مدونة الأسرة الجديدة: إصلاح أم إعادة إنتاج للقيود؟

نشر في: آخر تحديث:


صوت العدالة- معاذ فاروق

مدونة الأسرة، ذلك النص القانوني الذي حمل على عاتقه منذ عام 2004 تنظيم أركان الحياة الأسرية في المغرب، أصبح اليوم في قلب زوبعة نقاش لا تهدأ. كيف يمكن لوثيقة أُنجزت قبل عقدين أن تبقى قادرة على مواكبة مجتمع يُعيد تشكيل نفسه مع كل منعطف؟ الحديث عن تعديل المدونة ليس مجرد استجابة لتوجيه ملكي أو إرضاء لجمعيات حقوقية، بل هو محاولة لاستيعاب تغيرات عميقة تجتاح الأسرة المغربية، حيث تتقاطع القيم التقليدية مع متطلبات العصر الحديث. هذه التعديلات، التي بلغت 139 مقترحاً، ليست مجرد أرقام، بل تمثل خطوطاً عريضة لتغييرات قد تُعيد رسم العلاقة بين الأزواج، بين الآباء وأبنائهم، وبين الفرد والمجتمع.من بين أبرز هذه المقترحات، يظهر موضوع تعدد الزوجات في الواجهة، حيث بات مشروطاً بموافقة الزوجة الأولى، أو قاصراً على حالات استثنائية تتطلب إذناً قضائياً صارماً. هل يمكن لهذا الشرط أن يوقف نزيف النزاعات الأسرية؟ أم أنه مجرد قيد إضافي يراوغ جوهر القضية؟ وفي سياق آخر، تُطرح الحضانة كمفهوم مشترك جديد، حيث يُمنح للأم المطلقة الحق في حضانة أطفالها حتى بعد زواجها مجدداً، في خطوة تُعيد الاعتبار لدور المرأة، لكن دون إغفال مصلحة الطفل التي تبقى حجر الزاوية في أي قرار.أما الطلاق، ذلك الشبح الذي يخيم على العلاقات الزوجية المتعثرة، فقد وُضع تحت مجهر الإصلاح، ليُختصر الزمن اللازم للبت في قضاياه إلى ستة أشهر كحد أقصى. وكأن النصوص الجديدة تريد أن تمنح الأطراف فرصة للإغلاق السريع للجراح، لكن هل يكفي تقليص المدة لإنهاء التعقيدات العاطفية والاجتماعية التي ترافق الانفصال؟ ومن بين التعديلات التي أثارت اهتماماً خاصاً، يُسمح للمغاربة المقيمين بالخارج بعقد زواج دون الحاجة إلى وجود شاهدين مسلمين، في خطوة تُراعي صعوبة الظروف، لكنها قد تُثير تساؤلات حول تقاطع القيم الدينية مع التغيرات القانونية.ولا يمكن الحديث عن مدونة الأسرة دون التطرق إلى الإرث، ذلك الملف الذي طالما قسم الآراء بين من يدعو إلى المساواة المطلقة ومن يطالب بالالتزام بالنصوص الشرعية. التعديلات الجديدة تفتح المجال للوصايا والهبات بين الزوجين، لكنها تبقي على جدلية توزيع الإرث وفق القواعد التقليدية، مما يجعل السؤال عن الإنصاف قائماً.في قلب هذه النقاشات، يتردد صدى موضوع زواج القاصرين، حيث تم رفع السن القانونية للزواج إلى 18 عاماً، مع استثناءات ضيقة تسمح بالزواج في سن 17 وفق شروط صارمة. هل هذا الإجراء كافٍ للحد من ظاهرة الزواج المبكر؟ أم أنه مجرد محاولة لتجميل واقع أكثر تعقيداً؟بين هذه السطور، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح هذه التعديلات في ملامسة جوهر القضايا التي تؤرق الأسرة المغربية؟ أم أنها مجرد محاولات لإعادة صياغة نصوص قد لا تجد طريقها إلى التطبيق العملي؟ النقاش لا يزال مفتوحاً، والأمل معقود على أن تكون هذه التعديلات أكثر من مجرد استجابة للحظة، بل بداية لكتابة تاريخ جديد للأسرة في المغرب، حيث تلتقي العدالة مع الحكمة، والتوازن مع التغيير.

اقرأ أيضاً: