فدرالية رابطة حقوق النساء تقدم بالرباط مذكرتها حول مشاريع إصلاح القوانين الجنائية “من أجل منظومة جنائية تقضي على التمييز والعنف ضد النساء وتؤصل مقاربة النوع الاجتماعي”

نشر في: آخر تحديث:


قدمت فدرالية رابطة حقوق النساء صبيحة يوم الجمعة 19 يوليوز 2019 مذكرتها حول مشروع تعديل القانون الجنائي ومسودة قانون المسطرة الجنائية.
وقالت لطيفة بوشوى رئيسة الفدرالية أن الأمر لا يتعلق بمراجعة شاملة وجذرية للقانون الجنائي في شقيه الموضوعي والاجرائي، وانما مجرد تعديل جزئي لمقتضيات متفرقة من هذا القانون، لا يربط بينها أي سياق منطقي، وهو ما يبرز في هيمنة الطابع الانتقائي للمشروع، وخلوه من أي ديباجة.


وأضافت أن المشروع لم يتمكن من اختراق البنية المفاهيمية للقانون الجنائي الحالي، حيث حافظ على تكريس نفس الفلسفة الجنائية القائمة على التمييز والذكورية المنافية لالتزامات المغرب الدولية بشان حماية الحقوق الإنسانية للنساء سواء على مستوى المقتضيات الموضوعية أو الإجرائية. وأبقى على نفس الإطار المرجعي في شقه الإيديولوجي والثقافي والقانوني مع اعتماد نفس البنية للقانون الجنائي الحالي المحكوم بالهاجس الأمني التي تعتبر النظام العام أولوية على حساب حقوق المواطنين والمواطنات وحرياتهم الفردية والجماعية وتشرع بخلفية تراعي المفهوم التقليدي للأخلاق والأسرة والمجتمع على حساب المرأة الفرد وحقوقها وحرياتها. وهو ما يبرز أيضا على مستوى استمرار نفس التبويب المنتقد : بإدراج جريمة الاغتصاب وهتك العرض ضمن الجرائم المتعلقة بانتهاك الآداب والأخلاق العامة، وإدراج جريمة التمييز بسبب الجنس ضمن جرائم “الاستغلال الجنسي وإفساد الشباب”، والاستمرار في معالجة جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي ضمن جرائم العنف بصفة عامة، وليس باعتبارها جرائم تستهدف الحقوق الانسانية للمرأة، وإغفال تخصيص تبويب مستقل لجرائم النوع مما يعني الاستمرار في تغييب مقاربة النوع الاجتماعي بمختلف تجلياتها على مستوى مشروع القانون الجديد.


وقدم أنس سعدون دكتور في الحقوق قراءة في مضامين المذكرة، حيث توقف عند المقتضيات المتعلقة بتجريم الرشوة معتبرا أنها لم تستجب لمطلب تجريم الرشوة الجنسية، كما لم تنص على مفهوم الفائدة أو المزية غير المستحقة كعبارة تستوعب مختلف الفوائد أو المزايا المادية أو غير المادية التي قد يحصل عليها أو يطلبها الموظف للقيام بعمل أو الامتناع عنه.
وبخصوص العقوبات البديلة قال أنس سعدون أن المقتضيات الجديدة الواردة في المشروع ورغم أهميتها الا أنها “جاءت محدودة حيث لم تتضمن التنصيص على آلية الوضع تحت المراقبة الالكترونية كاجراء يمكن استعماله في جرائم العنف ضد النساء”.
في نفس السياق تطرق أنس سعدون لعدة مقترحات تضمنتها مذكرة الفدرالية بخصوص مسودة قانون المسطرة الجنائية، ومن أهمها :
-التنصيص على أن المسؤولية الرئيسية في مباشرة الدعاوى العمومية في قضايا العنف القائم على أساس النوع يقع على عاتق السلطات المكلفة بانفاذ القانون؛ وليس على المرأة التي تعرضت للعنف، واعتبار المتابعة تتم بشكل تلقائي بغض النظر عن رغبة الضحية لتجنيبها مختلف الضغوطات التي تتعرض من طرف محيطها لحملها على التنازل؛
-تخويل ضحايا العنف القائم على اساس النوع فرصة الادلاء بشهادتهم دون تحميلهم عبء المواجهة مع المشتبه فيهم، واتاحة تدابير تكفل الادلاء بالشهادة مع حماية الحياة الخاصة؛
-إدراج مقتضى يقضي بإلزامية التحقيق في جرائم العنف ضد المرأة، ومن شأن ذلك تعميق الأبحاث القضائية، وإمكانية استعانة قاضي التحقيق بالمراقبة القضائية في هذا النوع من القضايا.
تمديد نطاق قانون حماية الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين، ليشمل جرائم العنف ضد النساء.


-إدراج مقتضى يقضي بتمتيع الضحايا والناجيات من العنف بالمساعدة القضائية بقوة القانون، بما في ذلك الحق في تنصيب محامي ومجانية مصاريف الدعوى والتي تشمل نفقات التبليغ والخبرات التي تأمر بها المحكمة.
-إحداث صندوق ائتماني لصرف معونات ومساعدات مالية للضحايا والناجيات من العنف اللواتي لا يتوفرن على دخل قار ويوجدن في وضعية صعبة.
-التنصيص على مقتضى يلزم الشرطة بضرورة إشعار الضحايا/الناجيات من العنف بحقوقهن بما فيها الحق في الحصول على محام.
من جهته تطرق الناشط الحقوقي علي عمار الى المؤيدات الدستورية والدولية للمذكرة وعلى رأسها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سيداو، فضلا عن الملاحظات والتعليقات الختامية والتوصيات ذات الصلة بمكافحة العنف ضد النساء الموجهة إلى المغرب من طرف اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة، اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، لجنة مناهضة التعذيب، لجنة حقوق الطفل، اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مجموعة العمل حول التمييز ضد المرأة في التشريع والممارسة، وكذا التوصيات الموجهة في إطار الاستعراض الدوري الشامل.


و تحدث علي عمار، عن أهمية التربية على حقوق الإنسان، ومناديا بضرورة وضع برامج تعليمية تتضمن مبادئ حقوق الإنسان والتربية عليها منذ الصغر “كمبادئ لا يمكن التراجع عنها”.
وقال عمار إنه “حينما لا تقوم الآليات الزجرية بمهامها يتم التمادي”؛ وهو ما يؤدي إلى “تعثر النتائج المتوخاة في التعاطي معها”.
وقالت فتيحة شتاتو رئيسة شبكة انجاد أن منهجية اعداد المشروع لم تحترم المقاربة التشاركية، حيث انفردت الحكومة بوصفها صاحبة المبادرة بالقرار التشريعي من خلال استئثارها باختيار المواضيع التي شملتها المراجعة، اذ ركزت على مواضيع معينة، وأقصت مواضيع أخرى رغم راهنيتها في أجندا الحركة الحقوقية النسائية، وأبعدت عملية اعداد مشروع هذا القانون من دائرة النقاش العمومي، كما تم التنكر لمطالب الحركة الحقوقية النسائية المعبر عنها في مناسبات سابقة، وهي ذات الممارسة التي تم نهجها عند اعداد مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية.
أشغال اللقاء عرف مشاركة الرئيسة الشرفية للفدرالية المناضلة فوزية العسولي والتي قالت إن “القانون الجنائي، الذي يعود إلى عام 1962، تم وضعه في ظروف تختلف اختلافا تاما عن مغرب اليوم إلا أن المشرع لا يزال يتشبث به ولا يقوم سوى بترقيعه”.


وتابعت المتحدثة قائلة: “اختياراتنا يجب أن تكون واضحة؛ فهدفنا ليس التجريم أو العقوبات، ولكن وضع حد لسلوكات وتغييرها… سلوك ينظر إلى المرأة على أنها بضاعة، سواء في البيت أو في الشارع”. وفي هذا السياق تطرقت فوزية العسولي الى فحوص العذرية التي ما تزال موجودة على نطاق واسع بالمغرب، ورغم أن القانون لا ينظمها، إلا أنه لا يحظرها، مما يجعلها منتشرة بحكم بعض العادات والتقاليد والذهنيات”، وأضافت أن “فدرالية رابطة حقوق النساء استمعت لشهادات صادمة لنساء أجريت لهم فحوص العذرية، بناء على طلب أفراد الأسرة، وأن هذه الممارسات التي لا يمنعها القانون، تشكل انتهاكا لكرامة النساء ولحرمة أجسادهن، ولحقهن في احترام خصوصيتهن، وهي انتهاكات تبقى راسخة في أذهانهن ولا يستطعن أبدا نسيانها، حيث تسبب ألما ومعاناة كبيرين من الناحية الجسدية والمعنوية، كما تشكل انتهاكا لاخلاقيات المهنة حينما تمارس من قبل مهنيين، وقد تشكل بدورها اعتداء جنسيا حينما ترتكب قسرا، كما قد يرقى هذا الفعل لدرجة تعذيب أو معاملة قاسية أو لاانسانية أو مهينة حينما ترتكب قسرا”.
واعتبرت فوزية العسولي أن مراجعة القانون الجنائي فرصة لحظر فحوص العذرية ومنعها بنص واضح في القانون، لأنها تشكل عنفا يمارس ضد الفتيات وضد النساء وآن الأوان لوضع حد لهذه الممارسة التي يطبع معها المجتمع وتتغاضى عنها الأجهزة المكلفة بانفاذ القانون.

اقرأ أيضاً: