بقلم عزيز بنحريميدة
في صمت الرجال الكبار، وبعيدا عن أضواء التباهي أو صخب المناصب، ينسج الأستاذ محمد بيضوري، نائب رئيسة المحكمة الاجتماعية بالدار البيضاء، مسيرةً مهنية تنضح بالمروءة القضائية، ونُبل الأداء، وتواضع العارفين بثقل الأمانة التي يحملونها فوق عاتقهم، لا حبًا في السلطة، بل إيمانًا بأن القضاء رسالةُ إنصاف لا وظيفةُ إملاء.
هو ابن أولاد احريز، سليل أرض الكرم والبسالة، الذي حطّ رحاله في قلب أكبر محاكم المغرب، ليغدو وجهًا مألوفًا لكل من يبحث عن العدالة الهادئة، وعن التوجيه النزيه، وعن مستودع المشورة القانونية حين تضيق السبل أو تتشعب المساطر. لا يتحدث كثيرًا عن نفسه، لكن أروقة المحكمة تشهد، والزملاء يشهدون، ومرتادو المحكمة يشهدون بأننا أمام رجل من معدن خاص، لا تكسره الملفات المتراكمة، ولا تُتعبه الأسئلة المتكررة، ولا تغلق أبوابه حتى عندما تغلق الأبواب الرسمية.
ليس غريبًا إذن أن تجد مكتبه مقصدًا يوميًا لطالبي المشورة من القضاة الجدد، والموظفين، والمساعدين القضائيين، بل وحتى من المواطنين ممن تاهوا وسط تضاريس المساطر القانونية، فهو يستقبلهم بصدر رحب، وبأذن مصغية، لا يغلق الباب، ولا يتعالى، ولا يردّ سائلًا دون أن يترك له بصمة من توجيه، أو لمسة من تبصير.
فالقضاء ليس سلطة فوقية، بل مسؤولية إنسانية ومجتمعية، تقتضي أن يُنصَت للناس كما يُنصَفوا، وأن يُشرَح لهم كما يُحكَم عليهم. هذا الانسجام الإنساني والمهني بين قطبي جناح الرئاسة بالمحكمة الاجتماعية، هو ما يجعل هذا المرفق القضائي نموذجًا في حسن التواصل، وسلاسة التدبير، ومركزًا حيًّا لحضور العدالة في بعدها الإنساني والعملي.
المثير في شخصية الأستاذ محمد بيضوري، هو ذلك المزيج المتوازن بين الوقار القضائي والتواضع الإنساني. فلا هو متعالٍ بمنصبه، ولا هو غافل عن هيبة القضاء. هو يعرف أين يضع الكلمة، ومتى يُمارس الصمت، وكيف يُنصف من دون ضجيج. سلوكه المهني يُدرّس، وبابه المفتوح يروي حكاية قاضٍ لم يُصبه الغرور، ولم تلوثه البيروقراطية.
إنّ الحديث عن الأستاذ بيضوري، ليس إشادة بشخصه فقط، بل هو استحضار لنموذج من رجالات العدالة المغربية الذين يفهمون القضاء باعتباره قيمةً سامية، وواجبًا مجتمعيًا، ورسالةً خالدة لا تقف عند عتبة المكاتب أو سطور الأحكام.
هو مثال القاضي الذي لا يُرهبه عدد الملفات، بل يُوقظه الإحساس بالواجب. هو الذي يفهم أن العدالة لا تسكن فقط الأحكام، بل تكمن كذلك في لحظة إنصات، أو استشارة صادقة، أو توجيه يُجنّب مواطنًا طريق التيه والانتظار.
في زمنٍ تُقاس فيه المسؤوليات بالألقاب، اختار الأستاذ محمد بيضوري أن يُقاس بعطاءاته، وأن يُخلّد اسمه في ذاكرة قاعات المحكمة لا في أعمدة الجرائد.
فطوبى للعدالة التي تحتضن أمثاله، وطوبى لبلاد تنجب قضاةً بأخلاق محمد بيضوري.