الرئيسية غير مصنف في مواجهة المكر.. حين يُمتحن الإنسان في أعز ما يملك

في مواجهة المكر.. حين يُمتحن الإنسان في أعز ما يملك

IMG 5597
كتبه كتب في 27 أبريل، 2025 - 3:18 صباحًا

بقلم عزيز بنحريميدة

“ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.”

في دروب الحياة ومسارات النجاح، يظهر في كل مرحلة أولئك الذين لا يسعون إلى البناء، بل يتقنون معاول الهدم. أعداء النجاح، الذين تدفعهم مشاعر الغل والحقد إلى استنفاد كل طاقاتهم، ليس من أجل أن يحققوا لأنفسهم رفعة، بل ليوقعوا غيرهم في شراك السقوط.

لقد وجدت نفسي وسط دوامة مكرهم الأسود، حيث اجتمعوا وعقدوا العزم، لأسابيع بل لأشهر، على استغلال كل عيب أو خطأ بشري في مسيرتي. لم أكن معصوماً، فأنا بشر أخطئ وأصيب، ولكنهم اجتهدوا في تضخيم الزلات، وتلبيسها طابع الجرم المشهود، ونفخوا في رمادها حتى اشتعل، ثم صبوا الزيت على النار، ليصنعوا من الهفوات العابرة جناية مكتملة الأركان.

لم يتركوا سبيلاً إلا سلكوه، ولا مكيدة إلا نصبوها. جمعوا الأكاذيب، واختلقوا الروايات، وحاكوا القصص والأقاويل بمكر وحيلة قل نظيرها، حتى وجدت نفسي، فجأة، أقف على شفا الهاوية، أرقب السقوط الوشيك إلى مصير مظلم لم أرتكبه ولم أختره.

لولا لطف الله الخفي، ولولا أن سخر لي في اللحظات الحرجة رجالاً من أصحاب الحكمة، وأهل البصيرة، العارفين بعلوم القانون وخبايا الجريمة وأساليب المجرمين، لكان مكاني اليوم وراء القضبان. لكن مشيئة الله أرادت غير ذلك، فانقلب السحر على الساحر، ووجد الذين دبّروا المكايد أنفسهم في مواجهة عدالة الأرض قبل عدالة السماء.

وبعد أن نجاني الله، وانكشفت خيوط المؤامرة، وأُودع المتآمرون السجن بما اقترفته أيديهم، لم تمحُ النجاة ما خلفته تلك المحنة في نفسي من أثر بالغ. فقد تركت في قلبي جرحاً غائراً، ورعباً دفيناً لا يزال يراودني إلى اليوم، كلما استحضرت تفاصيل تلك اللحظات العصيبة.

سؤال لا يغادر ذهني: لماذا كل هذا الحقد؟ ولماذا هذا الكم الهائل من المكر والدسائس؟ ما الذي كانوا سيجنونه لو أن خطتهم الدنيئة نجحت، وزُج بي ظلماً في غياهب السجون؟

كيف غاب عن قلوبهم أن وراء هذا الإنسان البريء عائلة بأكملها، زوجةً وأبناءً وأماً وأباً، ينتظرونه كل مساء، يرون فيه سندهم وأملهم؟

أي مكسب هذا الذي كانوا سيربحونه لو دمروا إنسانًا وأسرة بكاملها؟ وأنا الذي لم أسعَ يوماً لإيذائهم، ولا لتتبع عوراتهم، ولا تربصت يوماً بزلاتهم، بل كنت على الدوام مشغولاً بنفسي وطموحي، ساعياً في طريقي بما قدرني الله عليه من جهد وصدق.

لقد كانت محنة ثقيلة الوطأة، لكنها علمتني دروساً لا تقدر بثمن. علمتني أن الشر قد يظفر جولة، لكنه لا يربح الحرب. وأن الله لا يخذل مظلوماً ولا يترك حقاً يضيع.

وها أنا اليوم أكثر وعياً، أشد صلابة، وأعمق إيماناً بأن من توكل على الله كفاه، وأن المحن مهما اشتدت، إنما تربي القلوب وتكشف معادن الرجال.

وفي النهاية، لا يبقى في القلب إلا الحمد والشكر، على لطف الله وستره، وعلى عدله الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، وصدق الله العظيم إذ قال:

“إن الله يدافع عن الذين آمنوا.”

مشاركة