الرئيسية آراء وأقلام مجرد رأي: هل أصبح الاختلاف جريمة داخل الدول؟

مجرد رأي: هل أصبح الاختلاف جريمة داخل الدول؟

IMG 20250620 175112
كتبه كتب في 20 يونيو، 2025 - 5:51 مساءً

بقلم:عبد السلام اسريفي

في زمن يُفترض فيه أن تكون حرية التعبير عنوانًا للتقدم، ما يزال البعض ينظر إلى الرأي المخالف وكأنه جريمة تستوجب العقاب، أو خيانة تستدعي العزل والتشهير. لمجرد أن شخصًا ما خالف المألوف أو تساءل عن جدوى سياسة معينة داخل دولة ما ، يجد نفسه في مرمى الاتهامات، وتُجند ضده أقلام وأجهزة، لا لشيء سوى لأنه فكّر بصوت عال.

هذا الواقع المؤسف يكشف خللاً عميقًا في فهمنا لمعنى الديمقراطية في شكلها الحالي، التي ليست مجرد ديكور دستوري أو واجهة انتخابية، بل ممارسة تقوم على الاعتراف بالتعددية واحترام الرأي الآخر، مهما بدا مزعجًا أو مغايرًا للتوجه العام. فالمجتمعات التي تتنفس الاختلاف هي وحدها القادرة على التطور، لأن الحوار فيها يولّد الأفكار، والنقد يُنتج البدائل، والصراع الفكري يُثمر حلولًا.

لا يمكن لأي مركب أن يُبحر بمجداف واحد، كما لا يمكن لأي دولة أن تبني مستقبلها على صوت واحد، مهما علا. نحن بحاجة إلى تنوع حقيقي، إلى حركية فكرية تسائل الواقع، تنتقد السياسات، وتطرح البدائل، لا من باب العداء، بل من منطلق الانخراط الإيجابي والمسؤول في الشأن العام.

الغرب لم يصنع حضارته من العدم، بل من تراكم الاختلاف، ومن جدلية التفاعل بين مدارس فكرية واتجاهات سياسية واجتماعية متباينة. لم يكن التقدّم نتيجة خضوع، بل ثمرة حوار وصراع وتشارك في القرار، تحت سقف القانون.

لذلك، إذا أردنا أن نؤسس لمستقبل مشترك، فعلينا أن نُصغي أكثر، ونثق أكثر، ونمنح الناس الحق في التعبير عن مخاوفهم وتطلعاتهم، بلا خوف من الوصم أو التهم الجاهزة. لا تطلبوا من الناس أن ينسوا الماضي، بل اعملوا على بناء حاضرٍ يُقنعهم بأن القادم يستحق الأمل والمشاركة.

فلا نهضة بدون اختلاف، ولا حرية بدون تعددية، ولا مستقبل بدون صوت الناس.

مشاركة