عمل الأستاذ عبد المجيد شفيق، رئيس المحكمة الإدارية بالبيضاء، منذ تعيينه، على البحث عن السبل الكفيلة بإنهاء نزاع اجتماعي في الأصل، عمر طويلا، ولم تستطع مساطر التقاضي إنهاءه، إذ اختار أن ينكب شخصيا، وتحت إشراف وتتبع من الرئيس المنتدب للسلطة القضائية، على وضع الإطار الملائم لتقريب الطرفين من حل متوافق عليه وذلك بعدما احتضن مكتبه جلسة صلح جمعت محامين وممثلين لـ 1200 من متقاعدي وأرامل شركة التبغ، ومسؤولي الشركة، لإنهاء مسلسل محنة المعاشات، الذي عمر 20 سنة بالمحاكم، بين القضاء الاجتماعي والإداري والنقض، وعلق طيلة المدة حقوقا مكتسبة للعمال، منذ 2004.
وبوشرت، لهذا الغرض، اتصالات بالمدير العام للشركة، وممثلي المتقاعدين، تكللت باشتغال فريق متكامل على الملف، وبمشاركة قاضي التنفيذ ورئيس كتابة الضبط، ليتم وضع اللمسات الأخيرة على بروتوكول الاتفاق، بعد تزكيته من الشركة الأم الموجودة في بريطانيا، والذي بمقتضاه ستضخ الشركة 150 مليارا، ما يمكن المتقاعدين وأراملهم من استعادة المبالغ المقتطعة من المعاشات، والتي كانت سببا في احتقان كبير واحتجاجات. وهو الاتفاق الموقع بمكتب الرئيس في فاتح نونبر الجاري.
ونجمت مشكلة متقاعدي شركة التبغ، بعد بيع الدولة لـ «ريجي طابا” في 2003، إذ نظمت الشركة عملية المغادرة الطوعية سنة واحدة فقط، وانطلقت العملية في مرحلة أولى في 2004 تحت ضمانات ووعود الشركة والمؤسسات الوصية بالحفاظ على كل مكتسبات المتقاعدين، بعد مغادرتهم الشركة، وعرفت إقبالا من قبل الأجراء، أطرا وموظفين ومستخدمين وعمالا، إلا أنه بعد شهور من مغادرة المتقاعدين الشركة، تبين لهم أن اقتطاع نسبة 24 في المائة من راتب المعاش، كان نتيجة عدم توصل النظام الجماعي بكلفة التخفيض، الذي طبق الفصل 33 من الظهير المنظم للنظام الجماعي (عدد 1-93-272 الصادر بتاريخ 10 شتنبر1993 كما تم تعديله وتتميمه)، واقتطاع نسبة 24% من راتب المعاش المكتسب، كما حددها الفصل المذكور من الظهير المشار إليه.
رغم أن كلفة التخفض هي وديعة مالية وضعت رهن إشارة الشركة قصد تحويلها إلى صندوق «النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد» لتلافي تخفيض 24في المائة من المعاش المكتسب، وتسهيل المغادرة الطوعية.
بعد ذلك، لجأ المتضررون إلى المحكمة الاجتماعية العادية بالبيضاء حيث قضوا سبع سنوات للحصول على حكم نهائي، إلا أن محكمة النقض خيبت آمالهم بعد إصدارها قرارا قضى بالنقض بدون إحالة، ما زاد من محنة المتقاعدين، ليلجؤوا إلى المحكمة الإدارية الابتدائية بالبيضاء، ابتداء من 2017، وبعد أقل من سنة، صدر حكم قطعي قضى بتسوية معاشات المتقاعدين، وأداء الشركة المغربية للتبغ كلفة التخفيض المحددة في 24 في المائة، تم تأييده استئنافيا، لكنه ظل قرارا أخرس بعد
امتناع الشركة عن تنفيذه ووضع صعوبات أمامه، ضمنها أن أداءها كلفة التخفيض سيسبب لها صعوبات تترتب عنها أضرار معيقة لنشاطها الاستثماري.