الرئيسية آراء وأقلام مسطرة الخبرة القضائية في المادة المدنية نموذجا

مسطرة الخبرة القضائية في المادة المدنية نموذجا

9999472436.jpg
كتبه كتب في 15 أبريل، 2022 - 10:29 مساءً

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عل أشرف المخلوقين وعلى آله وصحبه أجمعين

وبعد : أتشرف بتقديم هذه الدراسة المتواضعة, بين يدي السادة أطر مندوبية المياه والغابات ومحاربة التصحر, حول تدبير المنازعات في المادة المدنية, “مسطرة الخبرة القضائية في المادة المدنية نموذجا”.

وذلك لإلقاء الضوء على هذا الإجراء القضائي الذي يتم اللجوء إليه غالبا أثناء سريان الدعوى – لتوضيح نقطة تقنية أو فنية – ومحاولة تبسيط مكوناته الشكلية والموضوعية، وإظهار مدى ارتباطه بالعمل اليومي لكل موظفي مندوبية المياه والغابات ومحاربة التصحر، وما الغاية من اللجوء إليه للحفاظ على هذه الثروة الطبيعية التي يسهر الجميع على حمايتها. وقبل الخوض في دقائق هذا الموضوع، نطرح التساؤل الطبيعي والبديهي، هل عمل المشرع المغربي أولا على حماية هذه الثروة بالتشريع والتأطير العملي؟. وهل استطاعت الجهات المسؤولة على اختلاف مواقعها السهر على التطبيق السليم والعادل لهذه القوانين والمقتضيات؟.

المغرب وحماية البيئة

يخلد العالم كل سنة اليوم الدولي للغابات، الذي يصادف21 مارس من كل سنة، بعدما سبق وأقرته المنظمة العالمية للزراعة و التغذية مند نهاية 1970. وكان أول مؤتمر للأمم المتحدة يُعنى بالبيئة البشرية المنعقد بستوكهولم عاصمة السويد ما بين 5و16 يونيو 1972، تحت شعار:

” نحن لا نملك إلا كرة أرضية واحدة”، حضره 1200 مؤتمرا يمثلون 144 دولة، عرفوا البيئة في أول تعريف رسمي لها بأنها:

” جملة الموارد المادية والاجتماعية المتاحة في وقت ما وفي مكان ما لإشباع حاجات الإنسان وتطلعاته”. ولم يحد المغرب عن المنظومة الدولية في الاهتمام بهذا المجال الحي، بل نجده دشن باب التشريع منذ بداية القرن العشرين في إطار الظهير الشريف المتعلق بالمحافظة على الغابات واستغلالها الصادر بتاريخ 10/أكتوبر/1917, واستمر هذا المسلسل التشريعي ليناهز الثلاثين قانونا ما بين ظهير ومرسوم وقرار وزاري، وهي كالتالي:

– الظهير الشريف الصادر في 20 من ذي الحجة 1335 الموافق لـ 10 أكتوبر1917 المتعلق بالمحافظة على الغابات واستغلالها، كما وقع تغييره وتتميمه؛

– الظهير الشريف الصادر في 27 صفر 1346 الموافق لـ 11 أبريل 1922 بشأن الصيد في المياه القارية؛

– الظهير الشريف الصادر في 6 ذي الحجة 1341 الموافق لـ 21 يوليوز 1923 بشأن مراقبة الصيد البري، كما وقع تتميمه وتغييره بالقرار رقم 03-54؛

– الظهير الشريف الصادر في 8 شعبان 1343 الموافق لـ 4 مارس 1925 بشأن حماية غابة الأركان وتحديدها؛

– الظهير الشريف الصادر في 20 محرم 1349 الموافق لـ 20 يونيو 1930 بالمحافظة على منابت الحلفاء واستغلالها؛

– الظهير الشريف الصادر في فاتح جمادى الثانية 1353 الموافق لـ 11 شتنبر 1934 بشأن إحداث الحدائق الوطنية؛

– الظهير الشريف الصادر في 22 شوال 1357 الموافق لـ 15 دجنبر 1938 بشأن تجارة الطرائد؛

– الظهير الشريف الصادر في 15 شعبان 1369 الموافق لـ 2 يونيو1950 بإحداث المجلس الأعلى للقنص وصندوق القنص؛

– الظهير الشريف رقم 170-69-1 الصادر في 10 جمادى الأولى 1389 الموافق لـ 25 يوليوز 1969 المتعلق بحماية الأراضي واستصلاحها؛

– المرسوم رقم 553-04-2 الصادر في 24 يناير 2005 والمتعلق بالصب والسيلان والرمي والإيداع المباشر أو غير المباشر في المياه السطحية أو الجوفية؛

– قرار الوزير المكلف بإعداد التراب الوطني والماء والبيئة رقم 03-2028 الصادر في 5 نوفمبر 2003 بتحديد معايير جودة مياه تربية الأسماك؛

– الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 350-76-1 الصادر في 25 رمضان 1396 الموافق لـ 20 شتنبر 1976 المتعلق بتنظيم مشاركة السكان في تنمية الاقتصاد الغابوي؛

– الظهير الشريف الصادر في 26 من صفر 1334 الموافق لـ 3 يناير 1916 بسن نظام خاص لتحديد أملاك الدولة؛

– الظهير الشريف الصادر في 9 جمادى الآخرة 1332 الموافق لـ 5 مايو 1914 بتنظيم استغلال المقالع؛

– الظهير الشريف الصادر في 24 صفر الخير 1337 الموافق لـ 30 نونبر 1918 بشأن الاحتلال المؤقت للملك العام؛

– الظهير الشريف رقم 60-03-1 الصادر في 12 مايو 2003 القاضي بتنفيذ القانون رقم 03-12 المتعلق بدراسات التأثير على البيئة؛

– الظهير الشريف رقم 60-03-1 الصادر في 12 مايو 2003 القاضي بتنفيذ القانون رقم 03-11 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة؛

– مشروع القانون رقم 05-29 المتعلق بحماية أصناف النباتات والحيوانات المتوحشة ومراقبة الاتجار بها؛

انكبت جل هذه القوانين حول الحفاظ على الغابة وبعض أنواع الأشجار كالأركان وبعض النباتات كالحلفاء؛ وتقنين القنص والصيد البري وحماية الوحيش والاستغلال للموارد الغابوية والمائية؛ لما لها من تأثير على المجالين الإيكولوجي والبيئي. ولأن الحفاظ عليها كان ومازال من المصالح المجتمعية ذات الارتباط بالحق العام والاهتمام الدولي، إذ لا ينحصر في إطار حق خاص أو مصلحة فئوية أو شخصية محدودة، بل يمتد ليدخل في الشأن العام والسياسة العامة لكل حكومة، لأن الحفاظ على المجال البيئي هو جزء من الحفاظ على النظام العام. وهذا ما نص عليه الدستور في فصله 19 الذي جاء فيه: “يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية“، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها……

وهو نفس توجه المشرع الفرنسي في قانونه الصادر بتاريخ 10/07/1976 المتعلق بحماية الطبيعة في مادته الأولى التي جاء في مضمنها: “إن حماية الأصناف الطبيعية, والحيوانات والنباتات، والحفاظ على التوازن البيولوجي الذي يتشاركون فيه، وحماية جميع الموارد الطبيعية، ضد جميع أسباب التدهور التي تهددها، أمر تقتضيه المصلحة العامة”.

ونظرا لما يتوفر عليه المغرب من ثروة نباتية توازي حوالي تسع مليون هكتار، مابين غابات طبيعية وأخرى مزروعة وسهوب عشبية، فإنه تصدى بالتجريم والعقاب لكل المعتدين على هذا المجال والعابثين بهذه الثروة والمستنزفين لهذا المخزون الوطني، إذ جرم عددا من الأفعال التي اعتبر فيها مسا بالمجال الغابوي، سواء في إطار القوانين الخاصة أو في إطار القانون الجنائي بوصفه القانون الزجري الأم. وهكذا عاقب في الفرع الثاني الخاص بالجنايات والجنح ضد أمن الدولة الخارجي بما يلي:

الفصل181: يؤاخذ بجناية الخيانة، ويعاقب بالإعدام، كل مغربي ارتكب، في وقت السلم أو في وقت الحرب، أحد الأفعال الآتية:……..سلم إلى سلطة أجنبية أو إلى عملائها إما قوات مغربية وإما أراضي….مملوكة للدولة المغربية…., وتدخل الغابة بطبيعة الحال ضمن الأراضي المملوكة للدولة.

واعتبر المشرع في الفصل 218-3 من نفس القانون فعلا إرهابيا, إدخال أو وضع مادة تعرض المجال البيئي للخطر، سواء في الهواء أو في الأرض أو في الماء، بما في ذلك المياه الإقليمية، والذي جاء فيه:

الفصل 3-218: يعتبر أيضا فعلا إرهابيا، بالمفهوم الوارد في الفقرة الأولى من الفصل 1-218 أعلاه، إدخال أو وضع مادة تعرض صحة الإنسان أو الحيوان أو المجال البيئي للخطر، في الهواء أو في الأرض أو في الماء، بما في ذلك المياه الإقليمية. يعاقب عن الأفعال المنصوص عليها في الفقرة الأولى أعلاه بالسجن من 10 إلى 20 سنة.

تكون العقوبة هي السجن المؤبد إذا ترتب عن الفعل فقد عضو أو بتره أو الحرمان من منفعته أو عمى أو عور أو أي عاهة دائمة أخرى لشخص أو أكثر. تكون العقوبة هي الإعدام إذا ترتب عن الفعل موت شخص أو أكثر.

وعاقب المشرع المغربي في الفرع الخاص بالسرقات وانتزاع الأموال في الفصل 517 من القانون الجنائي ما يلي:

الفصل 517: من سرق من الحقول خيولا أو دواب للحمل أو عربات أو دواب للركوب أو مواشي، كبيرة أو صغيرة، أو أدوات فلاحية، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من ألف ومائتين إلى خمسة آلاف درهم. وتطبق نفس العقوبة على سرقة الأخشاب من أماكن قطعها والأحجار من محاجرها والرمال من الشواطئ أو من الكثبان الرملية الساحلية أو من الأودية أو من أماكنها الطبيعية والأسماك من بركة أو حوض أو ترعة خاصة…….تأمر المحكمة، علاوة على ذلك، بأن يصادر لفائدة الدولة، مع حفظ حقوق الغير حسني النية، الآلات والأدوات والأشياء ووسائل النقل التي استعملت في ارتكاب الجريمة أو كانت ستستعمل في ارتكابها أو التي تحصلت منها وكذلك المنح وغيرها من الفوائد التي كوفئ بها مرتكب الجريمة أو كانت معدة لمكافأته.

ونص المشرع في الفرع السادس مكرر الخاص بغسل الأموال في

الفصل 2-547: يسري التعريف الوارد في الفصل 1-574 أعلاه على الجرائم التالية ولو ارتكبت خارج المغرب:………..

-الجرائم المرتكبة ضد البيئة……….

وفي الفرع الثامن والذي جاء تحث عنوان التخريب والتعييب والإتلاف

– عاقب المشرع بعقوبة الجناية التي تصل إلى عشرين سنة،كل من أوقد النار عمدا في الغابات والأخشاب, طبقا للفصل 581 من القانون الجنائي, الذي نص على ما يلي:

الفصل 581: يعاقب بالسجن من عشر إلى عشرين سنة من أوقد النار عمدا………

– غابات أو أخشاب مقطوعة أو أخشاب موضوعة في حزم أو أكوام………..

وعاقب في الفصول من 597 إلى 599– في غير الحالات المشار إليها في الظهير الخاص بقانون الغابات

– كل من أتلف مزروعات قائمة أو نباتات نمت طبيعيا، أو اقتلع شجرة أو قطعها أو عيبها أو أزال قشرتها بطريقة تميتها أو أتلف طعمة.

وعاقب في الفصول من 601 إلى607 كل من سمم أو قتل حيوانا بما فيها الأسماك وكل من بترها بدون موجب وكل من قطع أو حسك غرسا متعارفا عليه لإثبات الحدود بين العقارات,

ويعزى هذا الحرص الشديد على حماية المجال البيئي من طرف المشرع المغربي، إلى ما يعرفه المغرب من تراجع سنوي للمساحات الخضراء، نتيجة ارتفاع نسبة النمو الديمغرافي واتساع نطاق المدن والضغط الرعوي والاجتثاث العشوائي لمختلف أصناف النباتات والقطع المفرط للأشجار، واندلاع الحرائق وانتشار الأمراض والطفيليات واستمرار الجفاف والاستغلال العشوائي للمقالع وزحف التصحر وتضاعف نسبة التلوث، وإن كان من بين هذه العوامل ما هو طبيعي فالأخرى تبقى من فعل البشر، مما يجب معه التصدي لها بالتجريم والمكافحة.

وفي هذا الصدد نجد أنفسنا مضطرين للجوء إلى القضاء لاستصدار أحكام ضد المخالفين لهذه القوانين، والمعتدين على هذه الثروات، سواء في إطار دعاوى زجرية أو أخرى مدنية تتمحور حول التعويض عن الأضرار الناتجة عن هذه الجرائم، أو في إطار المطالبة باستحقاق عقار أو تسطير حدود وغيرها من الدعاوى التي تنظر فيها مختلف محاكم المملكة، والتي تلجأ خلالها إلى بعض إجراءات تحقيق الدعوى ومن بينها إجراء خبرة قضائية، ينجز من خلالها الخبير تقريرا بما توصل إليه وما قام به من عمليات تقنية وفنية للوصول إلى حقيقة الأمر وتنوير المحكمة لتتمكن من الفصل في القضية.

وهذا ما سيحملنا على التطرق لهذا الموضوع بكل تفصيل، للكشف عن خباياه وبسط إشكالاته والتعليق قانونا على النصوص المنظمة له، مع التركيز بالأساس على عمل محكمة النقض في هذا الباب بصفتها تتربع هرم القضاء المغربي، واجتهاداتها بمثابة قوانين يحتذى بها من طرف باقي المحاكم.

الخبيرة لغة واصطلاحا

الخبرة لغة : هي من الخبر أي النبأ يقال أخبار و أخابير ورجل خابر وخبير.

والخبرة في الاصطلاح القانوني هي طريق من طرق الإثبات يتم اللجوء إليها إذا اقتضى الأمر لكشف دليل أو تعزيز أدلة قائمة.

والخبير هو العالم بالشيء على حقيقته والمطلع على خباياه، فهو عالم ببواطنه وظواهره. مصداقا لقوله تعالى : “ فاسأل به خبيرا“ سورة الفرقان وقوله تعالى : “ ولا ينبئك مثل خبير“ سورة فاطر.

وخبير فاعل من خَبُرَ. والخبير هو إسم من أسماء الله الحسنى, مصداقا لقوله تعالى: “ الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة, وهو الحكيم الخبير”. سورة الفرقان آية 58

والخبير هو كل شخص له دراية خاصة بمسألة من المسائل، يتطلب حلها معلومات خاصة، لا يأنس القاضي من نفسه الكفاية العلمية أو الفنية لها.

المبحث الأول : تعريف الخبير في التشريع المغربي

لم يعرف الظهير الشريف رقم 1.59.372 والصادر في 2 شوال 1379 موافق 30 مارس 1960 – والمتعلق بوضع جداول الخبراء والتراجمة العدليين وفي تغيير الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 الموافق لـ 12 غشت 1913 بشأن المسطرة المدنية و الظهير الشريف الصادر في فاتح شعبان 1378 الموافق لـ 10 فبراير 1959 المحتوي على قانون المسطرة الجنائية-، ولكن نص في فصله الثاني: “على أن كل الخبراء والتراجمة المدرجين في الجدولين المقررين في الفصل السابق يحملون صفة مترجمين أو خبراء مقبولين لدى محكمة الاستئناف”. وفي هذا قراءة واضحة على أنه لا يعتبر خبيرا قضائيا إلا من تم اختياره ضمن الجدولين الرسميين المشار إليهما، مما يؤكد حرص الدولة على تطويق دائرة المسموح لهم بممارسة هذه المهمة التي تدخل في إطار إجراءات تحقيق الدعاوي. وعاقب بالمقابل كل من انتحل هذه الصفة، وذلك في الفصل الرابع من نفس القانون الذي جاء فيه:

الفصل الرابع: “كل من اتخذ علنيا صفة خبير أو ترجمان مقبول لدى محكمة الاستئناف من غير حق فيها يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات وبغرامة يتراوح قدرها بين 1200 و7200 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط“. وفي هذا تأكيد كذلك على الحماية التي أولتها الدولة لهذه الفئة من مساعدي القضاء، لسد باب التلاعب أمام منتحلي هذه الصفة، التي يعتمد القضاء تقاريرها للفصل في القضايا. ولم تقف هذه الحماية في تلك الظرفية فقط بل امتدت إلى يومنا هذا، ولا أدل على ذلك ظهير شريف رقم 1.01.126 الصادر في 29 من ربيع الأول 1422 الموافق ل (22 يونيو 2001) بتنفيذ القانون رقم 45.00 المتعلق بالخبراء القضائيين الذي نص في المادة 44:”كل من استعمل صفة خبير قضائي، دون أن يكون مسجلا بجدول الخبراء بإحدى محاكم الاستئناف أو بالجدول الوطني، يعتبر منتحلا لصفة نظمها القانون، ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفصل 381 من مجموعة القانون الجنائي“. وبالرجوع للفصل 381 من القانون الجنائي نجده يقضي بما يلي:

الفصل 381: “من استعمل أو ادعى لقبا متعلقا بمهنة نظمها القانون أو شهادة رسمية أو صفة حددت السلطة العامة شروط اكتسابها، دون أن يستوفي الشروط اللازمة لحمل ذلك اللقب أو تلك الشهادة أو تلك الصفة، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وغرامة من مائتين إلى خمسة آلاف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، ما لم يوجد نص خاص يقرر عقوبة أشد”.كما قضى في المادة 100من القانون المنظم لمهنة الخبرة المحاسبية الصادر بتاريخ 8 يناير 1993: “يتعرض للعقوبات المنصوص عليها في الفصل 381 من القانون الجنائي كل من حمل لقب خبير محاسب خلافا لأحكام هذا القانون“.

وبالرجوع للقانون رقم 45.00 المتعلق بالخبراء القضائيين نجده يعرف الخبير في المادة 2 على أنه : “الخبير القضائي هو المختص الذي يتولى بتكليف من المحكمة التحقيق في نقط تقنية وفنية، ويمنع عليه أن يبدي أي رأي في الجوانب القانونية. يمكن للمحاكم أن تستعين بآراء الخبراء القضائيين على سبيل الاستئناس دون أن تكون ملزمة لها”. بعدما اعتبرته المادة الأولى بأنه أحد مساعدي القضاء، حيث نص في المادة 1 :”يعتبر الخبراء القضائيون من مساعدي القضاء ويمارسون مهامهم وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القانون وفي النصوص الصادرة تطبيقا له”.

المطلب الأول: تعريف الخبرة في قانون المسطرة المدنية

لم يعرف المشرع المغربي الخبرة في قانون المسطرة المدنية، ولكن أشار إليها في الفصل 55 على أنها إجراء من إجراءات التحقيق، حيث جاء فيه,

الفصل 55: “يمكن للقاضي بناء على طلب الأطراف أو أحدهم أو تلقائيا أن يأمر قبل البت في جوهر الدعوى بإجراء خبرة أو وقوف على عين المكان أو بحث أو تحقيق خطوط أو أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق. يمكن لممثل النيابة العامة أن يحضر في كل إجراءات التحقيق التي أمرت بها المحكمة”.

من خلال قراءة تحليلية واستنباطية لهذا الفصل يمكن استنتاج النقط التالية :

– أن اللجوء إلى الخبرة أمر اختياري وليس وجوبي؛

– أن إجراءها يكون إما تلقائيا أو بناء على طلب؛

– أن الخبرة هي إجراء من إجراءات تحقيق الدعوى؛

– أن الخبرة تكون قبل البت في جوهر الدعوى؛

– أن النيابة العامة يمكنها حضور إجراءات الخبرة.

وهذه النقط تعتبر هي الأعمدة القانونية التي تقوم عليها الخبرة سواء من حيث الشكل أو المضمون، أو من حيث اعتمادها أو الاستئناس بها أو استبعادها، أو من حيث القول بإجرائها من عدمه.

اللجوء إلى الخبرة أمر اختياري وليس وجوبي

فإن كانت الخبرة أمر اختياري يخضع لقناعة القاضي للقول بإجرائها أم لا، إلا أنه ملزم بالرد عن طلب الخبرة الذي لم يستجب له، وهكذا ذهب المجلس الأعلى في إحدى قراراته عدد 1885/1 المؤرخ في 10/ 9/ 2003 الصادر بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 61، والذي جاء فيه: ” المحكمة حينما انبرت بنفسها إلى تفنيد واستبعاد ما خلصت إليه خبرة قضائية طبية في أمر يدخل في مسائل تقنية ورتبت عنها نتائج قانونية، دون أن تسترشد في ذلك بخبرة أخرى لذوي الاختصاص تأمر بها لتوضيح أمر لا تقوم فيه مقام الخبير، تكون قد بنت قضاءها على تعليل ناقص يوازي انعدامه، ويعرض قرارها للنقض والإبطال”. نقض وإحالة.

كما أن القاضي إذا ما قضى بإجراء خبرة، فلا يمكنه العدول عن هذا الإجراء إلا بتعليل يبين من خلاله سبب عدول المحكمة عنه، وفي هذا ذهب المجلس الأعلى في إحدى قراراته عدد 3996 المؤرخ في 26/12/2002 الصادر بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 59/60، والذي جاء فيه: “لا يجوز لمحكمة الموضوع التي قررت إجراء معينا أن تعدل عنه إلا بتعليل خاص لتعلق حق الغير به. لما كانت محكمة الموضوع قد قررت إجراء خبرة طبية على الطالب لتحديد مسؤوليته الجنائية وقت ارتكاب الفعل الجرمي، فلا يحق لها أن تتراجع عن ذلك إلا بتعليل خاص لتعلق ذلك بحق الدفاع”.

كما ذهب المجلس الأعلى في قرار آخر عدد 2622 بتاريخ 13/9/2006 المنشور بمجلة الملف العدد 16 إلى القول : “حقا فقد صح ما نعاه الطاعن، ذلك أنه بموجب الفقرة الأولى من الفصل 55 من ق م م يمكن للمحكمة بناء على طلب الأطراف أو أحدهم أو تلقائيا أن تأمر قبل البت في جوهر الدعوى بإجراء خبرة…..وأن محكمة الموضوع لما صرحت بأن الثابت من وثائق الملف، أن دعوى المستأنف عليه بقيت مجردة عن أي إثبات وأن الإجراء المتخذ من طرف المحكمة ذات الدرجة الأولى، المتعلق بإجراء خبرة في عين المكان من باب إقامة الحجة لطرف في مواجهة الطرف الآخر وهو ما يتنافى مع مبدأ الحياد….ورتبت على ذلك إلغاء الحكم المستأنف والحكم من جديد برفض الطلب تكون قد عللت قرارها تعليلا فاسدا….”. ومن هنا تظهر لنا رقابة محكمة النقض على تعليل المحاكم في مسألة رفضها لطلبات الخبرة، فهي وإن كانت حرة في قبول طلب الخبرة من عدمه، إلا أنها مسؤولة قانونا فيما يخص الرد عن ذلك بتعليل مقنع وكاف يجعل قراراتها في منأى عن كل طعن. وهذا ما ذهب إليه المجلس الأعلى بغرفتين في قراره عدد 1311 بتاريخ 17 مايو 1993 المنشور ب قرارات المجلس الأعلى بغرفتين أو بجميع الغرف، والذي قضى برفض طلب الطعن لكون المحكمة مصدرة القرار – القاضي برفض إجراء خبرة قضائية على محل النزاع – قامت بتعليل القرار المطعون فيه.

أما فيما يخص عدم تعليلها تعليلا كافيا لرفضها طلب إجراء خبرة، فقد ذهبت محكمة النقض في قرارها عدد 186 الصادر بتاريخ 11 مارس 2014 في الملف الشرعي 194/2/1/2013 المنشور بمجلة قضاء محكمة النقض عدد 77 :” يجوز للزوج الطعن في النسب للفراش إذا أدلى بدلائل قوية على ادعائه، فمادام قد طعن في ثبوت نسب الابن إليه والتمس إجراء خبرة جينية للتأكد من ذلك واستدل على ذلك بما ورد برسم طلاق المطلوبة التي صرحت فيه بأنها غير حامل، فإن المحكمة لما عللت قرارها بأن تصريح المطلوبة بأنها غير حامل بملف الطلاق لا يدخل ضمن الدليل القوي الذي من شأنه أن يهدم الحجية القاطعة للفراش دون أن تبحث في تحقيق شروط الفراش المعتبر في لحوق النسب والرد على طلب الطرفين معا بإجراء خبرة جينية، تكون قد عللته تعليلا فاسدا” نقض وإحالة.

إجراء الخبرة يكون إما تلقائيا أو بناء على طلب

وهذا يعني أن المشرع إذا أعطى للقاضي الخيار في الأمر بالقيام بالخبرة من عدمه، فإنه لم يعط للأطراف سوى الحق في التماس إجرائها، أي أن أطراف الدعوى يلتمسون من المحكمة إجراء خبرة ويدعمون طلبهم هذا بتقديم ما يؤكد أن الأمر يقتضي ذلك من أنه تقني أو فني أو حساباتي إلى غير ذلك من الدفوعات، وتبقى الصلاحية للمحكمة في الأمر بها من عدمه، وهي بهذا ليست ملزمة بانتظار التوصل بملتمس الخبرة للقول بإجرائها، بل يمكنها ذلك تلقائيا متى رأت فيها ضرورة لتحقيق الدعوى، أو أن المسألة يتطلب حلها معلومات خاصة لا يأنس القاضي في نفسه الكفاية العلمية أو الفنية لها، مما يكون معه مضطرا للأمر بإجرائها ومتى حاد عن هذا يعرض حكمه للنقض. وهذا ما ذهب إليه المجلس الأعلى في إحدى قراراته عدد 1481 الصادر بتاريخ 30 دجنبر 2010 الصادر بمجلة قضاء محكمة النقض عدد 74، والذي جاء فيه : ” إن القرار المطعون فيه برفضه طلب المتهم إجراء خبرة طبية على الضحية بأنه لا مبرر لذلك ما دامت الشهادة الطبية المدلى بها من طرفها قد حددت بدقة الأضرار الجسمانية اللاحقة بها، والحال أن الأمر المذكور يتعلق بمسألة فنية دقيقة توكل إلى ذوي الاختصاص الفني وتخرج عن ولاية المحكمة“. نقض وإحالة.

الخبرة هي إجراء من إجراءات تحقيق الدعوى

إذا كانت إجراءات تحقيق الدعوى يمكن تقسيمها إلى:

إجراءات مسطرية: كالعلنية، تبليغ المقال، تبادل المذكرات، والإطلاع على المستندات؛

إجراءات عادية: كالأبحاث واليمين والزور الفرعي والحضور الشخصي؛

وإجراءات إخبارية: كالخبرة ومعاينة الأماكن.

وهذا ما ذهب إليه الفصل 55 من قانون المسطرة المدنية الذي اعتبر الخبرة إجراء من إجراءات تحقيق الدعوى. وكذا بعض الفقه المغربي والمقارن.

فإن المجلس الأعلى عرفها في إحدى قراراته بأنها :“ وسيلة من وسائل الإثبات تملك معها المحكمة سلطة تقديرية لا تخضع فيها لرقابة المجلس الأعلىقرار المجلس الأعلى عدد 4963 بتاريخ 29/5/ 1984.

وذهبت محكمة النقض في قرار آخر عدد 241 الصادر بتاريخ 29 مارس 2016 في الملف المدني عدد 3874/1/3/2015 المنشور بنشرة قرارات محكمة النقض العدد 27 مؤكدة ما استقر عليه المجلس الأعلى، على أن ما جاءت به الخبرة يعد قرينة، والقرينة هي وسيلة من وسائل الإثبات، ملخص القرار: ” تعتبر غابة مخزنية لأجل تطبيق ظهير 10/10/1917 – عملا بالفقرة الأخيرة من الفصل الأول منه – كل قطعة أرضية فيها مجموعة أشجار طبيعية النبت، وإنه بذلك إذا ثبت وجود نبت طبيعي بالمدعى فيه فإن ذلك يعد قرينة مقررة لفائدة إدارة المياه والغابات، والمحكمة مصدرة القرار لما قضت بعدم قبول دعوى الطالبة بناء على أنها لم تدل إلا بمجرد مشروع التحديد الإداري، دون الالتفات إلى ما أشار إليه تقرير الخبير من أن المدعى فيه جزء من المساحة المغطاة بالنبات الغابوي، تكون قد خالفت الفصل المذكور وقواعد الإثبات بخصوص الملك الغابوي“. نقض وإحالة.

وبالرجوع للفصل 404 من قانون الالتزامات والعقود نجده عدد وسائل الإثبات كالتالي: “وسائل الإثبات التي يقررها القانون هي:

1 – إقرار الخصم؛

2 – الحجة الكتابية؛

3 – شهادة الشهود؛

4 – القرينة؛

5 – اليمين و النكول عنها”.

وهذا يعني أن الخبرة هي وسيلة من وسائل الإثبات تدخل ضمنيا في باب القرينة. خلافا لما جاء به القانون السوري الذي عدّد في المادة الأولى من قانون البيّنات طرق الإثبات وهي: الأدلة الكتابية والشهادة والقرائن والإقرار واليمين والمعاينة والخبرة، وهي تتفق مع طرق الإثبات في الشريعة الإسلامية، حيث نص بصريح الفصل على أن الخبرة وسيلة من وسائل الإثبات المعتمدة بمقتضى القانون. خلاصة القول أن الخبرة إجراء من إجراءات تحقيق الدعوى متى أمر بها، وهي وسيلة إثبات متى أخذ بها.

الخبرة تكون قبل البت في جوهر الدعوى

من الطبيعي أن تكون الخبرة من إجراءات التحقيق التي يسلكها القاضي قبل البت في جوهر الدعوى، ما دامت علة انتدابها هي وقوف المحكمة على أمر فني أو تقني استعصى عليها معه الوصول إلى حقيقة الأمر واستبيان الغموض الذي يلف مقال الطالب أو تعقيب المطلوب، فهي إن صح القول جسر يعبره القاضي للوصول إلى غايته، ألا وهي جاهزية القضية ليتمكن من استصدار حكم فيها. وهذا لا يعني أن تقرير الخبرة هو المفتاح لكل الإشكالات التي تعرفها الدعوى، أو أنه كفيل باستبيان كل الغموض الحائط بها، فقد يطلع القاضي على تقرير الخبرة ثم يستبعده، أو يستأنس به فقط، أو يطلب خبرة أخرى تكميلية لتوضيح ما تم إغفاله، أو خبرة مضادة لنفي أو تأكيد ما سبق في الأولى، وهكذا حتى تتضح الرؤية عند المحكمة ليسهل عليها الفصل في القضية. وهكذا ذهبت محكمة النقض في إحدى قراراتها عدد 789 الصادر بتاريخ 4 يونيو 2015 بمجلة نشرة قرارات محكمة النقض العدد 24، أن المحكمة هي التي لها سلطة القول ما إن كانت القضية تستوجب خبرة إضافية من عدمه، حيث قضت بما يلي: “لما أوردت المحكمة في تحديدها للتعويض موقع العقار ومساحته وطبيعته ووجه استغلاله ومشتملاته استنادا إلى تقريري الخبرتين اللذين اطمأنت لصحة أسبابهما، وأبرزت أن الخبيرين ضمنا تقريرهما بيانات عقود المقارنة التي توصلا إليها، فإنها لم تكن ملزمة بإجراء خبرة جديدة ما دامت قد وجدت في الخبرتين المنجزتين ما يغنيها عن ذلك“. وفي قرار آخر يصب في نفس المنحى لكن ينقض ما سارت عليه المحكمة الدنيا، الصادر بقضاء المجلس الأعلى عدد 7 الصادر بتاريخ 27/2/2008 تحث عدد 790، والذي جاء فيه: “ما دامت نقطة النزاع بين الطرفين تنحصر في المطالبة بحق المرور الذي كان قائما، فإنه كان على المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه أن تتخذ التدابير التكميلية للتحقيق المنصوص عليها في الفصلين 34 و 43 من ظهير التحفيظ العقاري للتأكد من الوضع الطبيعي للطريق محل النزاع، وفي حدود الحقوق الخاصة بالطرف المطلوب، لا أن تقصر نظرها في البت في مجرد إحداث الأدراج، خاصة وأن تقرير الخبرة الذي اعتمده القرار يفيد أن إحداث الأدراج لا يعرقل المرور في الطريق“.

النيابة العامة يمكنها حضور إجراءات الخبرة

بالرجوع إلى قانون المسطرة المدنية نجده ينص في بابه الثاني على دور النيابة العامة أمام المحاكم المدنية، حيث نص في الفصل السادس منه على أنه يمكن للنيابة العامة أن تكون طرفا رئيسيا أو أن تتدخل كطرف منضم وتمثل الأغيار في الحالة التي ينص عليها القانون. فأعطاها حق التدخل كطرف منضم في القضايا التي يأمر القانون بتبليغها إليها أو التي تطلب هي التدخل فيها أو التي تحال عليها تلقائيا، وهكذا حدد في الفصل التاسع الدعاوى التي يجب تبليغها للنيابة العامة وهي كالتالي:

1 – “القضايا المتعلقة بالنظام العام والدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية والهبات والوصايا لفائدة المؤسسات الخيرية وممتلكات الأحباس والأراضي الجماعية؛

2 – القضايا المتعلقة بالأسرة؛

3 – القضايا المتعلقة بفاقدي الأهلية وبصفة عامة جميع القضايا التي يكون فيها ممثل قانوني نائبا أو مؤازرا لأحد الأطراف؛

4 – القضايا التي تتعلق وتهم الأشخاص المفترضة غيبتهم؛

5 – القضايا التي تتعلق بعدم الاختصاص النوعي؛

6 – القضايا التي تتعلق بتنازع الاختصاص، تجريح القضاة والإحالة بسبب القرابة أو المصاهرة؛

7 – مخاصمة القضاة؛

8 – قضايا الزور الفرعي.

تبلغ إلى النيابة العامة القضايا المسطرة أعلاه قبل الجلسة بثلاثة أيام على الأقل بواسطة كتابة الضبط. غير أنه يمكن أن يتم هذا التبليغ أمام المحكمة الابتدائية في الجلسة المندرجة القضية فيها.

يمكن للنيابة العامة في هذه الحالة أن تطلب تأخير القضية إلى أقرب جلسة لتقديم مستنتجاتها كتابة أو شفويا حيث يجب على المحكمة تأخيرها.

يمكن للنيابة العامة أن تطلع على جميع القضايا التي ترى التدخل فيها ضروريا. للمحكمة أن تأمر تلقائيا بهذا الإطلاع.

يشار في الحكم إلى إيداع مستنتجات النيابة أو تلاوتها بالجلسة وإلا كان باطلا”.

من هنا يتضح أن النيابة العامة لها الحق في حضور الجلسات وما يتبع ذلك من حضور الأبحاث التكميلية والمعاينات والخبرات، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، كما نص الفصل 55 من قانون المسطرة المدنية بصريح العبارة على ذلك: “…..يمكن لممثل النيابة العامة أن يحضر في كل إجراءات التحقيق التي أمرت بها المحكمة”. وهذا لأن حضور النيابة العامة وكما سبقت الإشارة إليه يكون بمقتضى القانون إما كطرف أصلي أو كطرف منضم أو ممثلة للأطراف.

لكن هذا التتبع وهذا الحضور لا يعطيها أي حق في توجيه الإجراءات أو التأثير على قرارات المحكمة أو الحد منها، وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض في إحدى قراراتها عدد 450/1 الصادر بتاريخ 30 مايو 2012 والذي جاء فيه: ” إن المسألة تتعلق بتنفيذ خبرة صدر أمر قاضي التحقيق بإجرائها وبتعيين الخبير المكلف بإنجازها، ويقتضي قانون المسطرة الجنائية في عدد من مواده (منها على الخصوص المواد 194-195-200) أن تجري الخبرة المأمور بها من طرف قاضي التحقيق تحث إشرافه ومراقبته المباشرين، فضلا عن أن الأمر القضائي الصادر بالخبرة المعنية بتاريخ 15/7/2008، لا يتضمن أنه عهد بتنفيذها تحث إشراف النيابة العامة، مما يكون معه القرار المطعون فيه فاسد التعليل الموازي لانعدامه، وغير مبني على أساس من القانون، مما يعرضه للنقض والإبطال“.

المطلب الثاني: تعريف الخبرة في قانون المسطرة الجنائية

لم يعرف المشرع المغربي الخبرة في قانون المسطرة الجنائية، أسوة بما فعل في باقي القوانين الإجرائية الأخرى، خصوصا الباب المتعلق بالأبحاث التمهيدية. إلا أننا نجده قد تطرق إليها في ثلاث مراحل وهي: – الخبرة أثناء مرحلة البحث التمهيدي – الخبرة أمام قاضي التحقيق – ثم الخبرة أثناء المحاكمة.

وقد يتساءل البعض حول إثارة الخبرة في المادة الجنائية أو الزجرية علما أن الموضوع جاء أصلا للتطرق إلى الخبرة في المادة المدنية، نعلم جميعا أن المادة المدنية هي أم القوانين، إذ تأتي باقي القوانين كتفرع فقط نابع منها ومستمد من أصولها، كما أن كل دعوى عمومية في إطار المادة الجنائية تصاحبها أو تليها دعوى مدنية للمطالبة بالتعويضات عن الأضرار الناتجة عن الفعل الجرمي، فتختلط هنا إجراءات الخبرة مثلا بين أن يستدل بها هنا أو هناك أو أن تعتمد في هذه المادة أو الأخرى، كما أن إلقاء الضوء على إجراءات الخبرة في المادة الزجرية، يزيد من فرصة الاطلاع على هذا الموضوع، ويعطي فرصة لمعرفة أوجه التشابه والاختلاف. وعلى سبيل المثال لا الحصر فالخبرة الجينية مثلا قد تعتمد في إثبات النسب في مادة الأحوال الشخصية، كما قد تعتمد في إثبات اغتصاب أو هتك عرض في المادة الجنائية، فتعتمد لإثبات نسب وتوابعه، أو في إثبات جرم وما يتبعه من تعويض عن الضرر.

الخبرة أثناء البحث التمهيدي

لأن كلمة خبير لم تأتي في سياق الفصول التي تحدثت عن ذوي الاختصاص أثناء مرحلة البحث التمهيدي، فإننا نلاحظ أن المشرع المغربي استعمل العبارات التالية، حيث أشار في المادة 47 من ق م ج على أنه: “يمكن لوكيل الملك إذا عرضت عليه مسألة تقنية أن يستعين بأهل الخبرة والمعرفة. كما يمكنه أن يأمر بإجراء خبرة لتحديد فصيلة البصمات الجينية للأشخاص المشتبه فيهم….”. ونص في المادة 57 منه: “يجب على ضابط الشرطة القضائية…أن يحافظ على الأدلة وله أن يستعين بأشخاص مؤهلين لذلك. كما يمكنه أن يطلب إجراء خبرات عليها وعلى بقية أدوات الجريمة….”. وأضاف في المادة 64 على أنه : “إذا تعين القيام بمعاينات لا تقبل التأخير، فلضابط الشرطة القضائية أن يستعين بأي شخص مؤهل لذلك، على أن يعطي رأيه بما يمليه عليه شرفه وضميره”. وذكرت المادة 77 من نفس القانون على أنه : “يمكن لممثل النيابة العامة أن ينتقل….وأن يستعين بأشخاص لهم كفاءة لتحديد ظروف الوفاة، يجوز لممثل النيابة العامة أيضا أن ينتدب أهل الخبرة للكشف عن أسباب الوفاة”. ويظهر من خلال هذه المواد أن المشرع استعمل عدة مفاهيم للتعبير عن الخبير، فقال أهل الخبرة والمعرفة، وقال أشخاص مؤهلين ، وقال أشخاص لهم كفاءة, لينتهي في الأخير بقول أهل الخبرة، وكلها تعابير تحتمل تفاسير عدة، فكل واحد منا قد يعتبر نفسه من أهل المعرفة أو الكفاءة أو أنه مؤهل لإعطاء رأيه في واقعة معينة، وفي هذا ضرر لنجاعة الأبحاث أو في تحويل مسارها الصحيح أو اندثار الأدلة متى تم اعتماد شخص غير متخصص في ما أمر بإنجازه. لهذا نجد المشرع المغربي قد تنبأ لهذه الأخطاء وقدم مشروع قانون المسطرة الجنائية، الذي لازال موضوع مناقشة بصيغ جديدة فنص في المادة 77 على ما يلي: “يمكن لضابط الشرطة القضائية بعد موافقة النيابة العامة انتداب طبيب شرعي,…. يمكن لممثل النيابة العامة انتداب طبيب شرعي“. أي أنه آمن بمسألة الاختصاص على الأقل في باب تحديد أسباب الوفيات أو تشريح الجثث للقول بانتداب طبيب شرعي مختص في النازلة ومسؤول عما سيأتي في تقريره بعد إجراء خبرته على جسم الجريمة، مما سيساعد القضاء ومن هم تحث إمرته في الكشف عن الأسباب الحقيقية وتحديد -بناء على ذلك – من سيثبت تورطه في الفعل الجرمي، الشيء الذي لازلنا نفتقده في ظل قانون المسطرة الجنائية الحالي. وقد كرست هذه الوضعية القانونية اجتهادا قضائيا لا يعتبر الخبرة المنجزة من طرف الدرك الملكي أو الإدارة العامة للأمن الوطني وثيقة رسمية، رغم أنها صادرة عن جهة أوكل إليها بمقتضى القانون البحث في الجرائم والتثبت من مرتكبيها، وأن ما تحرره من محاضر دون الخبرة يعتبر وثائق رسمية لا يطعن فيها إلا بالزور، خلافا لما ذهب إليه قرار المجلس الأعلى عدد 645/10 الصادر بتاريخ 22 أبريل 2009 ملف عدد 25268/6/10/2008 الذي قضى بما يلي :” إن تقرير الخبرة المنجزة من طرف مصلحة الدرك الملكي والإدارة العامة للأمن الوطني، لا يعتبر وثيقة رسمية لا يطعن فيها إلا بالزور، بل هو مجرد رأي تقني مضمن في خبرة قضائية تخضع للسلطة المخولة لقضاة الموضوع في تقييم الحجج وترجيح بعضها على البعض الآخر“.

ففي الوقت الذي نجد فيه أن الشرطة العلمية بكل من الإدارة العامة للأمن الوطني والدرك الملكي قد أصبحتا مؤسستين معترف بهما على الصعيد الدولي، نجد المشرع المغربي لم يخول لهما الصفة الضبطية بعد لتصبح تقاريرهما بمثابة وثائق رسمية لا يطعن فيها إلا بالزور، أي أن حجيتها قوية ولا يمكن دحضها.

الخبرة أمام قاضي التحقيق

تطرق قانون المسطرة الجنائية للخبرة في المواد من 194 إلى 209، وبالرجوع إلى المادة 194 من ق م ج نجدها تنص على أنه: “يمكن لكل هيئة من هيئات التحقيق أو الحكم كلما عرضت مسألة تقنية، أن تأمر بإجراء خبرة إما تلقائيا وإما بطلب من النيابة العامة أو من الأطراف”. بقراءة هذه المادة وما يليها يتضح أن هناك عدة أوجه تشابه ما بين الخبرة في المادة المدنية ومثيلتها في المادة الجنائية، إلا أن الخبير في هذه الأخيرة يتضح أن له اختصاصات أوسع كاستعانته بخبير مساعد وبتقنيين مؤهلين وبالاستماع إلى كل من له علاقة بالنازلة وإجراء الخبرة على وجه السرعة دون استدعاء الأطراف أو إلقاء الأسئلة على المتهم في غيبة القاضي والمحاميين، إلى غير ذلك من الاختصاصات، إلا أن الذي يستوجب النقاش هو أن المادة 15 من ق م ج تنص على أن المسطرة التي تجرى أثناء البحث والتحقيق تكون سرية، ونجد المادة 208 من نفس القانون تعطي الحق لقاضي التحقيق في عرض نتائج الخبرة على الأطراف لإبداء ملاحظاتهم أو تقديم طلبات بإجراء خبرة تكميلية أو خبرة مضادة، وفي هذا تناقض لأننا نعلم أن قاضي التحقيق يشتغل بقبعتين فهو يتمم إجراءات البحث التمهيدي وما يتبعها من سرية ويبحث في مدى ثبوت الفعل من عدمه في مواجهة المعني بالأمر فيصدر قرارا قضائيا بعدم المتابعة قد يصبح نهائيا فهو بمثابة حكم بالبراءة. فأين يمكن تصنيف المادة 15 من بين هذين الاختصاصين، فهل إجراءاته مطبوعة بالسرية أم بالعلنية.

الخبرة أمام المحكمة

كما سبقت الإشارة إليه فالخبرة في المادة الجنائية كمثيلتها في المادة المدنية، وهي من وسائل الإثبات التي تعتمدها المحكمة في القول ببراءة أو إدانة المتهم، وهذا بصريح المادة 286 من ق م ج التي جاء فيها: ” يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات، ما عدا في الأحوال التي يقضي القانون فيها بخلاف ذلك،….”. وهذا يعني أن الخبرة هي من ضمن هذه الوسائل المعتمدة في الإثبات، ما عدا إذا نص القانون على خلاف ذلك، وهذا مثلا كما نصت عليه المادة 493 من القانون الجنائي التي جاء فيها: “الجرائم المعاقب عليها في الفصلين 490 و491 لا تثبت إلا بناء على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي“. (للإشارة الفصلان 490 و491 يتعلقان بالفساد والخيانة الزوجية).

أي أن وسائل الإثبات في هذه الجرائم جاءت على سبيل الحصر، ولا يمكن الأخذ بأية وسائل أخرى ولو جاءت بإثبات قاطع، وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض في إحدى قراراتها عدد قرار عدد 1024 بتاريخ 26/ 10/ 2011 ملف 9526/ 6/ 3 /2011، والذي جاء فيه: ” لا تثبت جريمة الخيانة الزوجية إلا بإحدى وسائل الإثبات المحددة حصرا في الفصل 493 من ق ج وهي: محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي، و بالتالي لا تكون المحكمة الزجرية قناعتها في ثبوت الجريمة على وسيلة إثبات أخرى غيرها حتى ولو كانت خبرة جينية قاطعة في موضوع النسب”. كما أضافت المادة 291 من ق م ج أنه: “لا يعتبر ما عدا ذلك من المحاضر أو التقارير إلا مجرد معلومات”. (أي محاضر الشرطة القضائية)، إذن كيف يعقل أن نستبعد خبرة فنية علمية قاطعة، لا لأنها موضوع تكذيب أو شك ولكن لمجرد أن القانون قال بخلافها، فهنا نرى أن المشرع لم يواكب التطور العلمي ولم يكلف نفسه عناء تعديل بعض النصوص التي تجاوزها الركب المعرفي، والذي من شأنه خلق تناقض بين الاجتهادات القضائية، ففي الوقت الذي أصبحت فيه الخبرة الجينية وسيلة إثبات فاصلة في مادة الأحوال الشخصية، نجد محكمة النقض تستبعدها في مادة جنحية بسيطة. فكيف يكون صوت الضنين وسيلة إثبات في جريمة الخيانة الزوجية بالاعتراف وباقي جسده لا عبرة به، فالإنسان جسم وعقل جزء ملموس وجزء محسوس, مادة وروح, قول وفعل. فإذا اعترف بلسانه بأنه ارتكب الفعل أخذنا باعترافه، وإذا اعترف جسمه أنه يحمل نفس البصمة الجينية لثمرة الخيانة أبعدنا هذا الاعتراف العلمي القاطع. فماذا نقول في ضنين أبكم عجز لسانه عن النطق ونطقت جيناته الوراثية.

أما في قرار آخر لمحكمة النقض والتي كانت فيه أقرب شيئا ما للصواب فقد قضت بما يلي: “لئن كان عنصر عدم الرضا يشكل الركن المادي المكون لجناية الاغتصاب، فإن إلغاء المحكمة للقرار الابتدائي القاضي بالبراءة وحكمها من جديد بالإدانة استنادا على الخبرة الجينية التي أفادت أن الطفل من صلب الفاعل خلافا لإنكاره المتواتر، يجعل ما انتهت إليه الخبرة مثبتا للعلاقة الجنسية ولا يعتبر دليلا أو حجة على استعمال العنف لجبر المشتكية على ممارسة العلاقة الجنسية معها“. قرار عدد 131 صادر بتاريخ 2014/1/29 ملف جنحي 2013/3/6/ 8691.

المطلب الثالث: الخبير في قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية

نصت المادة 87 من قانون رقم 1.16.40 الصادر في 14 من جمادى الآخرة 1437 (24 مارس 2016) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية على أنه: “لا تتم المتابعة التأديبية إلا بعد إجراء الأبحاث والتحريات الضرورية. طبقا لأحكام الفقرة الثالثة من الفصل 116 من الدستور، يساعد المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المادة التأديبية، قضاة مفتشون من ذوي الخبرة. يتولى القضاة المفتشون، تحت إشراف المفتش العام للشؤون القضائية، إجراء الأبحاث والتحريات”. يتضح من مقتضيات هذه المادة الخاصة بالمتابعات التأديبية في حق القضاة، أنه لا تتم إلا بعد إجراء الأبحاث والتحريات من طرف قضاة مفتشون من ذوي الخبرة، وهنا نطرح السؤال ما المقصود بذوي الخبرة، إذ يكفي أنهم مفتشين يعني أنه تم اختيارهم لهذه المهمة لكفاءتهم وخبرتهم، فما المقصود إذن بذوي الخبرة، أهل يعني هذا أنه داخل قسم التفتيش هناك من هم أكثر خبرة من غيرهم، أم أن درجة القاضي هي التي تحدد نوع المفتش، أثرنا هذا النقاش لنؤكد أن المشرع ورغم أن هذا القانون صدر أواخر 2016، فلازال يستعمل عبارات ومصطلحات قد تؤثر على فحوى النصوص أو تفتح باب الطعون والانتقادات، سواء من رجالات القانون أو المنظرين أو من المعنيين بهذه المتابعات التأديبية أنفسهم. خلاصة القول أن ذوي الخبرة في منظور المشرع لا تعني الخبراء المنصوص عليهم في القانون رقم 00. 45 المتعلق بالخبراء القضائيين، ولكن تعني أناسا يرى فيهم أصحاب القرار في مكان وزمان معين، أنهم الأنسب للقيام بمهمة معينة والإفادة بمقترحاتهم ووجهات نظرهم، في شكل تقرير أو مستنتجات أو أبحاث قاموا بها في إطار قانون معين لا يحيل في مقتضياته على القانون المنظم لمهنة الخبراء.

كما نجد القانون الجنائي لا يتحدث عن الخبرة ولكن عن انعدامها، وذلك في الفصل 609 بفقرته 12 التي جاء فيها:- “من سلم سلاحا إلى شخص لا خبرة له فيه“. ونحن نعلم أن الحق في تملك سلاح يتطلب الحصول على رخصة من المصالح الإدارية فقط دون الخضوع لتدريب أو نحوه، فكيف سنميز بين خبير في السلاح وغيره.

المطلب الرابع: تعريف الخبرة في القضاء المغربي

عرّف المجلس الأعلى الخبرة في إحدى قراراته بأنها :“ وسيلة من وسائل الإثبات تملك معها المحكمة سلطة تقديرية لا تخضع فيها لرقابة المجلس الأعلى“ قرار المجلس الأعلى عدد 4963 بتاريخ 29/5/ 1984.

وعرفها في قرار آخر عدد 136 الصادر بتاريخ 15/2/2006 المنشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 67، على أنها وسيلة من وسائل تحقيق الدعوى حيث جاء فيه: “لكن حيث إن قرار المحكمة بإجراء خبرة طبية يدخل في إجراءات تحقيق الدعوى وأن المحكمة تملك حق اتخاذه متى رأت ذلك لازما ولو تلقائيا ولو لم يطلب الأطراف ذلك، وأن ما ورد في الفصل الثالث من قانون المسطرة المدنية لا ينطبق على إجراءات تحقيق الدعوى وإنما بالطلبات الفاصلة في موضوع الدعوى، وأن محكمة الاستئناف باتخاذها قرارا بإجراء خبرة كان من أجل معرفة حقيقة الأضرار العالقة بالضحية من جراء الحادثة، وكما جاء في تعليل القرار التمهيدي بإجراء خبرة، وبذلك تكون قد مارست الصلاحيات المخولة لها قانونا، ويبقى ما بالوسيلة لا يرتكز على أساس“.

من هنا يتضح أن الأمر بإجراء خبرة هو إجراء من إجراءات التحقيق, طبقا للفصل 55 من قانون المسطرة المدنية، أما الأخذ بمضامين الخبرة فهو وسيلة من وسائل الإثبات في الملف طبقا للاجتهاد القضائي المذكور أعلاه.

وبهذا تكون الخبرة بمثابة إجراء من إجراءات تحقيق الدعوى يلجأ إليها القاضي لاستبيان مسألة تقنية أو فنية أو حسابية، ومتى أخذ بما جاء فيها يصبح بمثابة وسيلة إثبات يعتمدها في الفصل بين الخلطاء أو الخصوم.

المبحث الثاني: الأحكام العامة للخبرة القضائية

للحديث عن أحكام الخبرة القضائية لابد من التطرق لأنوعها الخبرة القضائية ولمضامين الأحكام الصادرة بشأنها وللفصول المنظمة لها وللوضعية القانونية للخبير القضائي -المكلف بإنجاز خبرة- تجاه القانون، وهكذا سأتطرق تباعا لهذه النقط بالتفصيل.

المطلب الأول: أنواع الخبرة القضائية

قد لا نجد تعريفا قانونيا لأنواع الخبرة، يعرف من خلاله المشرع كل خبرة ويصنّفها من خلال وظائفها ويعطيها تسمية بناء على ذلك، ولكن يمكن استخلاص إسم الخبرة أو نوعها من خلال الفصول المنظمة للخبرة، أو من خلال المهمة المسندة للخبير من طرف المحكمة. وإن كانت المادة 208 من قانون المسطرة الجنائية قد نصت على كلمة الخبرة التكميلية والخبرة المضادة كأحد الإجراءات التي يمكن للأطراف التماس إنجازها بعد اطلاعهم على تقرير الخبرة.

فخبرة تأمر بها المحكمة لأول مرة في دعوى معينة، ستسمى بطبيعة الحال خبرة أولية والتي تليها أو تكملها ستسمى خبرة تكميلية أو توضيحية أو متممة، وهكذا دواليك، فالترتيب أو المهمة أو السبب الذي قررت من أجله الخبرة هو الذي يبقى لصيقا بها كإسم، والذي قد يصدر عن أحد طرفي الدعوى في ملتمساته دون حتى أن ينتبه لذلك، كأن يتقدم بطلب إجراء خبرة مضادة، فتأخذ هذا الاسم طيلة مراحل الدعوى.

وبالرجوع إلى ما استقر عليه العمل القضائي نجد أن الخبرة تنقسم إلى ستة أنواع وهي: الخبرة الأولية أو المؤسسة – الخبرة التكميلية أو المتممة – الخبرة المضادة – الخبرة الجديدة – الخبرة اللازمة أو الإلزامية – الخبرة السرية أو غير المكشوفة.

1 – الخبرة الأولية أو المؤسسة:

وهي خبرة تأمر بها المحكمة إما تلقائيا أو بناء على طلب أحد أطراف الدعوى، متى تبين لها أن المسألة تقنية أو فنية، ويمكن أن تسندها لخبير أو أكثر، ويمكن لها أن ترفض ملتمس الخبرة شريطة تعليل ذلك في قرارها. وهذا ما سار عليه قرار المجلس الأعلى في إحدى قراراته لصادر بتاريخ 7 مارس 1995التي جاء فيها: “يجب على المحكمة أن تبني حكمها على اليقين فإذا طلب أحد الأطراف إجراء تحقيق للتأكد من واقعة ما، وكان هذا الإجراء ضروريا للكشف عن الحقيقة، فيجب عليها الرد بشأنه إما بقبوله أو برفضه”.

2 – الخبرة التكميلية أو المتممة: وهي خبرة يستشف نوعها من تسميتها، أي أن المحكمة تأمر بها لتوضيح أو استكمال نقص شاب الخبرة الأولية، وتسند غالبا إلى الخبير الأول ليتمم ما أغفله في تقريره، أو يلقي الضوء على نقطة معينة، أو يعالج نقطة إضافية تم إغفال الإشارة إليها أول الأمر. وهكذا ذهبت محكمة النقض في قرارها عدد 236 بتاريخ 15 أبريل 2014 ملف عدد 3137 / 1/ 4/ 2013:

الدفع بعدم قانونية الخبرة المنجزة، وأمر المحكمة بإجراء خبرة تكميلية بواسطة نفس الخبير وتعدل عن هذه الأخيرة بسبب تخلف الخصوم عن حضورها، معتبرة ذلك إقرارا منهم بما جاء في الخبرة الأولى دون القيام بإجراء للتحقيق ولو بالوقوف على عين المكان صحبة الخبير لتطبيق الرسوم المستدل بها من الطرفين لتبني قضاءها على ما انتهى إليه تحقيقها. يجعل قرارها معللا تعليلا فاسدا وهو بمثابة انعدامه“. نقض وإحالة.

3 – الخبرة المضادة : وهي خبرة لا يلجأ إليها إلا بوجود اعتراض عن الخبرة الأولى، وتلجأ إليها المحكمة غالبا لوجود منازعة من أحد طرفي الدعوى، فتسندها لخبير أو أكثر غير الذي أنجز الخبرة موضوع المنازعة لعيب شكلي أو موضوعي، فما يميزها أنها تنجز من طرف خبير أو خبراء آخرين غير الخبير الأول الذي كان هو نفسه أو تقريره سببا في هذه الخبرة المضادة. وهكذا ذهبت محكمة النقض في قرارها عدد 7 الصادر بتاريخ 7 يناير 2016 ملف عدد 944/ 3/ 1/ 2015: “إن المحكمة لما صادقت على الخبرة واعتبرت عن صواب ما خلص إليه الخبير تعويضا مناسبا وشاملا لما لحق المستأنف الفرعي من ضرر حرمانه من استغلال الأصل التجاري، فلم يكن هناك ما يدعوها للاستجابة لطلب إجراء خبرة مضادة، لعدم الإدلاء لها بما يؤيد الأمر بها، أو بما يدحض ما جاء في الخبرة المعتمدة أو ينهض حجة على إفراغ محتواها الفني أو الموضوعي. يكون قرارها معللا بما فيه الكفاية“. رفض الطلب

4 – الخبرة الجديدة : وهي خبرة يتم اللجوء إليها متى لا يتم إنجاز الخبرة الأولى لسبب واقعي كوفاة الخبير أو امتناعه عن الإنجاز أو لسبب قانوني كفقدان الخبير للأهلية أو القول باستبعادها لزور أو غيره.

وهكذا ذهبت محكمة النقض في قرارها عدد 789 بتاريخ 4 يونيو 2015 ملف عدد 2382/ 4/ 2/ 2013 : “لما أوردت المحكمة في تحديدها للتعويض موقع العقار ومساحته وطبيعته ووجه استغلاله ومشتملاته استنادا إلى تقريري الخبرتين اللذين اطمأنت لصحة أسباهما، وأبرزت أن الخبرتين ضمنا تقريرهما بيانات عقود المقارنة التي توصلا إليها، فإنها لم تكن ملزمة بإجراء خبرة جديدة، مادامت قد وجدت في الخبرتين المنجزتين ما يغنيها عن ذلك”رفض الطلب

5 – الخبرة الإلزامية أو اللازمة: وهي خبرة لا تصدر ابتداء بأمر المحكمة، إلا أنه لا يتصور عرض القضية على القضاء بدونها، وهي مثلا كالخبرة المنجزة في حوادث السير أو حوادث الشغل أو قضايا الغش في البضائع، ومثالها ما نصت عليه المادة 22 من القانون رقم 18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل والصادر بتاريخ 29 ديسمبر 2004، التي تتحدث عن الطبيب الخبير المنتدب والطبيب الخبير المختص. وهي خبرة يتم اللجوء إليها تلقائيا إما لتحديد نسبة العجز أو لإثبات وجود غش في المادة المعروضة، فغالبا ما تأخذ بها المحكمة خصوصا إذا لم ينازع في ذلك الأطراف كما قد تعتمدها كأساس لإجراء خبرة تكميلية أو مضادة، وهكذا ذهب المجلس الأعلى في إحدى قراراته عدد 144/8 الصادر بتاريخ 17/1/2002 المنشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 62 على ما يلي :

” المقتضيات القانونية الآمرة المنصوص عليها في الفصلين 25 و 33 من ظهير 5/10/1984 المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع توجب إحالة العينات على المختبر الرسمي للتحليل وإنجازه داخل أجل محدد، ويكون القرار المطعون فيه سليما حينما رتب على عدم احترام الأجل القانوني لإنجاز التحليل إبطال الخبرة المنجزة على مادة الدقيق وقضى بالبراءة”.

6 – الخبرة السرية أو غير المكشوفة: قد يتساءل البعض عن ماهية هذه الخبرة، وما الجدوى من إنجازها إذا كانت ستظل طي الكتمان أو حكرا على من حدد القانون الإطلاع عليها، وهي بهذه الصفة هل ستكون ملزمة لمن لم يعرف فحواها أو نتائجها، وما غاية المشرع من جعلها هكذا، أي بقائها طي الكتمان مآلها كمآل الأبحاث التمهيدية في القضايا الزجرية.

وقد نص عليها المشرع المغربي في المادة 557 من القانون رقم 73.17 الصادر بتاريخ 29 أبريل 2018 الخاص بنسخ وتعويض الكتاب الخامس من القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة فيما يخص صعوبات المقاولات، والتي جاء فيها: “يثبت الاتفاق بين رئيس المقاولة والدائنين في محرر يوقعه الأطراف والمصالح، وتودع هذه الوثيقة لدى كتابة الضبط. باستثناء المحكمة التي يمكن أن تبلغ بالاتفاق وبتقرير الخبرة، لا يطلع على الاتفاق سوى الأطراف المشمولة به، ولا يطلع على تقرير الخبرة سوى رئيس المقاولة“.

هذه الخبرة التي تجد سندا لها في المادة 552 من نفس القانون، والتي تعطي لرئيس المحكمة التجارية -في إطار الاختصاصات المخولة له في هذا القانون- تكليف خبير لإعداد تقرير عن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والمالية للمقاولة، هذا التقرير الذي لا يطلع عليه سوى رئيس المقاولة موضوع الصعوبة، لهذا سميتها بهذا الاسم لأن باقي الأطراف ليس من حقهم الاطلاع عليها، وأظن أنني أول رجل قانون يضع هذه التسمية، لأنني لم أصادفها قط في أي دراسة، كما أن القانون الذي جاءت به لم يدخل حيز التنفيذ إلا بتاريخ 29 أبريل 2018.

وقد نتفهم الأمر من حجب نتيجة تقرير الخبرة على باقي الأطراف، لأنها تتعلق بخصوصيات وأسرار المقاولة موضوع الصعوبة، والتي لا ترغب في أن يطلع منافسوها وعملاؤها على خصوصياتها لما فيه مس بتنافسيتها وإفشاء لوسائل عملها، أملا في أنه إن استطاعت إنعاش وضعها المالي والرجوع للسوق، ألا تكون قد فقدت مصداقيتها ووضعها الاعتباري أمام زبنائها. وهذه السرية لا نجدها حتى في تقارير الخبرات المنجزة في المادة الجنائية، والتي تعرف بالسرية، حيث نجد المادة 208 من قانون المسطرة الجنائية تعطي الحق لقاضي التحقيق في عرض نتائج الخبرة على الأطراف لإبداء رأيهم بشأنها، وهذا مخالف لما جاءت به المادة 15 من نفس القانون والتي تنص على ما يلي: ” تكون المسطرة التي تجري أثناء البحث والتحقيق سرية….”.

المطلب الثاني: مضمون الحكم التمهيدي بإجراء خبرة

إذا كان القانون قد حدد تحث طائلة البطلان شكلية الأحكام وما يجب أن تتضمنه، فإن الحكم التمهيدي الآمر بإجراء خبرة، لابد له هو كذلك أن يتضمن بعض النقط الأساسية ليكون قابلا للتنفيذ وهي كالتالي:

1- إسم الخبير أو الخبراء الذين تم انتدابهم لإجراء الخبرة؛

2- تحديد النقط التقنية التي ستجرى بشأنها الخبرة؛

3- تحديد الأجل الذي يجب على الخبير أن يضع داخله تقرير الخبرة؛

4- تعيين السلطة القضائية التي سيؤدي الخبير أمامها اليمين، إذا لم يكن مقيد بسجل الخبراء؛

5 – تكليف أحد الأطراف أو كلاهما بوضع مبلغ الخبرة، ما لم يكن مستفيدا من المساعدة القضائية؛

6 – تحديد أجل معين لإيداع مبلغ الخبرة تحث طائلة صرف النظر؛

7 – تحديد زمان ومكان إجراء الخبرة؛

المطلب الثالث: فصول المسطرة المدنية المنظمة للخبرة

جاء في الباب الثالث من قانون المسطرة المدنية الخاص بإجراءات التحقيق المتعلقة بالدعوى، التوضيح الشامل لكل المقتضيات الخاصة بإجراءات الدعوى ومنها على وجه الخصوص الخبرة والتي نظمها المشرع في الفصول من 55 إلى 66 من هذا القانون، والتي جاءت على الشكل التالي

الفصل 55: يمكن للقاضي بناء على طلب الأطراف أو أحدهم أو تلقائيا أن يأمر قبل البت في جوهر الدعوى بإجراء خبرة أو وقوف على عين المكان أو بحث أو تحقيق خطوط أو أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق.

يمكن لممثل النيابة العامة أن يحضر في كل إجراءات التحقيق التي أمرت بها المحكمة.

الفصل 56: يأمر القاضي المقرر أو القاضي المكلف بالقضية شفويا أو برسالة مضمونة من كتابة الضبط – الطرف الذي طلب منه إجراء من إجراءات التحقيق المشار إليها في الفصل 55 أو الأطراف الذين وقع اتفاق بينهم على طلب الإجراء أو تلقائيا – بإيداع مبلغ مسبق يحدده لتسديد صوائر الإجراء المأمور به عدا إذا كان الأطراف أو أحدهم استفاد من المساعدة القضائية. يصرف النظر عن الإجراء – في حالة عدم إيداع هذا المبلغ في الأجل المحدد من طرف القاضي – للبت في الدعوى ويمكن رفض الطلب الذي يصدر الأمر بإجراء التحقيق فيه.

الفصل 57: يتم استعمال المبالغ المودعة بواسطة كتابة الضبط تحت مراقبة القاضي المقرر أو القاضي المكلف بالقضية، ولا تسلم المبالغ المودعة من أجل أداء الأجور ومصاريف الخبراء والشهود في أي حالة مباشرة من الأطراف إليهم. يشطب على الخبير المسجل في الجدول الذي تسلم المبالغ مباشرة من الأطراف.

الفصل 58: تطبق مقتضيات الفصل السابق على أجور ومصاريف التراجمة.

الفصل 59: إذا أمر القاضي بإجراء خبرة عين الخبير الذي يقوم بهذه المهمة تلقائيا أو باقتراح الأطراف واتفاقهم. وعند عدم وجود خبير مدرج بالجدول يمكن بصفة استثنائية للقاضي أن يعين خبيرا لهذا النزاع، وفي هذه الحالة يجب على الخبير أن يؤدي اليمين أمام السلطة القضائية التي عينها القاضي لذلك على أن يقوم بأمانة وإخلاص بالمهمة المسندة إليه وأن يعطي رأيه بكل تجرد واستقلال ما لم يعف من ذلك اليمين باتفاق الأطراف. يحدد القاضي النقط التي تجري الخبرة فيها في شكل أسئلة فنية لا علاقة لها مطلقا بالقانون. يجب على الخبير أن يقدم جوابا محددا وواضحا على كل سؤال فني كما يمنع عليه الجواب على أي سؤال يخرج عن اختصاصه الفني وله علاقة بالقانون.

الفصل 60: إذا كان التقرير مكتوبا حدد القاضي الأجل الذي يجب على الخبير أن يضعه فيه وتبلغ كتابة الضبط الأطراف بمجرد وضع التقرير المذكور بها، لأخذ نسخة منه. إذا كان التقرير شفويا حدد القاضي تاريخ الجلسة التي يستدعى لها الأطراف بصفة قانونية ويقدم الخبير تقريره الذي يضمن في محضر مستقل. يمكن للأطراف أخذ نسخة من ذلك المحضر وتقديم مستنتجاتهم حوله عند الاقتضاء.

الفصل61: إذا لم يقم الخبير بالمهمة المسندة إليه داخل الأجل المحدد له أو لم يقبل القيام بها، عين القاضي بدون استدعاء للأطراف خبيرا آخر بدلا منه وأشعر الأطراف فورا بهذا التغيير. بصرف النظر عن الجزاءات التأديبية، يمكن الحكم على الخبير الذي لم يقم بالمهمة المسندة إليه أو رفضها بدون عذر مقبول بالمصاريف والتعويضات المترتبة عن تأخير إنجاز الخبرة للطرف المتضرر كما يمكن الحكم عليه بغرامة لفائدة الخزينة.
الفصل 62: يمكن تجريح الخبير الذي عينه القاضي تلقائيا للقرابة أو المصاهرة بينه وبين أحد الأطراف إلى درجة ابن العم المباشر مع إدخال الغاية:

– إذا كان هناك نزاع بينه وبين أحد الأطراف؛

– إذا عين لإنجاز الخبرة في غير مجال اختصاصه؛

– إذا سبق له أن أبدى رأيا أو أدلى بشهادة في موضوع النزاع؛

– إذا كان مستشارا لأحد الأطراف؛

– لأي سبب خطير آخر.

يمكن للخبير أن يثير أسباب التجريح من تلقاء نفسه. يتعين تقديم طلب التجريح داخل أجل خمسة أيام من تاريخ تبليغ المقرر القضائي بتعيين الخبير.

تبت المحكمة في طلب التجريح داخل خمسة أيام من تاريخ تقديمه، ولا يقبل هذا المقرر أي طعن إلا مع الحكم البات في الجوهر.

الفصل 63: يجب على الخبير تحت طائلة البطلان، أن يستدعي الأطراف ووكلاءهم لحضور إنجاز الخبرة، مع إمكانية استعانة الأطراف بأي شخص يرون فائدة في حضوره. يجب عليه أن لا يقوم بمهمته إلا بحضور أطراف النزاع ووكلائهم أو بعد التأكد من توصلهم بالاستدعاء بصفة قانونية ما لم تأمر المحكمة بخلاف ذلك إذا تبين لها أن هناك حالة استعجال. يضمن الخبير في محضر مرفق بالتقرير أقوال الأطراف وملاحظاتهم ويوقعون معه عليه مع وجوب الإشارة إلى من رفض منهم التوقيع.

يقوم الخبير بمهمته تحت مراقبة القاضي الذي يمكن له حضور عمليات الخبرة إذا اعتبر ذلك مفيدا.

الفصل 64: يمكن للقاضي إذا لم يجد في تقرير الخبرة الأجوبة على النقط التي طرحها على الخبير أن يأمر بإرجاع التقرير إليه قصد إتمام المهمة.

كما يمكنه تلقائيا أو بطلب من أحد الأطراف استدعاءه لحضور الجلسة التي يستدعى لها جميع الأطراف لتقديم الإيضاحات والمعلومات اللازمة التي تضمن في محضر يوضع رهن إشارة الأطراف.

الفصل 65: إذا احتاج الخبير أثناء قيامه بمهامه إلى ترجمة شفوية أو كتابية تعين عليه اختيار ترجمان من بين المدرجين بالجدول أو الالتجاء إلى القاضي. يمكن للخبير أن يتلقى على شكل تصريح عاد كل المعلومات الضرورية مع الإشارة إلى مصدرها في تقريره عدا إذا منعه القاضي من ذلك.

الفصل 66: إذا اعتبر القاضي أن الخبرة يجب أن لا تقع عن خبير واحد فإنه يعين ثلاثة أو أكثر حسب ظروف القضية. يقوم الخبراء بأعمالهم مجتمعين ويحررون تقريرا واحدا، فإذا كانت آراؤهم مختلفة بينوا رأي كل واحد والأسباب المساندة له مع توقيعه من طرف الجميع. لا يلزم القاضي بالأخذ برأي الخبير المعين ويبقى له الحق في تعيين أي خبير آخر من أجل استيضاح الجوانب التقنية في النزاع.

المطلب الرابع: الوضعية القانونية للخبير القضائي تجاه القانون

ما إن يعين خبير قضائي بمقتضى حكم لإجراء خبرة في نازلة معينة، إلا وتمنح له حقوق وتترتب عليه واجبات سواء تجاه المحكمة أو تجاه الأطراف أو تجاه القانون، مما قد يجعله موضوع متابعة تأديبية أو جنائية، ويمكن تلخيص هذه الوضعيات كالتالي:

حقوق الخبير بمناسبة انتدابه في قضية معينة

حرصا من المشرع على سلامة الخبير فقد نظم لفائدته عددا من المواد القانونية لحمايته جسديا واعتباريا وإعطائه إحساسا بالاطمئنان وهو يمارس مهامه، وهكذا نص في المادة 82-6 وما بعدها من قانون المسطرة الجنائية في باب حماية الشهود والخبراء، على أنه يحق للخبير إذا كانت هناك أسباب جدية من شأنها أن تعرض حياته أو سلامته الجسدية أو حياة أفراد أسرته لأي خطر أو ضرر مادي أن يطلب من وكيل الملك أو الوكيل العام للملك أو قاضي التحقيق تطبيق إجراءات الحماية المنصوص عليها في البنود 6—7-8 من المادة 82-7 من نفس القانون، وهي إجراءات حمائية متطورة تسمح بإخفاء هويته وتضمين هوية مستعارة وإخضاع هواتفه للمراقبة وتمكينه من رقم هاتف خاص و الحصول على حماية خاصة. كما أعطاه في إطار القانون المنظم لمهنة الخبراء حماية من كل طرف قام بعرقلة إجراءات الخبرة حيث نصت المادة 45 من قانون 00-45 على ما يلي: ” كل عرقلة لمهام الخبير من قبل أحد الأطراف أو الغير، حالت دون تنفيذ المهمة الموكولة إليه بمقتضى مقرر قضائي، يشعر بها وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية التي تنجز الخبرة في دائرة اختصاصها، ليتخذ في هذا الصدد الإجراءات الملائمة”.

واجبات الخبير بمناسبة انتدابه في قضية معينة

كما سهر المشرع على حماية الخبير أثناء مزاولته لمهامه، فقد رتب عليه واجبات كذلك حماية للأطراف ولتحقيق العدالة، ما دامت خبرته سيكون لها الأثر البالغ في تحديد مسار الدعوى وتغليب طرف على الآخر بالنظر لما سيخلص إليه تقرير هذا الخبير، وهكذا يمكن تحديد هذه الواجبات في اجتنابه ارتكاب أفعال مجرمة بمقتضى القانون أو تصرفات تعتبر مخالفة مهنية تقتضي عقوبات تأديبية وهي كالآتي:

1 – تقديم تقرير خبرة كاذب في الدعوى؛

2 – تأدية شهادة كاذبة حول تقرير إلخبرة؛

3 – إحداث تزوير في المستندات التي سلمت إليه؛

4 إتلاف أو تبديد مستند من المستندات التي استلمها؛

5 طلب رشوة من أحد الخصوم أو تسلمها؛

6 – إفشاء تقرير الخبرة لأحد الخصوم قبل إيداعه بالمحكمة؛

7 – عدم الحضور أمام المحكمة لمناقشة تقريره؛

8 – الامتناع عن إنجاز الخبرة؛

9 – عدم إيداع الخبرة داخل الأجل المحدد؛

10 – تسلم مبلغ الخبرة مباشرة من أحد الأطراف؛

11 – تفويض مهمة الإنجاز لخبير آخر؛

12 – عدم استدعاء الأطراف لحضور الخبرة؛

وعلى سبيل المثال بالنسبة لعدم استدعاء أحد الأطراف لحضور إجراءات الخبرة، ذهبت محكمة النقض في قرارها عدد 1053/3 بتاريخ 8/11/2018 بين المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر ووزارة التجهيز والنقل واللوجستيك، إلى القول بنقض القرار الذي فوت حق التقاضي على درجتين على الطالبة لما لم يتم استدعاؤها لحضور إجراءات الخبرة وتقديم دفوعاتها.

وبالإضافة إلى العقوبات الأشد التي يمكن أن يتعرض لها الخبير جراء ارتكابه جنايات أو جنح معاقب عليها بمقتضى القانون الجنائي أو قوانين خاصة، فإن أغلب ما يمكن أن يقترفه الخبير بسبب إنجازه لتقرير الخبرة، هو ما تم سرده من مخالفات زجرية تدخل في خانة الأفعال المنصوص عليها في القانون الجنائي، أو مخالفات تأديبية نص عليها القانون المنظم للخبراء. فبالنسبة للمخالفات الجنائية فأمر الإبلاغ عنها وإثباتها موكول للجميع، كما هو منصوص عليه في المواد 21 و40و49 من قانون المسطرة الجنائية التي تعطي الحق لضباط الشرطة القضائية ولوكيل الملك والوكيل العام للملك بتلقي الشكايات والوشايات وإجراء الأبحاث بشأنها، وحين نقول الشكايات فهذا يعني أن صاحبها معلوم، أما الوشايات فصاحبها مجهول أو معدوم يعني أنها مجرد إشاعة تحتمل الصدق والكذب، ومع ذلك يحق لهؤلاء البحث بشأنها. ويبقى للنيابة العامة أو الأطراف حق تحريك الدعوى العمومية بشأنها طبقا للمادة 36 من نفس القانون. فتتأتى بالتالي متابعة الخبير من أجل ذلك. أما المخالفات المهنية التي قد تترتب عنها عقوبات تأديبية فقد جاءت مفصلة في قانون 00-45 الذي تطرق لها في المواد 22 وما بعدها في الباب المتعلق بحقوق وواجبات الخبراء.

المبحث الثالث : مقترحات عامة

في إطار إستراتيجية الدولة الهادفة إلى التكوين والتكوين المستمر لموظفي الوزارات والمؤسسات العمومية، من أجل إدارة حديثة وعطاء متميز و نجاعة عمل ومواكبة مستدامة للتكنولوجيا الحديثة والتطور العلمي، والتي تأتي هذه الدورة التكوينية في إطار تنزيل هذه المضامين الهادفة. فإنه لابد أن نخرج منها بمقترحات تفيد في توضيح الرؤى وتعميم الفائدة وتصحيح مناهج العمل، وذلك من خلال تبادل الخبرات وتوسيع المعارف في إطار تقاطع إيجابي للأفكار ولاستراتيجيات العمل. ونحن اليوم إذ نلتقي في هذا المنحى إنما لنكمل بعضنا البعض ونطلع على الإشكالات العملية والواقعية التي تعترض كل واحد منا في مساره المهني، والتي قد تجد لها جوابا أو حلا عند الآخر، أو أنها متوقفة أصلا على عمل الطرف الثاني الذي قد يشتغل في منأى عما يتخبط فيه الأول من صعوبات، فالقضاة مثلا يشتغلون في نسق محدود الجوانب ما بين قانون واجب التطبيق ومطالب أطراف لا يمكن الحكم بأكثر منها وإجراءات شكلية تقف حجر عثرة في تحقيق العدالة، وما أحوجنا إلى انفتاح على المحيط الخارجي لكشف أغوار الميادين الأخرى وخبر معضلاتها، لنتعاون جميعا على إصلاح ما يجب إصلاحه، إما بتعديل قوانين أو توحيد اجتهاد أو ترسيخ ثقافة قانونية قادرة على منع ارتكاب الهفوات المستقبلية. ومن وجهة نظري ومن خلال تجربة بسيطة في قضاء النيابة العامة، أقدم بعض المقترحات البسيطة في قراءتها والهادفة في مراميها لأنها عصارة عمل يومي واطلاع عن قرب لما يعترض مندوبية المياه والغابات ومحاربة التصحر من إشكالات واقعية وقانونية تؤثر لا محالة على المردودية وعلى المجهودات المبذولة من طرف السادة أطر وموظفي هذه المؤسسة، والتي قد أجملها فيما يلي:

– وضع مخطط استراتيجي يهدف إلى التنمية المستدامة في المجال الغابوي، مع إشراك الساكنة المجاورة في هذا المخطط الشامل؛

– وضع قانون بيئي جامع لكل المواد ذات الاهتمام المشترك, وذلك على غرار باقي الدول التي تنبهت لخطورة الظاهرة وسارعت لمكافحتها؛

– إبرام الاتفاقيات الدولية اعتبارا أن الجرائم ضد الغابات أصبحت من الجرائم العابرة للحدود، كالتجارة غير المشروعة للأشجار؛

– انتقال الجهات الوصية على المجال الغابوي في جانبه الزجري، من دورها العلاجي المتمثل في إنزال العقاب وتحقيق الردع، إلى دور وقائي يهدف إلي التوعية والتحسيس، وانتقالها من زجر الجريمة إلى مكافحة الانحراف؛

– تحديد الملك الغابوي بالقياس والتحفيظ ورسم خارطة طبوغرافية واسترجاع المغتصب منه والمنتزع بطرق غير قانونية؛

– تفعيل الصفة الضبطية لأعوان مندوبية المياه والغابات، لجعلها ضابطة قضائية قائمة الذات، تتألف من شرطة تقنية وأخرى علمية ولها مذكرة لتلقي التصريحات وأماكن للوضع تحث الحراسة النظرية وإشراف فعلي للنيابة العامة؛

– زيادة الإمكانيات البشرية واللوجستيكية لتفعيل عمليات المراقبة والتدخل ووضع رقم هاتفي أخضر للتبليغ عن المخالفات؛

– تسوية مدد التقادم في مخالفات التشريع الغابوي مع مدد التقادم الجنائي العام: الجنايات 15 سنة، الجنح 4 سنوات، المخالفات 1سنة واحدة؛

– تكوين القضاة وضباط الشرطة القضائية وموظفي الإدارات المعنية في المجال البيئي للتصدي لكل أنواع الجريمة البيئية؛

– بسط يد النيابة العامة في تحريك المتابعات والبحث عن كل المخالفات؛

– الرفع من العقوبات الحبسية والغرامات وتوسيع دائرة التجريم لتشمل الأشخاص المعنويين؛

– تربية الناشئة على حب هذه الثروة الوطنية، وبرمجة أيام مدرسية للتشجير وخلق أوراش محلية للعناية بالغابات؛

– تشجيع الجمعيات المهتمة على القيام بدور الرقابة، وتنمية كل الأنشطة ذات النفع على هذا القطاع؛

– إحداث تقطيع جغرافي يتماشى مع جهات المملكة الاثنى عشرة؛

– جعل تقارير الخبرة توصيات في ترسيخ الوقاية من الجرائم، لا في تقدير التعويض عن أضرارها؛

– تعليق الفصول الزجرية بمداخل الغابات وجنبات الأودية والأنهار والكثبان الرملية وأبواب المحميات، للتوعية وإشاعة المعلومة ؛

– إنشاء دليل تقني للأراضي والمواقع التابعة للمندوبية، يحدد نوعها وقيمتها ومكوناتها الجيولوجية والبيولوجية ومؤثراتها البيئية؛

– فتح باب الغرامات التصالحية مع المخالفين أثناء ضبطهم؛

– منع الدعاوى ما بين مؤسسات الدولة, وتعويضها بالمصالحة الودية أو التحكيم ؛

– إحداث شرطة تقنية وعلمية أسوة بباقي الضابطات القضائية, وذلك للبحث والتحري في جرائم الغابات؛

– خلق مهن وحرف لسكان المجال الغابوي, والذين يشكلون خمس سكان المغرب, لإشراكهم في الحفاظ على المجال البيئي عوض استنزافه.

والسلام عليكم ورحمة الله

عبد العالي المصباحي

مشاركة