رجال الأمن الوطني في الواجهة، رواتب هزيلة و أوضاع مزرية و رصاصات صديقة تقتل.

نشر في: آخر تحديث:

ليست المرة الأولى التي نستفيق فيها على أخبار صادمة أبطالها رجال أمن فقدوا كل أسباب الحوار و التعبير و أخرجوا رصاصاتهم إما لوضع حد لحياتهم أو لتوجيه فوهات المسدسات لرفاقهم.
و بين هذه الحوادث التي تتكرر في الزمان و المكان، لا أحد قلب الصفحة من أجل معرفة دواعي هذه التصرفات الصادرة عن “رجال” مهنتهم الأولى و الأخيرة هي محاربة الجريمة و استثباب الأمن في حين أنهم يتحولون إلى أبطال وقائع يقتلون “بضم الياي” أو يقتلون “بفتح الياء”.
و في ظل الأحداث الاجتماعية التي ترافق احتجاجات المدمجين في إطار الوظيفة العمومية، لا أحد راجع الصفحة و استشاط غضبا من عدم إدماج رجال القوة العمومية بمختلف أنواعها في سلم الزيادات في الأجور و المساعدات الاجتماعية و تقديم التسهيلات مع ما يرافق ذلك من امتيازات و تعويضات، علما أن أوقات عمل رجال القوة العمومية و خاصة رجال الأمن تفوق بكثير أوقات و ساعات عمل باقي الموظفين العموميين ؟.
هكذا إذا صرنا أمام فئة من موظفي الدولة، ليس من حقهم الاحتجاج في إطار سلمي أو التعبير عن الغضب أو التلويح بملفاتهم المطلبية العادلة و المشروعة، إنهم خارج حسابات “وزارة المالية” و خارج أجندة “الحكومات المتعاقبة”، مدانون متهمون، نواجههم ظلما بمعادلة “رجال قمع” ليس إلا.

رواتب هزيلة تدفع إلى الرشوة و مد اليد.

ليس كل رجال الأمن مرتشون، ظالمون، قوة قمع، كما لا زالت تتصور بعض الجهات، إنهم رجال الأمن القومي أولا و الأمن القومي في أبجديات الدول هو الطمأنينة و الأمن و السلامة و الهدوء و ضمان استمرارية المجتمع.
غير أننا للأسف نريد كل هذه المواصفات من رجال يعانون التهميش، و يعيشون على التيئيس، و برواتب هزيلة و بساعات عمل تفوق أحيانا 16 ساعة عمل على 24 ساعة عمل، و لا فرق بين أن تكون ساعات ليلية أو بالنهار.

أيعقل أن يشتغل رجل أمن براتب لا يتجاوز 4900 درهم شهريا بمدن كالرباط و الدارالبيضاء و مراكش و وجدة و غيرها من المدن المغربية التي تعرف إرتفاعا مهولا في العقار “الكراء” و يتطلب ذلك تنقلا و ضمان حد أدنى من ظروف العيش لأسرته الكبيرة و الصغيرة.
الرواتب الهزيلة و ظروف العيش القاهرة و الارتفاع المهول لمتطلبات الحياة كلها تدفع أحيانا رجال الأمن إلى مد اليد و التغاضي عن خرق القانون و أحيانا الانخراط مع مافيا التهريب و المخدرات.
علما كذلك أن الزيادة الأخيرة التي شملت موظفي إدارة الأمن الوطني هي عبارة عن تعويضات و ليست زيادة في قاعدة الراتب الشهري.

إن الوظيفة التي يقوم بها رجال الأمن مقارنة مع وظائف أخرى تتطلب الرفع في أجورهم مع ما يتطلب ذلك من تعويضات حقيقية عن ساعات العمل الليلي و توفير ظروف أحسن و سن تعويضات عن حوادث الشغل و التأمين عن المخاطر التي تواجه رجال الأمن و هم يقومون بواجبهم.
إنها مطالب من صلب احترام مواطنتهم و دورهم و مساهماتهم في الحفاظ على الأمن القومي الوطني.

أوضاع مزرية و غياب كلي لوسائل الإشتغال.
الحديث عن ظروف اشتغال رجال الأمن هو حديث عن العدم، و هذا ما يلاحظه كل العارفين و الملمين بظروف اشتغال هذه الفئة من القوة العمومية.

و الملاحظ أن بعض الإدارات المغربية تتوفر على الكثير من وسائل الاشتغال من سيارات الخدمة إلى الهواتف الثابتة و المتنقلة، بالإضافة إلى التعويضات السمينة علما أن مردوديتها و طبيعة عملها لا تتطلب كل هذه الامتيازات مقارنة مع عمل رجال القوة العمومية و خاصة رجال الأمن الوطني.
هذا و يقوم رجال الأمن الوطني المغربي، بأداء مهامهم في غياب وسائل الاشتغال حيث يتطلب منهم أحيانا صرف أموال من راتبهم الشهري الهزيل للتنقل أمام قلة سيارات الخدمة، أو استعمال هواتفهم الخاصة للإتصال فيما بينهم، و هذا ما يؤثر في نفسيتهم، حيث أنهم مطالبين بإنجاز مهامهم دون أي احتجاج أو طلب وسائل الإشتغال.
و من الأرجح أن تتدخل الكثير من المصالح و الأقسام و المؤسسات لتقديم مزيد من الدعم و توفير وسائل الإشتغال إما عن طريق شراكات أو عبر هبات لتسهيل مهام رجال الأمن الوطني و رفع الحيف عنهم.
في أفق سن سياسة أمنية بديلة.
لا يخفى على أحد المجهودات المبذولة في مجال مكافحة الجريمة من قبل المديرية العامة للأمن الوطني منذ تعيين بوشعيب الرميلي وذلك عبر سن إستراتيجية أمنية محكمة يعمل على تنزيلها مجموعة من الأطر الأمنية في مختلف جهات المملكة ، هذا ناهيك عن تحسين صورة الشرطة لدى المواطنين وذاك عبر التواصل المستمر مع جميع الفعاليات المدنية، لذلك فالمجهودات المبذولة في مجال مكافحة الجريمة يجب أن يقابلها إهتمام بالأوضاع الإجتماعية لرجال الامن الوطني و سن سياسة أمنية بديلة تقوم على أساس إحترام وظيفة رجل الامن، و تغيير نظرة المجتمع إليه و ذلك بدفع المجتمع المدني إلى تنصيب نفسه محامي لهذه الفئة التي تعيش أوضاعا غير مريحة .
أولا: إعادة النظر في رواتب أسرة الأمن الوطني.
في ظل الارتفاع المهول للأسعار و ما يرافقه من تنوع حاجيات الحياة و تطورها، و أمام جمود رواتب رجال القوة العمومية و خاصة رجال الأمن الوطني بات من الضروري العمل على إعادة النظر في الرواتب الشهرية لرجال الأمن تتماشى و ظروف العيش و متطلباته.
فالزيادة الأخيرة التي تحدثنا عنها سابقا لا تعدو أن تكون زيادة بمثابة تعويض لا علاقة له بقاعدة الراتب، فرجل الأمن المتقاعد لن يستفيد منها و بالتالي تهدد حياته ما بعد التقاعد.

فليس من المنطقي في شيئ أن يبقى راتب موظف دولة يشتغل أكثر من 16 ساعة في اليوم و لا يستفيد من العطلة الأسبوعية و يواجه مشاكل عديدة أن لا يتجاوز راتبه الشهري 5000 آلاف درهم. الشيء الذي يدفع غالبيتهم إلى قروض الإستهلاك من أجل توفير حاجياتهم.

إنها مأساة حقيقية لأسرة لا تتوفر على أدنى شروط الحياة.

ثانيا: أعمال إجتماعية كفيلة بالنهوض بأوضاعهم.
الإسراع بإخراج مؤسسة الاعمال الإجتماعية لرجال الأمن الوطني و توفير كل شروط النجاح و ذلك بتسهيل عمليات الولوج إلى القروض من أجل توفير سكن لائق و محترم بإدارة الأمن الوطني و ذلك بالتقليص من فائدة القرض، و كيف يعقل لمؤسسة الاعمال الإجتماعية مثلا لأسرة التعليم أو موظفي بعض الإدارة و الوزارات و التي يتقاضى أغلبها رواتب محترمة أن تكون فائدة القرض لا تتجاوز 2 بالمائة.

إن إدارة الأمن مطالبة بعقد شراكات مع شركة العمران على غرار باقي مؤسسات الدولة، من أجل تسهيل عملية إقتناء بقع أرضية لجميع أفراد أسرة الأمن الوطني ممن لا يتوفرون على سكن لائق يضمن كرامة رجل الأمن و يعفيه من بقاءه بدور الكراء، ضمانا لحياة أفضل لأسرته.

ثالثا: في الحاجة إلى فرق أمنية خاصة للمراقبة.
هناك أمر هام وجب إثارته ويتعلق بولوج بعض رجال الأمن إلى عوامل غريبة من قبيل التعاطي للخمور أو لعب القمار، وليس بسبب ظروف العمل والضغط المهني لأن بعضهم يندمج طواعية في عوالم الفساد و القمار مما يأثر على إستقرارهم العائلي والنفسي علما أن بعضهم كذلك ينخرط في حياة من الصعب توفير مستلزماتها.
و من المفترض أن تعمل المديرية العامة للأمن الوطني على سن رقابة على موظفيها ليس بنية الجزر أو المحاسبة و لكن بنية تقويم سلوك رجل الأمن و تقديم النصح و الاستماع إليه، إنها سياسة القرب و الإنصات لحل كل المشاكل.
فرق أمنية خاصة نزيهة و شفافة وحدها الكفيلة بتتبع رجال الأمن، و تجميع معطيات حياتهم الخاصة و العامة، لوضعها تحت مجهر المسؤولين لتفادي كل المظاهر المسيئة لأسرة الأمن كانت تحت طائلة الظروف القاهرة أو بنية إصرار من قبل المعنيين .

اقرأ أيضاً: