبات التي جاء بها المشرع تعد طفرة نوعية في مجال الحقوقي نظرا للسياق التاريخي آنذاك وبعد 15 سنة من تطبيقها ظهرت علل كثيرة ومقتضيات تميزية تتنافى ومقتضيات دستور 2011 الذي ينص على المساواة واحترام حقوق الإنسان. بعد دستور 2011 شرعت الحكومة في تعديل مجموعة من القوانين غير أنها تحفظت على تعديل مدونة الأسرة نظرا للتعقيد الذي يفرضه تعديلها فهي تنظم حياة الأفراد منذ الولادة إلى الوفاة.
أما بخصوص مبادئ المساواة بالمدونة فتظل شحيحة على مستوى المسؤولية المشتركة، توحيد سن الزواج إلا أن المعطى الإيجابي الوحيد الذي جاءت به مدونة 2004 هو وضع الطلاق بيد القضاء.
وبالعودة للمسؤولية المشتركة تؤكد عائشة حيان على أنها وجب أن لا تظل رهينة الحياة الزوجية، بل يجب أن ترافق حياة الأسرة في كل مراحلها سواء أثناء الزواج أو بعد الطلاق. بمجرد انفصال الأزواج تصبح الولاية أحادية في يد الرجل ما يخلق متاعب جم للمرأة كما أن الابن بمجرد بلوغه سن 18 تسقط عنه النفقة وواجب السكنى ما يعني أن الأبناء هم الحلقة الأضعف التي وجب ضمان حقوقها. ومن بين المشاكل المطروحة بحدة، بحسب المتحدثة، هو تباين تقدير القضاة لنفقة الأبناء في نفس الوضعية من مؤسسة قضائية لأخرى لذا وجب التفكير في وضع دليل أو سلم لتحديد مقدار النفقة حسب الأجور وليس بناءً على تقدير القضاة.
في النهاية تؤكد الحقوقية عائشة الحيان على ضرورة تفعيل مبدأ المساواة في كل مقتضيات المدونة، مستنكرة كيف أن الحكومة الحالية غيرت عدة مقتضيات في الخطة الوطنية لحقوق الإنسان وأكسبتها مرجعية إسلامية بدل المرجعية الكونية لحقوق الإنسان والأنكى من ذلك أنها اعتبرت النقاط الهامة التي وجب إصلاحها قضايا خلافية كزواج القاصر والولاية والتعدد.
أمين باها مدير مركز البطحاء بفاس، مركز متعدد الاختصاصات لتمكين النساء ضحايا العنف القائم على النوع، قرب أمين باها الحضور من المشاكل التي تواجهها النساء في هذه الحالة كصعوبة إثبات التعنيف، تسجيل الأطفال في الحالة المدنية، مشاكل الولاية والحضانة فتجد النساء في الطلاق حلا بديلا عن الحلول التي يوفرها القانون الجنائي. قرابة نصف النساء اللواتي استنجدن بالمركز بغية الطلاق يتنازلن عن الطلاق في أطوار المسطرة بسبب الفقر، فهن تابعات اقتصاديا للمعنف قدمن من أحياء هامشية بمدينة فاس لا تتوفر فيها الخدمات العمومية كالنقل العمومي، إضافة لكلفة المسطرة دون إغفال التهديد من قبل الزوج والتأخر إجراءات الطلاق وتوالي جلسات الصلح يضعهن أمام خيارين أحلاهما مر إما مواصلة إجراءات الطلاق أو التنازل. وكنتيجة لتعقيد إجراءات الطلاق وثقل المشاكل المتعلقة بالتسجيل في الحالة المدنية إلى جانب الفقر والهشاشة؛ (فيما يخص الحالات التي تلج مركز البطحاء) فإن 172 طفلا من أصل 400 انقطعوا عن الدراسة. هذا ويعد المغرب من بين الدول القليلة، ولربما الوحيدة، ضمن البلدان العربية والمغاربية التي تفصل الولاية عن الحضانة، الأولى حكر على الرجال والثانية على النساء، ما يعني تكريس الصور النمطية المتوارثة.
فيما يخص تزويج القاصرات فحسب الأرقام الرسمية فنسبة زواج القاصرات قدرت بـ 8 في المائة قبل مدونة 2004، وبعد سنة من تطبيق المدونة بلغت النسبة 10 بالمائة والآن تصل النسبة لـ12 بالمائة لتحقق المدونة نتائج سلبية عكس المنتظرة.
انتقل أمين باها للحديث عن التمييز الذي تحمله مقتضيات المدونة، فهناك التمييز بين الجنسين و تمييز بين الأطفال (طفل شرعي/غير شرعي) ما يعني أيضا تمييزا على مستوى الكفالة والحقوق والتمييز بين الأمهات (أم/أم عازبة).
أستاذ الفلسفة حكيم سيكوك سرد في مداخلته كيف أن الفلسفة أسهمت في نشر القيم الكونية لحقوق الإنسان بين الطلبة خلال نهاية الستينيات وهي الفترة ذاتها التي أخذت الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة على عاتقها مهمة ترجمة نصوص الحركات النسائية الأجنبية، غير أن ما يعيبه الأستاذ سيكوك على جمعية مدري الفلسفة تقوقعها وانحصارها في التنظير دون تطبيق، ومع بداية الجمعية في الاشتغال على ما هو ملموس بالوقوف على طبيعة النسيج المجتمعي والايدولوجيا السائدة لاحظت خلط وتأرجح وتدرج الدولة والمجتمع المدني؛ من جمعيات حداثية والنسائية؛ بين مرجعيتين مختلفين تماما: المرجعية الدينية الإسلامية ومرجعية قيم حقوق الإنسان وليومنا هذا لم تحسم الدولة في مرجعيتها، وفي هذا السياق يشدد حكيم سيكوك على أن مبادئ حقوق الإنسان غير قابلة للتجزيء ولا للفصل حسب ما يتلاءم وأهواء الفاعل السياسي أو الحقوقي، إنما هي قيم كونية وجب الإيمان بها، وبذلك على المجتمع المغربي أن يكون أكثر وضوحا بخصوص المرجعية التي سيتبناها، ويجب التفكير جديا في فصل الدين عن الدولة.