الرئيسية آراء وأقلام مشروع قطار TGV ونظرية الخيار الثالث .

مشروع قطار TGV ونظرية الخيار الثالث .

timthumb.png
كتبه كتب في 18 نوفمبر، 2018 - 10:42 مساءً

 

بقلم : الفرفار العياشي

انطلاقة القطار الفائق السرعة TGV”، بالمغرب خلفت الكثير من لردود المتباينة حول قيمة المشروع ورهاناته , الكثير من التفاعلات و النقاشات اعتبرت المشروع غير مفيد و مضيعة لمال عمومي , و البعض اعتبر ان هناك اولويات تهم المواطن البسيط لاسيما في حياته اليومية كان من المفروض استثمار اموال انجاز المشروع فيما يحتاجه المغاربة من خدمات و بنيات , و البعض اعتبر انه ليس مشكلة ان يتوفر المغرب على قطار سريع السرعة لكن بالتوازي كان يجب الاهتمام بباقي القطاعات الاجتماعية المازومة .و تساءل البعض ماجدوى السرعة في بلد كل شئ فيها بطئ .
الموضوع مهم و يستحق فتح مجال لنقاش هادف على قاعدة الفهم المتعدد الابعاد لموضوع معقد ومتعدد الرهانات .
بلاشك , هو مشروع ضخم و كبير و بامكانيات مادية و تقنية كبيرة ، انجازه على ارض الواقع تطلب اكثر من ثماني سنوات من العمل , الهدف منه هو تقليص المسافة من اربع ساعات الى ساعة و10 دقائق بين قطبيين اقتصاديين طنجة و البيضاء .
شخصيا , انا قليل السفر و دائم الاقامة ببلدي و قد لا تسمح لي الفرصة بالتنقل عبر البراق , لكن هذا لا يعني الترحيب بالفكرة و الدفاع عنها لعدة اعتبارات منها .
ان المشروع سيشكل دفعة فرصة كبيرة لتحسين العرض في مجال التنقل عبر القطار عبر تراب المملكة لذا و بحسب تصريحات ممثلي المكتب الوطني للسكك الحديدية فا ن , المشروع سيكون سببا في تحديث خطوط السكك من خلال تتليث الخطوط الواقعة بين الرباط و طنجة و تثنية السكك الرابطة بين البيضاء و مراكش و هو ما يسمح بتسهيل عملية التنقل و تنويع اوقات السفر و تفادي التاخر والرفع من عدد المستفدين .
حين تم انشاء الطريق السيار الرابط بين البيضاء و اكادير ارتفعت الكثير من الاصوات المعارضة للمشروع و في الاخير تبين ان الطريق السيار ساهم في تخفيف الضغط على كافة محاور الطرق الوطنية ,
فقيمة المشروع انه مشروع للمستقبل و ليس مشروعا للحاضر لانه سيشكل دفعة قوية و طموحة من اجل انجاز محاور جديدة لاسيما محور طنجة البيضاء مراكش وصولا الى اكادير و المحور الثاني الرباط فاس وجدة و هو ما يجعل المغرب نقطة التقاء بين اوربا و شمال افريقيا من خلال تقليص زمن السفر .
و بحسب المخطط التوجيهي للخطوط فائقة السرعة فهناك هدف استراتيجي ببناء شبكة الذي يروم إنجاز شبكة بطول يناهز 1500 كلم.
الاكيد ان مشروع القطار الفائق السرعة هو مشروع كبير و مهيكل سيكون بوابة تغيير بنية تستحضر عنصر الوقت كعنصر اساسي في منظومة الانتاج و التنافس لان منطق العولمة لا يؤمن بمن يحتج لكن بمن يعمل , الصين الان تفكر في انتاج شمس نووية , انجزت اطول طريق فوق البحر بطول خمسين كلمتر تقريبا و النتيجة الصين تغزو العالم لانها اعتبرت الزمن شرط الانتاج , ونحن نجتج على اضافة ساعة ربما للمزيد من الاستمتاع بالنوم .
القدرة على الفعل والانتاج تعني القدرة على الحضور و ليس الغياب لذا يصبح الزمن شرطا للحضور في وقع صعب لا يعترف الا بمن يعمل , وهذا هو الرهان الاساسي للقطارات السريعة ان تواكب منظومة من ينتجون و ليس من يستهلكون و من يحتجون .
الاكيد ان مشروع القطار الفائق السرعة ليس مجرد مشروع بتكلفة مالية ضخمة اعتبر البعض ان قد تبني 25000 مدرسة و هو تصور اختزالي و تبسيطي لان الرهان على الجودة يجب ن يكون استثمارا في الموارد البشرية و في قيم الابتكار وتنمية الحس الابداعي للمواطن و ليس ببناء الكثير من المؤسسات و التي غالبا ما يوجد الكثير منها , ربما نحتاج ال تقليص من عددها . المثال الاكثر وضوحا هو المركب الديني بجنان روما و تكلفته الكبيرة و السؤال حول وظائفه و التي ستكون هزيلة بلا شك او سيكون بلا فائدة مادام يوجد بين مسجدين .
يبدو ان الرهان الحقيقي لمشروع TGV”هو ان مشروع تنافسي من اجل توفير بنية تحتية للاستثمار و الفعل , و عبره و من خلاله سيتم تجديد و انشاء مجموعة مشاريع اخرى موازية له او تابعة له و هو ما ينسجم مع مبادئ و توجهات النظرية الاقتصادية ” الدفعة الكبرى ” على اعتباران تحقيق التنمية وفق اسس هده النظرية يتطلب انجاز مشاريع كبيرة تكون بمثابة قاطرة لمشاريع اخرى وهو ما يساهم في خلق البيئة الملائمة للاستثمار و توفير فرص الشغل.
بمعنى ان المشروع هو نقطة دفع من اجل المزيد من الاستثمارات و المزيد من الخدمات و البنيات التحتية دون الحديث عن الفوائد الاخرى و المرتبطة بتاهيل العنصر البشري و تطوير الكفاءات المغربية في القطاع عن طريق الاحتكاك و الاستفادة من الخبرة الفرنسية لاسيما في قطاع يوظف التكنولوجيا المعقدة .
ربما الرافضون للمشروع , يفكرون بمنطق ستاتيكي , أي اخذ تكلفة المشروع و تحويلها الى مجالات الخدمة الاجتماعية , هو مطلب مشروع لكنه غير واقعي , لان الرسمال يبحث دائما عن الربح أي ان الراسمال هو وسيلة للانتاج , و بذلك يصبح الربح اداة لتحقيق الثروة و توفير فرص الشغل و تشجيع الانتاج و بالتالي ارتفاع عائدات الدولة من مداخيل الخاصة بالضرائب بكافة انواعها ما يسمح لها باعادة توزيع العائد على المجالات الاجتماعية .
فالتوزيع مرتبط بالانتاج , اما اذا غاب الانتاج او انعدم ما ذا نوزع ؟؟؟ لان اللاانتاج ينتج الكثير من مظاهر البؤس و العوز , حتى الدين الاسلامي يفضل مانح الزكاة على اخذها ؟؟
فلا توزيع بدون انتاج , لذا الرهان الاساسي لتحسين الخدمات و توفير فرص الشغل هو تحسن بيئة الاستثمار و بعدها امتلاك رؤية عادلة في توزيع العوائد وفق نظرية الفمكر الامريكي جون راولز في تاصيله لمفهوم العدالة في اطار رؤيته الخيار الثالث كنظرية تؤسس لبناء سياسة تقوم على التنافسية و العدالة ؟

مشاركة