اعتبر محمد بنعبدالقادر الباحث في سوسيولوجيا التواصل ووزير العدل السابق أن تقديم قراء تحليلية في الرسالة الملكية الى السيد رئيس الحكومة بشأن اعادة النظر في مدونة الاسرة، هي مهمة ولئن كانت شيقة فانها ليست بالهينة، خصوصا وان الرسالة تتمتع بوضع اعتباري خاص والمرسل يتبوأ مكانة مركزية في النسق السياسي المغربي بصفته رئيس الدولة وأمير المؤمنين، وأضاف المتحدث في مستهل الدرس الافتتاحي الذي قدمه مساء أمس بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية لجامعة عبد المالك السعدي بطنجة أن قراءته المتأنية لرسالة جلالة الملك حول مراجعة المدونة أثارت لديه خمس ملاحظات أساسية تخص سياق هذه المراجعة وآليتها كما تخص مرجعيتها ونطاقها ثم رهانها.
بالنسبة للسياق اوضح محمد بنعبدالقادر ان خصوصية السياق الزمني الذي يؤطر انتاج وتلقي هذه الرسالة الملكية هو الذي يمنحها قوة دلالتها التاريخية والمؤسساتية، بصفتها مندرجة ضمن سيرورة الخيارات الاستراتيجية للدولة، المؤطرة بعناية الملك وتوجيهاته. حيث نجد جلالة الملك منذ اعتلائه عرش المملكة وهو يتخذ قرارات ومبادرات ذات دلالة قوية للنهوض بأوضاع المرأة وانصافها، وفي مقدمتها اعتماد مدونة جديدة للأسرة سنة 2004. غير أن هذا السياق الزمني الحاضر بقوة في الرسالة الملكية ليس سياقا سكونيا جامدا، وانما هو سياق حركي متحول حيث نقرأ في الرسالة الملكية عدة اشارات واضحة في العلاقة القائمة بين الحاجة الى مراجعة مدونة الاسرة وعامل التغيير الاجتماعي، وذلك يقول المتحدث من خلال منطوقات ملكية تعبر عن مفعول التحول وضرورة التلاؤم، مثل : “وبعد، فقد مر على صدور مدونة الأسرة ما يقارب عقدين من الزمن” بما يعنيه هنا مرور ما يكفي من الزمن ليجعلنا على مسافة تاريخية تتيح لنا اقرار تقادم المدونة وتقرير مراجعتها، هذه المدونة نفسها التي جاءت، يقول جلالة الملك قي الرسالة “مراعاة للتطور الذي عرفه المجتمع المغربي” مذكرا بما ما أفرزته من “دينامية تغيير إيجابي” وما أتاحته “من تقدم اجتماعي كبير” قبل أن يؤكد جلالته على ضرورة “مواءمة مقتضياتها مع تطور المجتمع المغربي ومتطلبات التنمية المستدامة، وتأمين انسجامها مع التقدم الحاصل في تشريعنا الوطني”. ثم يدعو الى “إصلاح الاختلالات التي أظهرها تطبيقها القضائي على مدى حوالي عشرين سنة، والى تعديل المقتضيات التي أصبحت متجاوزة بفعل تطور المجتمع المغربي والقوانين الوطنية” هكذا تضعنا الرسالة الملكية في صلب سياق تاريخي تخترقه تحولات كبرى عناوينها الأساسية هي كما في المنطوق الملكي: مرور ما يقارب عقدين من الزمن، التقدم الاجتماعي، التقدم الحاصل في تشريعنا الوطني، التطور الذي عرفه المجتمع المغربي وقوانينه الوطنية ، المقتضيات التي أصبحت متجاوزة و المستجدات الحقوقية المتفق عليها.
أما بالنسبة لآلية مراجعة المدونة فقد ذكر المتحدث بآلية اللجنة الاستشارية التي اعتمدت سابقا لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية، بينما في السياق الحالي لم يتم اعتماد نفس الآلية الاستشارية ، ذلك أن جلالة الملك أوضح في رسالته الى رئيس الحكومة أنه “طبقا لأحكام الفصل 78 من الدستور، فإن الحكومة، مخولة لاتخاذ المبادرة التشريعية، في هذا الشأن” كما اسند جلالته قيادة عملية التعديل بشكل جماعي ومشترك ، لكل من وزارة العدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة. في إشارة دالة و قوية الى أهمية التعاون بين السلطتين التنفيذية التشريعية، و اعتبر المحاضر ان القراءة المعمقة لهذا الخيار الملكي تبقى مفتوحة على كل الدلالات التاريخية التي يوحي بها هذا التحول من آلية اللجنة الاستشارية الوظيفية الى آلية المبادرة التشريعية الحكومية التشاورية والمنفتحة، وهو ما يوحي هنا بكثير من المعاني القوية على مستوى الاستقرار المؤسساتي والتفعيل الدستوري والتماسك الاجتماعي، والثقة المتنامية بين مختلف الفاعلين.
بخصوص المرجعية المبدئية المؤطرة لعملية المراجعة يتابع المتحدث، فان جلالة الملك أمير المؤمنين هو الذي يحددها في رسالته من خلال توجيهاته السامية الواضحة التي دون ان تدخل في تفاصيل المواد والمقتضيات التي يتعين مراجعتها تطرح في نص الرسالة المحددات القيمية والمبدئية لهذه المراجعة وذلك من خلال عدة منطوقات بليغة ومفردات دقيقة تحيل الى سلطة التأطير والتوجيه وهندسة السياسة العامة للدولة في نطاق الاختصاصات السيادية التي يباشرها الملك وف الفصل 42 من دستور المملكة خصوصا منها التي تجعله ” يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة”
هكذا يتجدد في عملية مراجعة المدونة الحضور القوي لامارة المؤمنين سواء من حيث منهجية المراجعة او من حيث مرجعيتها التي حددتها الرسالة الملكية في مبادئ “العدل والمساواة والتضامن والانسجام، النابعة من ديننا الإسلامي الحنيف، وكذا القيم الكونية المنبثقة من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب”
وبخصوص نطاق المراجعة يضيف محمد بنعبدالقادر فقد كانت الرسالة الملكية حريصة على ضبطها في ثلاث مستويات تخص:
− تجاوز بعض العيوب والاختلالات، التي ظهرت عند تطبيقها القضائي،
− مواءمة مقتضياتها مع تطور المجتمع المغربي ومتطلبات التنمية المستدامة،
− وتأمين انسجامها مع التقدم الحاصل في تشريعنا الوطني.
هكذا يتعين فهم التوجيه الملكي للحكومة من أجل حصر نطاق التعديل الذي ستشتغل عليه ، في تجاوز العيوب والملاءمة المجتمعية والانسجام التشريعي، وحتى لا تخرج عملية التعديل عن هذا النطاق ، فان جلالة الملك يعود في فقرة موالية من رسالته لكي يلح مرة ثانية على ان المقصود بالاختلالات في منطوقه ، يقتصر على الاختلالات التي أظهرها تطبيق المدونة القضائي على مستوى محاكم المملكة على مدى حوالي عشرين سنة، وليس سواها، من هنا اسناد قيادة عملية التعديل الى مكونات المنظومة القضائية ، اذن هناك ثلاث معايير أساسية تطرحها الرسالة الملكية لضبط نطاق إصلاح مدونة الاسرة هي معيار الممارسة القضائية ومعيار المنظومة القانونية الوطنية المتجددة ومعيار المجتمع المغربي المتطور .
أما فيما يتعلق بالرهان الاساسي الذي تطرحه الرسالة الملكية، فقد تساءل وزير العدل السابق على ماذا يراهن ملك البلاد عندما يحرك مبادرة اصلاح مدونة الاسرة؟ لكي يجيب بان جلالة الملك في رسالته الى رئيس الحكومة يحرص على تذكيرنا بأن المدونة التي مر على صدورها ما يقارب عقدين من الزمن، حققت “مكاسب على مستوى النهوض بحقوق المرأة، وصون حقوق الأطفال، والحفاظ على كرامة الإنسان، ودعم دولة الحق والقانون، وبناء المجتمع الديمقراطي” ، وهو ما يعني أن النهوض بحقوق المرأة وحماية حقوق الأطفال اذا كان هو الغاية الأساسية من اعداد هذه المدونة، فان الرهان المنشود من تحقيق هذه الغاية ليس هو الانتصار للمرأة ضد الرجل أو تغليب اتجاه على حساب الاخر، وانما هو دعم دولة الحق والقانون وبناء المجتمع الديمقرطي، وهذا الرهان لم يعلن عنه جلالة الملك لأول مرة من خلال رسالته الى رئيس الحكومة، وانما لازم كل خطبه المتعلقة بشأن الاسرة والمرأة بالمغرب، حيث سبق ان أكد جلالته في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة الثانية من الولاية التشريعية السابعة في 10 أكتوبر 2003
« أما بالنسبة للأسرة والنهوض بأوضاع المرأة فانني قد أبرزت إشكالها الجوهري غداة تحملي الأمانة العظمى لإمارة المؤمنين متسائلا في خطاب عشرين غشت لسنة 1999.. كيف يمكن الرقي بالمجتمع والنساء اللواتي يشكلن نصفه تهدر حقوقهن ويتعرضن للحيف والعنف والتهميش في غير مراعاة لما خولهن ديننا الحنيف من تكريم وانصاف ؟” فالرهان الملكي يبدو هنا منذ البداية واضحا وهو الرقي بالمجتمع، بما يعني ان رد الاعتبار للنساء المغربيات هو رهان مجتمعي استراتيجي.
وفي خطابه لدى استقبال جلالته لرئيسي البرلمان وتسليمهما لجلالته قانون مدونة الاسرة بتاريخ 3/2/2004 اعتبر جلالة الملك قانون مدونة الأسرة « لبنة جوهرية في بناء مجتمعنا الديمقراطي الحداثي، ومرة أخرى يربط جلالته بين مدونة الاسرة وبين رهان المجتمع الديمقراطي الحداثي »
وفي خطاب العرش لسنة 2022 أكد جلالته على أن « بناء مغرب التقدم والكرامة، الذي نريده، لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة، رجالا ونساء، في عملية التنمية” وأضاف أن “تقدم المغرب يبقى رهينا بمكانة المرأة، وبمشاركتها الفاعلة، في مختلف مجالات التنمية”
اذن فالرهان الاستراتيجي وراء اصلاح مدونة الاسرة بما يضمن تماسكها ويعزز حقوق النساء ويوفر الحماية اللازمة للأطفال، هو رهان يخص المغاربة اجمعين نساء ورجالا، يخص تفعيل مسارات التنمية ببلادنا ، يخص تقدم المغرب ورقيه، وهذا يعني يقول محمد بنعبدالقادر، أن اصلاح المدونة بما يضمن كرامة المرأة وحقوق الأطفال هو اصلاح يحمل رهانا استراتيجيا لصالح جميع المغاربة ، هو رهان المصلحة العامة للمجتمع ان لم نقل انه رهان المصلحة العليا للوطن.
عشرين غشت لسنة 1999.. كيف يمكن الرقي بالمجتمع والنساء اللواتي يشكلن نصفه تهدر حقوقهن ويتعرضن للحيف والعنف والتهميش في غير مراعاة لما خولهن ديننا الحنيف من تكريم وانصاف ؟” فالرهان الملكي يبدو هنا منذ البداية واضحا وهو الرقي بالمجتمع، بما يعني ان رد الاعتبار للنساء المغربيات هو رهان مجتمعي استراتيجي.
وفي خطابه لدى استقبال جلالته لرئيسي البرلمان وتسليمهما لجلالته قانون مدونة الاسرة بتاريخ 3/2/2004 اعتبر جلالة الملك قانون مدونة الأسرة « لبنة جوهرية في بناء مجتمعنا الديمقراطي الحداثي، ومرة أخرى يربط جلالته بين مدونة الاسرة وبين رهان المجتمع الديمقراطي الحداثي »
وفي خطاب العرش لسنة 2022 أكد جلالته على أن « بناء مغرب التقدم والكرامة، الذي نريده، لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة، رجالا ونساء، في عملية التنمية” وأضاف أن “تقدم المغرب يبقى رهينا بمكانة المرأة، وبمشاركتها الفاعلة، في مختلف مجالات التنمية”
اذن فالرهان الاستراتيجي وراء اصلاح مدونة الاسرة بما يضمن تماسكها ويعزز حقوق النساء ويوفر الحماية اللازمة للأطفال، هو رهان يخص المغاربة اجمعين نساء ورجالا، يخص تفعيل مسارات التنمية ببلادنا ، يخص تقدم المغرب ورقيه، وهذا يعني يقول محمد بنعبدالقادر، أن اصلاح المدونة بما يضمن كرامة المرأة وحقوق الأطفال هو اصلاح يحمل رهانا استراتيجيا لصالح جميع المغاربة ، هو رهان المصلحة العامة للمجتمع ان لم نقل انه رهان المصلحة العليا للوطن