صوت العدالة – عبد القادر السباعي
في ارقى الشوارع كل البيوت اطفأت أنوارها ..فكر معظمهم طويلا كيف سيقضي بقية الليلة البائسة من دون طعام، دقائق الإنتظار تحولت الى ساعات فأيام فأسابيع .. الجو بارد سقيم، خطواتهم تتزاحم على شارع محمد السادس بالمدينة الحمراء مع كوابيس الليل، لتغطي جوانح الظلام بعثمته، فحاضرهم للاسف لم يكن كما تمنوه في زمن موحش، لكن نظرتهم لما سيأتي من الأيام يكسوها طابع التحدي والعزيمة والاصرار.. مستخدموا وعمال رياض موكادور المطرودين من العمل.. يدقون ناقوس الخطر.
كل الاجراء والعمال مقيدون تحت فوانيس الرصيف.. يواسي بعضهم بعضا، بعدما صارت حقوقهم المادية وآمالهم في مهب الريح.. فهي الان أشلاء تطاير معظمها مع وعود كاذبة زائفة.. خاصة بعد توالي اللقاءات في مجالس مغلقة تارة وعلنية تارة اخرى، دون الخروج بحل يبشر بأن الغد افضل. لقاءات كان اخرها مع السيد والي مراكش قبل ايام ليقدم وعودا بالاسراع في حل المشكل والحد من معاناتهم .. تعدد الاطراف واللجان في الملف يؤكد حقيقة لا يختلف عليها اثنان .. أن من القتهم الادارة ظلما واجحافا على رصيف الحياة بلا سند قانوني، هم من ساهموا في يوم من الايام في تحقيق ارادات للمجموعة الفندقية رياض موكادور، فأكدوا بالجهد والعمل المظني انتماءهم لهذا الفضاء مستخدمين واطرا هلى السواء.. ليجدوا اليوم انفسهم على قارعة الطريق.. متسائلين ومعهم الرأي العام، ما الذي يحدث في هذا الوطن ؟!!
على قارعة الطريق رصيف مكتض.. لم يكن بالمارة، ولا عابري سبيل.. بل كانوا ممن رمتهم الاقدار خارج الدار. في تحدي صارخ لكل قوانين مدونة الشغل، واعلان اغتصاب شرعي لحقوق شغيلة grand mogador menara من طرف ادارة الفندق باسم السلطة والنفود. فأي الشرائع الوضعية تجيز هذا الاجحاف والظلم الذي لحق هذه الطبقة المسحوقة من ابناء هذا الوطن. علما انهم ان محاولاتهم لطرق ابواب الحوار وفتح افق لايجاد مخرج لهذه المعظلة غالبا مايقابل بالرفض الضمني من قبل ممثلي الادارة، او بنثر وعود جاهزة بين الفينة والاخرى لاحتواء وضع لم يعد يحتمل التأخير.. لتتعالى الصيحات.. هذا الوضع الى اين؟!
جريدة صوت العدالة رصدت معاناة هذه الشريحة لاسابيع..اذ اكد لنا عضو المكتب النقابي في تواصل مباشر، ان القضية بلغت اوجها معللا ذلك بتضامن هيئات نقابية مع الملف، حيث أشار مستعينا بمحاضر ووثائق توصلت الجريدة بنسخ منها، ان توالي اللقاءات مع إدارة المجموعة الفندقية كان لغرض امتصاص غضب الطبقة العاملة التي طالها الطرد التعسفي، ومحاولة إطالة أمد الاشكال القائم لزرع اليأس في صفوف المعتصمين امام الوحدة الفندقية لاشهر طوال، شملت الاعياد والمناسبات.. مما يجعل معظمهم يعاني من اكراهات اجتماعية حادة مقرونة بالتزامات مادية -عيد الاضحى -الدخول المدرسي- مصاريف الحياة اليومية.. كل هذه الاعتبارات لم تكن في نظر الاطراف المعنية كافية لايجاد تسوية للمشكل القائم، مع العلم ان المكتب النقابي قد ابدى استعداده المطلق وبشكل مستمر للتعاون مع الادارة للخروج بحل مرضي يراعي ما تمر به الفئات المتضررة.. وهذا ما لم يحدث. مما يفتح الملف على واجهة تنذر بانفجار محتمل.
ادارة فوق القانون.. في تساؤل وجهته الجريدة للمعتصمين حول الاشكال القائم، والسبب الحقيقي من وراء تأزم الملف، أشار معظمهم ان القضية تجاوزت الحيف والظلم الحاصل، الى ماهو اعمق في اشارة الى استعمال النفود والشطط لطي صفحات الملف دون حلول تذكر. حيث اكد عضو المكتب النقابي ان الادارة باتت عاجزة تماما وان الذي يقف خلف الملف الى حدود الساعة هو رجل الاعمال المعروف فوزي الشعبي ،صاحب المجموعة الفندقية رياض موكادور والبرلماني بحزب البام، الذي دخل المعترك السياسي رافعا مطلب الانصاف والعدالة الاجتماعية لكنه تناسى في الاخير ان العدالة اجرأة ملموسة على ارض الواقع وليست شعارا للظروف الطارئة، اذ اكد لنا عضو المكتب النقابي على حد قوله أن جل المقترحات التي كانت تتقدم بها لجنة الحوار التابعة للمكتب النقابي غالبا ما يتم رفضها اجمالا وتفصيلا بدعوى أن الادارة المركزية غير راضية عن طبيعة الحل المقترح من جهة.. كما انها غالبا ما تصرح بكونها غير معنية لا من قريب ،ولا من بعيد بمصير هذه الفئة.. متنكرة لها ومعلنة بصراحة انها فوق القانون.
عن اي عدالة اجتماعية يتحدثون .. في هذا الصدد، وخلال حديث لنا مع احد المعتصمين أمام الوحدة الفندقية، صوح لنا بحجم المعاناة التي يتكبدها كل يوم، اذ صار يعيش حياة التشرد بعدما كان في مأمن.. “مالقيت مناكل” هكذا تحدث بنبرة ملؤها الحزن والاسى.. فشريط حياته كما يقول مر سريعا ليكتشف انه في الوطن بلا وطن، كيف لا وهو الذي تجاوز الخمسين سنة، يدرك معنى الحق والواجب، ” دعيتهوم لله احقنا مغاديش إضيع” هكذا كانت كلماته وكله أمل في أن تجد مسطرة العدالة طريقها لإنصافهم. خاصة وانه وكباقي العمال المطرودين وجدوا انفسهم على الرصيف .. احتضنهم المنفى، ليصير لهم الشارع على طول اسابيع ملاذا ومأوى. فكيف يعقل ان تضيع حقوق بهذا الشكل ليفترش العامل بعد طول عناء البرد و قساوته، كيف له ان يحب الجوع كرها في زمن كان من المفروض ان يعيش حياة الكرامة الانسانية في ليالي ديسمبر القاسية.. كل هذا و هو لازال واقفا، شامخا، كتمثال نصب في وجه ادارة ظالمة غاشمة على حد قولهم.
معاناة هذه الفئة من الاطر و العمال والمستخدمين، سيظل اشكالا يؤرق مضجع الادارة الوصية على الملف، وسيفتح بابا لتصعيد القضية ورفعها الى اعلى مستوى، خاصة وان المكتب النقابي قد خطى غير ما مرة خطوات جريئة في سعيه لايجاد حل مرض، لكنه واجه اكراه التعنث والوعود الفضفاضة الزائفة، والتي لم ترى النور الى حد الساعة، لتعلن جموع المعتصمين امام الوحدة الفندقية تمسكها بحقوقها ورفضها المطلق تخليها عن حق مشروع بقوة القانون تحقيقا للعدالة الاجتماعية..