الرئيسية غير مصنف محمد الإدريسي العلمي المشيشي.. قامة قانونية متواضعة وإنسانية

محمد الإدريسي العلمي المشيشي.. قامة قانونية متواضعة وإنسانية

IMG 4052
كتبه كتب في 1 سبتمبر، 2025 - 5:55 مساءً

بقلم عزيز بنحريميدة

يُعتبر الأستاذ محمد الإدريسي العلمي المشيشي (مواليد 1947) واحداً من أعلام الفقه القانوني المغربي، وأحد أبرز الوجوه التي بصمت الساحة الأكاديمية والسياسية والإدارية بالمغرب. فهو أستاذ جامعي متمكن، وسياسي حكيم، ورجل فكر متواضع أجمع كل من عرفه أو تتلمذ على يديه على نبل أخلاقه وسمو قيمه الإنسانية.

منذ أن حصل على دكتوراه الدولة في الحقوق من جامعة باريس – بانتيون سوربون سنة 1971، شق المشيشي مساراً علمياً زاخراً بالعطاء. فقد بدأ التدريس منذ سنة 1969، ليُكوّن أجيالاً من الطلبة في تخصصات متعددة: القانون الجنائي، المسطرة الجنائية، القانون التجاري، قانون الإعلام، والفقه الإسلامي. امتد عطاؤه إلى كليات ومعاهد داخل المغرب وخارجه، في إفريقيا، والعالم العربي، وأوروبا، حيث حمل معه دائماً رسالة القانون في خدمة العدالة والإنسان.

ساهم بشكل كبير في بناء مؤسسات جامعية وقانونية رائدة، إذ شارك في تأسيس شعبة قانون الأعمال بالمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات، وشعبة القانون الخاص بكلية الحقوق بالرباط، كما ساهم في تأسيس فرع شبكة الجامعات الناطقة بالفرنسية المتخصص في حقوق الإنسان. وقد ترأس هذه الشعب، وهو اليوم يرأس مركز دراسات الدكتوراه بكلية الحقوق – أكدال، مواصلاً دوره في تكوين الباحثين وتأطيرهم بروح المسؤولية والجدية.

مساره لم يتوقف عند التدريس، بل شغل مناصب سامية من أبرزها: وزير العدل، مستشار مساعد وزير الدولة في الإعلام، مدير المعهد العالي للصحافة، وعضو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. كما عمل خبيراً ومستشاراً مع منظمات دولية كبرى مثل البنك الدولي، اليونسكو، والألكسو، وهو حالياً يرأس الهيئة المستقلة لأخلاقيات الصحافة.

وكان له حضور بارز في تطوير الترسانة القانونية المغربية، حيث ترأس أو شارك في إعداد مدونة القانون التجاري (1989)، مدونة التأمين (2000)، قانون الاتصال السمعي البصري (2002)، والظهير المحدث للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (2002)، إلى جانب قوانين أخرى ارتبطت بالإعلام والتواصل.

رصيده العلمي غني ومتعدد اللغات، فقد أصدر بالفرنسية كتباً مرجعية في القانون التجاري والجنائي والمسطرة الجنائية وحقوق المنافسة، وبالعربية أصدر مؤلفات قيمة مثل: مؤسسات القضاء الجنائي، القانون المبني للمجهول، فلسفة الإعلام. كما شارك بدراسات في كتب جماعية ومجلات متخصصة مغربية وأجنبية.

تقديراً لعطائه الكبير، حصل على وسام العرش من درجة قائد، إلى جانب شهادات تقدير من شخصيات ومؤسسات وطنية ودولية. لكن ما يميز مساره أكثر من المناصب والإنجازات هو إجماع كل من عرفه على دماثة أخلاقه، تواضعه الجم، وإنسانيته العالية. فقد ظل أستاذاً قريباً من طلابه، وزميلاً نبيلاً في تعامله، ورجلاً مؤمناً بأن المسؤولية تكليف وليست تشريفاً.

إن الحديث عن محمد الإدريسي العلمي المشيشي هو شهادة تقدير في حق رجل اجتمع حوله الجميع على الثناء، لأنه جمع بين عمق العالم القانوني، ورزانة رجل الدولة، وسمو الإنسان النبيل، فكان بحق أحد الوجوه التي يحق للمغرب أن يعتز بها.

مشاركة