صوت العدالة
رسالة المحامي لها عنوان عريض، انت في نظري انسان بريء .. رسالة مضمونها الدفاع عن موكل خدلته الظروف والأيام، فساقته الى ردهات المحاكم لينتزع حقه، او يطالب بالتخفيف لما اقترفت يداه في حق الأنام .وقوف المحامي الى جوار المتهم.. بريئا كان او مدان.. هو تصريح ضمني بأن المتهم في الاصل بريء ما لم تثبت ادانته، فلا دلائل بينة على جرم مشهود..ولا عود لارتكاب خطأ معهود.. فالمحامي بكل بساطة يتخذ الاعذار للانسان قدر الامكان ، فمن يدافع عنه بعد ان هجره المجتمع بأسره ، وتنكرت له الاطراف من قرابة اوصحبة .. أو في احسن الظروف واسته لكنها لا تملك لها ضرا ولا نفعا، فالمتهم آنذاك تشمت به كل الخصوم و الأعداء ، فهو الآن في دائرة لعنة الناس أجمعين.
من يقف امامه ليحمل عنه صخب الإعلام؟!! ،من يداري وبجرأة ما تكتبه المأجورة من الاقلام. طبعا انه الرجل النبيل ذو الموقف الاصيل.. رغم ما لحق دوره من احكام المجتمع الذي تأثر بمبدأ التعميم.. اذ لم يعد قادرا على التفريق بين هذا وذاك .. المحامي يا سادة، فصيح الكلام بليغ ..إذ لا يطلق العنان لشفتيه إلا بعد ان يفهم القصد والمرمى، لا يترك مجالا للتأويل، دقيق في ايصال المعنى، فهو يدرك ان المحاكم لا تقبل الثرثرة في الحديث والاسهاب.. فإما ان يكشف النقاب بدلائل وقرائن، وحجج دامغة.. ما دون ذلك فالقضية كلها مركونة في المرآب، انها المهنة التي لا يتقنها الا الرجل النبيل.. المحاماة.
المجتمع في كثير من الاحيان يخطئ، فيعتقد ببداهة، أن كفاءة المحامي و مؤهلاته تكمن في تحصيل شهادة في الحقوق ، صراحة كم هو امر مؤسف .. وكم هو من الاجحاف ان ترى التقزيم يطال نبل المهنة ومصداقيتها.. صناعة المحامي، تنتج من مدى إلمامه بمختلف المجالات ، القانون والاقتصاد والاداب والفلسفة، انه بذلك يؤكد وجوده داخل رقعة التدافع لإحقاق الحق وإبطال الباطل.. فقد يجد نفسه في لحظة امام قضية مدنية اوتجارية اوجنائية اوسياسية اوإدارية، فماذا لو صار امام قضية تقتضي معرفة عميقة بالسوق .. اكراهاته ومشاكله.. ماذا لو وقف امام ملف لا حل له مالم يكن عميق الفهم بالفن، مدركا لمعاني الجمال.. المحامي في هذه الحالة يقف موقف العاجز.. والتاريخ يسجل المواقف.
فبعد القضاء .. تأتي المحاماة، لتكون المهنة الشاقة وظيفيا واجتماعيا ونفسيا.. فالمحامي يستهلك جل طاقته في دراسة الملفات بدقائق امورها، خطوة بخطوة .. مسجلا الهفوات .. ومتتبعا العثرات. امر شاق لا يكاد يدع لم حيزا زمنيا للراحة والنعيم بالهدوء والسكينة.. مرافعة آنية في المحكمة طلبا للتأجيل .. وبعد التأجيل يبدأ العمل المتواصل بحثا عن كسب القضية وضمان موطئ قدم لموكله الذي وضع كامل ثقته فيه، فعمله ينتهي في الساعات الاخيرة من الليل ليبدأ في الساعات الاولى من الصباح التالي ..في أداء الواجب المهني يتداخل احيانا مع ماهو اجتماعي .. حيث يظل المحامي مترافعا أمام مختلف المحاكم ، و متنقلاً بين محكمة وأخرى.. يلج قاعة فيخرج منها ليلج اخرى.. انها مهنة الارهاق .
غالبا ما يحترق المحامي لينير درب الاخرين ..ومع ذلك فحقيقة المجتمع مؤلمةجدا.. فالكل يقابل ما يقدمه هذا الرجل بنوع من الجفاء ونكران الجميل .. متناسين أن ما قدمه لهم، عجزت عن تقديمه اطراف كانت اقرب اليهم منزلة ودما.. فخدماته وان تحصل على اتعابها فهي غالبا ما تكون على حساب راحته وصحته وأعصابه، وأحيانًا يدفع المحامي ثمنًا لتلك الحرية ..وذلك الجاه صحته وحياته نفسها في سن مبكر..فوق هذا وذاك فهو المسؤول أمام الضمير عن أداء واجبه على الوجه الأكمل .. المحاماة يا سيدي تكليف قبل ان يكون تشريف..