شهد المعرض الدولي للكتاب والنشر بالرباط محطة هامة من محطات التفاعل بين القضاء والثقافة، تمثلت في مشاركة الأستاذ عبد المجيد شفيق، رئيس المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، الذي قدم مداخلة وازنة أضاءت على مسار القضاء الإداري بالمغرب، مركزاً على تجربة المحكمة الإدارية كأنموذج للنجاعة القضائية والتدبير المحكم.

وقد استهل الأستاذ شفيق مداخلته بالتذكير بأهمية الخطاب الملكي التاريخي الذي ألقاه جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه في ماي 1990، والذي اعتُبر لحظة تأسيسية لميلاد المحاكم الإدارية بالمغرب، حيث دعا فيه إلى إرساء قضاء إداري مستقل يضمن مراقبة مشروعية القرارات الإدارية ويكرّس مبدأ سيادة القانون. هذا الخطاب، كما أكد الأستاذ شفيق، لا يزال يُشكل مرجعية دستورية وأخلاقية في بناء عدالة إدارية قائمة على حماية الحقوق وصون المكتسبات.

وفي هذا السياق، سلط رئيس المحكمة الإدارية الضوء على مختلف المؤشرات الرقمية والإحصائية التي تعكس النجاعة القضائية للمحكمة الإدارية بالدار البيضاء، مشيراً إلى تحقيق مؤشرات إيجابية في احترام الآجال الاسترشادية للبت في الملفات، والتقدم الكبير في رقمنة الإجراءات القضائية، وكذا تطوير آليات التنفيذ التي أصبحت أكثر فعالية وسرعة، مما يعزز ثقة المتقاضين في المؤسسة القضائية.

كما أبرز الأستاذ شفيق أن الحكامة القضائية ليست مجرد شعار، بل هي منظومة متكاملة من القواعد التنظيمية والإجرائية التي تُدار بها المحاكم لضبط التوجهات الكبرى للقوانين المؤطرة للمهن القضائية، مبرزاً أن النجاعة القضائية لا تتحقق فقط بتوفير الموارد، بل بحسن تدبيرها وفق معايير الفعالية والاقتصاد من أجل تحقيق نتائج ملموسة لفائدة المواطن والمتقاضي على حد سواء.
وأضاف المتدخل أن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء تبنت، في إطار هذا التوجه، منهجية عمل تستند على الاستغلال الأمثل للإمكانات التقنية والرقمية، وتطوير الكفاءات الإدارية والقضائية، مما جعلها تُصنّف ضمن المحاكم النموذجية على المستوى الوطني، سواء من حيث تدبير القضايا أو من حيث جودة الأحكام وسرعة البت.

وقد تفاعل الحضور بشكل إيجابي مع العرض الذي قُدّم، والذي لم يقتصر فقط على الأبعاد التقنية والقانونية، بل حمل أيضاً بعداً تواصلياً يقرّب المؤسسة القضائية من محيطها الثقافي والاجتماعي، في انسجام تام مع فلسفة المعرض الدولي للكتاب كفضاء للحوار والانفتاح.
وتأتي هذه المشاركة لتعزز مكانة المحكمة الإدارية كفاعل مؤسساتي منخرط في التحولات التي تعرفها منظومة العدالة، ولتؤكد أن القضاء الإداري بالمغرب يسير بخطى واثقة نحو ترسيخ الأمن القانوني وتحقيق النجاعة خدمة للمتقاضين والمصلحة العامة.