الرئيسية غير مصنف عبد الله بوجيدة… خمسون عامًا من القضاء والوفاء للوطن

عبد الله بوجيدة… خمسون عامًا من القضاء والوفاء للوطن

ac8d8871 3c53 4a26 b422 51b45b770eb1
كتبه كتب في 16 يونيو، 2025 - 12:07 صباحًا

بقلم عزيز بنحريميدة

عندما يُذكر اسم عبد الله بوجيدة، الرئيس السابق للمحكمة المدنية بالدار البيضاء، يُذكر رجل من طينة نادرة، رجل صنع لنفسه سيرة استثنائية في سجل العدالة المغربية، امتدت لأكثر من نصف قرن من البذل والعطاء، تميز خلالها بحكمة القاضي، وإنسانية الأب، وبساطة الموظف، ومرونة رجل الدولة.

مسيرته الطويلة التي انطلقت سنة 1974 من محكمة الجديدة، قبل أن ينتقل إلى الدار البيضاء، ثم إلى خريبكة، ويعود بعد ذلك إلى العاصمة الاقتصادية، لم تكن مجرد تنقلات وظيفية، بل كانت محطات مشرقة في مسار رجل آمن بأن القضاء رسالة قبل أن يكون سلطة، وأن العدالة لا تستقيم إلا بالتجرد، والإنصاف، والتواضع.

وقد تجلى هذا الوفاء للمهنة في حفل تكريمه سنة 2015، والذي شكل لحظة إجماع نادر من مختلف مكونات العدالة، بداية من وزير العدل وصولًا إلى أبسط موظف بالمحكمة. الكل أثنى على خصال الرجل، على دماثة أخلاقه، على صلابته في الحق، وعلى سعيه الدائم إلى مد جسور التفاهم والتنسيق بين القضاة والمحامين والموظفين والمتقاضين على حد سواء.

كان الأستاذ السي عبد الله، كما يحلو للجميع مناداته، نموذجًا للرئيس الذي يزاوج بين الحكامة والتواصل، وبين الصرامة الإدارية والرحمة الإنسانية. لم يكن مجرد رئيس محكمة، بل كان سندًا لمن عملوا إلى جانبه، وداعمًا لمن احتلطت عليهم المساطر، ومرجعًا لمن احتاج إلى حكمة وخبرة رجل عركته السنين.

خلال ولايتيه كعضو بالمجلس الأعلى للقضاء، لم يكن صوته إلا صوت المهنية العالية والغيرة على سمعة القضاء المغربي، وكان له الفضل الكبير في توحيد محاكم الدار البيضاء، وتحويل المحكمة الابتدائية في عهده إلى نموذج وطني يحتذى به، ليس فقط على مستوى التنظيم القضائي، ولكن أيضًا على مستوى تسهيل الإجراءات والمساطر، خصوصًا في ملفات التنفيذ، التي عُرفت بتعقيداتها.

وفي لحظة وداعه الرسمي للجسم القضائي، تزامن حفل تكريم عبد الله بوجيدة مع حدث إعلامي بارز، تمثّل في انطلاقة جريدة صوت العدالة، التي كان أولى مواضيعها توثيق هذا الحدث البهيج بكافة تفاصيله. فقد خلّدت الجريدة، بالصوت والصورة، أجمل اللحظات واللحظات المؤثرة التي طبعت الحفل، ونقلت بكثير من الوفاء كلمات المتدخلين في حق الرجل، الذين أجمعوا على أن رحيله عن القضاء ترك فراغًا كبيرًا لا يُسد بسهولة.

اليوم، بعد أن ترجل عبد الله بوجيدة من منصة القضاء، فإنه لا يترجل من ذاكرة رجال العدالة ولا من وجدان من عرفوه، لأن الفراغ الذي تركه لا يُملأ بسهولة، ولأن بصمته ستظل راسخة في ذاكرة المرفق القضائي، في أروقة المحكمة، وفي قلوب كل من اشتغل تحت رئاسته أو تعامل معه ذات يوم.

إنه باختصار، أيقونة من أيقونات القضاء المغربي الحديث، ورجل جمع المجد المهني والأخلاقي في مسار قلّ نظيره.

مشاركة